تصاعدت أعمال عنف المستوطنين في مختلف أنحاء الضفة الغربية، وسجلت الأيام الأخيرة عشرات الحوادث التي ارتكبها المستوطنون في القرى الفلسطينية، ورغم الإدانات التي سارعت إليها حكومة الاحتلال التي يتزعمها بنيامين نتنياهو، إلا أن الوقائع تشير إلى أن ما يجري يغذيه وزراؤه وخاصة من اليمين المتطرف.
وسجلت الأمم المتحدة أكثر من 260 هجوماً أسفرت عن سقوط ضحايا فلسطينيين، أو أضرار بممتلكاتهم في الضفة الغربية خلال أكتوبر/تشرين الأول 2025 لوحده، وهو أعلى معدل خلال ما يقرب من عقدين من جمع البيانات في الضفة الغربية.
وخلال الأسبوع الماضي، هاجم المستوطنون عدة قرى في الضفة الغربية، منها قرى سنجل، بيت فوريك، جبع، خربة أبو فلاح، خلة السدرة، بيت سعير، والمغير في الضفة الغربية.
وفي 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، أضرم المستوطنون بشكل متعمد النار في مسجد بقرية دير استيا قرب نابلس شمالي الضفة الغربية.
وقبل يومين من حريق المسجد، قام مستوطنون بإضرام النار في مركبات ومخازن أعلاف، واقتحموا مصنع الجنيدي للألبان في بيت ليد قرب طولكرم.
وتقول صحيفة "يديعوت أحرونوت"، إن موجات العنف الأخيرة قوية، من حيث الكم ونوع الأحداث، مشيرة إلى أن هناك زيادة في عدوانية "الفوضويين".
وفي الماضي، كان قادة المجالس يفضّلون إبقاء هذه الأحداث طيّ الكتمان. لم يريدوا إثارة المشاكل. لكن "فتيان التلال" رسخوا لأنفسهم سنداً في النظام السياسي، وتمكنوا من بناء نظام إعلامي خاص بهم – فهم يوجهون رسائل إلى وسائل الإعلام فوراً ويحددون مسار الأحداث. ويعملون بطريقة معقدة وحادة للغاية.
كيف علقت حكومة نتنياهو على عنف المستوطنين؟
وفي محاولة لاحتواء جرائم المستوطنين التي لاقت تنديداً دولياً، قلل نتنياهو من جرائم المستوطنين بوصفها بـ"أعمال شغب"، داعياً سلطات إنفاذ القانون التي يقف على رأسها بن غفير إلى تقديم "مثيري الشغب للعدالة".
فيما قال وزير الخارجية جدعون ساعر، إن "مثيري الشغب اليهود في يهودا والسامرة يضرون بدولة إسرائيل، يحرجون اليهودية، ويسببون الضرر للمشروع الاستيطاني".
وزعم في تدوينة بحسابه على منصة شركة "إكس" الأمريكية: "إنهم ليسوا نحن، وليسوا دولة إسرائيل".
وطالب من سلطات الأمن، خلاف ما يؤدي إلى تقليص هجمات المستوطنين، أضاف ساعر: "على الجيش وجهاز الأمن العام (الشاباك) والشرطة أن يتحركوا بحزم وحزم لوقف هذه الهجمة الشرسة التي تستهدف أيضاً جنودنا وعناصر شرطتنا".
وبالمثل، كتب وزير الجيش يسرائيل كاتس بحسابه على "إكس": "أقدم دعمي الكامل للقائد العام للمنطقة الوسطى وجميع قوات الأمن العاملة حالياً في الميدان في أعقاب الأحداث العنيفة التي وقعت في يهودا والسامرة".
وتابع كاتس: "ستواصل الحكومة بقيادة نتنياهو تطوير وتنمية المستوطنات في جميع أنحاء يهودا والسامرة، بالتعاون مع قيادة المستوطنات، مع الحفاظ على القانون وأمن السكان واستقرار المنطقة".
ما هي إجراءات حكومة نتنياهو التي ساهمت في زيادة عنف المستوطنين؟
ومصطلح "عنف المستوطنين" قد يكون مضللاً، ففي السنوات الأخيرة، وخاصة منذ بدء الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة، عمل المستوطنون الإسرائيليون في الضفة الغربية في تناغم شبه تام مع الجيش وسلطات الدولة.
ويخفي هذا المصطلح الدور المركزي للدولة في استعمار الضفة الغربية، ويسمح للسياسيين الإسرائيليين والجيش والرأي العام الإسرائيلي برفض هذا العنف باعتباره من عمل "حفنة من المتطرفين"، بحسب تقرير على موقع (+972) الإسرائيلي.
لكن المستوطنين يتمتعون "بحصانة" من الوزراء المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية، ونادراً ما توجه انتقادات من كبار المسؤولين الإسرائيليين لعنف المستوطنين في الضفة الغربية.
وأوضح التقرير أن التصعيد الجاري ليس عرضياً، بل هو جزء من آلية متعمدة لطرد الفلسطينيين من أراضيهم، وبدعم وتنسيق مباشر من الجيش والشرطة، أدى عنف المستوطنين إلى محو عشرات التجمعات السكانية من على الخريطة في الأشهر الأخيرة.
وبدءاً بتكليف سموتريتش الإدارة المدنية في الضفة، ووضع إيتمار بن غفير وزيراً للأمن الداخلي، وصولاً إلى قيام وزير الجيش يسرائيل كاتس بإلغاء أوامر الاعتقال الإداري ضد المستوطنين، مع التصريحات المتزايدة بشأن السيادة على الضفة الغربية، تتزايد أعمال عنف المستوطنين الذين يلقون تشجيعاً من وزراء وأعضاء في الكنيست الإسرائيلي.
كما سمحت الحكومة الإسرائيلية بتوسيع كبير للمستوطنات، وشرعنت بعض البؤر الاستيطانية غير المرخصة.
ومؤخراً، واكب هجمات المستوطنين المتزايدة تصريحات من بن غفير الذي دعا إلى اعتقال رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس واغتيال قياداتها، منكراً وجود شعب فلسطيني، وكذلك من سموتريتش الذي شدد على أن مهمة منع قيام دولة فلسطينية هي مهمة حياته.
وتنقل صحيفة "الغارديان" عن فلسطينيين ونشطاء حقوقيين، أن السلطات الإسرائيلية لا تبذل جهداً يذكر للسيطرة على المستوطنين في الضفة، حيث لا يفضي سوى تحقيق واحد من كل عشرين تحقيقاً مفتوحاً في عنف المستوطنين إلى توجيه اتهامات، بينما يفضي عدد أقل إلى إدانات.
وبعد اعتقالهم بتهمة القيام بأعمال الشغب في هجمات بيت ليد، أفرجت شرطة الاحتلال عن ثلاثة من أربعة إسرائيليين اتهموا بتنفيذ الهجمات.
كما كشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن تجاهلات متزايدة من شرطة الاحتلال التي يديرها بن غفير، وجهاز "الشاباك" لمعالجة جرائم المستوطنين، ما يشجع على تفاقم اعتداءاتهم ضد الفلسطينيين.
وفي عهد بن غفير، كان هناك انخفاض بنسبة 73 في المائة في عدد التحقيقات المفتوحة منذ عام 2023، وفقاً للقناة 12. وفتحت الشرطة 60 تحقيقاً فقط في عنف المستوطنين عام 2025، مقارنة بـ 150 حالة في عام 2024 و235 حالة في عام 2023.
وفقاً لرصد منظمة "يش دين" الإسرائيلية لحقوق الإنسان، انتهت حوالي 94% من ملفات التحقيقات التي فتحتها الشرطة الإسرائيلية في عنف المستوطنين بين عامي 2005 و2024 دون توجيه اتهامات. ومنذ عام 2005، لم تفضِ سوى 3% من ملفات التحقيقات المفتوحة في عنف المستوطنين إلى إدانات كاملة أو جزئية.
وبحسب تقرير هآرتس، فإن المؤسسة الأمنية في إسرائيل تعزي الزيادة في عنف المستوطنين إلى الدعم الذي يتلقونه من القيادة السياسية وأعضاء الكنيست وحاخامات بارزين في "الصهيونية الدينية"، وكذلك التجاهل المتعمد من شرطة الاحتلال و"الشاباك" عما يجري.ولكن حتى في الحالات التي يوثق فيها جنود أو مستوطنون يرتدون الزي العسكري يعرفون أنفسهم كمقاتلين، لا يفتح الجيش الإسرائيلي تحقيقاً.
وكشف جنود يشاركون في تأمين الأحداث لصحيفة "هآرتس" بأنه عادة ما يرسلون عند انتهاء الحدث، ويطلب منهم تفريق المشاركين دون اعتقال المستوطنين المهاجمين.
تحذيرات أمنية من "انفجار وشيك"
إلى ذلك، يحذر كبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من أن ضعف مستوى السيادة العسكرية في الضفة، تحت ضغط الوزراء وأعضاء الكنيست من الائتلاف، يسبب توترات أمنية قد تنفجر في أي لحظة.
وبالفعل، قتل مستوطن وأصيب ثلاثة، الثلاثاء 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، في عملية مزدوجة نفذها فلسطينيان دهساً وطعناً عند مفترق "غوش عتصيون" جنوبي الضفة الغربية.
ونقلت صحيفة "هآرتس" عن ضابط كبير شارك في تمرين واسع النطاق أجري الأسبوع الماضي في الضفة الغربية، فإن تلك المنطقة "هي الساحة الأكثر تفجراً"، على الرغم من تركيز إسرائيل على غزة ولبنان.
وفقاً لمسؤولين أمنيين كبار، لم تجر الحكومة الإسرائيلية والمؤسسة الأمنية نقاشاً استراتيجياً بشأن ما يحدث في الضفة الغربية منذ أشهر.
ويزعمون أنه على الرغم من وقوع العديد من الحوادث على مر السنين التي تعرض فيها كبار الضباط والقادة في القيادة المركزية لاعتداءات من قبل يهود في الضفة الغربية، إلا أن الوقت الحالي هو الأصعب. وذلك لأن منتهكي القانون الذين يلحقون الأذى بالفلسطينيين في الضفة الغربية مدعومون من قبل صانعي القرار، الذين يهيئون "جواً ممكناً" لهم لفعل ما يحلو لهم في الضفة الغربية.
وكشف ضابط كبير بالجيش الإسرائيلي أنه "في الشهر الماضي وحده، وقعت ست حالات كان من الممكن أن تنتهي بقتل عائلات كما حدث مع عائلة دوابشة عام 2015 في دوما".
الصحيفة الإسرائيلية كشفت بأن وزير الجيش كاتس انسحب من أي تدخل في شؤون الضفة الغربية، وأن سموتريتش ينفذ عملياً الضم مع الوزيرة أوريت ستروك، ولكن حتى الآن لم يجر أي نقاش استراتيجي بشأن الخطط في الضفة أو مع السلطة الفلسطينية.
وفي إحدى المناقشات الأخيرة التي أجري فيها تقييم للوضع فيما يتعلق بعنف المستوطنين، زعم رئيس قسم الأبحاث لرئيس الأركان أن الفترة الأخيرة كانت الأصعب في الضفة الغربية من حيث عنف اليهود ضد الفلسطينيين، ورغم ذلك قال ضابط كبير بالجيش إنهم "يخشون التعبير عن رأيهم، وقد فقد الجيش سيادته على الأرض".