عندما وقعت شهيرة يوسف عقداً مع وكالة Storm Models للأزياء، كان أول ما فعلته أنَّها جلست مع وكيلها وكتبت قائمة. كانت هذه قائمة "حدودها"، أي القوانين التي ينبغي إعلام المصممين والمصورين بها قبل التصوير. ينبغي تغطية ذراعيها وصدرها وشعرها. ينبغي ألا يُنتَظر منها ارتداء ملابس شديدة الضيق، ولا أي شيء لا يجعلها تشعر بالراحة. تقول شهيرة لصحيفة الغارديان: "إنَّني على أتم الاستعداد لأن يكون هناك بعض الأشخاص الذين لا يحبونني، لكنَّ سبب ذلك يمكن أن يكون لكوني امرأة بنفس القدر الذي قد يرجع فيه سبب ذلك لارتدائي الحجاب. لكنَّني قوية وعنيدة، ولن أخضع للأصوات السلبية".
حين تنطلق المحجبات.. لا حواجز الأزياء ولا الرياضة ولا الكوميديا توقف إبداعهنّ
من يحدد معايير الجمال؟
يعد مكتب وكالة دولية لعارضات الأزياء مكاناً مثيراً للاهتمام للتفكير في الجمال. عند مكتب الاستقبال، يأخذ رجل في منتصف العمر ملحوظاتٍ حول المنتجات التي يحتاج شراءها للوصول إلى مرحلة الكمال بشعر ابنته المراهقة، التي كانت تتأرجح في الممر مرتديةً كعباً عالياً بينما تعيد تعلم كيفية المشي. الجدران مغطاة بلقطات لوجوه: هذه هي الوجوه التي تبيع الأشياء، وهي الوجوه التي تحدد تعريف الجمال، لسببٍ ما على كل حال.
عندما تكون الفتيات البيض، بل عندما تكون الفتيات البيض من أصحاب الشعور الشقراء والصدور المسطحة والجلد اللامع هن من يقدن شركات الأزياء ويظهرن على أغلفة المجلات، فإنَّ تداعيات ذلك تعني أنَّ الأنواع الأخرى من النساء لسن جميلات. وأثر هذه الموجات في حياة النساء يتمثل في التأثير على قيمتهن الذاتية وهوياتهن وحدود ما هو ممكن. وهذا هو سبب أهمية هذه الأمور. أمرٌ جلل أن توقع شهيرة يوسف (21 عاماً)، الأصغر بين 8 أشقاء تربوا في ستراتفورد شرق لندن، عقداً مع الوكالة التي اكتشفت كيت موس. وأن يُروَّج لها بصفتها الوجه الجديد للـ"موضة المحتشمة". مع أنَّها تقول بشكلٍ تلقائي: "شعرتُ دائماً بأنَّني جميلة".
في شهر مارس/آذار، عرضت مجلة vogue البريطانية صورةً لعارضة ترتدي الحجاب على غلافها للمرة الأولى. حظيت هذه الخطوة بالثناء في وسائل الإعلام، لكنَّ العارضة حليمة عدن (التي ولدت في معسكر للاجئين الكينيين) لم تُدمَج فحسب بسبب الحرص على التعددية والتمثيل المتساوي، وإنَّما كانت هذه الخطوة خطوةً ذكية بدافع احتياجات السوق. فصناعة الموضة الإسلامية من المتوقع لها أن تصل إلى قيمة 267 مليار جنيه إسترليني (346 مليار دولار) بحلول عام 2021. وتنضم شهيرة يوسف لعددٍ من النساء الشابات اللواتي يعني حجابهن، إلى جانب حصولهن على مسيرة مهنية في عرض الأزياء، أنَّهن قد أصبحن عن دون قصد سفراء لعقيدتهن. وقالت شهيرة: "أنا مهتمة بالكلام عن كوني مسلمة، لكنَّني لست مهتمة بأن أصبح نموذجاً يُقتدى به. أشعر أنَّ هذه مسؤولية كبيرة للغاية لأن يتحملها شخص. ولكنَّني أفهم، مع ذلك، أنَّ ثمة حاجة للمزيد من الشباب الذين يُنظَر إليهم كقدوة".
من صناعة الجمال إلى صناعة السياسات
قررت شهيرة يوسف قبل استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مباشرةً، عندما أدركت عدم وجود تمويل من هيئة الخدمات الصحية الوطنية، أن تدرس السياسة، وقد عزز حريق برج غرينفيل من قرارها. تخطط شهيرة في أن تبدأ في الحصول على شهادة في السياسة العام الجاري، والموازنة بين عرض الأزياء والدراسة (ابتسمت ابتسامةً متوترة عند ذكر هذا الأمر). لكن غالباً سيمتزج الأمران، ذلك أنَّ شهيرة، بمكانتها العالية الجديدة، تستخدم تويتر في النشاط السياسي، وتجد نفسها تناقش البريكسيت والهجرة من مقعد التجميل. وقالت شهيرة: "سواءٌ أحببنا ذلك أم لا، فالجميع اليوم مجبرون على الانخراط في السياسة".
عبَّرت شهيرة بعينيها عن الضيق لمَّا تذكرت المقارنة الأخيرة لبوريس جونسون للنساء المرتديات النقاب بصناديق الخطابات وسارقي البنوك. وقالت شهيرة باعتراضٍ مسهب: "هذا أمر شديد الجهل، ويسلط الضوء على الإسلاموفوبيا المستترة. ربما يحاول الحصول على الاهتمام والزخم، وحشد أصوات الناخبين من حزب استقلال المملكة المتحدة (Ukip). وأياً كان، فهو تعليق شديد السخف. أنا لا أرتدي النقاب، لكنَّني أعرف ما كنتُ سأشعر به من هذا التعليق لو كنتُ أرتديه. سارقو البنوك؟ فكرة أنَّ أولئك أشخاصٌ مؤذون! هذه التعليقات تؤثر على المسلمين. هذه تعليقات تؤثر عليّ". لكنَّها قالت إنَّ ثمة جوانب إيجابية لتعليقاتٍ مثل تعليق جونسون، لأنَّ "الأشخاص مثلي ملزمون أخلاقياً بالاعتراض، وهو ما يعني أنَّ وسائل الإعلام سوف تبدأ في عكس المزيد من الأصوات المسلمة". وقالت إنَّها تعلمت أهمية أن تكون "متحكماً في تعلُّمك وفي فهمك للموقف السياسي. لا تعتمد على مصدر إعلامي واحد. إنَّني ميالة لليسار، فأنا أحب كوربن، وأظن أنَّه يعمل لخير الأغلبية، لكنَّني أحاول التأكد من السماع لوجهات النظر الأخرى. لا بد من الذكاء للانفتاح على الأصوات الأخرى". أخذت شهيرة نفساً قصيراً، ويداها على حجرها ثم قالت: "أذكى شيء تفعله أن تستمع للأشخاص من أصحاب الخبرات ذات الصلة. فمثلاً، ينبغي للجميع الآن أن يستمعوا لتجارب اللاجئين والمهاجرين، مثل عائلتي التي جاءت من الصومال. فالمهاجرون بشر حقيقيون يستحقون التعاطف".
ولا تقصد شهيرة بوضعها لحدود في كل جلسة تصوير مجرد ضمان عدم الضغط عليها لمخالفة دينها الإسلامي، وإنَّما أيضاً بدء حوار حول المتوقع من عارضة الأزياء ومن المرأة. وقالت شهيرة، بهدوء: "صناعة الأزياء صناعة أبوية. وحالتي هذه تصلح محادثةً ينبغي تشجيع جميع النساء على خوضها حول مدى الراحة التي يشعرن بها عند كشف جلدهن وأجسادهن، ومدى الراحة التي يشعرن بها عند عرضهن بصورة موضوعات جنسية. لا ينبغي السماع إليّ فقط لأنَّني متدينة، فهذه المحادثة لا تخص النساء المسلمات فحسب".