لابد من الاعتراف بأن محمود الرحمن رئيس تحرير صحيفة أمارديش اليومية المشهورة في بنغلاديش رجل شجاع، وكتابته كلها واقعية وجرئية ضد الحكومة الحالية التي تشدد بحق المسلمين. وشجاعته طبيعية، لم يعرف في طول حياته خوفاً قط. ولذلك ليس محبوباً من الحكومة الحالية الشديدة بحق الأحزاب المعارضين. وقد قضى وقتاً طويلاً من حياته في السجن في عهد الحكومة الحالية. قبل أيام حصل على إطلاق سراح بعد أن قضى ما يقرب من 5 سنوات داخل السجن. وتم حبسه الاحتياطي لمدة 38 يوماً. رفعت ضده أكثر من 125 قضية من الحكومة. وكانت هذه القضايا بسبب ملاحظاته وتصريحاته التي أدلى بها خلال خطبه في مختلف الأماكن.
قبل شهرين حدثت في بنغلاديش حادثة الحملة البشعة عليه، حيث شنت عليه الهجوم ساتروليغ الحزب الطلابي للحكومة مما أسفر عن جرحه جرحاً بالغاً. وذلك عندما ذهب إلى محكمة كوشتيا التي رُفعت فيها قضية ضده لتأكيد الحضور فيها، حسب ما أفادتنا صحفية "ديلي ماي نيوز" ، بأن محمود الرحمن رئيس تحرير صحيفة أمارديش جُرح بهجوم شنه مسلحون ينتمون إلى ساتروليغ في مدينة كوشتيا. ولم تتبن أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم، كما لم تفصح الشرطة عن مزيد من التفاصيل. ولكن يبدو من الظروف الواقعية من أن هذه الحملة البشعة كانت من ساتروليغ، وكانت الحملة بطريقة بشعة تدل على الحقد والكراهية في أنفسهم بسبب تكلمه على الشيخة حسينة وابنة أخته تِييُوليف صديق.
قبل الهجوم تم احتجازه لأكثر من ثلاث ساعات. لم يستطع الحصول على أي مساعدة من الشرطة بطرق مختلفة. أخيراً لجأ إلى المحكمة لطلب أمنه، فدعت المحكمة الشرطة، وأكدت له الشرطة أنه يستطيع الخروج بسبب كون الطريق آمناً الآن، مع أن الشرطة كانت تعلم أن رجال الحكومة وساتروليغ كانوا يختفون في الطريق وينتظرونه. ولم تكد سيارته تتقدم قليلاً حتى تعرضت للهجوم بالطوب والحجارة والعصي. ولكن الغريب أن الشرطة كانت واقفة بجانب هذه الحادثة المؤلمة، ولم يتخذ أي خطوة سريعة لإنقاذه من الحملة. ثم أصبح فيديو هذا الهجوم فيروسياً في وسائل الإعلام الاجتماعية.
ولكنه بفضل من الله تعالى يقدر على مواجهة الظروف الصعبة، والجرأة على قبول التحديات، والثبات عند الملمات. هناك كثير من وسائل الإعلام ترد على تصريحاته. وإذا كانت الحكومة لا تشعر بالحاجة على تصريحاته فيمكن لها تجاهله. وقد طرح الكثير السؤال على صلاحته الصحفية وعلى كونه رئيس تحرير صحيفة يومية أيضاً، مع أن كثيراً من أصحاب دكاكين البطاطيس صاروا رئيساً للتحرير في بنغلاديش.
الحقيقة أن بعض الناس لديهم نوع خاص من الحساسية مع محمود الرحمن لكونهم يخالفون مع المعتقدات الإيديولوجية والسياسية له. وكان من الممكن لهم أن يتعاملوا معه في هذه الأمور باستخدام وسائل الإعلام؛ لأنه رئيس تحرير صحيفة يومية مشهورة في بنغلاديش. ولكنهم سلكوا طريق الظلم والضرب والسجن. وقد تم إغلاق صحيفته الجريئة التي قام بتحريرها من الحكومة عام 2013. ومئات الصحفيين من هذه المجلة عاطلون عن العمل منذ فترة طويلة.
تم تطبيق كثير من القوانين على محمود الرحمن. وقد عوقب بعواقب كثيرة، ولكن الغريب أن رئيس القضاة السابق الذي هدده وعاقبه بسبب ازدرائه المحكمة اضطر إلى مغادرة البلاد، حيث عاقبه "بالقوة الأساسية للمحكمة" خارج القانون في قضية ازدراء المحكمة لم يستطع العيش في بنغلاديش فضلاً عن أن يكون في منصبه. وذلك عندما تكلم على الحكومة الحالية. وكذلك نحن لا نعرف أحداً من رؤساء التحرير في العالم رفعت ضده هكذا الكثير من الدعاوي. الآن يستمر أكثر من 100 قضية ضده، معظمها خارج دكا. فلابد له أن يسافر إلى مناطق مختلفة كل شهر للحضور في المحكمة.
محمود الرحمن الآن في المستشفى مع إصابات خطيرة. وقد أصيب على الوجه والرأس والرقبة وتحت العينين. وضرب بالطوب تحت العينين مما أدى إلى جرح بالغ. ومن حسن حظه أنه شعر عندما نطح عينه أحدهم بالطوب ودافع عن عينه وإلا كان من الممكن أن تكون العينان قد ضاعتا. وقد أعطى الأطباء في الجانب الأسفل للعين أربع غرز. وهناك ثلاث غرز في مؤخرة الرأس حيث تم ضربه. وعلى جرح الظهر غرزتان. وخلال الهجوم كان عدد كبير من محاكم الشرطة في المبنى؛ لكنهم لم يتقدموا لحمايته. ولم يحاول إبعاد رجال ساتروليغ من الطريق على الرغم من حجبه لساعات. كان لدى الشرطة نوع من الدعم الصامت لمهاجمته، ليس من الصعب فهمه.
ومن الغريب بل أكثر غرابة أن البيان الذي أدلى به وزير الداخلية حول هذا الهجوم هو أنه كان على علم بالفعل بأن محمود الرحمن سيذهب إلى كوشيتيا. وقد اتصل به الأمين العام لحزب بنغلاديش الوطني ميرزا فخر الإسلام عالمغير قائلاً: إن محمود الرحمن سيحضر إلى المحكمة في كوشيتيا وطلب منه أمنه، وكان قد أعطى الشرطة تعليمات حول أمنه. (بروتوم ألو ، 23 يوليو ، 018). ولكن من الواضح جداً أن شرطة كوشتيا لم تلتزم أمر وزير الداخلية. ولم تلعب الشرطة دوراً في طرد الأوغاد من الحزب الحاكم. وقع الحادث في مبنى المحكمة. لم يكن هناك أي اجتماع سياسي، فليس هناك مجال للقول بأن المعارضين السياسيين قد هاجموه. والهجوم على أحد طلب الأمن من المحكمة في مبنى المحكمة ينطوي على الهجوم على المحكمة. وثبت من خلال هذا الاعتداء بأن القضاة أيضاً لايمتلكون أن يأخذوا أي خطوة أمنية تجاه من يذهب إليهم لطلب العدل والإنصاف. ولا يتمكن مراقب الشرطة من توفير الأمن للشعب بعد تلقي توجيه وزير الداخلية والمحكمة. فإن ذلك أمر ليس معقولاً ومفهوماً، حيث إن سيطرة الحكومة على الشرطة أصبحت مؤثرة إلى حد أنها لا تستطيع القيام بعملية الأمن للشعب حراً. الآن تتخذ الشرطة ورابطة ساتروليغ قرارهم بشكل مستقل. رئيس تحرير بارز الذي كان طلب أمنه الأمينُ العام للحزب المعارض من وزير الداخلية؛ لكنه لم يحصل على الأمن. ففهم من هذا أن عامة الناس على وجه العموم الذين لا تتاح لهم فرصة الاتصال بوزير الداخلية، ليس لهم أي أمن على حياتهم وأموالهم.
رفع رئيس ساتروليغ لمحافظة كوشيتيا دعوى ضد محمود الرحمن في ديسمبر الماضي. بعد الهجوم قال: "بما أنني مدعي القضية لذلك احتججت بسلام. ولم يشارك أحد من مؤيدي ساتروليغ في الهجوم". ولكن السؤال هو – تم رفع القضية للمحاكمة، سيعاقب محمود الرحمن بتهمة ارتكاب جرائم جنائية. لكن لماذا يحتاج رئيس ساتروليغ إلى إقامة المظاهرة للاحتجاج؟ ورأينا من خلال عديد من وسائل الإعلام أن الشرطة لاتزال تلعب دور المراقبين الصامتين. في الواقع عملت الشرطة ورابطة ساتروليغ بشكل مشترك للقيام بالهجوم الجسدي عليه. والحزب الحاكم يعطي الدعم الصامت لهذه الأنشطة.
وكذلك للأسف الشديد أن قسماً كبيراً من المثقفين والصحافيين في البلاد الذين يتكلمون في كل أمر في البلاد صمتوا جميعاً بعد الهجوم على محمود الرحمن. وهذا القسم من المثقفين والصحافيين الذين صمتوا اليوم أو دعموا الهجوم العاري على محمود الرحمن، فهم يتحدثون عن سيادة القانون وحماية حقوق الإنسان.
يمكن للحكومة أن تأخذ محمود الرحمن إلى السجن في أي وقت تشاء. لكن لماذا تعرض للهجوم جسدياً؟ في الواقع هذا النوع من الهجمات يعطي رسالة للمعارضين أن اصمتوا أيها المعارضون! وإلا ستكون النتيجة هكذا في حقكم أيضاً.
المصادر من الصحف البنغلاديشة:
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.