حظي نخبةٌ من محبي الأفلام في العاصمة السعودية الرياض بمتعةٍ خاصة، يوم الأربعاء الماضي 18 أبريل/نيسان، وهي عرض الفيلم الضخم Black Panther.
اقتصر الحضور على عددٍ من المدعوين، مثَّلوا بداية رفع الحظر على دور العرض السينمائي في السعودية، وهو الحظر الذي استمر لأكثر من ثلاثة عقود. يُبشِّر هذا الحدث كذلك بعهدٍ جديد لصناع الأفلام السعوديين، الذين واجهوا لسنوات مضايقاتٍ من السلطات السعودية، لعملهم بصناعةٍ تُعد حراماً في رؤية المؤسسة الدينية المدعومة حكومياً.
وبحسب شبكة NPR الأميركية، فإن صناع السينما الأميركيون في هوليوود يسعون لتعويض خسائرهم بعد توقف الصين عن ضخ أموالها إليهم، من خلال الاستفادة من السوق السعودي الشاب المتطلع إلى السينما، لكن صناع الأفلام السعوديين يتطلعون لبداية عصرهم الذهبي في المملكة أيضاً.
سأذهب للرياض بدلاً من نيويورك!
عبد الرحمن خوج (30 عاماً) أحد صناع الأفلام ومؤسس شركة Cinepoetics للإنتاج السينمائي في مدينة جدة.
حوّل عبد الرحمن غرف شقته إلى استوديو، تكسو جدرانه ملصقات الأفلام. وسمَّى غرف الاستوديو تكريماً لبعض أساطير الأفلام: ففي ركنٍ تجد غرفة كتابة تشارلي كوفمان، وفي ركنٍ آخر تجد معمل مونتاج ثيلما شونمايكر.
لدى خوج عدة أعمال قيد الإنتاج، منها فيلم اسمه Eight Other People، يحكي عن مجموعةٍ من الأشقاء يكتشفون ليلة عطلة العيد أنَّ والدهم متزوج من امرأةٍ أخرى. وبعد رفع الحظر الذي استمرَّ لعقودٍ على السينما، يشعر خوج بالأمل في أنَّ واحداً من أفلامه سيُعرَض أخيراً في السعودية.
ويقول عن ذلك، "بالنسبة لي، الأمر رائع. لم أعد أريد السفر إلى نيويورك. أصبحنا هنا نفعل شيئاً جديداً للغاية".
ويضيف خوج أنَّه أصبح من السهل الآن الحصول على تصاريح لتصوير أفلامٍ طويلة: "كانوا يسمحون للناس بتصوير مقاطع لموقع Youtube أو التلفاز، لكنَّهم لم يكونوا يسمحون بتصوير الأفلام. وكنَّا نحن أول من يحصل على تصريح لتصوير فيلم طويل في العام 2016، هذا ما أخبرونا به في الوزارة".
وأصبح من النادر أيضاً التعرُّض للمضايقات على يد "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، الغاضبة بشأن اختلاط الشباب والشابات في موقع التصوير، في البلد الذي يُفصَل فيه بين الجنسين على نطاقٍ واسع.
وأضاف خوج حول ذلك، "كان يمكن أن يوقفك رجل شرطة وأنت تُصوِّر فيلماً ما، كانت مسألة تصوير الفيلم تحمل دلالةً سلبية".
وخلال زيارته للولايات المتحدة، مطلع أبريل/نيسان 2018، ذهب الأمير محمد بن سلمان إلى لوس آنجلوس للقاء قادة صناعة السينما الأميركية، وبحث إمكانية الاستفادة من الخبرات الأميركية في دعم السينما السعودية، التي دشَّن الأمير عودتها للمملكة، كما تتطلع هوليوود إلى استثمارات سعودية تنقذها من أزمة هروب رؤوس الأموال في السنوات الأخيرة.
وتضمَّنت تعهّدات بن سلمان تفكيك بعض القواعد الاجتماعية الصارمة، بينها إلغاء الحظر المفروض على دور السينما منذ 35 عاماً.
ممثلات في السعودية
وكانت تجربة أداء الشابات لأدوار الأفلام أمراً صعباً؛ إذ اضطر خوج للتعامل مع آباء وأشقاء غاضبين، وأُخِذَ عنوةً ذات مرة إلى قسم الشرطة واتُّهِمَ بممارسة الإغواء، "خرجتُ من قسم الشرطة حينها وجلستُ في سيارتي وبكيت، لأنَّ ما نفعله صعبٌ للغاية بالفعل، أضِف إلى هذا كل هذا الضغط وتجريم كل خطوة تقوم بها".
وحظر رجال الدين دور العرض السينمائي في السعودية في بدايات ثمانينيات القرن الماضي، بعد أن تبنَّت الحكومة اتجاهاً محافظاً للغاية، عقب حصار الحرم المكي في العام 1979، على يد متطرفين سعوديين.
ويأتي رفع الحظر عن دور العرض كجزءٍ من حملةٍ يقودها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لتحديث الدولة. تتضمن هذه الحملة السماح للنساء بالقيادة، وتوفير عدد أكبر من فرص الاستثمار والوظائف، خاصةً للشباب. إذ إنَّ النسبة الأكبر من السعوديين هي من الشباب تحت سن 30 عاماً.
يقول خوج إنَّ السعوديين يحبون الترفيه، وكانوا يتجهون إلى دبي المجاورة أو البحرين لحضور الحفلات أو الأفلام. ورفع الحظر عن دور العرض يمكن أن يشجعهم على إنفاق تلك الأموال في بلدهم. وتعتزم الحكومة فتح ما يقرب من 350 دار عرض بحلول العام 2030، وتأمل في تحويل السعودية إلى مركزٍ إقليمي لصناعة الأفلام.
والسينما العامة الوحيدة التي تعمل اليوم في المملكة هي سينما آيماكس في مركزٍ علمي، يعرض أفلاماً تعليمية.
أفلام تجارية في السعودية، هل هذا ممكن؟
الهيئة العامة للثقافة بالمملكة أعلنت تأسيس المجلس السعودي للأفلام نهاية مارس/آذار 2018؛ من أجل "بناء بيئة دينامية لصناعة الأفلام والمحتوى"، وذلك على حد قول فيصل بالطيور، الرئيس التنفيذي للمجلس. وتشمل مجالات النشاط برامج تطوير المواهب، ووضع إطار تنظيمي، وبنية تحتية للإنتاج، والتوصل إلى حلول تمويلية، وإطلاق مبادرات لتعزيز صورة المملكة في هذا المجال وثقافتها.
وأول مبادرة من الهيئة كانت 16 مارس/آذار 2018؛ إذ أعلنت عن دورة لكتابة السيناريو الاحترافي، كرَّمت فيها المشاركين عقب انتهائها.
وربما تقول الحكومة إنَّه من الممكن الآن إنتاج الأفلام التجارية، لكنَّه ما زال عملاً شاقاً، خاصةً بالنسبة لصانعات الأفلام السعوديات.
في عطلةٍ أسبوعية بداية هذا الشهر، عكف طاقم يتضمن مخرجة ومنتجين ومساعدي مخرج على تصوير فيلم قصير على سطح مبنى سكني في جدة. ولم تُفلِح المظلات الضخمة التي وضعوها للتحكم في الإضاءة وتوفير قدرٍ من الظل في حمايتهم من الغبار ودرجة الحرارة المرتفعة، التي بلغت 35 درجة مئوية، حسب تقرير شبكة NPR الأميركية.
عروض خاصة في المنازل
رغم حظر دور العرض، توصل السعوديون إلى الكثير من الوسائل لمشاهدة الأفلام. فهناك عروضٌ خاصة في المنازل، وهناك شبكات HBO وNetflix، والأفلام القصيرة رائجة للغاية على Youtube، وكذلك مسلسلات التلفاز.
لكنَّ محمد مكي، مُنتِج مسلسل "تكي" الرائج على موقع Youtube الذي يتناول قصة شبابٍ سعوديين، يعتقد أن رفع الحظر عن دور العرض أمرٌ مهم. فحلمه طوال حياته كان صناعة أفلامٍ روائية طويلة، ويريد أن يتمكن السعوديون من مشاهدة أفلامٍ سعودية.
وأضاف لشبكة NPR الأميركية، "أنا متأكدٌ أنَّ هناك سينما مصرية وأميركية، وستأتي لعرض أفلامها هنا. وسنخاف من سيطرتهم إن لم نُصدر أفلامنا الخاصة".
ويقول مكي إنَّه بينما يفتقر صناع الأفلام السعوديون إلى الخبرات الفنية الموجودة لدى نظرائهم في هوليوود، إلا أنَّهم يمكنهم الاستفادة من الكم الكبير من القصص السعودية التي لم تُروَ منذ قرون.
ويتابع، "مسألة الحجاب بين الأب وابنته، والمشكلات الصغيرة، وعقليات البشر هنا مختلفة. لم يسبق للنساء هنا القيادة كذلك، والآن سيبدأن قيادة السيارات، وهذه قصةٌ مثيرة. نحن الذين نعيش هنا، وهم لا يعرفون ما نعرفه. هذه هي ميزتنا".
هل يرى السعوديين أنفسهم على الشاشة قريباً؟
ولكن خوج يقول إنَّه ليس متأكداً من أنَّ السعوديين جاهزون لرؤية أنفسهم على الشاشة، "فلوقتٍ طويل، لم ننظر إلى أنفسنا في المرآة ونقول: حسناً، نحتاج للعمل على هذا. مثلاً، أو: هذه مشكلة. لأنَّك عندما تنظر في المرآة، ترى عيوبك. ونحن مهووسون بتصوير أنفسنا بصورةٍ إيجابية".
ما زالت السعودية دولة محافظة، وكل الأفلام التي ستُعرَض في السعودية ستخضع للرقابة. وستكون هناك خطوط حمراء واضحة: لا مشاهد عري، أو نقد للمؤسسة السياسية أو الدينية.
لكنَّ هيئة الرقابة الحكومية أخبرت شبكة NPR الأميركية، أنَّ كل شيءٍ عدا ذلك مسموحٌ به.
قواعد تنظيم الأفلام السعودية
ويقول رضا محمد الحيدر، المشرف العام للهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع، إنَّه يجد صعوبةً في صياغة القواعد، نظراً للتغيرات السريعة التي تجري في السعودية.
ويضيف، "لم أعتقد أنَّ الأمر سيكون بهذه الصعوبة، لأنَّ هناك تفاصيل كنتُ أعتبرها من المُسلَّمات، لكنَّهم الآن يرسلون إليَّ مشهداً لرقصةٍ ثقافية مثلاً، ويسألونني إن كان من المناسب عرضه أم لا، فأُجيب بأنَّني لا أعرف".
ويقول الحيدر إنَّ هيئته تحاول وضع قواعد إرشادية بشأن ما هو مقبول في الأفلام السينمائية.
ويختم، "من الممكن أن يرى شخصٌ ما مشهداً بعينه مناسباً، لكنَّه قد يبدو غير ملائمٍ بالنسبة لشخصٍ آخر". ويعتقد أنَّهم سيضطرون إلى التوصل إلى تفاهمٍ "تتفق أغلبية الناس فيه على الأقل أنَّ هذا المشهد مقبول بالنسبة لمعظم الناس".