نموت ويحيا الوطن!.. ما لم نتعلمه في مدارس العراق

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/16 الساعة 07:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/16 الساعة 07:59 بتوقيت غرينتش
Iraq, February 2014. Syrian children in school in the Domiz refugee camp in Northern Iraq.

الكثير من الشعارات والعبارات تعلمناها في المدارس ونحن صغار، منها هذه العبارة: "نموت ويحيا الوطن"، لكنهم نسوا أن يعلمونا معنى الوطنية، كيف نكون وطنيين، كيف نحب وطننا ودائماً نسعى لرفع شأنه، حينها كنا صغاراً وانطلت علينا كذبة أن قائدنا هو الوطن، فحينما يدخل المعلم إلى الصف ويقول قدوة الصف الذي دائماً ما كان يرتدي نوطاً يحوي رسماً لنصب الشهيد كأنما يعدون الأجيال للموت والشهادة، ودائماً ما كان هذا اللقب يمنح لأبناء العوائل البعثية، وأن الانتخاب لم يكون سوى ضحك على عقولنا نحن الصغار.

 

مرّت سنتان حتى جاء الاحتلال، وربما بدأت السنوات الأسوأ من ناحية النقش على عقولنا بمبادئ وقيم وأخلاقيات أخرى مناقضة تماماً لما تعلمناه في أول سنتين في الابتدائية، جاءوا العساكر من 43 دولة واستقروا قريباً من مدرستي وكانوا دائماً يأتون إلى المدرسة من أجل المساعدة وتقديم الهدايا للطلاب والمعلمين، بدلوا مديرنا الأستاذ كاظم الذي كان عضو فرقة في حزب البعث وفصلوه عن الخدمة، وجاءوا بالأستاذ فاضل كونه يتكلم الإنكليزية، تبدل الشعار أيضاً حينما يدخل المعلم الصف إلى "عاش العراق"، ربما هذا الشعار أكثر وطنية من السابق إلا أنه جاءت بعده أسوأ أيام العراق التي وصل بها الحال لتكون كلمة العراق مرادفة لكلمة موت.

 

أنا وأبناء جيلي عشنا هذه الأيام بعقول صغيرة تتلقف كل ما يُملى عليها دون مناقشة أو حتى تفكير فيما يُملى علينا، كالعسكر نطبق بحكم صغر العمر وقلة الوعي، ما جاءت به العملية الديمقراطية انكشف بعد سنتين من الحرب والاقتتال الطائفي، فتعرفنا على مصطلحات جديدة، تشير إلى طوائف وملل أناس يعيشون معنا على نفس الأرض ولهم نفس مستقبلنا، إلا أنهم زرعوا فجوات بيننا على أنهم ملة من القتلة، وأجدادهم فعلوا سابقاً بأجدادنا نفس الذي يحدث الآن، حتى أن الآخر أصبح في مخيلتنا الخصبة على أنه ليس سوى كائن مفترس متعطش لدمائنا.

 

علمونا في هذه المرحلة أن المذهب أهم من الوطن، علمونا أن الجنة أهم من الحياة، وعلمونا أن الحياة قصيرة وعلينا أن نضحي بها من أجل العقيدة، وهكذا نسي أغلب أبناء هذا الجيل الوطن.

 

عن نفسي تعلمت الوطنية من أبي، فقد كان ضابطاً بهندامه وقيافته العسكرية التي زرعت بي شخصياً فكرة ماذا يمكن أن يعطي الوطن لمن يحبه؟ هكذا أحببت الوطن في صغري، وحتى بعد أن خرجت من دائرة التعليم في المسجد الذي كان عبارة عن دروس تعطى لنا في مسجد القرية عن الفقه والدين في العطلة الصيفية، تلك الأيام لا أنسَ ماذا فعلت بي وخوفي من النار الذي تحول على شكل كوابيس، حينما علمونا الخوف من الله وليس حبه واحترامه، لم يعلمونا أن الله محبة بل قسوة أضف إلى بذور الطائفية التي أحمد الله أنها لم تجد خصوبة في عقلي.

 

ذكرت هذه التجربة الشخصية فقط لأذكّر أننا كوطنيين نحب هذه الأرض لا يجب أن نموت كي يحيا الوطن لا وألف لا، هذا الشعار خاطئ جداً، يجب علينا أن نحيا من أجل الوطن، يجب أن نورث الوطنية لأجيالنا، نعلمهم حب الحياة والوطن؛ لأن الأوطان لا تبنيها إلا شعوبها وليس الرعاع والعملاء والخونة ومن جاء على ظهر دبابة المحتل، لنعلِّم أجيالنا أن الوطن نحن إن أعاشنا عاش وإن أماتنا مات، والوطنية هي أكبر دروس المحبة، علينا أن نقول لأبنائنا إن راية الله أكبر وأعلى من كل الرايات والانتماءات، لنعطيهم دروساً في الحفاظ على الممتلكات العامة، وتوطيد العلاقات مع الآخر بغضّ النظر عما كان اعتقاده أو دينه أو طائفته، علينا أن نعيش كعراقيين فقط لا قوميات وطوائف.

 

ما ذكرني بهذا الموضوع هم شهداء البصرة -رحمهم الله- الذين استشهدوا على أيدي مرتزقات وميليشيات الأحزاب والسياسيين الخونة، استشهد هؤلاء من أجل قضية إلا أن الفاسدين لا يزالون في السلطة، لذلك علينا أن نحافظ على أنفسنا نحن كوطنيين من أجل أن نبني الوطن، ونطرد الخونة.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
عبدالله عطية
كاتب صحفي عراقي
تحميل المزيد