في الساعات الأولى من فجر الأربعاء 29 سبتمبر/أيلول 2018، أثارت أصوات الاستغاثة الصادرة من محيط قلاية القس "زينون المحرقي" ذُعر الجميع في دير المحرق بمدينة أسيوط في صعيد مصر.
أحد شهود العيان داخل الدير، والذي رفض الكشف عن نفسه، قال إنه كان في الجانب الآخر من الدير عندما سمع أصوات الصراخ والاستغاثة.
"علمت أن زينون لم يذهب لتسبحة منتصف الليل، فذهب اثنان من الرهبان لإيقاظه، فوجدوه ملقىً على أرض الغرفة"، مضيفاً أنه على الفور تم أخذه بسيارة إلى مستشفى سانت ماريا في مدينة أسيوط القريبة من الدير، لكن لم يصمد زينون وتُوفي قبل الوصول إلى المستشفى بعدة كيلومترات.
وتداولت وسائل إعلام مصرية خبر وفاة (أو انتحار) القس داخل قلايته بدير "المحرق"، بعدما كان نُقل إليه حديثاً قادماً من دير أبو مقار.
القس المتوفى يرتبط بقضية الأنبا أبيفانيوس
خبر مصرع زينون أثار بلبلة داخل الكنيسة المصرية، خصوصاً أنه هو "أب اعتراف" وائل تواضروس، (الراهب أشعياء المقارى سابقاً)، المتهم الرئيسي في جريمة قتل الأنبا أبيفانيوس، أسقف دير أبو مقار.
ليس هذا فحسب، لكن الوفاة جاءت قبل يوم من عقد محكمة جنايات دمنهور بمحافظة البحيرة أولى جلسات المحاكمة الخاصة بمقتل الأنبا أبيفانيوس.
وطالب المستشار ميشيل حليم، محامي الراهب فلتاؤس المقاري، المتهم أيضاً في حادثة القتل، بشهادة 11 شاهداً في القضية أمام المحكمة، وكان من المتوقع بأي حال من الأحوال، أن يمثل زينون أمام المحكمة للإدلاء بما يعرفه عن الواقعة، خصوصاً أنه أب الاعتراف لأشعياء.
لذلك، فمصرعه قبل ليلة المحاكمة أثار علامات استفهام وريبة لدى الكثيرين، ليصبح السؤال: من المستفيد؟ وهل أراد شخص ما إسكات زينون ومنعه من الذهاب للمحاكمة؟ ولماذا؟ حسبما تذكر مصادر كنسية لـ"عربي بوست".
وأعلنت الكنيسة المصرية الأرثوذكسية، الأحد 29 يوليو/تموز 2018، مقتل الأنبا أبيفانيوس، أسقف ورئيس دير القديس مقاريوس بمدينة وادي النطرون شمال مصر، والذي عُثر على جثته داخل الدير.
تصريحات متضاربة من الكنيسة
من جانبها، ارتبكت الكنيسة وتضاربت تصريحاتها؛ ففي البداية صرحت مصادر كنسية مسؤولة لجريدة "اليوم السابع" المصرية، القريبة من السلطة، بأن الراهب لقي حتفه منتحراً.
وأكدت مصادر كنسية للصحيفة انتحار الراهب في "دير المحرق" بأسيوط، مضيفة أن الراهب تم نقله إلى مستشفى سانت ماريا بأسيوط، المملوك رسمياً لـ"دير المحرق".
وقالت الصحيفة إن الراهب كان يتمتع بقبول واحترام في "دير المحرق"، بعد نقله إليه بقرار بابوي، في إطار تنظيم العمل بدير "أبو مقار"، عقب مقتل الأنبا أبيفانيوس، الشهر قبل الماضي (يوليو/تموز 2018)؛ ومن ثم فإن انتحاره كان مفاجئاً لرهبان الدير. وأشار المصدر، وفقاً للصحيفة، إلى أن الأنبا بيجول، رئيس "دير المحرق" بأسيوط، يجري اتصالات بالكاتدرائية؛ لترتيب إجراءات الدفن والصلاة على الراهب المنتقل. وحتى الآن، لم يصدر بيان عن الكنيسة أو الجهات الأمنية حول ملابسات الواقعة.
والرواية لم تكن مقنعة
لكن قصة الانتحار لم تلقَ قبولاً عاماً لدى قطاعات قبطية، فتم العدول عنها، وصدر بيان عن المتحدث الرسمي للكنيسة الأرثوذكسية لم يتحدث عن الانتحار، مكتفياً بعبارة "وتُجري النيابة حالياً تحقيقاتها لمعرفة سبب الوفاة".
يُذكر أن زينون كان من ضمن المجموعة التي تمت ترقيتها لدرجة القسيسيَّة على يد البابا شنودة شخصياً في فبراير/شباط 2010، ومن المحسوبين على فريق "شنودة" المعارض للأنبا أبيفانيوس، وكان من ضمن 6 رهبان تم نقلهم إلى أديرة أخرى كإجراء عقابي بعد وفاة الأنبا أبيفانيوس.
وكانت لجنة شؤون الأديرة والرهبنة في المجمع المقدس أصدرت قراراً بنقل 6 رهبان من دير "أبو مقار" بوادي النطرون، 25 أغسطس/آب 2018، إلى 6 أديرة أخرى، بعد تحقيقات مع عدد من الرهبان، بهدف إعادة ضبط الحياة الرهبانية بعد مقتل الأنبا أبيفانيوس، رئيس الدير.
وكانت اللجنة استمعت إلى 19 راهباً من الدير لمتابعة أعمالهم، وأشرف على التحقيق 4 أساقفة، وتم الاستقرار في نهاية التحقيقات على نقل 6 رهبان من الدير، وهم من أبناء دفعات رهبانية مختلفة، وتختلف أعمارهم، بينهم اثنان في الخمسينيات، واثنان بالأربعينيات، واثنان في الثلاثينيات، وليس من بين هؤلاء سوى اثنين فقط كانوا ضمن رسامة 2010 في عهد البابا شنودة.
والرهبان الستة تم نقلهم إلى أديرة "البراموس والسريان، بوادي النطرون، ومارمينا الكينج مريوط، ودير العذراء المحرق بأسيوط، والملاك بأخميم في سوهاج، ومارمينا المعلق بأبنوب أسيوط".
الراهب المتوفى متهم
ليس هذا فحسب؛ بل إن زينون شخصياً تم اتهامه بشكل شخصي من قِبل مسؤول المطبخ في دير "أبو مقار"، الراهب "برناباس المقارى"، الذي قال في تحقيقات النيابة إنه يشتبه في 4 رهبان، هم زينون وأشعياء وأنطونيوس وصليب، بأنهم هم المحرضون على قتل الأنبا أبيفانيوس!
أحد رهبان "دير المحرق" قال لـ "عربي بوست"، إن زينون كان يجب أن يصمت وللأبد قبل المحاكمة؛ لأنه لو تحدث فلا أحد يعلم إلى أي مدى سيصيب أساقفة مهمين في الكنيسة.
لكن على جانب آخر، بالطبع هناك أصوات أخرى تعارض الفرضيه تلك، مقتنعة بأنها ربما تكون فعلاً حالة انتحار ليس إلا، بحسب ما ذكره أحد الرهبان.