إسرائيل تعود إلى سياسة التجويع الممنهج.. تفاصيل انتهاكات الاحتلال لملف المساعدات في غزة وعرقلة المساعدات الدولية

عربي بوست
تم النشر: 2025/11/05 الساعة 12:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/11/05 الساعة 13:15 بتوقيت غرينتش
يعرقل الاحتلال الإسرائيلي دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة/ عربي بوست

تُمثّل أزمة المساعدات الإنسانية في قطاع غزة إحدى أكثر تجليات انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي حدةً، حيث تتجاوز هذه الممارسات عرقلة إيصال الإمدادات لتصل إلى التضييق الممنهج على عمل المنظمات الدولية الفاعلة، مع مساعي إعادة إحياء وتوسيع دور "مؤسسة غزة الإنسانية" المشبوهة التي تسببت باستشهاد آلاف الفلسطينيين.

وتنص خطة ترامب، التي وافقت عليها إسرائيل، على إدخال المساعدات الإنسانية بالكامل إلى قطاع غزة، ما يتوافق مع ما تضمنه اتفاق 19 يناير/كانون الثاني 2025، بما يشمل إعادة تأهيل البنية التحتية (الماء، الكهرباء، الصرف الصحي)، وإعادة تأهيل المستشفيات والمخابز، ودخول المعدات اللازمة لإزالة الركام وفتح الطرق.

كما تنص الخطة على أن دخول المساعدات الإنسانية وتوزيعها في قطاع غزة سيتم دون تدخل من أي من الطرفين، ومن خلال الأمم المتحدة ووكالاتها والهلال الأحمر، بالإضافة إلى مؤسسات دولية أخرى لا ترتبط بالطرفين بأي شكل من الأشكال.

لكن، خلافاً لما نصت عليه خطة ترامب، يواصل الاحتلال سياسة المراوغة وتحديد الكميات والنوعيات، ما يفاقم مجدداً خطر المجاعة والأوبئة في قطاع غزة.

ما هي الانتهاكات الإسرائيلية في ملف المساعدات الإنسانية؟

أولاً: كمية المساعدات الإنسانية لا تلبي حاجات المواطنين

قالت منظمات إغاثة إنسانية إن المساعدات الإنسانية التي تصل إلى غزة ضئيلة للغاية، مع استمرار الجوع واقتراب فصل الشتاء وبدء تآكل الخيام القديمة.

وأوضح برنامج الأغذية العالمي أن نصف الكمية المطلوبة فقط من المواد الغذائية تصل إلى القطاع، في حين قالت مجموعة من المنظمات الفلسطينية إن حجم المساعدات الإجمالية يتراوح بين ربع وثلث الكمية المتوقعة.

وأضاف أنه منذ وقف إطلاق النار، أدخل البرنامج 20 ألف طن من المساعدات الغذائية، أي ما يقرب من نصف الكمية اللازمة لتلبية احتياجات السكان، وفتح 44 موقعاً من أصل 145 موقعاً مستهدفاً للتوزيع.

وأكد أن هناك نقصاً في مجموعة متنوعة من المواد الغذائية اللازمة لمواجهة سوء التغذية.

وبحسب المنظمة الإغاثية، فإن "غالبية الأسر لا تستهلك سوى الحبوب والبقول والمواد الغذائية المجففة التي لا يستطيع الناس الاعتماد عليها لفترة طويلة. ولا يتناول الناس اللحوم والبيض والخضروات والفواكه إلا نادراً جداً".

كما يعرقل النقص المستمر في الوقود، بما في ذلك غاز الطهي، جهود التغذية، وأكثر من 60 بالمئة من سكان غزة يقومون بطهي الطعام باستخدام حرق النفايات، بحسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، ما يزيد من المخاطر الصحية.

تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة/ رويترز
تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة/ رويترز

ورغم أن خطة ترامب تتضمن إعادة تأهيل البنية التحتية في القطاع، إلا أن أنظمة المياه والصرف الصحي والكهرباء والمستشفيات ما زالت منهارة، فيما لا تزال أسعار المواد الغذائية مرتفعة.

وبحسب بيان صادر عن مكتب الإعلام الحكومي في غزة، فإنه من 10 أكتوبر حتى 31 أكتوبر 2025، بلغ إجمالي عدد الشاحنات التي دخلت إلى قطاع غزة خلال الفترة المذكورة 3,203 شاحنات، منها 639 شاحنة تجارية و2,564 شاحنة مساعدات، من بينها 84 شاحنة سولار و31 شاحنة غاز طهي.

ويبلغ المتوسط اليومي لدخول الشاحنات التجارية والمساعدات الإنسانية 145 شاحنة فقط، من أصل 600 شاحنة يُفترض دخولها يومياً، منها 50 شاحنة وقود ومحروقات، ما يعني أن نسبة التزام الاحتلال 24% من الكميات المفترض إدخالها.

وفيما يتعلق بشاحنات الوقود والمحروقات (السولار، غاز الطهي، البنزين)، فقد بلغ عدد ما دخل منها إلى قطاع غزة 115 شاحنة فقط من أصل 1,100 شاحنة يُفترض إدخالها خلال الفترة ذاتها، ما يعني أن نسبة ما تم توريده فعلياً 10% من الكميات المتفق عليها.

وتعكس هذه الأرقام، بحسب مكتب الإعلام الحكومي، سياسة التضييق والتعطيل المتعمد لإمدادات الطاقة الحيوية التي يحتاجها القطاع لتشغيل المستشفيات والمخابز والمرافق الأساسية.

وما يزال الاحتلال الإسرائيلي يحظر إلى حد كبير إدخال بعض المواد، مثل اللحوم المجمدة، والبيض، والمواشي.

ونقل موقع "ميدل إيست آي" عن مسؤولين صحيين أن ما يقرب من 10 في المئة فقط من الإمدادات الطبية الأساسية والعاجلة قد دخلت البلاد.

وحتى اللحظة، لم يسمح الاحتلال الإسرائيلي بدخول المعدات الثقيلة اللازمة لإزالة الأنقاض وإعادة فتح الطرق، فيما سمح لعدد محدود من المعدات المصرية بالدخول بهدف البحث عن جثث الأسرى الإسرائيليين.

ثانياً: التضييق على المؤسسات الدولية

طبّق الاحتلال الإسرائيلي إجراء جديداً يلزم جميع المنظمات الإنسانية في قطاع غزة بإعادة ترخيص أنشطتها، فيما لم يحصل العديد منها على الموافقة.

حيث تُجبر عشرات المنظمات التي حصلت سابقاً على موافقة، على وقف عملها بسبب إجراءات جديدة، ونتيجة لذلك، لم تدخل آلاف الأطنان من المواد الغذائية ومعدات الإغاثة إلى قطاع غزة، بحسب صحيفة "هآرتس".

الإجراءات الصارمة على المؤسسات الدولية وُضعت في مارس/آذار 2025، عقب نقل تسجيل المنظمات من وزارة الشؤون الاجتماعية الإسرائيلية إلى وزارة الشتات برئاسة عميخاي شيكلي من حزب الليكود.

وتشترط الإجراءات على المنظمات نقل وثائق عديدة إلى إسرائيل، بما في ذلك قائمة تفصيلية بجميع موظفيها الأجانب والفلسطينيين، وتفاصيل عن أفراد عائلاتهم.

صورة من الأقمار الصناعية تظهر تكدس الشاحنات/ رويترز
صورة من الأقمار الصناعية تظهر تكدس الشاحنات/ رويترز

وبحسب "هآرتس"، فإن وزارة الشتات الإسرائيلية تتمتع الآن بسلطة تقديرية واسعة لرفض طلبات المنظمات، ويمكنها رفض أي منظمة إذا تبيّن أنها:

  • "تنكر وجود إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية".
  • "تروج لنزع الشرعية عن إسرائيل".
  • تدعم "محاكمة إسرائيليين في دولة أجنبية أو أمام محكمة دولية".
  • إذا "نشر أحد موظفيها، أو نُشر خلال السنوات السبع التي سبقت تقديم الطلب، دعوة عامة لمقاطعة إسرائيل".

وتوجد حالياً العشرات من منظمات الإغاثة في قطاع غزة بدون ترخيص، لا يُسمح لها بإدخال الطعام أو المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.

وتتسبب عدم ترخيص تلك المؤسسات من وزارة الشتات في صعوبة دخولها إلى قطاع غزة أو الخروج منها، كما يُحظر عليها شراء المعدات ونقلها عبر إسرائيل.

وتقول "هآرتس" إن من أبرز المنظمات التي تنتظر الرد منذ أشهر من وزارة الشتات: "أوكسفام"، و"إنقاذ الطفولة"، و"المجلس النرويجي للاجئين" (NRC)، الذي لم يتمكن من إدخال معدات تُقدّر قيمتها بأربعة ملايين دولار إلى القطاع لأكثر من سبعة أشهر.

وتشير الصحيفة إلى أن المنظمات الدولية تشك في قدرتها على اجتياز عملية التسجيل، حيث رفض الكثير منها تقديم قوائم بموظفيها الفلسطينيين والأجانب، وتقول إن نقل المعلومات قد ينتهك قوانين الخصوصية والقوانين الأخرى في بلدانهم الأصلية.

وفي الأسابيع الأخيرة، صعّبت إسرائيل على المنظمات إدخال المواد الغذائية والمعدات إلى القطاع عبر طريق التفافي. حتى الآن، لجأت المنظمات التي لم تحصل على تصريح لإدخال البضائع إلى غزة إلى وكالات الأمم المتحدة أو منظمات أخرى حاصلة على تصريح، وطلبت منها إدخال البضائع المشتراة، إلا أن إسرائيل منعت هذه الخطوة مؤخراً، ونتيجةً لذلك، عُلّق عدد كبير من المعدات في إسرائيل والأردن ومصر.

ومن المستلزمات الضرورية العالقة: الفرش، والخيام، والأغطية، والملابس الشتوية، ومعدات تحلية المياه والنظافة، بالإضافة إلى كميات كبيرة من المواد الغذائية.

ثالثاً: إعادة إحياء "مصائد الموت"

ويحاول الاحتلال الإسرائيلي، بدعم من الولايات المتحدة، إعادة إحياء ما يسمى "مؤسسة غزة الإنسانية"، التي تحوّلت نقاط توزيعها إلى "مصائد موت" حصدت آلاف الفلسطينيين.

وكانت "مؤسسة غزة الإنسانية" المدعومة من الولايات المتحدة، تنشط في أربع نقاط توزيع خلال أشهر الحرب الماضية، ثلاثة منها في رفح، وواحدة في "نتساريم" شمال مخيم النصيرات وسط القطاع.

المساعدات الإنسانية في غزة/ رويترز
المساعدات الإنسانية في غزة/ رويترز

وفي إطار تضييق الخناق على الفلسطينيين، كشفت وسائل إعلام إسرائيلية عن خطة أولية لتوزيع المساعدات الإنسانية في غزة، بهدف منعها من الوصول إلى حركة حماس.

وتشمل الخطة التوزيع المباشر للفلسطينيين في 16 نقطة توزيع غرب "الخط الأصفر"، وتستند إلى معلومات استخباراتية، بحسب القناة 14 العبرية.

وبحسب القناة 14 العبرية، فإن المناقشات حول هذه القضية مستمرة بين مسؤولي الجيش الإسرائيلي والأمريكيين في مقر القيادة في "كريات غات".

تحميل المزيد