تؤكد الولايات المتحدة علانيةً أنَّها لا تحاول إسقاط نظام إيران الديني وأنَّها لا تحاول أن تدخل في حرب معها. أيما كانت الحقيقة حول الهجوم على الحرس الثوري الإيراني يوم السبت 22 سبتمبر/أيلول 2018، فإنَّ كل الأطراف تشارك في لعبة عالية المخاطر.
وحسب تقرير صحيفة The Times البريطانية، فإن طهران تؤمن بأنَّ ثمة صلة مباشرة بين العمليات الإرهابية على أراضيها وخصومها من دول الخليج. ففي نهاية المطاف، هدَّد ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، من قبلُ إيران مباشرةً.
واشنطن والرياض تتهمان طهران بـ"النفاق"
تعد السعودية حليف أميركا الأساسي في الخليج، وجندي إدارة ترمب؛ بل والجدير بالذكر أنَّ جون بولتون، مستشار الرئيس الأميركي للأمن القومي، تحدث عن تغيير نظام إيران الديني سابقاً.
وبحسب عدة تقارير، أعطت الرئاسة الأميركية تحت إدارة جورج بوش الابن دعماً ضمنياً لفصيل إيراني آخر، وهو حركة جند الله. وفَقَدت الجماعة أي دعم كانت تحصل عليه من الولايات المتحدة بعد حملة دموية، وأعدمت إيران زعيمها، وأعلنت إدارة أوباما في 2008 أنَّها جماعة إرهابية.
في الوقت نفسه، تشير كلٌ من واشنطن والرياض إلى حالة من النفاق؛ إذ لا تزال إيران تدعم الجماعات المسلحة في أنحاء الشرق الأوسط، ومن ضمنها الحوثيون في اليمن، الذين قصفوا مدناً سعودية رداً على تورط الرياض في الحرب الأهلية اليمنية. لاحظ الرئيس أوباما كل ذلك ورغب في البقاء بعيداً عنه، وكان محط اهتمامه الرئيسي هو أن يتوصل إلى إتفاقٍ يُجمِّد طموحات إيران النووية.
لكن طهران تتهمهما بالضلوع في الهجوم على الحرس الثوري الإيراني
قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، السبت 22 سبتمبر/أيلول 2018، إن بلاده ستردُّ على الهجوم على الحرس الثوري الإيراني الذي استهدف عرضاً عسكرياً في مدينة الأهواز، بشكل حاسم، محمِّلاً من سمَّاهم عملاء "نظام أجنبي" المسؤولية عنه، في حين اتهم "الحرس الثوري" السعودية بدعم مُنفِّذي الهجوم.
وكتب ظريف تغريدةً على حسابه في موقع تويتر، قائلاً: "هاجم إرهابيون الأهواز، بعد أن قام نظام أجنبي بتجنيدهم وتدريبهم وتسليحهم ودفع الأموال لهم"، دون أن يحدد الجهة التي تقف وراء مُنفِّذي الهجوم، مضيفاً: "إيران ستردُّ بسرعة وحسم دفاعاً عن أرواح أبنائها".
وقالت وكالة الطلبة للأنباء إن 11 شخصاً قُتلوا، وأصيب أكثر من 30 آخرين في الهجوم على الحرس الثوري الإيراني الذي استهدف منصةً احتشد فيها المسؤولون، لمتابعة حدث يقام سنوياً بمناسبة ذكرى بدء الحرب العراقية-الإيرانية، التي دارت من عام 1980 إلى عام 1988.
وذكرت وكالة الأنباء الفرنسية أيضاً، أن "الحرس الثوري" اتهم المهاجمين بأنهم "مرتبطون بمجموعة انفصالية عربية تدعمها السعودية". في حين لم يصدر أي تعليق من الرياض على هذه المزاعم.
وتصاعدت التوترات بين إيران والسعودية خلال السنوات القليلة الماضية، مع دعم البلدين أطرافاً متصارعة في الحربين السورية واليمنية، وأحزاباً سياسية متنافسة في العراق ولبنان.
بينما ترمب مُصرٌّ على "مواجهتها" لكبح طموح نظام إيران الديني
انسحب ترمب من الاتفاق، ورغم نزعاته الانعزالية، أبقى على القوات الأميركية في سوريا والعراق؛ لكبح طموحات إيران الإقليمية.
وما إذا كانت واشنطن مستعدة لنقل معركتها إلى إيران نفسها أم لا، فهي مسألة أخرى، لكن لا يوجد ما يدل على أنَّها تحاول كبح حلفائها. وإلى أن تقوم بذلك، لا تزداد الحرب الباردة بين ضفتي الخليج إلا سخونة.
سوف تستمر الولايات المتحدة في استراتيجيتها المُتشدِّدة لعقاب نظام إيران الديني ، وهو مسارٌ مُصمَّم جزئياً بالطبع لزيادة الاضطراب الداخلي. سوف تنتشر المظاهرات ذات الدوافع الاقتصادية، لكن إيران سوف تكون قادرةً في الوقت الراهن على التعامل معها. سوف يُسرِّع المحافظون في الحكومة الإيرانية من هجماتهم السياسية ضد الحلفاء المعتدلين للرئيس حسن روحاني، لكنَّ حماية المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، سوف تضمن النجاة السياسية لروحاني.
ومن المُرجَّح أن تنصاع الشركات الأجنبية المتعاملة مع الولايات المتحدة، باستثناء الشركات الموجودة في الصين وروسيا، للعقوبات الأميركية وإيقاف صفقاتها مع إيران بدلاً من الإبقاء على عقودها الإيرانية.
لكنَّ إيران لن تستسلم بسهولة
وحسب تقريرمركز stratfor الأميركي، فإن خطط الاتحاد الأوروبي لتقديم أموال للشركات في الكتلة التي تخاطر بالتعرُّض للعقوبات الأميركية لتعاملها مع إيران، ستكون علامةَ دعمٍ سياسي لن تساعد إيران كثيراً من الناحية الاقتصادية.
ومن المُرجَّح أيضاً أن يؤدي هذا إلى احتمالية حدوث احتكاك بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لو حاولت واشنطن فصل البنوك الإيرانية عن SWIFT، وهي الشبكة الأساسية للمعاملات المالية الدولية.
وللانتقام وبناء نفوذ للمفاوضات المستقبلية، سوف تقوم إيران بتعتيم حدود السلوك المقبول ضمن حدود الاتفاق النووي، المعروف باسم "خطة العمل المشتركة الشاملة"، والانخراط في تطويرٍ نووي محدود.
وسوف يتمسك نظام إيران الديني أيضاً بنشاطها العسكري بالوكالة في الخارج: سوف تنخرط في هجماتٍ سيبرانية، وتتعرَّض لسفن الولايات المتحدة وحلفائها والبنية التحتية النفطية في الخليج العربي، وتتظاهر بإغلاق مضيق هرمز؛ لبناء بعض النفوذ ضد الولايات المتحدة، حتى في الوقت الذي تسعى فيه لتجنُّب إشعال صراع أوسع قد يؤثر على مستقبل الشرق الأوسط .