مع نهاية العام الجاري، تشير المعطيات الجيوسياسية في الشرق الأوسط إلى تعاظم الدور التركي كفاعل رئيسي في المنطقة، نتيجة تراكمات سياسية واقتصادية بدأت ملامحها بالتشكل بوضوح منذ عام 2024، وتبلورت بشكل أكبر في 2025، ما ساهم بتطور تركيا قوة إقليمية صاعدة.
في ظل بيئة إقليمية اتسمت بتغيرات كبرى في المشهد السوري وتصاعد التوترات في الملف الإيراني، حظيت أنقرة بمتغيرات عزيزت موقعها كقوة إقليمية صاعدة، مستفيدة من موقعها الجغرافي وقدراتها الذاتية للتعامل مع الفراغات الأمنية والفرص الاقتصادية المستجدة.
يناقش هذا التقرير أبعاد الصعود التركي، وأثر المتغيرات في سوريا وإيران وغيرها على الأمن القومي والاقتصاد التركي، إضافة إلى الأدوار الدبلوماسية التي تضطلع بها أنقرة إقليمياً ودولياً.
الملف السوري.. انعكاسات الاستقرار
شكلت التطورات الميدانية والسياسية في سوريا خلال عام 2025 نقطة تحول جوهرية بالنسبة لتركيا وأمنها القومي التركي، حيث أفرزت واقعاً جديداً يخدم المصالح التركية بشكل مباشر.
إذ أدى التغير في موازين القوى في الشمال السوري وتراجع نفوذ التنظيمات التي تصنفها أنقرة كتهديد، مثل وحدات حماية الشعب YPG المرتبطة بحزب العمال الكردستاني إلى تحسن ملموس في أمن الحدود الجنوبية لتركيا.
هذا التحول سمح لأنقرة بإعادة النظر في انتشارها العسكري، وتقليل الاستنزاف الأمني والمادي المرتبط بمكافحة التهديدات عبر الحدود، وفق ما ذهب إليه بعض المحللين الأتراك مثل الباحث عمر بهرام أوزدمير في مجلة "كريتر" التابعة لمؤسسة "سيتا" للأبحاث.
وفي ملف اللاجئين والعودة الطوعية، فإنه مع تحسن الوضع الأمني وبدء مشاريع إعادة الإعمار في سوريا، شهد عام 2025 تسارعاً في وتيرة عودة اللاجئين السوريين، ما ساهم في تخفيف الضغط على الخدمات العامة والبنية التحتية داخل المدن التركية الكبرى، ومعالجة أحد أبرز الملفات التي كانت تثير جدلاً في السياسة الداخلية التركية.
هذه المتغيرات الخارجية المتعلقة بسوريا، انعكست داخلياً في تركيا، ليتحول ملف اللاجئين من عبء اقتصادي إلى عامل مساهم في تنشيط الدورة الاقتصادية عبر الحدود.
وفتحت عملية إعادة الإعمار في سوريا أبواباً واسعة لشركات المقاولات التركية، نظراً للقرب الجغرافي والخبرة المتراكمة. وساهم تدفق مواد البناء والخدمات الهندسية من تركيا إلى سوريا في تنشيط القطاع الصناعي في الولايات التركية الجنوبية، كما عزز التكامل الاقتصادي بين البلدين، مما انعكس إيجاباً على حجم التبادل التجاري، بسحب المصدر السابق ذاته.
من جهته، قال الأكاديمي والباحث التركي المتخصص بالعلاقات الدولية، أنس يلمان، لـ"عربي بوست"، على هامش مؤتمر الشرق الشبابي في إسطنبول، إن التعاطي التركي مع القضية السورية تجاوز مفهوم "السياسة الخارجية" ليصبح شأناً داخلياً تركياً، وهو ما ظهر جلياً خلال الانتخابات الأخيرة حين حاولت المعارضة تصوير الملف كـ"مستنقع" يجب الخروج منه.
في المقابل، حافظت الحكومة التركية على ثبات استراتيجي، حيث اعتبر الرئيس أردوغان السوريين جزءاً من النسيج المجتمعي، رافضاً التهاون في قضيتهم أو إجبارهم على العودة، بل ربط عودتهم باستقرار بلادهم.
وفي مرحلة "ما بعد التحرير"، أشار يلمان إلى أن أنقرة لم ترفع يدها عن الملف، بل انخرطت بشكل مباشر في ثلاثة مسارات حاسمة:
- البناء المؤسساتي: بتقديم الاستشارات الاقتصادية والدفاعية والسياسية لإعادة هيكلة الدولة السورية.
- الضغط الدولي: من خلال قيادة حراك دبلوماسي للضغط على الولايات المتحدة والغرب لرفع العقوبات عن سوريا بشكل عاجل.
- التكامل الأمني: بترسيخ معادلة أن أمن البلدين لا ينفصل، واعتبار نجاح تحرير سوريا مكسباً للأمن القومي التركي ورسالة للقوى الخارجية التي كانت تطمع في الحدود التركية.
ويتقاطع ما تحدث به يلمان، مع ما ذهب إليه الكاتب مراد يشيلتاش من مركز سيتا للدراسات، متحدثاً عن المكاسب التركية من التطورات في سوريا:
1- الاستقلال الاستراتيجي: مع الذكرى الأولى لتحرر سوريا من نظام الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول، فإن هذا التطور الكبير في الجارة السورية، انعكس بشكل مباشر على تركيا كقوة صاعدة في الإقليم، إذ عمل على تكريس مفهوم "الاستقلال الاستراتيجي" (Strategic Autonomy).
بحسب الكاتب، فإنه قبل التدخل المباشر في سوريا، كانت تركيا تعتمد كلياً على المظلة الأمنية للناتو، لكن دورها العسكري هناك، أرسل رسالة سياسية قوية بأن تركيا قادرة على شن عمليات عسكرية كبرى بمفردها لتأمين حدودها، حتى لو عارضت واشنطن أو بروكسل.
وأكد أن تركيا تحولت إلى "قطب ثالث" في المعادلة السورية، ما أجبر الولايات المتحدة وروسيا على التعامل مع أنقرة كشريك لا يمكن تجاوزه وليس تابعاً.
2. هندسة المسار الدبلوماسي: استخدمت تركيا قوتها العسكرية على الأرض "كقوة صلبة" لتحويلها إلى نفوذ دبلوماسي "كقوة ناعمة"، وبرزت تركيا كضامن وحيد للمعارضة السورية قبل انهيار نظام الأسد، ما جعلها ركناً أساسياً في مسار أستانا مع روسيا وإيران.
أما عن الأثر السياسي، فجعل هذا التموضع تركيا تدير التوازنات مع روسيا، ومع صعود تركيا كقوة "تصنيع عسكري"، وتحديداً استخدام الطائرات المسيرة (Bayraktar TB2) في تدمير الأنظمة الدفاعية الروسية (بانتسير) في إدلب وغيرها، كان له أثر سياسي، بتحول الصناعات الدفاعية التركية إلى أداة نفوذ سياسي.
وبدأت الدول تتقرب من تركيا لشراء هذه التكنولوجيا، ما عزز مكانة أنقرة من "مستورد للأمن" إلى "مصدر للأمن"، وبذلك، فإن النجاح في سوريا مهد الطريق لنجاحات لاحقة في ليبيا وقرعون باغ (أذربيجان).
ووفقاً لباحثي مركز "كارنيغي أوروبا" سنان أولغن، ومارك بيريني، فإن تركيا عززت مكانتها التفاوضية مع الاتحاد الأوروبي، وأصبحت أوروبا تدرك أن استقرار تركيا وسياستها في سوريا هو "حائط الصد" الأول لأمن أوروبا، ما أجبر القادة الأوروبيين على الجلوس مع الرئيس أردوغان كشريك استراتيجي رغم الخلافات السياسية.
الحرب على إيران
شهد منتصف عام 2025، حرباً على إيران، من إسرائيل وأمريكا، واستهدفتا البنية العسكرية والأمنية والنووية الإيرانية، ومراكز قوتها في المحافظات المختلفة ما أثر على قوة إيران، بالإضافة إلى استهداف حلفائها في الإقليم مثل حزب الله والحوثيين.
لم تبرز تركيا كلاعب أو منخرط مباشر في تلك التطورات، ولكنها انعكست بشكل غير مباشر على التنافس الإقليمي بينهما.
الأكاديمي أنس يلمان، أورد في تصريحاته، أنه فيما يتعلق بالعلاقة التركية المعقدة مع طهران، وصف السياسة التركية تجاه إيران بـ"لعبة التوازن"، حيث لا يمكن وصف البلدين بالصديقين الحميمين ولا بالأعداء السياسيين، فبينما وقفت تركيا ضد الدور الإيراني (والروسي) في سوريا، إلا أنها تعاونت في ملفات أخرى، لضبك التوازن مع النفوذ الأمريكي في المنطقة.
واستشهد بالملف العراقي كنموذج لهذا التلاقي، حيث تعاونت أنقرة مع طهران وبغداد لمنع تقسيم العراق، ما يعكس رؤية تركية أوسع ترفض "حروب الوكالة" وتعارض التقسيمات الحدودية الموروثة (سايكس بيكو).
كما لفت إلى التحول الجوهري في العقيدة السياسية التركية مؤخراً، إذ انتقلت فيه من التدخل العسكري المباشر إلى لعب دور "الوسيط الضامن" والقوة الدبلوماسية، وهو ما برز في ملفات غزة، وأوكرانيا، وسعيها لصياغة تشكيل سياسي جديد للمنطقة بعيداً عن الصراعات بالوكالة، على عكس إيران.
وأدت الحرب والضغوط التي تعرضت لها إيران إلى تقليص نفوذها الإقليمي، ما خلق فراغاً استراتيجياً سارعت تركيا لملئه دبلوماسياً واقتصادياً، فكان الأثر إيجابيا بشكل غير مباشر عليها بتفعيل الممرات التجارية (مثل طريق التنمية وممر زنغزور).
بحسب منصة "أسباب" للدراسات، فإنه أدى انشغال طهران وتراجع نفوذ حلفائها في العراق والقوقاز إلى إزالة عقبات كانت تعترض مشاريع تركية استراتيجية:
1- طريق التنمية: شهد المشروع الرابط بين ميناء الفاو العراقي والحدود التركية تقدماً ملحوظاً، حيث باتت البيئة الأمنية والسياسية في العراق أكثر ملاءمة للمضي قدماً في المشروع الذي يهدف لربط الخليج بأوروبا عبر تركيا.
2- ممر زنغزور: في القوقاز، ساهم تراجع المعارضة الإقليمية في تعزيز فرص فتح "ممر زنغزور" الواصل بين أذربيجان وتركيا (عبر ناختشيفان)، ما يمهد لربط مباشر مع دول آسيا الوسطى.
لكن على الصعيد الآخر، ذهب تقرير المنصة البحثية إلى أن ما حصل في إيران، يزيد من احتمالات الصدام المباشر التركي مع إسرائيل، فإذا تفكّكت إيران في ظل تبنّى إسرائيل" سياسة "إزالة المخاطر عند منشئها" فستتعرض العلاقات التركية الإسرائيلية لمزيد من التوتر، إذ ستعمل تل أبيب على إنشاء ممرات تمتد من جنوب سوريا إلى شمال العراق، وربما وصولاً لشمال غرب إيران.
وستمتد مناطق التماس مع أنقرة من شمال العراق إلى شمال سوريا، وهي ساحات تعتبرها تركيا مجالَ أمنٍ مباشر، وتخشى من أن تفتح شهيّة نزعاتٍ انفصالية على تخومها.
كما أن الانشغال بإيران يستنفد جزءاً كبيراً من القدرات العسكرية والاستخبارية الإسرائيلية، وفي حال تفكك النظام الإيراني، فقد تصبح تركيا هي الشغل الشاغل لإسرائيل، وستزداد الضغوط الإسرائيلية على الحكومة السورية الجديدة، وستزداد فرص سيناريو تفكيك سوريا لأربعة كيانات، وهو ما يصطدم مع الخطوط الحمراء التركية، وبالتالي تزداد فرص حدوث احتكاكات عنيفة بين تركيا و"إسرائيل"، وفق تقدير المنصة.
من جانبه، حذّر أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية بالقاهرة عماد شاهين على هامش مؤتمر الشرق الشبابي في إسطنبول، من التمدد إسرائيلي المتوقع في المنطقة.
وقال لـ"عربي بوست"، إنه يتوقع أن يشمل التمدد الإسرائيلي "سوريا كما هو الحال كوضع قائم، ولكن في لبنان أيضاً، جنوباً".
بل حذر كذلك من أن "يشمل ذلك مصر أيضاً مع تزايد التلميحات الإسرائيلية حول ذلك، وكذلك العراق، معتبراً أن ذلك يمكن أن يمثل نقطة تلاقي إقليمية لتفادي هذا التمدد الإسرائيلي.
وأشار أيضاً إلى مطامع "إسرائيل" في البحر المتوسط في الغاز وغيره، لا سيما غاز غزة، مؤكداً أنه "حتى وإن لم يواجه التوسع الإقليمي الإسرائيلي بأي نوع من التماسك العربي، لكن قد يحقق نوعاً من العزلة لإسرائيل".
وشهد عام 2025 تبلوراً لمسارات استراتيجية عملت عليها تركيا، ما عزز من قدرتها على التأثير في محيطها الإقليمي:
1. الموقع الجغرافي وأمن الطاقة:
استثمرت تركيا موقعها كجسر بين الشرق والغرب لتعزيز دورها في أمن الطاقة العالمي.
وفي ظل استمرار العقوبات على بعض منتجي الطاقة التقليديين مثل إيران، وتوتر ممرات الشحن البحري، برزت شبكة الأنابيب التركية كخيار استراتيجي لنقل موارد الطاقة من بحر قزوين ووسط آسيا إلى الأسواق الأوروبية.
هذا الدور عزز من الأهمية الجيوسياسية لتركيا بالنسبة للاتحاد الأوروبي، ما ساهم في بناء علاقات قائمة على المصالح المتبادلة.
2. تعزيز مكانة "الممر الأوسط":
مع المخاطر التي هددت طرق التجارة التقليدية والمضائق القريبة من مناطق الصراع الإيراني، توجهت الأنظار العالمية نحو "الممر الأوسط" الذي يمر عبر تركيا كبديل أكثر أماناً للتجارة بين الصين وأوروبا.
أدى ذلك إلى زيادة عوائد الترانزيت وتعزيز موقع تركيا كعقدة لوجستية عالمية، بحسب تقرير المجلس الأطلسي، وتصريحات لوزارة النقل التركية.
3. التمدد في الأسواق المجاورة:
أتاح كذلك تراجع الحضور الاقتصادي الإيراني في أسواق مثل العراق وسوريا وآسيا الوسطى الفرصة للمنتجات والشركات التركية لزيادة حصتها السوقية، مستفيدة من الفراغ الناتج عن تعطل سلاسل التوريد الإيرانية أو العقوبات.
ولا تتوفر بعد أرقام دقيقة بهذا الخصوص، ولكن حذر نواب ومسؤولون إيرانيون صراحة من أن "تركيا تستبدل إيران بسهولة في السوق العراقية"، خاصة في قطاعات البناء والزراعة، نتيجة العقوبات وعدم الاستقرار المالي الذي يواجه المصدرين الإيرانيين.
بينما تجاوزت الصادرات التركية للعراق حاجز 10 مليارات دولار سنوياً، مستفيدة من تعطل منافسيها.
الديناميكيات الدبلوماسية.. تركيا قوة إقليمية صاعدة
استمرت تركيا في عام 2025 بلعب أدوار دبلوماسية نشطة تهدف إلى الموازنة بين القوى والحفاظ على مصالحها:
1. مأسسة "منظمة الدول التركية":
عملت أنقرة على تحويل "منظمة الدول التركية" من إطار تعاون ثقافي إلى تكتل يمتلك رؤية اقتصادية وأمنية مشتركة. شمل ذلك خطوات لتوحيد الإجراءات الجمركية وتعزيز التعاون في مجالات الطاقة والنقل، ما منح تركيا عمقاً استراتيجياً يمتد شرقاً نحو آسيا الوسطى.
ونشر مركز شاف للدراسات (Shaf Center) تحليلاً بعنوان
قمة غابالا 2025: منظمة الدول التركية كقوة جيوسياسية محورية"، نص على أن المنظمة "لم تعد تقتصر على التنسيق الرمزي أو الثقافي" بل تحولت إلى فاعل يمتلك "رؤية متكاملة تجمع بين الاستقرار السياسي والأمن الدفاعي"، وأكد على مركزية "الممر الأوسط" (النقل والطاقة) في هذه الرؤية.
2. سياسة التوازن والوساطة:
في ظل الاستقطاب الدولي، حافظت تركيا على قنوات اتصال مفتوحة مع مختلف الأطراف، وسعت أنقرة لتقديم نفسها كوسيط موثوق في النزاعات الإقليمية، مستفيدة من علاقاتها مع الغرب (كعضو في الناتو) وعلاقاتها المتنامية مع الشرق وروسيا، ما جعلها منصة مقبولة للحوار وتخفيف التوترات.
إذ لعبت تركيا دوراً محورياً ونشطاً جداً في مجال الوساطة الدولية خلال عام 2025، حيث استثمرت علاقاتها الدبلوماسية المتوازنة لحل أزمات معقدة في إفريقيا وآسيا وأوروبا.
وكانت أبرز ملفات الوساطة التي قادتها أو شاركت فيها تركيا خلال عام 2025:
– استكمال الوساطة بين الصومال وإثيوبيا "مسار أنقرة"
يوصف بأنه الإنجاز الدبلوماسي الأبرز لتركيا في الملف الأفريقي عام 2024.
لكن تصاعد التوتر بين البلدين خلال عام 2025، لكن استكملت تركيا مبادرة دبلوماسية مكثفة عرفت بـ"عملية أنقرة"، لوقف التصعيد.
واندلعت الأزمة على خلفية مذكرة تفاهم وقعتها إثيوبيا مع إقليم "أرض الصومال" (صوماليلاند) للحصول على منفذ بحري، وهو ما اعتبرته مقديشو انتهاكاً لسيادتها.
واستضافت تركيا جولات من المحادثات المباشرة وغير المباشرة بين وزيري خارجية البلدين، وتوجت الجهود بقمة ثلاثية وعقد اتفاقيات مثل "إعلان أنقرة"، هدفت لتهدئة التوترات وضمان وحدة أراضي الصومال مع إيجاد صيغة توافقية للمطالب الإثيوبية.
ونجحت الوساطة في نزع فتيل مواجهة عسكرية محتملة ووضع إطار للتفاوض المستقبلي.
– الوساطة المشتركة بين أفغانستان وباكستان
استضافت إسطنبول محادثات بين ممثلي أفغانستان وباكستان بوساطة مشتركة من تركيا وقطر، ولتعزيز الهدنة بين البلدين، رغم التوترات الحدودية والأمنية الشديدة.
صدر بيان مشترك في أكتوبر 2025، أكد فيه الطرفان على استمرار وقف إطلاق النار (الذي تم الاتفاق عليه سابقاً في الدوحة) والاتفاق على آلية للرصد والتحقق لضمان السلام.
– الملف الروسي – الأوكراني
واصلت تركيا مساعيها المستمرة منذ عام 2022، ولكن عام 2025 شهد تحركات نوعية جديدة، مثل اللقاءات الدبلوماسية على هامش منتدى دولي في تركمانستان، عقد الرئيس التركي لقاءات مع الجانب الروسي، حيث صرح بأن "السلام ليس بعيداً".
ورحبت روسيا (وفق تصريحات الكرملين في ديسمبر 2025) برغبة تركيا واستعدادها المستمر للعب دور الوسيط.
وركزت الجهود التركية في هذا العام على تهيئة الأرضية لمفاوضات سلام محتملة أوسع، خاصة مع التغيرات السياسية في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى الحفاظ على ممرات تجارية آمنة (ملف الحبوب والملاحة في البحر الأسود).
– الدور التركي في حرب غزة
كان لتركيا دور في محاولات وقف الحرب في غزة وترتيبات ما بعد الحرب، إذ انخرطت الدبلوماسية التركية بقيادة وزير الخارجية ورئيس الاستخبارات في محادثات مكثفة مع الأطراف الدولية (بما فيها الولايات المتحدة ومصر وقطر) لمحاولة فرض وقف إطلاق نار دائم.
وطُرح اسم تركيا بقوة في 2025 كجزء من "قوة استقرار" محتملة أو ضمن الدول الضامنة لأي اتفاق، حيث أبدت أنقرة استعدادها لتحمل مسؤوليات ميدانية وسياسية لضمان وقف إطلاق النار وإعمار غزة، مع رفضها لأي خطط تستبعد "حماس" من المعادلة السياسية الفلسطينية دون توافق وطني.
وكان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، قال خلال مشاركته في "مؤتمر الشرق الشبابي الدولي التاسع" في إسطنبول: "دعونا المجتمع الدولي للتحرك جبهةً موحدةً في مواجهة هذه الأزمة، وتواصلنا في الوقت ذاته مع العالم الإسلامي ليصدر نداءً بصوت واحد".
وتطرق إلى الاجتماع الخاص بغزة الذي عُقد على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول 2025.
وقال: "لم نكتفِ بخطابات غاضبة فقط، بل أردنا قبول خطة سلام من جميع الأطراف. لذلك نظمنا قمة شرم الشيخ للسلام (أكتوبر 2025). ولعبت تركيا دوراً نشطاً جداً من أجل وقف إطلاق النار، بالشراكة مع قطر ومصر والولايات المتحدة".
وأضاف أن المرحلة التالية لوقف إطلاق النار تتطلب دوراً جديداً، وأن "وقف إطلاق النار ليس سلاماً، لأن السلام يتطلب العدالة، والعدالة تتطلب قيام دولة فلسطينية ذات سيادة، حرة وقابلة للحياة".
3. الشراكة مع أفريقيا
واصلت تركيا استراتيجية الانفتاح على القارة الأفريقية، ليس فقط عبر المساعدات الإنسانية، بل من خلال شراكات اقتصادية وأمنية مستدامة.
وركزت أنقرة على مشاريع البنية التحتية والتطوير، مما أمن لها حلفاء جدد وأسواقاً واعدة لصادراتها.
في يوليو/تموز 2025، عززت تركيا شراكتها مع النيجر من خلال تفعيل اتفاقيات واسعة النطاق.
لم تقتصر الشراكة على تزويد الجيش النيجري بطائرات مسيرة متطورة (من طراز "أقينجي" و"بيرقدار") لمكافحة الإرهاب فحسب، بل شملت بدء شركة "MTA" التركية (المديرية العامة للبحث والتنقيب عن المعادن) عمليات استخراج الذهب واليورانيوم بشكل رسمي، مما يضمن لتركيا موارد استراتيجية وللنيجر حماية أمنية وعوائد تنموية.
وأعلنت وزارة الطاقة التركية في الربع الأول من عام 2025 عن نتائج المسح السيزمي الإيجابية قبالة السواحل الصومالية، بعد وصولها في أواخر 2024.
هذا الإعلان حوّل الشراكة من مجرد دعم أمني وتدريب للجيش الصومالي، إلى شراكة طاقة استراتيجية، حيث بدأت التحضيرات لعمليات حفر تجريبية.
هذا المشروع وصفه كاتبون أتراك بأنه يمثل العمود الفقري لاستراتيجية "أمن الطاقة" التركية في القرن الأفريقي.
في الختام، يُظهر تحليل المشهد في عام 2025 أن صعود تركيا كقوة إقليمية لم يكن نتاج قوة عسكرية، بل نتيجة لقراءة براغماتية للمتغيرات الإقليمية، وتحويل التحديات الأمنية في سوريا إلى فرص اقتصادية واستراتيجية، واستثمار لتراجع النفوذ الإيراني لتعزيز مشاريع الربط الإقليمي.
ورغم التحديات المستمرة، فإن تركيا رسخت موقعها كلاعب رئيسي في معادلات الشرق الأوسط وأوراسيا، معتمدة على مزيج من القوة الناعمة، والموقع الجغرافي، والقدرات الدفاعية المتنامية، بحسب ما استعرضه التقرير.