حصري.. “قسد” تحصل على 30% من الهياكل العسكرية السورية وتشكل “فيلق الشمال”

عربي بوست
تم النشر: 2025/11/19 الساعة 09:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/11/19 الساعة 09:37 بتوقيت غرينتش
"قسد" تحصل على 30% من الهياكل العسكرية السورية وتشكل "فيلق الشمال"

كشفت مصادر سورية خاصة تحدثت إلى "عربي بوست"، على اطلاع بمسار التفاوض الدائر الآن بين الحكومة السورية و"قوات سوريا الديمقراطية" المعروفة إعلامياً باسم "قسد"، أن مسار التفاوض مع حكومة دمشق أفضى إلى اتفاق أولي يقضي بتشكيل كيان عسكري جديد يطلق عليه اسم "فيلق الشمال"، يتألف في أساسه من عناصر قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المنتشرة في شمال شرق سوريا. يشرف بشكل كامل على تأمين شمال شرق سوريا، ووفق المصادر، يهدف هذا الترتيب إلى خلق إطار عسكري منسق تحت اسم موحد يضمّ قوات قسد لتشرف على كل شمال شرق سوريا.

هياكل الجيش السوري

يقول مصدر مطّلع في وزارة الخارجية السورية في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست" إن نسبة مشاركة قسد في هياكل القيادة والصفوف العسكرية الموسّعة حُدّدت عند 30% من المناصب التنفيذية في الجيش السوري وكذلك في قوات مكافحة الإرهاب المزمع تشكيلها في سوريا تحت إدارة الجيش السوري. وشرح المصدر المطّلع أن اختيار هذه النسبة جاء تماشياً مع واقع السيطرة الميدانية؛ إذ إن قسد تسيطر عمليًا على نحو 30% من مساحة سوريا، فتم اقتراح توزيع الحصص العسكرية والإدارية وفق هذا المعيار.

بحسب المصدر، هناك خطط تقضي بأن 30% من قادة أركان الجيش السوري سيأتون من قيادات ورموز قسد العسكرية، بينما ستحتفظ بقية الهياكل بوجوه من خلفيات سورية أخرى. وتؤكد المصادر أيضاً أن هناك بندًا واضحًا ضمن التفاهمات يقضي بأن قوات الأمن العام السورية والقوات النظامية التقليدية لن تدخل بشكل مباشر إلى شمال شرق سوريا ضمن هذا الترتيب.

في السياق ذاته، كشف مصدر كردي مطّلع قريب من "مظلوم عبدي" وعلى معرفة مباشرة بالدور الأمريكي في ملف التفاوض بين قوات سوريا الديمقراطية "قسد" والحكومة السورية، عن ملامح اتفاق جديد جرى التوصل إليه بين الطرفين بعد جولات طويلة من النقاشات التي جرت بضغط ورعاية أمريكية. وقال المصدر، في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست"، إن المبعوث الأمريكي إلى سوريا، توم براك، لعب دوراً محورياً في دفع الطرفين إلى صيغة تفاهم مشتركة، وإن واشنطن استخدمت نهجاً قائماً على الضغط المتوازي على الجانبين، مستفيدة من أوراق القوة التي تملكها لدى كل طرف.

وبحسب المصدر، فإن الحكومة السورية كانت قد بدأت التفاوض بطرح أولي يقضي بدمج مقاتلي قسد كأفراد داخل الجيش السوري، مع دخول وحدات الجيش وقوات الأمن العام إلى مناطق شمال شرق سوريا لتفرض وجودها الكامل. غير أن هذا الطرح قوبل برفض قاطع من جانب قسد، التي اعتبرت أن الاندماج الفردي يفرغها من بنيتها العسكرية والسياسية التي تشكلت خلال سنوات الحرب. ومع ذلك، أدت جولات جديدة من التفاوض في دمشق، جرت الشهر الماضي برعاية أمريكية مباشرة، إلى تغييرات كبيرة في موقف الجانبين، تمخضت عن اتفاق أولي يقضي بأن تحصل قسد على "كوتة" داخل الجيش السوري، وكذلك نسبة مماثلة داخل قوات مكافحة الإرهاب.

في سياق مواز، كشف مصدر سوري مقرّب من وزير الدفاع مرهف أبو قصرة، في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست"، أن زيارة الرئيس السوري إلى واشنطن ولقاءه بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب شكّلت نقطة انعطاف مهمة في مسار التفاهمات الجارية بين دمشق وقوات سوريا الديمقراطية (قسد). وبحسب المصدر، فإن هذا الحدث السياسي البارز أعاد ترتيب موازين القوة داخل العملية التفاوضية، ومنح دمشق دفعة إضافية لتعزيز شروطها، في ظل قناعة أمريكية متزايدة بضرورة الوصول إلى صيغة نهائية تُنهي حالة الجمود في ملف شمال شرق سوريا.

الأمن الداخلي وإدارة مناطق شمال شرق سوريا

أما بخصوص قوات الأمن الداخلي التي ستتواجد في منطقة شمال شرق سوريا، فستكون من عناصر "الأسايش"، وهي عناصر كردية تعمل في وظيفة الأمن الداخلي الآن في شمال شرق سوريا، وذلك وفق المصدر الكردي القريب من مظلوم عبدي.

في حين أشار المصدر في وزارة الخارجية السورية إلى أن الملف الأكثر حساسية المتعلق بوزارة الداخلية السورية في مناطق شمال شرق البلاد قد شكّل محور نقاش معقد بين الطرفين. فقد أكدت قسد أنها تملك قوات أمن داخلي قادرة على إدارة شؤون الأمن والخدمات المدنية للسكان، وأن لا حاجة لعودة قوات الأمن العام السورية إلى تلك المناطق، فيما أصرت دمشق على أن الأمن الداخلي جزء أساسي من سيادة الدولة ولا يمكن التخلي عنه.

ووفق المصدر، فإن المخرج الذي تم التوافق عليه يقضي بأن تتولى قوات "الأسايش" الكردية إدارة الأمن الداخلي في شمال شرق سوريا، ولكن في إطار تنسيق كامل مع وزارة الداخلية السورية، ومن خلال لجان مركزية مشتركة تُعنى بقضايا الأمن ومكافحة تنظيم داعش وتنظيم آليات العمل بين الطرفين. وتتم هذه الآلية تحت إشراف وزارة الداخلية ووزيرها أنس خطاب، وبما يضمن في الوقت نفسه استمرار شكل من أشكال السيادة الرسمية على تلك المناطق.

فيما أكد المصدر المقرّب من وزير الدفاع أن صياغة التنسيق بين قسد ووزارة الداخلية تضمن لقسد دوراً رسمياً في إدارة الأمن والخدمات، مع الحفاظ على وحدة القرار والسيادة السورية، وأن هذه الصيغة تمثل حلاً وسطاً يرضي الطرفين.

الضغط الأمريكي

أما بخصوص دور أمريكا، فقد قال المصدر المقرّب من وزير الدفاع السوري إن الولايات المتحدة مارست ضغوطاً على حكومة دمشق من خلال ورقة شمال شرق سوريا، وبالتحديد من خلال نفوذ قسد التي تسعى إلى تثبيت نموذج اللامركزية في مناطق سيطرتها، وهو مطلب تعتبره واشنطن أساسياً لأي تفاهم مستقبلي. وفي المقابل، استخدمت الإدارة الأمريكية ورقة الحكومة السورية نفسها للضغط على قسد، حيث أبلغت قياداتها بأن دمشق ماضية في فتح ملفات الدولة السورية كافة، وأن الفرصة المتاحة للتوصل إلى اتفاق يجب اقتناصها قبل الانتقال إلى مراحل أكثر حساسية تمس شكل الحكم وإدارة المناطق.

ويقول المصدر إن إدخال قوات قسد ضمن بنية الجيش السوري يمثل المرحلة الأولى من مسار تفاهمات أطول وأعمق بين قسد ودمشق، ستتبعها مناقشة الملفات العالقة الأخرى، وعلى رأسها شكل إدارة الحكومة السورية في مناطق شمال شرق سوريا، وملفات التعليم والصحة والخدمات العامة، إضافة إلى تحديد حدود الصلاحيات الإدارية التي ستحتفظ بها قسد ضمن نموذج اللامركزية الذي تطالب به.

وأشار المصدر المقرّب من وزير الدفاع إلى أن زيارة الرئيس السوري إلى واشنطن ولقاءه بالرئيس الأمريكي عززت لدى قيادة قسد القناعة بجدية واشنطن في رعاية تفاهم شامل ينهي أزمة المنطقة بصورة حاسمة، ما ساعد على قبولهم بصيغة الدمج العسكري داخل الجيش السوري وفق ترتيبات تمنحهم حضوراً دون استقلالية، وهو ما يعكس توازناً دقيقاً بين مصالح الأطراف الثلاثة: دمشق، قسد، وواشنطن.

الدور الرمزي والسياسي لقسد

أما بخصوص الدور السياسي لشخصيات قسد القيادية، أفادت المصادر أن مظلوم عبدي لن يتولّى أي منصب رسمي داخل الجيش السوري الموحد أو رئاسة الأركان؛ بل سيبقى في موقع رمزي كقائد تاريخي لحركة قسد. وأضافت أن الأطراف المفاوضة فضّلت إبقاء بعض الرموز المحلية خارج السُّلّم الرسمي للقيادات العسكرية كإجراء تطميني داخلي على حد وصفها.

في حين أشار المصدر في وزارة الخارجية السورية إلى أن الهدف السوري من عدم ضم مظلوم عبدي إلى الجيش السوري، هو إدماج أفراد قسد كجنود داخل المؤسسة العسكرية الرسمية وليس ككتلة لها توجه سياسي أو عسكري مستقل أو لها رمز معين داخل الجيش، بما يضمن وحدة القرار العسكري واحتكار الدولة لاستخدام القوة، في حين يُعطي الاعتراف الرسمي بقسد دوراً رمزيّاً يحفظ مصالحها.

فيما يؤكد المصدر المقرّب من وزير الدفاع أن الاتفاق بصيغته الحالية يُعد مرضياً إلى حد كبير لقسد، لأنه يمنحها اعترافاً رسمياً بدورها في مكافحة الإرهاب، ويضمن بقاء جزء من نفوذ قياداتها داخل هيئات الجيش، كما يراعي الحساسية الأمريكية تجاه مستقبل المناطق الكردية، وفي الوقت نفسه يحمي الدولة السورية من أي مخاطر تتعلق بالتقسيم أو النزعات الانفصالية.

تحميل المزيد