أطلقت شركة نتفليكس، في 14 سبتمبر/أيلول الحالي، فيلم "الملاك" الذي يتناول القصة الحقيقية لرجل الأعمال المصري أشرف مروان، صهر الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، والمستشار المقرب لأنور السادات، في نفس الوقت الذي تعتبره إسرائيل أحد أهم جواسيسها.
وترتكز أحداث الفيلم، الذي أخرجه الإسرائيلي أرييل فرومن، وكتب السيناريو الخاص به ديفيد آراتا، على كتاب "الملاك؛ الجاسوس المصري الذي أنقذ إسرائيل" للكاتب الإسرائيلي يوري بار جوزيف.
وقد جسَّد شخصية أشرف مروان الممثل الهولندي من أصل تونسي مروان كنزاري، فيما أدت الفنانة الفلسطينية ميساء عبدالهادي دور منى عبدالناصر زوجة أشرف مروان، وأدى الممثل الأميركي من أصل فلسطيني وليد زعيتر شخصية الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.
وتمت الاستعانة بالممثل الإسرائيلي تساهي هاليفي من أجل دور الرئيس الراحل معمر القذافي، أما شخصية الرئيس أنور السادات فمثَّلها الفنان الإسرائيلي من أصل عراقي ساسون جاباي.
أشرف مروان الذي عمل لدى الموساد من أجل المال والسلام العالمي
تدور أحداث فيلم الملاك حول الجاسوس المصري أشرف مروان، الذي عمل لسنوات مع الموساد الإسرائيلي، ويبدأ الفيلم بفلاش باك يعود لصيف 1967، حينما اندلعت الحرب مع إسرائيل، وفي الخلفية يأتي صوت المصريين وهم يهتفون باسم زعيمهم المحبوب جمال عبدالناصر.
وهنا يتدخل صوت آخر يقاطع صوت هتاف المصريين قائلاً: "هل يستطيع الحب والسلام إنقاذ العالم في الوقت الذي هو فيه على شفا حرب"، كانت تتردد تلك الكلمات لأشرف مروان في نفس التوقيت الذي يؤكد فيه "التتر" أن الفيلم مأخوذ من قصة حقيقية.
تتوالى الأحداث، ويجتمع مراون مع جمال عبدالناصر محاولاً إقناعه بنظريته حول التنبؤ بانهيار الاتحاد السوفييتي، وعليه يجب توطيد العلاقات بشكل أكبر مع الولايات المتحدة، وهو الأمر الذي استقبله ناصر بالكثير من السخرية والاستهزاء. ولم يكتفِ ناصر بمجرد توبيخ مروان على نظريته، وإنما طلب من ابنته الانفصال عن مروان، معتبراً أن زواجهما من الأساس كان غلطة.
وكردّ فعل على الإهانة المدوية التي تعرض لها مروان على يد حماه، قرر التواصل مع السفارة الإسرائيلية وإمدادهم بمعلومات سرية حول التجهيزات العسكرية المصرية، وبعد أول لقاء مع أليكس، مندوب الموساد، أخذ مروان الكثير من الأموال لقاء المعلومات التي قدمها لإسرائيل.
بعد وفاة ناصر، تقرَّب أشرف مروان من الرئيس السادات بشكل كبير، واستمر في التعاون مع الموساد، وخلال تلك الحقبة ينتقل الفيلم إلى التركيز على الجانب الإنساني من شخصية مروان، الذي بدا كزوج مخلص وأب حنون بشكل بالغ الافتعال.
وفي إحدى المرات، كان مروان يقص على طفله جمال قصة قبل النوم، وهي حكاية الطفل والذئب التي تحكي عن طفل كان ينادي أهل القرية "ذئب.. ذئب" وعندما يهمون بإنقاذه لا يجدون شيئاً، ثم عاود الكرَّة مرة أخرى "ذئب.. ذئب" فجاء السكان مرة أخرى ليجدوا الطفل يكذب للمرة الثانية، وخلال المرة الثالثة نادى الطفل على أهل القرية للمرة الثالثة: "ذئب.. ذئب" وبسبب تأكدهم من عدم صدقه لم ينجده أحد، ولكن في تلك المرة تحديداً هجم الذئب على الطفل.
أثناء ما كان مروان يروي القصة لطفله بدا متأثراً بشدة، وكانت هذه هي خطته التي اتبعها مع إسرائيل؛ حيث أمدهم بمعلومات مغلوطة عن الحرب مرتين، وفي المرة الثالثة حدثت الحرب، الفيلم نقل لنا أن قصة الذئب هي التي تسببت في انتصار مصر في حرب أكتوبر/تشرين الأول، وألحقت الهزيمة بإسرائيل.
ردود الفعل العالمية حول الفيلم.. مليء بالفراغات ولم يقدم كل شيء
ذكر موقع "هوليوود ريبورتر" أن قصة الفيلم المعقدة كانت مليئة بالأسئلة غير المجابة، ففي بعض المشاهد حينما كان أشرف مروان يدرس بجامعة لندن كان يستمع إلى محاضرة عن خوان بوجول غارسيا، المعروف باسم "غاربو" وهو عميل مزدوج إسباني استطاع خداع النازيين.
وعبَّر مروان في صمت عن إعجابه بتلك الشخصية، ولكن الفيلم لم يخبرنا عن كون مروان عميلاً مزدوجاً، كما أن التفسير النهائي لما قام به مروان كونه محباً للسلام لم يكن مقنعاً، على حد قول بريجز، وعليه فقد جاء الفيلم مليئاً بالفراغات التي حاول المخرج تعويضها بإضفاء جو من الإثارة والتشويق على الأحداث.
كما جاء في جريدة التايمز البريطانية أن هدف أشرف مروان كان واضحاً من البداية، وهو حماية أرواح الأبرياء، وقد تجسدت رؤيته بشكل واضح حينما قام بتوريد الأسلحة إلى منظمة أيلول الأسود الفلسطينية، ولكنه قبل إعطائهم السلاح أزال قطعة رئيسية من الصاروخ.
وكانت المنظمة تستهدف إسقاط طائرة إسرائيلية، وعليه فشلت في تحقيق هدفها بسبب أشرف مروان، وهو ما أكد للكاتبة أنه كان يبغي تحقيق السلام والحفاظ على أرواح الجانبين؛ المصري والإسرائيلي، ولكن تصوير ذلك الأمر من قِبل الفيلم بدا بعيداً عن الواقعية.
ويذكر التقييم أن الفيلم جاء مخالفاً في بعض التفاصيل عن الواقع؛ ففي حين تناولت أحداث الفيلم انفصال أشرف مروان عن زوجته منى عبدالناصر، إلا أن ذلك لم يحدث؛ إذ استمرت علاقتهما حتى وفاة مروان في 2007، كما أن مروان لم يكن أبداً على علاقة بامرأة تُدعى ديانا.
بينما نشر موقع السينما المتخصص "ديسايدر" أن الفيلم كان في حاجة إلى التركيز على بعض العلاقات داخل الفيلم أكثر من البعض الآخر؛ ففي الوقت الذي اهتم فيه العمل بتناول العلاقة بين أشرف مروان وتحولاتها الكبيرة، لم يتناول علاقته مع داني عميل الموساد بنفس الكثافة، وذلك على الرغم من أهمية الأخيرة.
ففي النهاية، الفيلم هو إنتاج أميركي، تغلب عليه النكهة الإسرائيلية، ولذلك كان يجب الاهتمام بشكل أكبر بالعلاقة الوثيقة بين أشرف والموساد الإسرائيلي.
ذكر كيلر أيضاً أن هناك سقطة فنية في الفيلم، وهي عدم مراجعة طاقم العمل لثقافة البوب في أميركا خلال الحقبة الزمنية 1967-1972؛ ففي المشاهد الأولى للفيلم وخلال حضور أشرف مروان لحفلة صاخبة مع أصدقائه بالجامعة، تم استخدام أغنيتين أُصدرتا في الواقع بعد هذا الزمن بوقت كبير.
ردود فعل غاضبة من الجانب المصري
على الرغم من أن تتر النهاية في فيلم الملاك أكد أن أشرف مروان استطاع أن يكون بطلاً في كل من مصر وإسرائيل، فإن المشاهدين لم يصلوا لتلك النتيجة، فلا يوجد من خلال الأحداث ما يؤكد أنه كان عميلاً مزدوجاً، والجهات المصرية لم تبدِ أي ردة فعل بعد صدور النسخة العربية من الكتاب، ولا بعد إطلاق الفيلم، فهل هناك أية وثائق يمكنها حسم هذا الجدال، خاصة أن الصورة لدى المشاهد العادي ما زالت ضبابية.
ردود الفعل على الفيلم كانت متشابهة، فعلى موقع التواصل الاجتماعي تويتر غرّد أغلب المشاهدين بأن الفيلم كان هزيلاً من الناحية الفنية والتاريخية، هذا بالإضافة إلى الضعف الواضح بشدة في سيناريو وحوار الفيلم، وفيما ركّز بعض المغردين على الأخطاء الفنية، ركّز البعض الآخر على الضبابية التاريخية التي تشوب الفيلم، وعدم حسمه لقضية أشرف مروان كونه عميلاً لإسرائيل أم عميلاً مزدوجاً.
أشرف مروان في فيلم #الملاك إنسان طيب ونبيل يريد انقاذ البشر من الحروب ولهذا السبب عملا جاسوسا لإسرائيل ضد وطنه #مصر
لا مبرر أخلاقي للخيانة
لأ وكمان بيمشي السادات خلفه ويفكر له..
السادات ثعلب السياسة أشرف مروان بيخطط له عسكريا😂
كأن دولة العسكر كتبت الفيلم
#theangel#الشرقيه— سامي كمال الدين (@samykamaleldeen) September 15, 2018
شاهدت فيلم الملاك… اول 5 دقائق .. فيهم سذاجة فى السرد والحوار ماتتعملش فى فيلم من افلام الهواة… فيلم مقاولات امريكانى ..وفى آخر الفيلم اكتشفنا أن السادات طلع رأس كرنبة.. والإسرائيليين برضه ده الراجل خطط للحرب وخطط للسلام. شطرنج رصه.. وفركشه بمزاجه .#الملاك
— Dr. Mohamed El-Adl (@moheladl) September 14, 2018
وبالنسبة لموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، فالأمر مشابه إلى حد كبير؛ فقد استاء أغلب المشاهدين من المستوى الضعيف للفيلم، على الرغم من ميزانية إنتاجه الضخمة التي تعدت مبلغ 12 مليون دولار.
وعلّق الكثير منهم على أن الفيلم وُضعت له ميزانية دعايا أميركية ضخمة كان هدفها التوعية بأهمية السلام بين مصر وإسرائيل، وذلك من خلال الجاسوس الإنساني أشرف مروان.
وأضاف البعض أن الفيلم استهدف الفئة العمرية الصغيرة وتحديداً أقل من 40 عاماً؛ لأن تلك الفئة ليس لديها وعي كافٍ بأهمية القضية الفلسطينية، وبالتالي سوف تتعاطى مع الفيلم بسهولة.
وذكر الناقد الفني المصري طارق الشناوي أن الفيلم يهدف إلى تشويه صورة مروان الحقيقية، مؤكداً أن إسرائيل حاولت من قبل تشويه رموز أخرى، مثل رفعت الجمال.
وطالب الشناوي بإنتاج فيلم عالمي ضخم يظهر صورة مروان الحقيقية، ويتصدى للفيلم الإسرائيلي، فيما رفضت منى عبدالناصر، زوجة مروان، التعليق على الفيلم، مؤكدة أن زوجها كان يعمل لمصلحة بلده مصر، وأن ما تردده إسرائيل مجرد هراء.
يُذكر أن منى عبدالناصر، أرملة مروان، كانت قد اتهمت الموساد بقتل زوجها الراحل عام 2010.
النهاية الغامضة لأشرف مروان في لندن
في 27 يونيو/حزيران 2007 لقي أشرف مروان حتفه بحديثة بيته قرب ساحة بيكاديلي بمدينة لندن، وما زالت الحادثة تثير الكثير من الأسئلة، هل وقع مروان من الشرفة أم ألقى بنفسه أم أن هناك جهة سياسية ما قررت تصفيته.
يُذكر أن الطريقة الغامضة لوفاة مروان في لندن تتشابه إلى حد التطابق مع طريقة وفاة الليثي ناصف، قائد الحرس الجمهوري المصري الأسبق، والممثلة المصرية سعاد حسني.
حامت الشكوك في مقتل مروان حول المخابرات الإسرائيلية وحول عملاء وسماسرة السلاح، خاصة فيما يتعلق بصفقات السلاح التي عقدها مروان مع السعودية وليبيا، وفي الوقت الذي أكدت فيه أسرة مروان استبعاد احتمال الانتحار، أكدت نتائج الفحص بعد الوفاة أن وجود آثار مضادات اكتئاب في دم أشرف مروان.
وأضاف تقرير الطبيب المختص بأن مروان فقد في آخر أيام حياته حوالي 10 كيلوغرامات من وزنه، ولكن صمّمت أسرة مروان على استبعاد شبهة الانتحار، خاصة أن مذكرات أشرف مروان التي كتبها قبل الوفاة اختفت جميعها من مكتبته يوم الوفاة، وعليه ظلت وفاة أشرف مروان لغزاً لم يُحل حتى كتابة هذه السطور.