لن يكون طريق رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته، محمد شياع السوداني معبداً نحو الحصول على ولاية ثانية، حيث كشفت مصادر سياسية عراقية لـ"عربي بوست"، أن العديد من قوى الإطار التنسيقي الشيعي لا تريد منح السوداني ولاية ثانية، وتبحث عن رئيس وزراء جديد لا يملك طموحاً سياسياً.
لماذا يهمنا الخبر؟
رغم حصول ائتلاف الإعمار والتنمية الذي يترأسه السوداني على المركز الأول في نتائج الانتخابات، بحصوله على 45 مقعداً من إجمالي عدد مقاعد البرلمان الـ 329، إلا أن ذلك لا يستطيع أن يؤمن له ولاية ثانية بدون الحصول على موافقة جماعية من الإطار التنسيقي الشيعي، المظلة التي تجمع الأحزاب الشيعية التقليدية في العراق.
إذ أن نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة التي أجريت في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، لا تحدد شكل الحكومة الجديدة، بل التحالفات والمفاوضات المعقدة بعد الانتخابات هي التي ترسم ملامح الحكومة الجديدة ورئيس الوزراء في العراق.
خلف كواليس قصة معارضة السوداني
في 17 نوفمبر/تشرين الثاني وبعد أيام من إجراء الانتخابات البرلمانية، أعلن الإطار التنسيقي الشيعي نفسه الكتلة البرلمانية الأكبر، بأغلبية تزيد عن 165 مقعداً، وكانت المفاجأة انضمام ائتلاف الإعمار والتنمية بزعامة محمد شياع السوداني إلى الإطار مرة أخرى.
وفقاً لدستور العراق لعام 2005، يمنح الحق في تشكيل الحكومة الجديدة إلى الكتلة البرلمانية الأكبر حيث تنص المادة 76 أ على أن يكلف رئيس البلاد الكتلة البرلمانية الأكبر بترشيح رئيس وزراء جديد لتشكيل الحكومة الجديدة.
ووفقاً للتفسيرات القانونية فإن الكتلة البرلمانية الأكبر هي التي تستطيع بناء التحالفات بعد الانتخابات لضمان أكبر عدد من مقاعد البرلمان لضمان حقها في تشكيل الحكومة الجديدة. وبالتالي فإن السوداني لا يستطيع أن يشكل الكتلة البرلمانية الأكبر بمفرده، لذلك حاول الحصول على حلفاء لمواجهة الإطار التنسيقي الشيعي في البداية.
بحسب مصدر سياسي مقرب من السوداني، فإن الأخير حاول إقناع الحزب الديمقراطي الكردستاني ومحمد الحلبوسي زعيم حزب تقدم باعتبارهما أكبر الأحزاب الكردية والسنية، لبناء تحالف مع الإعمار والتنمية وتشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر.
ويقول المصدر ذاته لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم الإسناد، "لم يوافق الحزب الديمقراطي الكردستاني ولا الحلبوسي الذي لا تربطه علاقة جيدة مع السوداني، على التحالف ومواجهة الإطار التنسيقي الشيعي، لقد تعلموا درس الأمس ولن يدخلوا في مواجهات مع الإطار التنسيقي مجدداً".
ماذا نفهم خلف السطور؟
في الانتخابات البرلمانية لعام 2021، حصل التيار الصدري آنذاك على 73 مقعداً ودخل في تحالف ثلاثي مع الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب تقدم لتشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر وتشكيل حكومة أغلبية وطنية وليس حكومة توافقية كما هو المتعارف عليه.
لكن مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري والسياسي البارز، واجه معارضة شرسة من قوى الإطار التنسيقي إلى أن اعتزل الحياة السياسية وقاطع الانتخابات البرلمانية، واستولى الإطار التنسيقي الشيعي على الحكم في العراق حتى الآن. لذلك فإن أي إعادة لإنتاج سيناريو عام 2021 ستكون محاولة فاشلة.
وفي هذا الصدد، يقول سياسي من ائتلاف الإعمار والتنمية بقيادة السوداني لـ"عربي بوست"، "حاول السوداني تكرار ما حدث في 2021، وهو يعلم أنها محاولة محكومة بالفشل، فحتى إذا وافق الحزب الديمقراطي ومحمد الحلبوسي على التحالف معه، لن يستطيعوا الوقوف في وجه الإطار التنسيقي".
وأضاف المصدر ذاته في تصريح لـ"عربي بوست"، قائلاً "إذا شكل محمد شياع السوداني الكتلة البرلمانية الأكبر بالتحالف مع الأكراد والحلبوسي، فإن قادة الإطار التنسيقي سيلجؤون إلى الثلث المعطل في البرلمان العراقي".
ووصف المصدر أن انضمام ائتلاف الإعمار والتنمية إلى الإطار التنسيقي الشيعي ليكون جزءاً من الكتلة البرلمانية الأكبر بأنه "أقل الخسائر بالنسبة للسوداني الذي يأمل في أن ينجح في نهاية المطاف بإقناع قوى الإطار بحصوله على ولاية ثانية".
هؤلاء أشد المعارضين للسوداني
قالت المصادر السياسية العراقية لـ"عربي بوست"، إن السوداني يواجه معارضة شديدة داخل الإطار التنسيقي الشيعي، ومن أشد المعارضين له نوري المالكي رئيس الوزراء السابق وزعيم ائتلاف دولة القانون، وقيس الخزعلي زعيم عصائب أهل الحق وجناحها السياسي حركة صادقون.
- المالكي يرفض تماماً منح السوداني ولاية ثانية، فبالإضافة إلى أن العلاقة الشخصية بين الرجلين سيئة للغاية، فإن المالكي لا يريد رئيس حكومة جديدة مستقل بقراراته عن الإطار، ونفس الأمر بالنسبة للخزعلي".
- أغلب قادة الإطار لم يعجبهم الاستقلالية النسبية التي أظهرها السوداني في ولايته الأولى، وأزعجهم طموحه السياسي، لذلك يريدون رئيس وزراء لا يملك أي برنامج سياسي أو حزبي ولا تكون قراراته منفصلة عن الإطار".
- بالرغم من العلاقة الجيدة التي كانت تربط بين الخزعلي والسوداني في بداية ولايته الأولى، إلا أن هذه العلاقة قد أصابها التوتر بسبب فضيحة التنصت على قادة الإطار التنسيقي والتي كان يقف وراءها مسؤولون حكوميون مقربون من السوداني.
وقال علي الموسوي السياسي الشيعي المنتمي لمنظمة بدر وهي فصيل مسلح ويمتلك جناحاً سياسياً، مقرب من إيران، ويترأسها هادي العامري، لـ"عربي بوست"، "الخزعلي يمتلك طموحاً سياسياً كبيراً والسوداني يهدد هذا الطموح فمن الطبيعي أن يعارض الخزعلي منح ولاية ثانية للسوداني".
جدير بالذكر أن ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي قد حصل على 33 مقعداً، وحصلت حركة صادقون الجناح السياسي للفصيل المسلح عصائب أهل الحق على 28 مقعداً، بينما حصلت منظمة بدر بزعامة هادي العامري على 22 مقعداً من أصل 329 مقعداً بالبرلمان العراقي.
الفصائل المسلحة بدورها ترفض السوداني
بالإضافة إلى المعارضة التي يواجهها السوداني من قبل المالكي والخزعلي، فإن الفصائل المسلحة الشيعية والمقربة من إيران في العراق، ترفض منح السوداني ولاية ثانية وتتهمه بالعمل على تحقيق أهداف واشنطن في نزع سلاح الفصائل.
وفي هذا الصدد يقول قيادي في كتائب حزب الله العراقية وهي فصيل مسلح قوي ومقرب من الحرس الثوري الإيراني لـ"عربي بوست"، "نرفض بشدة منح السوداني ولاية ثانية، السوداني يحاول التقرب من إدارة ترامب على حساب نزع سلاح فصائل المقاومة وهذا أمر نرفضه بشدة".
وأضاف المصدر ذاته قائلاً لـ"عربي بوست"، "اجتمعنا مع قادة الإطار التنسيقي وتناقشنا في هذا الأمر، وإلى الآن أظهر قادة الإطار التنسيقي موافقة على عدم منح السوداني ولاية ثانية. السوداني لن يخدم مصالح الشعب العراقي بل يريد تحقيق طموحه الشخصي على حساب مصالح البلاد".
وفي حديثه لـ"عربي بوست"، يقول الباحث السياسي علاء الحداد، "نادراً ما منحت القوى الشيعية أي رئيس وزراء ولاية ثانية خوفاً من ترسيخ السلطة التنفيذية، كما أن السوداني يمتلك طموحاً سياسياً كبيراً وعمل على تعزيز سلطته خلال ولايته الأولى ومنح المناصب العليا لمقربين منه وهو ما يقلق قادة الإطار التي تحاول بناء تماسك داخلي لمواجهة الضغوط الداخلية والمحلية".
وأضاف الحداد قائلاً "صحيح أن ائتلاف السوداني حقق نجاحاً باهراً في الانتخابات، وخاصة في جنوب العراق، إلا أن هذا النجاح لن يضمن له ولاية ثانية وسط المعارضة الشديدة التي يواجهها من كبار قادة الإطار التنسيقي. حتى لو اعتمد على التأييد الأمريكي له".
سيناريو متوقع: وفق الباحث السياسي علاء الحداد فإن قادة الإطار التنسيقي يبحثون عن رئيس وزراء تابع لهم، يضمن لهم استمرار مصالحهم وخاصة الفصائل المسلحة.
فيما اعتماد السوداني على الدعم الأمريكي أو على ما حققه في ولايته الأولى من إنجازات لن يمكنه من مواجهة الإطار والفصائل، لذلك فإن انضمامه إلى الإطار لتشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر من الممكن أن يضمن له الحصول على وزارة أو وزارتين نظراً لعدد المقاعد التي حصل عليها.