صراع السلطة: الأزمة بين وزير الجيش ورئيس الأركان تهز المنظومة العسكرية بإسرائيل

عربي بوست
تم النشر: 2025/11/27 الساعة 13:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/11/27 الساعة 13:16 بتوقيت غرينتش
خلاف حاد بين وزير الجيش يسرائيل كاتس ورئيس الأركان إيال زامير/ عربي بوست

على الرغم من أن وزير الجيش يسرائيل كاتس، ورئيس الأركان إيال زامير، كانا خيار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لبسط السيطرة على المنظومة العسكرية، إلا أن صراعاً حاداً اندلع بين الجانبين بلغ حد التراشق العلني.

وفي خضم "العاصفة الهائلة" بين المنظومة العسكرية والحكومة، كما تصف صحيفة "معاريف"، ألمح رئيس الأركان إلى حاجة الدولة لقيادة تعترف بالفشل وتجرؤ على إحداث التغيير، في هجوم ضمني على القيادة السياسية في إسرائيل.

وقال زامير في كلمة له في معهد بن غوريون: "اليوم بات واضحاً لنا دون أدنى شك، نحن بحاجة إلى قيادة شجاعة وهادفة تغير الواقع، قيادة تدرك الفشل وتجرؤ على قيادة التغيير.. ليست قيادة تراوغ، بل تواجه الحقيقة وتحدد مساراً جديداً".

كيف تفجر الخلاف بين زامير وكاتس؟

تفجر الخلاف علناً بين كاتس وزامير، بعد قرار وزير الجيش تجميد تعيينات رفيعة في الجيش، وإعادة فحص تقرير لجنة ترجمان حول إخفاقات 7 أكتوبر/تشرين الأول عام 2023.

حيث يرفض كاتس الموافقة على مرشح زامير لمنصب الملحق العسكري في واشنطن، العميد تال بوليتس، ويصر على تعيين سكرتيره العسكري، العميد غاي مارشيسانو.

وفي ظل هذه الظروف أرجأ الوزير أيضاً الموافقة على تعيينات إضافية أقرها زامير، بما في ذلك قائدا سلاح الجو والبحرية.

ولا يقتصر الخلاف بين كاتس وزامير على التعيينات، فقد تناولت المواجهة العلنية بينهما التقرير الذي قدمه سامي ترجمان، والذي يتناول إخفاقات 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث طلب وزير الجيش إعادة النظر في التقرير، ما أثار رداً حاداً من رئيس الأركان.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الجيش يسرائيل كاتس/ رويترز
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الجيش يسرائيل كاتس/ رويترز

وقال زامير في بيان، إن "قرار التشكيك في التقرير، الذي كتبه على مدى سبعة أشهر 12 جنرالاً وفريقاً، والذي وافق عليه قائد الجيش وعرض على الوزير شخصياً، أمر محير".

وأشار زامير إلى أنه اطّلع على قرارات كاتس عبر وسائل الإعلام، في الوقت الذي كان فيه في تدريب طارئ على مستوى هيئة الأركان في منطقة الجولان.

وأضاف أن "الجيش هو الجهة الوحيدة في الدولة التي حققت في إخفاقاتها بشكل معمق وتحملت المسؤولية عنها. وإذا كانت هناك حاجة إلى فحص إضافي لاستكمال الصورة، فيجب أن يكون ذلك عبر لجنة خارجية".

وتابع في بيانه: "بالنسبة إلى الاستنتاجات الشخصية (مساءلته الشخصية لضباط بأعينهم) فهي خطوات قيادية داخلية في الجيش لا تتطلب موافقة، التلميح بأن المعايير، التي تمت دراستها بدقة، ليست عادلة، غير مقبول، خصوصاً في ظل الوقت والترددات الكبيرة التي استثمرها رئيس الأركان شخصياً في اتخاذ القرار بشأن كل ضابط وضابط".

من جانبه، أعلن كاتس أن تجميد التعيينات لن يتغير، وأضاف: أقدر رئيس الأركان، الذي يعلم جيداً أنه تابع لرئيس الوزراء ووزير الجيش والحكومة الإسرائيلية".

ما موقف نتنياهو من الخلاف بين زامير وكاتس؟

في ظل التوترات المتصاعدة، نقلت وسائل إعلام إسرائيلية أن نتنياهو يدرس إقالة يسرائيل كاتس وتعيين جدعون ساعر بدلاً عنه.

وقالت صحيفة "يسرائيل هيوم"، إن تبديل الحقائب المرتقب يأتي على خلفية الأزمة المتفاقمة بين كاتس ونتنياهو بسبب الصراع العلني بين وزير الجيش ورئيس الأركان.

ولكن هيئة البث الإسرائيلية نقلت عن مقربين من نتنياهو أن تعيين زامير "كان خطأ"، وأنه "يتصرف باستقلالية كبيرة وبعكس ما تعهد به"، وبحسب "يديعوت أحرونوت"، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي يشعر بخيبة أمل من أداء زامير في غزة ولبنان.

رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو/ رويترز
رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو/ رويترز

وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية، فإن نتنياهو حاول حل الخلاف بين كاتس وزامير، وعقد اجتماعين منفصلين معهما، في محاولة للوصول إلى تسوية بين الطرفين.

فيما كشفت القناة 12 العبرية أن كاتس رفض لقاء زامير، ما يعني أن الخلاف بينهما وصل ذروته، ولذلك تخلى نتنياهو عن عقد لقاء مشترك بينهما.

وذكرت صحيفة "معاريف" أن نتنياهو استُشِير غضباً، بعد البيان المنسوب إلى رئيس الأركان، معتبراً أنه هجوم مباشر عليه شخصياً.

وذكرت الصحيفة أن نتنياهو كان بإمكانه احتضان رئيس الأركان ودعوة وزير الجيش إلى ضبط النفس، لكن هذا لم يحدث، لأن نتنياهو لديه خصومة سياسية قديمة مع كاتس، ورغم ذلك فإن سلوك زامير لا يسمح له بالانحياز له.

هل الخلاف الحالي هو الأول بين كاتس وزامير؟

بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإن الخلاف الأخير الذي اندلع بين كاتس ورئيس الأركان ليس الأول، فقد سبقته مشاحنات عدة بين الجانبين، بعضها في جلسات مغلقة، والبعض الآخر في وسائل الإعلام منذ تولي زامير منصبه قبل نحو تسعة أشهر.

وبعد ثلاثة أسابيع من توليه منصبه، اندلع خلاف بين زامير وكاتس الذي احتج على قرار استدعاء العميد أورين سولومون للاستجواب في جهاز الاستخبارات العسكرية التابع للجيش الإسرائيلي، وقوبل بانتقادات لاذعة من رئيس الأركان الجديد، الذي أوضح وقتها أنه "لا يتلقى تعليمات عبر وسائل الإعلام".

واشتدت المواجهة المباشرة بينهما في ذلك الوقت، مع إعلان كاتس أنه سينقل التعليمات إلى رئيس الأركان "بأي طريقة يراها مناسبة"، واصفاً رده بأنه "غير ضروري وغير لائق".

ومن بين الخلافات، هو السخط السياسي من زامير، بسبب ما سمي "الدعم الصامت" المقدم من رئيس الأركان لرئيس الشاباك السابق رونين بار، بعد توزيع الجيش الإسرائيلي مرتين رسائل تتضمن صوراً عملياتية مشتركة لرئيس الأركان ورئيس الشاباك آنذاك، على الرغم من الجدل الدائر حول بار.

رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير/ الأناضول
رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير/ الأناضول

في الشهر التالي، وخلال اجتماع لمجلس الوزراء، اندلع جدل حاد حول توزيع المساعدات الإنسانية في غزة. وقال كاتس في ذلك الوقت إن التوزيع يمكن أن يتم عبر شركات أمريكية مدنية تحت إشراف الجيش، أو مباشرة عبر الجيش الإسرائيلي نفسه. من جانبه، أوضح رئيس الأركان: "لن يكون الجيش الإسرائيلي هو من يوزعها".

في مايو/أيار، وقعت مواجهة أخرى بين زامير وكاتس، الذي قرر منع المدعي العام العسكري آنذاك، اللواء يفعات تومر-يروشالمي، من المشاركة في مؤتمر نقابة المحامين، ليرد رئيس الأركان بأنه وافق على مشاركتها "لأهمية المعلومات"، وأصدر كاتس بياناً آخر أكد فيه أن هذا قراره – في مسألة تقع ضمن مسؤوليته.

وفي أغسطس/آب الماضي، تجددت المواجهة العلنية بين وزير الجيش ورئيس الأركان، وبدأت هذه المواجهة حول مسألة تعيين رتبة فريق، ثم هاجم الوزير رئيس الأركان، مدعياً أن مناقشة إعادة التعيين التي أجراها زامير "أجريت بالمخالفة للتعليمات"، وأفاد مكتبه أن "وزير الجيش لا ينوي مناقشة التعيينات أو الموافقة عليها إطلاقاً".

فيما رد متحدث باسم الجيش الإسرائيلي قائلاً إن "رئيس الأركان هو من يقرر التعيينات، وبعد ذلك يخضع التعيين لموافقة الوزير، الذي يحق له الموافقة عليه أو رفضه". وزعم الجيش لاحقاً أن كاتس كان يعامل رئيس الأركان "كما لو كان عريفاً"، وأن هذه خطوة "غير مسبوقة"، واصفاً إياها بـ"الابتزاز".

واستمر الاشتباك في اليوم التالي، على الأقل من جانب الوزير، الذي هاجم زامير مجدداً واتهمه "بإلحاق الأذى بضباط الجيش الإسرائيلي دون داعٍ". وزعم كاتس أن "محاولة تغيير الإجراءات التي عملنا عليها، ربما بناء على نصيحة مجموعة من المستشارين المناهضين للحكومة، واستبدالها بمحاولة لتحديد الحقائق على الأرض وفي اجتماعات مرتجلة، لن تنجح".

كيف ينعكس الخلاف بين زامير وكاتس على المنظومة العسكرية؟

اللواء احتياط يسرائيل زيف شدد في مقاله على القناة 12 العبرية على أن هجوم كاتس الأخير على رئيس الأركان يمثل انحداراً غير مسبوق لوزير غير مؤهل لمنصبه، فقد أعلن الحرب على الجيش.

وأضاف أن "خطوة الوساطة التي قام بها رئيس الوزراء، في وقت لا تزال فيه نتائج الحرب غير واضحة ولا توجد جبهة مستقرة، ولا يهتم الوزير في المقام الأول بأي شيء سوى غروره، الذي هو أهم من أي شيء آخر، هي بمثابة دفن رأسه في الرمال وتعريض أمن إسرائيل للخطر".

ونوه إلى أنه خلال الحرب، يمكن لوزير الجيش أن يبادر ويتجاوز رئيس الأركان في توجيهات العمل، ويمكنه وضع خطة سياسية مثل "اليوم التالي"، كما تقع عليه مسؤولية ضمان عمل منظومة وزارة الجيش، وشراء الذخيرة والمعدات وإمدادات الطوارئ التي تدعم الجيش في جميع احتياجاته اللوجستية.

عناصر من الجيش الإسرائيلي خلال عمليته البرية في غزة/ رويترز
عناصر من الجيش الإسرائيلي خلال عمليته البرية في غزة/ رويترز

أما في حالة عدم وجود حرب، يتمثل دوره الرئيسي في تمثيل الجيش لدى الحكومة في الحصول على ميزانية الدفاع، والحفاظ على مكانة الجيش، وإدارة قانون الإعفاء من الخدمة العسكرية، ورعاية ضحايا الجيش الإسرائيلي، بحسب زيف.

وأضاف اللواء احتياط أن كاتس لا يقوم بذلك، فرغم رغبة زامير في أن يكون رجل دولة ويحترم وزيره، إلا أن الأخير، الذي يفتقر إلى فهم كافٍ للأمن، يبذل قصارى جهده لإظهار سلطته على حساب رئيس الأركان.

وتابع بأن الوزير كاتس، بحساسيته المفرطة واهتمامه المفرط بذاته وسلطته، يعيق أمن إسرائيل، مضيفاً أنه لا يمكن لرئيس الوزراء تجاهل هذه المشكلة، ويجب إقالته من منصبه.

فيما قال المحلل العسكري في صحيفة "معاريف" آفي أشكنازي، إن الأزمة بين زامير وكاتس يبدو أنها لن تنتهي قريباً، فقد وصل الطرفان إلى طريق مسدود.

وتابع بأن الجيش الإسرائيلي يدرك أنه مطالب الآن بالتحرك لمنع سيناريو قتال قد يهز إسرائيل، في ظل أن جميع ساحات القتال تقريباً نشطة وتتطلب اهتماماً استخباراتياً وعملياتياً.

فيما يعرب كبار مسؤولي الجيش الإسرائيلي عن غضبهم إزاء التأخيرات في التعيينات، التي يزعمون أنها تسبب جموداً في القيادة وتضعف الروح المعنوية، بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت".

وتقول الصحيفة في تقرير سابق إن المنظومة العسكرية تحذر من أن التأخير في الموافقة على التعيينات من كاتس يمنع تجديد هيكل القيادة ويؤخر اتخاذ قرارات حاسمة بشأن بناء قوة الجيش الإسرائيلي.

تحميل المزيد