عاد يوم الخميس 19 أبريل/نيسان، الرئيس السوداني عمر البشير من المملكة العربية السعودية بعد حضوره القمة العربية التي عقدت بمدينة في الظهران، بعد أن تأخر قليلاً لأداء مناسك العمرة.
وعقب وصوله مطار الخرطوم بـ 3 ساعات، أصدر البشير قراراً جمهورياً بإعفاء وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور من مهام منصبه.
هذا القرار أثار جدلاً كبيراً بين السودانيين حول الخلفيات التي دفعت باتجاه هذا القرار، وسبب صدوره بهذه السرعة بمجرد وصول الرئيس السوداني من الخارج.
عبر استطلاع آراء المحللين والسياسيين السودانيين عن دواعي الإقالة، يمكن تلخيص الأسباب في 4 نقاط أساسية يرجح أن تكون هي التي تسببت بإقالة غندور.
السبب الأول: خطاب البرلمان
السبب الأول، وهو المعلن في معظم وسائل الإعلام، هو خطاب غندور في البرلمان في اليوم السابق لإقالته، والذي تضمن شكوى من البنك المركزي ووزارة المالية، زاعماً أنهما يماطلان موظفي البعثات الدبلوماسية في دفع رواتبهم من 7 أشهر، ما دفع بعض الدبلوماسيين للطلب من الوزارة إعادتهم للخرطوم.
وما يؤكد ذلك ما نشرته صحيفة السوداني يوم الجمعة عن طلب الرئاسة قائمة بأسماء الدبلوماسيين الراغبين في العودة، واتجاهها لتقليص أعداد البعثات الدبلوماسية بنسبة 40%.
هذا فضلاً عن الاستنكار الشديد الذي لقيه خطاب غندور من قبل الصحفيين المؤيدين للحكومة أو المتعاطفين معها، الذين وصفوا ما فعله بـ"الفعل الفضائحي وإهانة السمعة الوطنية".
علق على ذلك حسام محمد الخبير الاستراتيجي والمحلل السياسي لـ"عربي بوست"، قائلاً "يبدو أن غندور نسي دوره كوزير خارجية ليتقمص دور الشخصية النقابية التي عاشها سنوات طويلة من عمره حتى وصل إلى رئاسة اتحاد نقابات السودان بل رئاسة اتحاد نقابات إفريقيا".
وتحدث ربيع عبدالعاطي مستشار وزير الإعلام والقيادي في الحزب الحاكم مع "عربي بوست" قائلاً إن مسألة تغيير وزير هي مسألة عادية تحصل في أي بلد وهي تخضع لتقييم متخذ القرار سواء كان الرئاسة أو رئاسة الوزراء، فعندما ترى أي من هذه الجهات أن وزيراً ما ليس مناسباً أو أنه مقصر في عمله أو عليه ملاحظات فإنها تقوم بتغييره.
وأضاف "أعتقد أن كشف غندور لبعض المعلومات أمام المجلس الوطني ربما يكون له دور في الإطاحة به، خاصة أنه لم يشاور حزبه بما ينوي أن يقوله، وأن القضايا التي أثارها كان يمكن أن تناقش على المستوى التنفيذي لا على مرأى من المجلس التشريعي، هذا بالإضافة إلى أسباب أخرى متعلقة بتقصيره في أداء بعض المهام".
السبب الثاني: توتر بين الوزير والرئيس
ثاني الأسباب المرجحة لإقالة الوزير هو التوتر المكتوم بين رئيس الجمهورية عمر البشير وإبراهيم غندور منذ زيارة نائب وزير الخارجية الأميركي جون سيلفان للخرطوم يوم 16 سبتمبر/أيلول 2017، والتي قدم فيها مقترحات رفضتها الرئاسة السودانية باعتبارها إملاءات.
ثم جاءت زيارة الرئيس السوداني لروسيا في نوفمبر/تشرين الأول، وهناك أطاح البشير بأجندة الحوار السوداني الأميركي، وهو ما لم يقبله غندور.
وعلق حسام محمد الباحث والمحلل الاستراتيجي، أنه بالإطاحة بغندور، يكون الرئيس البشير تخلص من جميع الأشخاص الذين قادوا الحوار الدبلوماسي مع أميركا ابتداء من مدير جهاز المخابرات السابق محمد عطا المولى ورئيس الأركان السابق عماد عدوي ووزراء المالية ومحافظ بنك السودان السابقين الذين غادروا في التعديلات الوزارية وإبراهيم غندور مؤخراً.
وتأكيداً لما ذهب إليه محمد، فقد أشار تقرير نشره موقع أفريكان إنتلجنس المقرب من الاستخبارات الفرنسية لتوتر العلاقات بين الرئيس السوداني وغندور بعد زيارة نائب وزير الخارجية الأميركي.
وتحدث تقرير ثان على نفس الموقع عن "المقامرة الكبرى" التي يقوم بها البشير بإبعاد الإصلاحيين لصالح المتشددين، ومن ذلك إعادة رجال زمن الترابي وإقصاء المعتدل إبراهيم غندور.
السبب الثالث: تدخل الرئاسة في أعمال الخارجية
وكان السبب الثالث لهذه الإقالة هو تدخل مؤسسة الرئاسة في أعمال وزارة الخارجية بتعيين مسؤولين عن العلاقات مع بعض الدول، مثل تكليف الرئيس لوزير النفط عوض الجاز بملف العلاقات مع الصين، ثم ما انتهى بأخذ ملف العلاقات مع روسيا ثم مع الهند ثم مع جميع دول "البريكس" بالإضافة إلى تركيا من يد وزارة الخارجية.
ومن جهة أخرى كان الرئيس يكلف مدير مكتبه السابق الفريق طه عثمان الحسين بأداء وظيفة مبعوث الرئيس للدول العربية، إذ كان يتنقل بين الرياض وعمان والرباط وأبوظبي والقاهرة، وهو ما كان يغضب غندور، حتى طفح الكيل عندما أعلن الفريق طه عثمان قطع العلاقات مع إيران قبل أن تبلغ وزارة الخارجية السودانية بقرار الرئاسة، وذلك طبقاً للمصادر السابقة نفسها.
السبب الرابع: خوف من المنافسة
وكان رابع أسباب هذه الإقالة، هو تلك الشعبية الكبيرة للوزير، والتي نالها من مواقفه القوية في الدفاع عن حقوق السودان في مياه النيل ومثلث حلايب، وهو ما جعل هناك إمكانية طرح نفسه كشخصية بديلة للرئيس البشير.
وطبقاً لما ذكره المحلل السياسي حسام محمد، فإن نائب وزير الخارجية الأميركي جون سيلفان عندما زار الخرطوم قبل أشهر، قالها بوضوح "يجب ألا يترشح البشير لانتخابات 2020 القادمة، ويجب أن يقوم النظام باختيار بديل مناسب ومقبول".
وأضاف "ربما كان يقصد غندور بكلامه، وهو الرجل المتعلم والنقابي والسياسي البرغماتي والمعتدل غير المتشدد. وهناك نقاش كبير في مسألة إخوانية غندور من عدمها، ويؤكدها عدم اتخاذه لأي مواقف أيديولوجية صارمة".
وقد وافقه في ذلك الصحفي عزمي عبدالرازق مدير تحرير صحيفة ألوان اليومية، والذي قال لـ"عربي بوست" إنه منذ أن تولى إبراهيم غندور وزارة الخارجية، عمل على ترتيب ملفاتها وتوجيه دفتها لصالح السودان، ورغم عمليات التجريف وتقليص صلاحياته بوضع ملف الخليج تحت يد مدير مكتب رئيس الجمهورية الأسبق الفريق طه عثمان، واقتطاع دول البريكس والصين لعوض الجاز، ودخول الدبلوماسية الرئاسية في خط التسوية المفتوحة، إلا أن "غندور لم يركن وحقق اختراقات حقيقية في الجبهة الأميركية وأعاد التوازن مع مصر، بل رجح كفة السودان"، على حد تعبيره.
وقال إن غندور هو وزير يتمتع بلياقة عالية وطموح كبير ورغبة في النجاح ومقاومة الظروف المناوئة، موضحاً أن خبراته المتراكمة في العمل النقابي والسياسي ساعدته كثيراً.
وأضاف أن غندور ربما هو الوحيد من الجيل الثاني في الحركة الإسلامية المقبول للجميع، وعندما كان في الحزب مساعداً للرئيس ابتدر الحوار الوطني وجسر لعلاقة جديدة مع المؤتمر الشعبي ومهد للقاء والترابي والبشير، وهذا رفع اسمه وحظوظه.
وقال "إنه يصلح لقيادة السودان، بل إنه أنسب الشخصيات في المؤتمر الوطني لخلافة البشير، ولعل هذا عجل بإعفائه".
من جانبه استنكر الدكتور ربيع عبدالعاطي مستشار وزير الإعلام والقيادي بالحزب الحاكم هذه التحليلات، معتبرها لا تمت للواقع بصلة.
وأضاف "أن يكون شخصٌ ما لامعاً فهذا لا يعني أنه بديل للرئاسة"، مؤكداً أن مكان طرح البدائل هو المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم) عبر مجلس الشورى وعبر المؤتمر العام للمؤتمر الوطني، "إذا أراد شخص خلاف ذلك فلا حجر عليه وليرشح نفسه بشكل مستقل خارج المؤتمر الوطني. أعتقد ليس هناك من مبرر يجعل من المحللين أن ينحوا هذا المنحى في تحليلهم".