كنت أعشق وأنتظر حصة الرياضة المدرسية لدرجة الهوس.. درجة ربما تكون مبالغاً فيها بعض الشيء، فحصة الرياضة ومدرستها كانتا لي بمثابة السعادة الحقيقية، خاصة بعد جدول الامتحانات والحصص المزدحم طيلة الأسبوع.
كنت أنتظر مجيء الحصة وأعد الأيام لأستعد لممارسة رياضة الجري بكل شغف، إلى أن جاء اليوم الذي شعرت فيه بألم غير مسبوق في قدمي اليسرى، كان الوجع مؤلماً جداً، لم أرد في البداية أن أُعير الموضوع أي اهتمام، ولم أخبر والدتي أيضاً بالرغم من قربها لي أكثر من أخواتي الأخريات.
لكن يوماً بعد يوم يزداد الوجع إلى أن علمت والدتي، وعلى الفور أخذتني إلى طوارئ المستشفى القريب من منزلنا، وبعد إجراء الأشعة والفحوص، قرر الطبيب المختص التوقف عن اللعب وتناول بعض من الأدوية التي كانت عبارة عن فيتامينات وأكد أنني سأكون بخير.
لا ندري تناقضات الحياة ومن الصعب فهمها أحياناً، هل استمر الوجع؟ هل توقفت عن تناول الأدوية أم ماذا حدث بعد التشخيص الأولي؟
في أبريل ٢٥، انقلبت الأمور بشكل غير متوقع، وبينما كنت أغسل مريول المدرسة -ورغم وجود المساعدة في المنزل إلا أنني أفضل إنهاء أموري بنفسي، وقعت وسط الحمام وهنا بدأت حكايتي الحقيقية.
أمضيت في المستشفى ما يقارب ثلاثة أشهر بين عملية وأخرى وقدمي اليسرى محاطة بالجبس الثقيل جداً، أجريت امتحانات الفصل النهائي في المستشفى؛ إذ كان من الصعب إجراء الامتحانات كبقية الطالبات في المدرسة، لم يعرف الأطباء السبب الحقيقي للورم الذي قارب الركبة بأكملها، وبعد مضيّ أكثر من ثلاثة أشهر تم تحويلي إلى مستشفى متخصص، وهناك أعلن الدكتور عن وجود ورم نادر في العظم ولا بد من إجراء عملية بتر حالاً للساق! ولم أبالغ إن ذكرت أنه كان لديّ شعور غريب وقوي بفقدان الساق، كان والداي في حالة من الذعر وعدم التصديق، فقرّرا أن يبحثا عن حلول بديلة في داخل وخارج الإمارات، ومن أول الدول التي حصلنا على وعد هي المملكة المتحدة.. كانت النسبة ضئيلة جداً، ولكن هناك أمل بعدم فقدان الساق، هناك حل آخر وإن كان بالبعيد، لكن لا بد من الذهاب إليه مهما كلّف الأمر والثمن.
سافرنا أنا ووالدي إلى مانشستر وكانت المرة الأولى التي نسافر إلى بريطانيا، ربما نسيت الهدف الأساسي للسفر على قدر كان تركيزي في جمال المدينة وطبيعتها اللامتناهية.
وبعد إجراء الفحوص وللأسف كان القرار هو نفس الذي حصلت عليه وأهلي.
ربما الأسباب تختلف لكن الهدف هو نفسه والزمان والمكان هما الفيصل.. تقبلت قرار الطبيب وبسرعة، ولم يكن هناك خيار آخر لكي أختار، فكان كل شيء محدود جداً وبشكل صعب أن يفسّر.
انتهى الوجع هناك وخرجت من غرفة العمليات التي استمرت ساعات طويلة بين الخوف والأمل والألم.
هذه أنا تعلمت معنى الوجع منذ نعومة أظفاري، ونضجت أكثر، فالتجربة علمتني جداً وأجمل ما اكتشفته هو الكتابة.
فتم إصدار مولودي الأول تحت عنوان "مهما كلّف الأمر" باللغتين الإنكليزية والعربية يتحدث عن تجربتي الكاملة، واليوم بصدد إصدار كتابي الثاني وهو عبارة عن رواية ذات طابع درامي لا تمتّ بصلة إلى نور العتيبي.
وأخيراً، لا بد من مواصلة البحث عن السعادة بالرغم من كل الصعاب، ما تعلمته من هذه التجربة -رغم قسوتها- أن نتطلع إلى المستقبل وألا نخضع للألم مهما كلف الثمن، وليس تنظيراً وإنما هو واقع وهذا ما حدث معي، قررت أن أكتب ولولا هذه التجربة المريرة لما كتبت أو أصدرت كتاباً يمسّني شخصياً.
وأنا اليوم كلي أمل ويقين بأن القادم أفضل، وفي وقته المناسب. وأن تكون لي الفرصة أن يتحول كتابي وروايتي القادمة إلى عمل فني.
ورسالتي الأخيرة لكل شخص فقد عزيزاً أو عاش نفس التجربة التي عشتها ألا ينتظر الدعم من أحد وأن يكتشف ذاته من خلال التجربة، وكما أقول دائماً إن في الكتابة حياة أخرى أعيشها.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.