مع اندلاع الحرب الأهلية في السودان في أبريل/نيسان 2023، سرعان ما صعد الذهب إلى واجهة المشهد، بوصفه أحد المفاتيح الأساسية لفهم دوافع تلك الحرب الدامية وطرق تمويلها. فالدور الذي تلعبه دول عديدة وخصوصاً الإمارات، لم يعد مجرد إشارات متناثرة في تقارير صحفية، بل بات موثقاً عبر فرق خبراء الأمم المتحدة وآليات دولية تعنى بتتبع حركة الذهب عبر الحدود.
وتعود المركزية التي يحتلها الذهب في الاقتصاد السياسي السوداني إلى أكثر من عقدٍ مضى؛ فهذا المعدن، عالي القيمة وسهل الحركة، تحول تدريجياً إلى موردٍ بالغ الحساسية: قادر على تغذية شبكات مسلحة محلية ورعاة خارجيين في آن واحد. ومع ضعف الدولة وتآكل قدراتها الرقابية، أصبح الذهب شرياناً موازياً للتمويل، يتجاوز المؤسسات الرسمية ويعيد تشكيل موازين القوة على الأرض.
وبينما تمزق السودان تحت وطأة الحرب—عشرات الآلاف من القتلى، أكثر من 11 مليون نازح، ومجاعة تطرق أبواب ملايين آخرين—يشق الذهب في هذه البلاد طريقاً معاكساً تماماً: إذ يخرج في رحلة بلا عودة من مناطق التعدين، ليعبر الحدود الممزقة، ويستقر في مدن تضاء أبراجها ليلاً بوهج الذهب الدامي.
في هذا التقرير، سنحاول أن نوضح كيف تحول الذهب من مورد لرفاة البلاد إلى وقود يشعل الحرب ويطيل أمد نزيف السودان.
كيف صار الذهب بديلاً عن النفط في السودان؟
لم يكن الذهب حاضراً في الاقتصاد السوداني قبل عقدٍ ونصف، سوى في موقع صناعي وحيد افتتح عام 1992. لكن انهيار المنظومة النفطية بعد انفصال جنوب السودان عام 2011—وهو انهيار أفقد الخرطوم 75% من احتياطاتها النفطية و90% من مواردها من النقد الأجنبي، وهو ما فتح الباب أمام تحول اقتصادي جذري في البلاد، بحسب العديد من التقارير.
ففي ظل بطالة تتفاقم وتضخم يبتلع الدخل، اتجه عشرات الآلاف من السودانيين إلى التعدين الأهلي (عملية التعدين من قبل الأفراد والسكان) بحثاً عن نجاة مؤقتة. وبالتوازي مع استغلال الإنتاج التقليدي، تعاقد النظام الحاكم مع سلسلة واسعة من الشركات الإقليمية والدولية للتنقيب عن الذهب وتحديث الصناعة، ما أملاً في إحكام السيطرة على القطاع وتحويله إلى مصدر منظم للدخل القومي.
وبحسب المعهد "المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية – ISPI"، استغل نظام عمر البشير هذه الطفرة، ففرضت الشركة السودانية للموارد المعدنية رسوماً على أسواق الذهب، بينما وزعت السلطة الامتيازات الكبرى على شركات تابعة للأجهزة الأمنية والعسكرية، إلى جانب شركات أجنبية—كانت الروسية منها الأبرز.
وفي عام 2012 غيّر اكتشاف الذهب في جبل عامر مسار دارفور وأعاد تشكيل ميزان السلطة في السودان كله. ففي دارفور، كان محمد حمدان دقلو (حميدتي)، قائد قوات الدعم السريع، يصعد بوصفه قائد شرس وخادم مخلص للبشير، الذي كان يلقبه بـ"حمايتي" — أي حاميي — ويعتمد عليه كقوة موازنة لنفوذ الجيش النظامي الذي ظل يتوجس منه خشية انقلاب عسكري. فواصل حميدتي صعوده في دوائر الحكم السوداني، وحصل على ترقيات عسكرية استثنائية رفعته إلى رتبة لواء ثم إلى رتبة فريق، من دون أن تفلح ضغوط القادة العسكريين في الإطاحة به بعدما تنامى عداء الجيش له.
وبسط حميدتي سيطرته على مناجم جبل عامر—إحدى أغنى الرواسب الذهبية في السودان— إذ تذكر تقارير لوكالة رويترز أنّ البشير سمح له بالاحتفاظ بـ"غنيمة" الذهب، مانحاً إياه موردًا استثنائياً راكم من خلاله ثروة ونفوذاً لا يمران عبر مؤسسات الدولة. وبحسب تقارير الوكالة، استخدم حميدتي جزءاً من هذه العائدات لشراء أسلحة للبشير ولنفسه، فيما قدر مسؤول حكومي رفيع آنذاك أن الرجل ضخ ملايين الدولارات في تسليح قوات الدعم السريع وتزويدها بالمركبات، في خطوة عززت استقلاليته العسكرية ورسخت موقعه كلاعب لا يمكن تجاوزه في معادلة القوة داخل السودان.
وقد بدأت مسيرة حميدتي كمقاتل ميليشيا في غرب دارفور، حيث حمل المتمردون السلاح ضد الخرطوم عام 2003. وقد جند حينها البشير عدة ميليشيات لقمع التمرد، وكان من ضمنها ميليشيا حميدتي التي استقطبت عناصر من الجنجويد (ينحدرون من قبائل عديدة، ولا يلتزمون بقواعد العرف المحلي، ويمارسون النهب المسلح)، وبدأ يلفت نظر صناع القرار في الخرطوم، وما لبث أن بدأ باستقطاب أبناء القبائل المختلفة، حتى شكلت قوات شعبية قومية تحت اسم "وحدات استخبارات الحدود" وعين حميدتي عليها.

وفي الصراع الذي تلا ذلك، قتل نحو 300 ألف شخص وشرد مليونان من منازلهم. ورغم نفي الحكومة أي صلة لها بالمقاتلين "خارجين عن القانون" ارتكبوا مذابح، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق البشير لارتكاب جرائم حرب، وفرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية إضافية على حكومته.
وفي عام 2017، وهو العام الذي بدأت فيه الولايات المتحدة رفع العقوبات عن السودان، بسط حميدتي سيطرته الكاملة على مناجم جبل عامر. ولم يواجه عقبات تذكر مع توسع نشاطه من دارفور إلى جنوب كردفان ومناطق أخرى، بحسب ما أشارت رويترز.
ففي أواخر عام 2018، ومع انهيار الاقتصاد السوداني، قال مسؤولون حكوميون حينها وسابقون ومصادر في قطاع الذهب إن البشير منح محمد حمدان دقلو "حميدتي" حرية شبه مطلقة لبيع أهم مورد طبيعي في السودان عبر شركة عائلته "الجنيد".
وبحسب الوثائق التي راجعتها وكالة رويترز حينها، التي كانت تغطي أربعة أسابيع من نهاية 2018، تظهر أن "الجنيد" تعاملت مع شركة واحدة في دبي تدعى روزيلّا. وأكدت الشركة تعاملها مع الجنيد وقالت إن المعاملات استمرت ثلاثة أشهر أواخر 2018.
وبحسب "المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية – ISPI"، رغم أن نظام عمر البشير تغاضى لسنوات عن التعدين الأهلي، فإنه ظل عاجزاً عن فرض سيطرة كاملة على عائداته. وعندما حاول توسيع قبضته على هذا القطاع الحيوي، تحولت محاولاته إلى أحد روافد الغضب الشعبي الذي فجر ثورة ديسمبر.
فخلال عام 2018، ضاعف البشير الضريبة المفروضة على الذهب، ما أثار احتجاجات وسط المعدنين وعمق شقاقه مع محمد حمدان دقلو (حميدتي). ومع تراكم الضغوط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، أصبح الذهب أحد العوامل التي أسهمت في إطاحة البشير عام 2019، وفي تفكك التحالف الذي كان يجمعه بحميدتي، الذي انضم إلى التحالف العسكري الذي نفذ عملية عزله في أبريل/نيسان من العام نفسه.
مع تولي الحكومة الانتقالية برئاسة عبد الله حمدوك مهامها عام 2020، شرعت البلاد في مسار لإعادة بسط اليد على قطاع الذهب، فاستعادت الدولة ملكية مناجم جبل عامر عبر صفقة لافتة وثقها تقرير مسار الشفافية والسياسات في السودان؛ تضمن بموجبها دفع الدولة 200 مليون دولار لشركة الجنيد المملوكة لشقيق حميدتي مقابل التنازل عن حقوقها الامتيازية، في حين منحت أسرة دقلو حصة 33% من شركة سودامين الحكومية العاملة في مجال التعدين.
وبالتوازي، أسست الحكومة لجنة إزالة التمكين لتفكيك شبكات النفوذ الاقتصادي التي راكمها النظام السابق وأجهزته الأمنية، في محاولة لإعادة توجيه موارد الدولة—وفي مقدمتها الذهب—إلى الخزينة العامة. غير أن هذه الإجراءات سرعان ما اصطدمت بمصالح المؤسسة العسكرية وشبكاتها الاقتصادية، لتصبح أحد العوامل الحاسمة التي دفعت قادة الجيش إلى تنفيذ انقلاب عام 2021.
فبعد سقوط نظام البشير، الذي أتقن لسنوات هندسة التوازن بين مراكز القوى المتنافسة، انزلق التوتر بين الجيش (SAF) وقوات الدعم السريع (RSF) إلى صراع صفري على السيطرة. ففي حين سعى الجيش إلى استعادة السيطرة على مناطق التعدين الحيوية، واصلت قوات الدعم السريع تمددها في جنوب كردفان وجنوب دارفور، ما عزز مخاوف القيادة العسكرية من زيادة تضخم ثروة حميدتي واستقلاليته السياسية المتصاعدة.
وهكذا جاء اندلاع الحرب الأهلية في 2023 ليشكل الانفجار المحتوم لصراع طويل على من يملك الدولة ومن يملك مواردها. فبحسب ورقة بحثية مشتركة لـ STPT وNew Features Multimedia في أكتوبر/تشرين الأول 2024، يتضح مدى مركزية الذهب من خلال طبيعة الأهداف التي أولتها القوات المتحاربة أولوية قصوى في الأيام الأولى للقتال، إذ تركزت الضربات على مناطق إنتاج الذهب ومخازنه. وقد أولت قوات الدعم السريع اهتماماً خاصاً بهذا المورد:
ففي أبريل/نيسان 2023، وفي الأيام الأولى من الصراع، أعادت قوات الدعم السريع السيطرة على منطقة جبل عامر بدارفور، أحد أهم أحواض الذهب في البلاد.
وفي 24 مايو/أيار 2023، سيطرت على مصفاة الذهب في الخرطوم، مستولية على نحو 1.3 طن من الذهب الخام تقدر قيمتها بحوالي 150 مليون دولار، بالإضافة إلى 15 طناً من الفضة كانت جاهزة للتصدير، وفق تقديرات وزير المعادن محمد بشير أبو نمو.
ومنذ ذلك الحين، تمدد نفوذ الدعم السريع إلى عدة مناطق أخرى غنية بالذهب في دارفور، ما جعل السيطرة على هذا القطاع أحد أعمدة قوته ورهانه الاستراتيجي في الحرب.
وعلى هذا النحو، باتت الحرب السودانية متداخلة بعمق مع الجغرافيا الإقليمية الأوسع، إذ نسجت تجارة الذهب وشبكات السيطرة حولها منظومات من النفوذ والعنف تتجاوز حدود الدولة.
إذ توضح ورقة بحثية صادرة عن Chatham House بعنوان "الذهب والحرب في السودان" أنّ تجارة الذهب—التي تقدر بمليارات الدولارات—أصبحت الشريان المالي الذي يبقي وقود الحرب مشتعلاً. فكلا الطرفين، الجيش والدعم السريع، يعتمد بصورة مباشرة على عوائد الذهب، إلى جانب شبكة واسعة من الفاعلين تمتد من جماعات مسلحة ومنتجين محليين إلى مهربين وتجار وحكومات خارجية، تجد في استمرار الحرب مصلحة مباشرة.
الذهب وقود الحرب
قبل اندلاع الصراع، كان السودان من بين أكبر عشرة منتجين للذهب في إفريقيا. وقد سجل الإنتاج ذروته عام 2017 بنحو 107 أطنان وفق الأرقام الرسمية. لكن المسار بدأ في الانحدار بين 2018 و2024، بالتزامن مع عدم الاستقرار السياسي والانقلاب العسكري والحرب الأهلية، ليصل الإنتاج الرسمي إلى 41.8 طن فقط في 2022، بينما لم يتجاوز طنين فقط خلال عام 2023، وفق بيانات وزارة المعادن.
إلا أن هذا التراجع في الأرقام الحكومية لا يعكس بالضرورة تراجعاً حقيقياً في الإنتاج، بل يشير في الغالب إلى ضعف قدرة الدولة على الرقابة وتراجع الإطار المؤسسي المنظم مع ازدياد سيطرة القوات العسكرية—الدعم السريع والجيش—على مناطق التعدين، حيث اعتمد الأول أكثر على اقتصاد دارفور، والآخر على الامتيازات والشركات الأجنبية.
فمنذ بدء الحرب، برزت فجوة حادة في توفر المواد الكيميائية الأساسية، خاصة الزئبق والسيانيد، اللذين تعتمد عليهما عمليات المعالجة في السودان. توقف شركة "سودامين" الحكومية—الذراع السابق لتوزيع الزئبق—أدى إلى نقص حاد في الإمدادات، ما فتح الباب أمام تهريب واسع عبر ليبيا ومصر.
غير أن ورقة STPT وNew Features Multimedia أشارت إلى أن الاستيراد الرسمي للزئبق والسيانيد عبر ميناء بورتسودان عاد إلى النشاط منذ النصف الثاني من عام 2023، ما سمح بجزء من التعافي في مناطق الإنتاج الخاضعة للجيش. بينما في المناطق الحدودية، أصبح التبادل يتم ببساطة عبر مقايضة الذهب مقابل المواد الكيميائية، بما يعكس انهيار البنى المالية الرسمية واتساع اقتصاد التهريب.
في المقابل، ورغم القتال، ظلت منشآت المعالجة التابعة لقادة في قوات الدعم السريع تعمل في دارفور—خصوصاً جبل عامر في شمال دارفور وسونغو في جنوب دارفور. ما عزز موارد RSF المالية وقدرتها على تمويل العمليات العسكرية.

كما قام مقاتلو قوات الدعم السريع بنهب منظم لمصوغات الذهب من المنازل الخاصة، حيث يعد الذهب تقليدياً الوسيلة الأساسية لحفظ ثروة الأسر. ويتبنى مقاتلو الدعم السريع ثقافة تعتبر الذهب وغيره من الممتلكات التي ينهبونها من المنازل الخاصة "غنيمة مستحقة" للمقاتل المنتصر.
وفي المقابل، لا تتخذ قيادة الدعم السريع—التي لم تدفع رواتب جنودها منذ اندلاع النزاع—إجراءات تذكر لمنع عناصرها من نهب الممتلكات العامة والخاصة. وقد أصبح هذا السلوك حافزاً رئيسياً لانضمام مجندين جدد، بحسب STPT وNew Features Multimedia.
في تلك الفترة، قدر أن بين 50% و80% من الذهب السوداني كان يهرب خارج القنوات الرسمية، ما يجعل الأرقام الحكومية مجرد مؤشر ناقص لا يعكس الحجم الحقيقي للإنتاج. فمع تقلص سلطة الدولة، توسعت قنوات التهريب، وتحول الذهب إلى اقتصاد ظل يغذي شبكات عابرة للحدود ويمول المجهود الحربي للطرفين.
أين يباع ذهب السودان؟
بالرغم من أن أطرافاً خارجية عدة مثل روسيا تمد طرفي الحرب بالسلاح طمعاً في الربح أو خدمةً لأهدافها الاستراتيجية، فالإمارات—بحسب العديد من مراكز الأبحاث مثل تقرير لـ European Council on Foreign Relations (ECFR)—تلعب الدور الأبرز.
فبحسب تقارير متعددة، لا تزال الإمارات إلى اليوم مركزاً رئيسياً لتسويق الذهب المستخرج من مناطق الدعم السريع، وتنقل خارج السودان عبر الدراجات النارية والشاحنات والطائرات في كل الاتجاهات، متجاوزةً الحدود السهلة الاختراق مع الدول السبع المحيطة بالسودان.
وفي نهاية المطاف، ينتهي المطاف بمعظم هذا الذهب في الإمارات العربية المتحدة، الوجهة الرئيسية للذهب المهرب من السودان، وفق صحيفة النيويورك تايمز.
ما يعني، بحسب المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية – ISPI، أن البنى التجارية الإقليمية التي تطورت حول الذهب السوداني ليست مجرد قنوات تهريب، بل شبكات مترابطة تخدم أطراف الصراع الحالي وتعيد تدوير الذهب في مركز مالي عالمي واحد.
فمع استمرار الحرب في السودان، يواصل الذهب السوداني الظهور في الأسواق العالمية. حيث تجد قوات الدعم السريع سوقاً جاهزاً لذهبها في الإمارات، حيث جرى تهريب 2,500 طن من الذهب غير المصرح به من إفريقيا—بقيمة مذهلة تبلغ 115 مليار دولار—بين عامي 2012 و2022، وفق دراسة حديثة صادرة عن منظمة Swissaid التنموية.
وتحذر منظمة Swissaid السويسرية من أن أرباح هذا القطاع الملطخ بالدماء لا تزال تجد طريقها إلى المشترين—خصوصاً عبر مركز تجارة الذهب المزدهر في الإمارات العربية المتحدة، المتهمة بدعم قوات الدعم السريع، فمنذ اندلاع الحرب، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على 11 شركة مرتبطة بالدعم السريع—أغلبها في الإمارات—غالباً بسبب صلاتها بتجارة الذهب.
وقد قال السفير السوداني حامد: "مزود الأسلحة لقوات الدعم السريع معروف جيداً. للأسف، إنها الإمارات العربية المتحدة." رغم ذلك نفت الإمارات علناً الاتهامات بأنها تقدم أسلحة أو دعماً عسكرياً لأي طرف من أطراف الحرب في السودان.
ورغم ذلك، تحتفظ الإمارات بعلاقات اقتصادية قوية مع الحكومة التي يقودها الجيش في السودان، بينما يتهم الجيش الإمارات بدعم قوات الدعم السريع—التي تتهمها الولايات المتحدة والأمم المتحدة بارتكاب جرائم حرب.
وتظهر بيانات البنك المركزي السوداني أن الإمارات استوردت نحو 90% من صادرات السودان الرسمية من الذهب خلال النصف الأول من عام 2025، مما يؤكد نفوذها الاقتصادي العميق. كما ربط تحقيق حديث أجرته منظمة The Sentry شركات مقرها دبي بعمليات غسيل للذهب السوداني غير المشروع نيابة عن ممولين تابعين لقوات الدعم السريع.
واستناداً إلى بيانات UN Comtrade، تشير Swissaid إلى أن الإمارات استوردت 29 طناً من الذهب مباشرة من السودان في 2024، ارتفاعاً من 17 طناً في العام السابق، بالإضافة إلى كميات كبيرة وصلت عبر مصر (27 طناً)، وتشاد (18 طناً)، وليبيا (9 أطنان). وتظهر هذه التدفقات، بحسب المنظمة، الدور المركزي للإمارات في تمويل الحرب السودانية.
وبحسب Swissaid، فإن سويسرا "متورطة بشكل مباشر" في هذه التجارة الإشكالية لأنها تستورد الذهب من الإمارات، دون معرفة مصدره الحقيقي. بين يناير/كانون الثاني وسبتمبر/أيلول 2025، استوردت سويسرا 316 طناً من الذهب من الإمارات بقيمة 27 مليار فرنك سويسري—وهو أكثر من ضعف المتوسط السنوي منذ 2015.
ويقول مارك أوميل، رئيس قسم السلع في Swissaid: "إنه ذهب ناتج عن الصراع. سواء جاء من قوات الدعم السريع أو القوات المسلحة السودانية. من الواضح أنهم يمولون مشاركتهم في الحرب من خلال تجارة الذهب، رغم وجود مصادر أخرى، إلا أن الذهب هو العنصر المحوري في السودان."
حيث تتعدد الأطراف الخارجية المنخرطة في حرب السودان—حيث يشير تقرير للمعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية (ISPI) إلى أنه بجانب الإمارات، تأتي روسيا التي تسعى إلى توسيع حضورها عبر مشاريع التعدين في الولايات الشمالية والشرقية.
فبرغم الاتهامات المبكرة لمجموعة فاغنر الروسية بدعم قوات الدعم السريع بحكم وجودها الطويل في دارفور ومسارات تهريب الذهب عبر إفريقيا الوسطى، جاءت زيارة وفد روسي رسمي إلى بورتسودان في أبريل/نيسان 2024؛ حيث منحت شركة روسية امتيازاً واسعاً للتنقيب عن الذهب، كما جرى توقيع ترتيبات مصرفية تتيح التعامل بالروبل، بما في ذلك استخدام السودان لهذه العملة في شراء الأسلحة الروسية، بحسب المعهد.
وفيما يواصل السودان انهياره أمام أعين العالم—حرب بلا أفق—يظل الذهب يمضي ويعبر الحدود الممزقة بلا جوازات، يمر فوق الجثث والمجاعات، ليصل في النهاية إلى مصافٍ عالمية تعيد صهره وتسقط عنه أثر الدم الذي سال في الطريق.