يتفق الغالبية العظمى منا على أن الهدف من العملية التعليمية في المدارس على مختلف مستوياتها يكمن في تمكين الطالب من تحليل وضعه واتخاذ القرار السليم بشأن استجابته وتحركاته التي تناسب الظرف الحالي، وعلاوة على ذلك تأهيله لتقبُّل عواقب قراره سواء سلباً أو إيجاباً، وهذا ما يفعله الشطرنج تماماً، حيث تركز لعبة الشطرنج على مهارات التفكير الحرجة والاستراتيجية، وتحسن التركيز، والمثابرة، وتعلُّم احترام الذات والثقة بالنفس.
كيف أُنشئُ نادياً للشطرنج في مدرستي؟
قبل 6 سنوات، أصبح ديفيد ماكنيولت أول مدرس بمدرسة عامة في مدينة نيويورك يعمل بدوام كامل لتدريس الشطرنج كموضوع أكاديمي، حيث عمل في مدرسة ابتدائية كبيرة بجنوب برونكس، وقد فاز فريقه بالبطولات الأولى في بطولة نيويورك للشطرنج المدرسي مدة 4 سنوات متتالية، وهو واحد من أفضل 5 فرق شطرنج أساسية في البلاد.
شرح ماكنيولت في كتابه "الدليل المنهجي للشطرنج المدرسي" خطوات إنشاء نادي شطرنج مدرسي، وما هي العقبات التي يمكن أن تواجهه، مع ذكره كيفية التغلب عليها وتجاوزها، حيث يرى أنه عندما تدرك الإدارة المدرسية أهمية دور الأنشطة والألعاب في العملية التعليمية، فلا بد من أن يكون تعليم الشطرنج من أولى اهتماماتها.
بعد حصول المدرسة على ترخيص إنشاء نادٍ للشطرنج من الإدارة التعليمية، تطرح استبياناً موجهاً للطلبة والأهالي حسب مراحلهم العمرية؛ لمعرفة عدد الراغبين في الانضمام إلى النادي، ولا بد من أن يتضمن الاستبيان مقدمة تعريفية عن فوائد الشطرنج من الناحية الأكاديمية.
ومن ثم، يتم تقسيم الطلاب الراغبين حسب المرحلة الدراسية إلى مجموعات، يليه تخصيص حيز مكاني مناسب؛ كي يجتمع الطلبة قبل انتهاء اليوم الدراسي أو بعده، أو في أوقات الإجازات وفق برنامج تحدده المدرسة بالتوافق مع الطلبة والمدربين.
ثم تأتي الخطوة الأهم؛ وهي تأمين مدربين للشطرنج، حيث بإمكان المدرسة أن توظف مدربين من خارج ملاك التعليم، ويفضَّل في هذه الحالة اختيار مدرب خبير، لا سيما في مستوى التعليم المتوسط وبالطبع المتقدم، كما يمكنها فتح باب التطوع لمن يرغب.
وهنا لا بد من الاستفادة من المواقع التي تقدم فرصة تعلم الشطرنج مجاناً على الإنترنت، أو تلك التي تقدم خبرات متميزة مقابل أجور رمزية.
وبعد تأسيس النادي، لا بد من ارتباط النادي في ورشات عمل مع نوادي المدارس الأخرى والنوادي الأهلية في المنطقة، للتنسيق وتبادل الخبرات وتنظيم المسابقات المحلية؛ ومن ثم المسابقات الدولية والعالمية.
تجارب عالمية لإدخال الشطرنج في العملية التعليمية:
- أكاديمية الشطرنج في أرمينيا: اعتمدت أرمينيا نظام تدريس الشطرنج كمنهج مدرسي منفصل مدة ساعتين أسبوعياً، للتلاميذ من سن السادسة بجميع مدارسها منذ العام الدراسي 2011-2012، حيث تعتبر أرمينيا، التي يبلغ تعداد سكانها 3 ملايين نسمة، أن الشطرنج رمز هام لهويتها. واليوم تحمل أرمينيا لقب فريق الرجال العالمي في الشطرنج، كما أنها أسست فريق الشطرنج للنساء، الذي بات يشارك في المسابقات الدولية والعالمية للشطرنج؛ لذا فإنها تتخذ من الشطرنج لعبة قومية تسعى لاستمرار التفوق فيها.
- منظمة "الشطرنج في المدارس والمجتمع"، وهي منظمة بريطانية غير ربحية تسعى إلى تحسين النتائج التعليمية للأطفال والتنمية الاجتماعية من خلال تعريفهم بلعبة الشطرنج. تأسست في عام 2009، وتنشط الآن في تقديم كورسات الشطرنج بأكثر من 300 مدرسة. كما أنها تنظم بطولة عالمية المستوى " London Chess Classic" .
- أما في مصر، فقد بدأت مؤسسة "Chess your Child" بإعادة تنشيط لعبة الشطرنج، حيث تقدم برامج متنوعة مأجورة، كبرنامج بناء الشخصية الذي يستهدف الأطفال من عمر 7 إلى 11 عاماً، ويتضمن 4 مستويات ليصل إلى الاحتراف، وبرنامج "الطفل البطل"، الذي يهدف إلى إعداد الطفل للمشاركة بمسابقات الشطرنج العالمية والفوز بها، إضافة إلى أنها تعرض إمكانية تقديم دروس خاصة متدرب لمدرب لمن يرغب.
وفيما يخص نشاطها المدرسي، فهي تعمل الآن مع مدرستين لتدريس الشطرنج كمادة تعليمية فيهما، تكمن العقبة في أنها تنشط في القاهرة، ما يصعّب الأمر على أطفال المناطق الريفية الراغبين في تعلم الشطرنج؛ ولذا فهي تسعى إلى تأمين الدعم اللازم لتوسع نشاطها وتمتد إلى باقي المحافظات.
تنتشر نوادي الشطرنج الأهلية في الدول العربية كافة، ولكن ما نهدف إليه هنا هو تأكيد ضرورة إدخال الشطرنج كمنهج دراسي في العملية التعليمية؛ لما له من أهمية بالغة ومثبتة علمياً في تحقيق الهدف من العملية التعليمية، المتمثل في تنشيط خلايا الدماغ لدى التلاميذ، وإعداد جيل قادر على التخطيط والتحليل واتخاذ القرار المناسب وتحمُّل نتائجه.