نظرة أعمق: مصر تتجه لتعزيز علاقاتها مع دول إسلامية بسبب إسرائيل

عربي بوست
تم النشر: 2025/12/08 الساعة 15:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/12/08 الساعة 15:16 بتوقيت غرينتش
الدبلوماسية المصرية تتجه للتقارب أكثر مع دول إسلامية/ عربي بوست

توجهت مصر مؤخراً لتعزيز علاقاتها مع مجموعة من الدول الإسلامية، وبدا واضحاً أن القاهرة تعيد رسم خارطة علاقاتها الخارجية بعين مُركّزة على العالم الإسلامي، مدفوعة بالتحولات الإقليمية والدولية المتسارعة. وكان آخر ملامح هذا التحول الاتفاقيات التي وقعتها مصر مع باكستان بهدف التعاون على المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية.

هذا التقارب بين القاهرة وإسلام آباد جاء تزامناً مع استضافة مصر اجتماعات منظمة الدول الثماني النامية للتعاون الاقتصادي (D-8)، ما يشير إلى رغبة القاهرة في إحياء شراكات استراتيجية مع دول إسلامية، مثل باكستان وتركيا ودول مجلس التعاون الخليجي، وهي شراكات تنضج على أسس اقتصادية وسياسية متجددة.

ويُنظر إلى التقارب المصري مع دول إسلامية كبرى كاستجابة استراتيجية لتنامي ما يُعتبر تهديدات إسرائيل في المنطقة، وتطورات ملف الحرب على قطاع غزة. وتعزيز شبكة من الشراكات بين الدول الإسلامية يُفسَّر كخط دفاع دبلوماسي وسياسي يهدف إلى مواجهة الضغوط الإقليمية، وتحصين مواقف الدول المسلمة إزاء التطورات في الشرق الأوسط.

من خلال هذا التقرير نستعرض تفاصيل التقارب المصري مع باكستان وغيرها من الدول الإسلامية، والمستويات التي شملها هذا التقارب واتفاقيات التعاون، إضافة إلى تأثير إسرائيل ودورها في دفع القاهرة نحو تعزيز علاقاتها بدول إسلامية "غير مطبعة"، وكيف تسعى مصر من وراء ذلك لكبح جماح إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط؟

مصر والدول الإسلامية: أوجه التقارب

مصدر مصري مطلع قال إن تعزيز التعاون مع باكستان يحمل أوجه مختلفة إذ تؤكد مصر حرصها على تعميق علاقاتها التاريخية مع إسلام آباد، والرغبة في تعميق التشارك في القطاعات الاقتصادية والتجارية، والعسكرية والأمنية، والدينية والثقافية، لا سيما وأن هناك توجهات واضحة لزيادة حجم التبادل التجاري.

المصدر الخاص الذي صرح لـ"عربي بوست" شريطة عدم ذكر اسمه، أشار إلى أن الإصلاحات الاقتصادية الشاملة التي أجرتها مصر مؤخراً تعد عنصراً مهماً لتعزيز هذه العلاقة مع الدول الإسلامية، مضيفاً أن تفعيل مجلس الأعمال المشترك سيشكل دفعة قوية لهذه الجهود.

كما أن التقارب مع باكستان، يضيف المصدر، يحمل وجه آخر يتعلق بتنسيق المواقف السياسية بشأن مجموعة من القضايا الإقليمية، في القلب مجابهة الانقلاب الإسرائيلي على اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة وسعيها إلى إفشال استكمال مراحله باعتبار أن باكستان كانت إحدى الدول التي شاركت في قمة شرم الشيخ.

حسب مصدر "عربي بوست" فإن مصر تستهدف أيضاً من خلال هذا التقارب مع باكستان وغيرها من الدول الإسلامية، تدشين تكتل سياسي يمكن أن يضغط على الإدارة الأميركية نحو تخفيف حدة التوتر في المنطقة التي من المتوقع أن تأخذ في التصعيد خلال الفترة المقبلة.

الرئيس التركي يصافح نظيره المصري في قطر - رويترز
الرئيس التركي يصافح نظيره المصري في قطر – رويترز

ولفت المتحدث إلى أن القاهرة تتطلع لزيادة مستوى التبادل التجاري، والاستفادة من عبور الواردات الباكستانية عبر الممر الملاحي لقناة السويس، كما تستهدف أن يكون هناك تنسيقاً في مجال مكافحة الإرهاب وتطوير القدرات العسكرية مع التوجه المصري نحو التصنيع المشترك.

وأشار إلى أن مصر بوجه عام تنتهج سياسة الانفتاح على منطقة وسط آسيا، وتعد باكستان دولة محورية في هذا الإطار ما يعكس استراتيجية الدولة في تنويع شراكاتها الدولية، خاصة وأن باكستان دولة إسلامية كبرى تجمعها بمصر عضوية منظمة التعاون الإسلامي وقواسم مشتركة عديدة.

ودعت مصر إلى إعداد خريطة طريق مشتركة مع باكستان، بهدف تعزيز التعاون، وتشمل الملفات السياسية والاقتصادية والتجارية والعسكرية والأمنية والدينية والثقافية، وأكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي على اهتمام بلاده بتوسيع التعاون مع باكستان في مجالات الاقتصاد والتجارة والاستثمار.

مواجهة التصعيد الإسرائيلي في المنطقة

مصدر دبلوماسي تحدث شريطة عدم ذكر اسمه، أوضح أن سياق التحولات الجيوسياسية السريعة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة، فإنه تبرز العلاقات بين مصر وباكستان من جانب وبين مصر والدول الإسلامية الفاعلة لتحقيق شراكات استراتيجية تعكس التقارب التاريخي والثقافي.

وأشار المصدر في تصريحه لـ"عربي بوست" إلى أن القاهرة وباكستان قررا أن تكون عوامل تقارب تقوم بالأساس على التعاون في المجال العسكري، وحدث ذلك منذ عام 2016 حينما شهدت القاهرة زيارات متكررة لقادة الجيش الباكستاني، وعبر ذلك عن وجود استراتيجية مشتركة لمواجهة التهديدات في القلب منها مجابهة الإرهاب.

ووفق المصدر الدبلوماسي فإن نتيجة ذلك شهدت أن السنوات الأخيرة تقارباً بين مصر وباكستان في إنتاج الأسلحة حيث تم الاتفاق على مشروعات مشتركة لتصنيع الذخائر والمركبات العسكرية، مستفيدين من الخبرة الباكستانية في الصواريخ والمصرية في الغواصات.

كما أنه من نتائج هذا التعاون في الصناعات الدفاعية تطوير أنظمة رادار متقدمة كما أن هناك تنسيقاً استخباراتياً بشأن مجابهة الجماعات المتطرفة، وكذلك فإن القوات الباكستانية شاركت بآلاف الجنود في عمليات قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة داخل دول إفريقية مختلفة.

ويعتقد المصدر ذاته أن الجانب الأكثر أهمية في إعادة صياغة علاقة القاهرة مع باكستان مؤخراً هو أن القاهرة اتجهت إلى الشراكة الاستراتيجية مع دولة لم تعترف بإسرائيل وتدعم القضية الفلسطينية، وهو ما يشير إلى أن مصر لن تقف مكتوفة الأيدي أمام خطط إسرائيل التوسعية وسيكون لديها تحالف قوي داعم للقضية الفلسطينية ويرفض الممارسات التي تنتهجها دولة الاحتلال.

وأشار مصدر "عربي بوست" إلى أن إسرائيل ترى في التعاون المصري الباكستاني في مجال الصواريخ أنه تهديد محتمل ضدها وبالتالي فإن حكومة الاحتلال تعزز علاقاتها مع الهند في المقابل.

وشدد على أن تعزيز التعاون مع باكستان لا ينفصل عن توجه القاهرة نحو إحداث تقدم ملموس في العلاقات مع دول إسلامية أخرى بارزة في مقدمتها تركيا بعد أن بلغ التقارب ذروته بعودة تدريبات "بحر الصداقة" في سبتمبر/أيلول الماضي بعد توقف 13 عاماً.

كما أن القاهرة اتجهت نحو تعميق علاقاتها مع الجزائر كدولة إسلامية وعربية، مؤكداً أنه لا يوجد حلف إسلامي في مواجهة إسرائيل لكن تعميق العلاقات والوصول بها لدرجات الشراكة الاستراتيجية يبرهن على أن هناك تماثلاً في كثير من المواقف بخاصة في وجه الأخطار التي تهدد الدول الكبرى في منطقة الشرق الأوسط في ظل أطماع إسرائيل التوسعية.

وأكدت باكستان ومصر التزامهما بتعزيز التعاون الدفاعي وتوطيد الروابط الاستراتيجية خلال لقاء جمع بين رئيس أركان الجيش الباكستاني المشير سيد عاصم منير ووزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، وقالت القوات المسلحة الباكستانية إن البلدين جددا التزامهما بتقوية التعاون الدفاعي وتوسيع الروابط الاستراتيجية.

الرئيس المصري خلال اجتماع مع رئيس وزراء إسرائيل عام 2017 - رويترز
الرئيس المصري خلال اجتماع مع رئيس وزراء إسرائيل عام 2017 – رويترز

"تحالف إسلامي" حقيقي أم مجرد ورقة ضغط؟

بحسب محلل سياسي مصري فإن التعاون بين مصر وباكستان أكبر من مجرد علاقات ثنائية لكنها تأتي في سياق أوسع لتحالفات إقليمية تهدف إلى تعزيز الاستقرار بدول العالم الإسلامي ومنطقة الشرق الأوسط، وأشار إلى أن هذا التعاون وتعزيز المواقف بين دول إسلامية فاعلة في المجتمع الدولي من الممكن أن يتطور ليصبح نواة لتحالفات متعددة الأطراف.

وهناك العديد من الهيئات والمنظمات الإسلامية التي من الممكن أن يأتي في إطارها هذا التعاون بينها منظمة التعاون الإسلامي ويضم 57 دولة و"التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب" وتضم 43 دولة إسلامية، خاصة وأن هذا التحالف يتيح تبادل المعلومات الاستخباراتية وإجراء تدريبات مشتركة في نطاق إقليمي وهو ما يعزز تنسيق المواقف السياسية.

وذكر المحلل السياسي في تصريحه لـ"عربي بوست" أن التنسيق بين مصر والدول الإسلامية يشير إلى تحول مهم في التوجهات المصرية تجاه تدشين تحالفات مرنة بخاصة وأن مصر بموقعها الجغرافي يمكن أن تكون حلقة وصل بين الدول الإسلامية في الشرق الأوسط ودول آسيا الجنوبية.

كما أن التنسيق بين مصر والدول الإسلامية يأتي في سياق التقارب مع الدول الخليجية التي لديها علاقات جيدة بخاصة مع تركيا وباكستان وهو ما يعزز القدرة الجماعية على مواجهة التحديات الجيوسياسية، مع الحفاظ على السيادة الوطنية لكل دولة، ويشكل التقارب الباكستاني-المصري محفزاً رئيسياً لهذا التطور.

وبحسب المصدر ذاته الذي تحدث لـ"عربي بوست" شريطة عدم ذكر اسمه، فإن تدشين تحالفات إسلامية يعد أمراً مهماً للغاية في الوقت الحالي، فليس هناك دولة بمفردها بإمكانها أن توقف أطماع إسرائيل في ظل الدعم الأميركي غير المحدود.

هذه التحالفات، يقول المتحدث، لا يجب أن تكون هدفها الدخول في معارك عدائية لكنها تردع بالأساس أي أطماع تهدد استقرار منطقة الشرق الأوسط، كما أن اتحاداً عسكرياً واقتصادياً للدول الإسلامية، أمر يدعمه تركيا والعديد من الدول الإسلامية منذ سنوات طويلة، وهي تحظى الآن بدعم أكبر لكنها بحاجة إلى تنسيق بشأن تفاصيل هذا الاتحاد.

ويبلغ حجم التبادل التجاري بين القاهرة وإسلام آباد نحو 217 مليون دولار حسب سفير باكستان في القاهرة عامر شوكت. وقال في لقاء مع اتحاد غرف التجارة المصرية أكتوبر/تشرين الأول الماضي إن حجم الاستثمارات الباكستانية في مصر يصل إلى 36 مليون دولار، موزعة على 117 شركة.

من جهته أعلن نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الباكستاني محمد إسحاق دار عن إنشاء مجلس أعمال جديد بين باكستان ومصر، بهدف إضفاء الطابع المؤسسي على التعاون وتعزيز الأنشطة التجارية المتبادلة والتواصل بين قطاعي الأعمال في البلدين.

تحميل المزيد