أثارت مشاركة وزير الدفاع المصري عبد المجيد صقر في المرحلة الرئيسية للمشروع التكتيكي الذي نفذته إحدى وحدات المنطقة الغربية العسكرية قبل أيام في حضور واسع للشخصيات العامة وشيوخ محافظة مرسى مطروح على الحدود الغربية مع ليبيا تساؤلات عديدة حول المغزى منها في وقت ذهبت فيه القاهرة نحو تعزيز تحركاتها للتعامل مع منافذ تسلل الأسلحة إلى الجماعات المسلحة قرب حدودها ويظهر ذلك عبر التعاون المتقدم مع دولة تشاد ومباحثات وزير الخارجية بدر عبدالعاطي في الجزائر بشأن الحل في ليبيا.
الصورة الكبيرة
- تفاقم الحرب في السودان وسيطرة "الدعم السريع" على أجزاء من المثلث الحدودي (ليبيا–مصر–السودان) يرفع مخاطر تسلل السلاح والمخدرات والبشر، ويخلق ضغوطًا أمنية ولوجستية متغيرة الإيقاع.
- القاهرة تُوازن بين الردع الميداني (مناورات/ذخيرة حيّة/رسائل علنية) وإسناد دبلوماسي (تنسيق مع تشاد، وتشاور ثلاثي مصري–جزائري–تونسي بشأن ليبيا) لتقليل مخاطر "الفراغ الحدودي" وتوسّع الميليشيات.
ما تقوله مصادرنا
قال مصدر عسكري مطلع، إن مشروع التدريب في المنطقة الغربية العسكرية يأتي في إطار تدريبات الجيش المصري وقبلها كان هناك تفتيش حرب لإحدى التشكيلات التكتيكية في المنطقة المركزية وهي تستهدف رفع الكفاءة القتالية على جميع الجبهات، خاصة أن مصر ترى بأن هناك خطراً داهماً من المنطقة الغربية والجنوبية مع سيطرة قوات الدعم السريع على منطقة المثلث الحدودي، وهو ما يتطلب تدابير أكثر دقة لحفظ الأمن القومي المصري.
وأضاف أن القاهرة تؤكد على جاهزيتها في التعامل مع أي تهديد يأتي من الحدود الغربية أو الجنوبية مع اشتعال الحدود الشمالية الشرقية منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة، وأن الاتجاه للتدريب على مشروع تكتيكي هجومي بالذخيرة الحية يؤكد على أن الدخول في حرب مع أي مجموعات مسلحة تهدد الأمن القومي أمراً محسوماً في حال طالت التهديدات الحدود المصرية، مشيراً إلى أن مصر لديها القدرة على تأمين الحدود الجنوبية، حال حدوث أي تهديد مباشر من قوات الدعم السريع، وأن القاهرة تتبنى خيار السلام، غير أنها لديها القدرة على الرد بقوة مع أي تهديد لها.
وأوضح أن الحرب الداخلية في السودان تؤثر بشكل مباشر على الأمن القومي المصري، وأن القيادة السياسية تدعم الجيش السوداني بشكل واضح، وترفض أي انتهاكات من الدعم السريع، لافتاً لوجود مخاوف مصرية من تطور الأوضاع في السودان إلى مرحلة المطالبة بالتقسيم، خصوصاً بعد سيطرة الدعم السريع على إقليم دارفور.
تفاصيل التمرين ورسائل الردع
- المرحلة الرئيسية شملت إدارة أعمال قتال لاقتحام الحد الأمامي لدفاعات عدو افتراضي، بمساندة القوات الجوية (استطلاع/تأمين/معاونة)، وتحت ستر الدفاع الجوي، ومع المدفعية لإرباك وتدمير الاحتياطات ومراكز القيادة والسيطرة.
- التظهير العلني للتدريب بحضور وزير الدفاع ومجتمع محلي حدودي يحمِل رسالة مزدوجة: طمأنة داخلية وردع خارجي ضد أي رهان على رخاوة الحدود.
وشدد وزير الدفاع المصري الفريق أول عبد المجيد صقر على قدرة جيش بلاده على "حماية الوطن في كافة الاتجاهات"، خلال حضوره المرحلة الرئيسية للمشروع التكتيكي الذى تنفذه إحدى وحدات المنطقة الغربية العسكرية بالذخيرة الحية.
تهديد "المثلث الحدودي"… ولماذا يقلق القاهرة؟
بحسب مصدر عسكري مطلع آخر، فإن سيطرة الدعم السريع على منطقة المثلث الحدودي تمكنها من السيطرة على طريق إمداد الأسلحة المهربة من ليبيا، والأخطر من ذلك أنها أضحت تسيطر على جزء بسيط من الحدود المصرية السودانية وتلك المنطقة الآن خارج سيطرة الجيش السوداني، ما يجعل هناك مخاوف مصرية من أن تبقى هذه المناطق منافذ لتهريب السلاح والمخدرات والبشر، بخاصة وأن هذه المناطق تاريخياً معروفة بأنها توظف للاتجار بالبشر.
وأوضح المصدر أن الجيش السوداني حاول عدة مرات خلال الأيام الماضية شل تواجد الدعم السريع بمنطقة المثلث الحدودي عبر استخدام سلاح الطيران، لكن هذه المنطقة بحاجة لمواجهة مباشرة مع القوات الموجودة على الأرض في حين أن الأولوية الآن لمنع سقوط مناطق جديدة في ولاية كردفان باعتبار أنها تحاذي دارفور من الشرق ويشكل بقاء السيطرة عليها من جانب الجيش ضماناً لتأمين العاصمة الخرطوم وهو ما يجعل الجيش المصري يكثف استعداداته للتعامل مع أي أخطار محتملة.
ولفت إلى أن هناك خطر غير مباشر يحدق بالقاهرة جراء سيطرة الدعم السريع على المثلث الحدودي إذ يتمثل ذلك في أن العناصر التي يقودها محمد حمدان دقلو (حميدتي) أضحى لديها خط إمداد بالسلاح وهو ما يساهم في تقويتها، ويشكل تهديداً في تلك الحالة نتيجة العداء التي تواليها مصر لقوات الدعم السريع ودعم الجيش السوداني الذي قد يجد نفسه في موقف الضعيف إذا لم يجد هناك دعماً قوياً في المقابل.
وذكر أن حميدتي لن يجرؤ على تهديد الأمن القومي المصري ويدرك بأن ذلك لديه عواقب وخيمة ولكنه سيعمل على إثارة الذعر بين المدنيين وإثارة حالة من الفوضى قرب الحدود المصرية ويوظف تواجده في منطقة المثلث الحدودي لتحقيق أهداف سياسية على المدى البعيد، لافتاً إلى أن التعاون مع قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر يضع القاهرة في مأزق مع حلفائها في ليبيا لكن ذلك لا يمنع من الاستعداد لأي تهديدات قد تترتب على سيولة تهريب الأسلحة وتسليح مزيد من الأفراد وإيجاد نقاط تواصل بين مجموعات مسلحة مختلفة.
الجغرافيا الصعبة… والخطر المسيَّر
تقع منطقة المثلث الحدودي عند جبل العوينات على ارتفاع نحو ألفي متر فوق سطح البحر، وسط أمواج من رمال الصحراء الكبرى، في بيئة قاسية وجافة جداً، مغطياً مساحة تزيد على 1500 كيلومتر… ولا يشكل الدعم السريع خطراً على مصر تجاه هذه المنطقة فقط بل أن استخدام سلاح المسيرات واقترابها من الحدود المصرية يشكل عامل تهديد آخر… وخلال هذا الشهر أعلن الجيش السوداني تصديه لطائرات مسيّرة تابعة لـ"قوات الدعم السريع" حاولت استهداف مدينة مروي بالولاية الشمالية شمالي البلاد.
الرسالة السياسية المصرية
حذر وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، من "رد فعل قوي لبلاده، حال تهديد أمنها القومي المباشر"، وقال في تصريحات متلفزة مؤخراً، عقب زيارته لبورتسودان هذا الشهر إنه "لا يمكن السماح لأي طرف تحت أي ظرف المساس بحدود بلاده".
وشدد عبد العاطي على أن "بلاده قادرة على حماية حدودها، وأمنها القومي، حال حدوث أي تهديد مباشر"، وأشار إلى أن "الجيش المصري قادر على حماية حدوده، ولا يمكن العبث بها من قبل أي طرف أياً كان"، كما جدد التأكيد على "دعم القاهرة لمؤسسات الدولة الوطنية السودانية بكل قوة، وعلى رأسها المؤسسة العسكرية السودانية" كما شدد على أن "مصر لن تسمح بوجود كيانات موازية، أو ميليشيات مسلحة خارج إطار الدولة"، معتبراً أن ذلك يعني تقسيم السودان، وهو ما لن تقبل به مصر أبداً.
ليبيا: مسرح ثانٍ للقلق… وثالث للتنسيق
وبحسب مصدر حكومي مطلع على الملف، فإن مصر تتأثر سلباً بالاضطرابات المستمرة في ليبيا منذ ما يزيد عن عقد وكذلك استمرار الحرب في السودان والتي تدخل عامها الثالث وهو ما يترك تأثيراته على الحدود… انتشار الميليشيات يعني تمويلًا خارجيًا… وبعضها محسوب على معسكر معادٍ للقاهرة… مع ضغوط إثيوبية باتجاه منفذ على البحر الأحمر أو قاعدة عسكرية، ما ترفضه مصر ويشي بإمكان اندلاع حروب وكالة.
وأشار إلى أن الأوضاع المتفاقمة فى السودان، تمثل قنبلة موقوتة يمكن انفجارها فى أى لحظة، مما قد يغير ملامح المنطقة بأسرها، ومن المعروف أن أي ضعف في سيادة السودان سيُعرض الحدود الجنوبية لمصر لمخاطر أمنية مباشرة، ويزيد من احتمالية انتشار الفوضى، وتدفق السلاح وتهريب البشر وتنامي النشاط الإجرامي عبر الحدود، وهو ما يجعل سيطرة الدعم السريع على الفاشر وسقوط كامل إقليم دارفور بيدها ليس فقط انتصارا ميدانيا لمليشيا مدعومة خارجيا، بل يمثل تحولا استراتيجيا يعيد رسم خريطة النفوذ على حدود مصر الجنوبية، وهو ما تتحسب له مصر وتستعد عبر تحركات مختلفة.
وذكر أن القاهرة تسعى لأن تستخدم سلاح الردع من خلال التأكيد على قوتها وقدرتها التعامل مع أي تهديدات من الحدود الغربية والجنوبية وذلك قبل أن تصبح حدود مصر الجنوبية أكثر هشاشة، والمثلث الحدودي قد يتحول لممر مفتوح للسلاح، والذهب، والجماعات المسلحة، وأن وجود كميات هائلة من الذهب بتلك المنطقة يمكن أن يُعيد إنتاج الجريمة المنظمة والإرهاب العابر للحدود، ما يشكل تهديدا مباشرا لأمن مصر بالصحراء الغربية والجنوبية.
ولفت إلى أن مصر لم تتحرك فقط باتجاه الاستعداد العسكري ولكن هناك تحركات دبلوماسية على اتجاهات مختلفة في مقدمتها تعزيز التعاون مع دولة تشاد وهي دولة ممر مهم لعبور الأسلحة إلى قوات الدعم السريع ولديها حدود مشتركة مع إقليم دارفور الواقع تحت سيطرته، ولعبت دوراً مهماً في تغذية قواته منذ بدء الحرب.
التحركات الدبلوماسية: تشاد أولًا ثم الجزائر/تونس
تحرّك مصري–تشادي: ترأس بدر عبد العاطي اجتماع اللجنة المصرية–التشادية المشتركة مع وزير خارجية تشاد عبد الله صابر فضل؛ أولوية لتعزيز التعاون الفني/الاقتصادي/الاستثماري، وتوسيع التبادل التجاري (اللحوم التشادية/الأدوية المصرية)، كجزء من إحكام مسارات العبور في دولةٍ تعدّ ممرًا للسلاح إلى دارفور.
على المسار الليبي: مصر تحرّكت مع الجزائر باتجاه وقف الحرب في ليبيا… التنسيق ضروري لمنع هشاشة دولة جوار غربي تُقوّي المجموعات المسلحة." كما أن الآلية الثلاثية (مصر–الجزائر–تونس)، التي انطلقت 2017 واستؤنفت في مايو الماضي، دعت الأطراف الليبية إلى "تغليب المصلحة الوطنية وإنهاء الانقسام وتوحيد المؤسسات تمهيدًا للانتخابات.
تحذير بحثي داعم: دراسة للمركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات حذّرت في مايو من تسلّل خلايا من ليبيا وتهريب أسلحة نوعية إلى دول الجوار، في صحراء مفتوحة تتشابك حدودها مع ست دول (السودان/تشاد/النيجر/مصر/تونس/الجزائر).
الخلاصة — لماذا يهم؟
- رسالة الردع: إظهار الكفاءة القتالية غربيًا (مع ذخيرة حيّة وتغطية جوية/مدفعية) يهدف لردع أي رهانات على فراغٍ حدودي أو تشتّت تركيز مصر مع جبهات أخرى.
- نهج "الجبهات المتزامنة": استعداد ميداني + تنسيق دبلوماسي (تشاد/الجزائر/تونس) + مراقبة دقيقة لممرات التهريب في المثلث الحدودي.
- المخاطر المقبلة: استمرار "الدعم السريع" في تثبيت خطوط إمداد، واتساع استخدام المسيّرات، وتحوّل بعض نقاط الذهب والسلاح إلى اقتصاد حرب عابر للحدود—وهو ما يدفع القاهرة إلى إبقاء جهوزية مرتفعة وتحسين استجابة المجتمع الحدودي ورسائل الردع الوقائي.