مصادر: إسرائيل تسعى لتعديل اتفاقية الغاز مع مصر.. والقاهرة تعوّل على مصالح الشركات الأمريكية الوسيطة وتنوع مواردها

عربي بوست
تم النشر: 2025/11/04 الساعة 13:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/11/04 الساعة 13:39 بتوقيت غرينتش
تحذيرات من نفاد مخزونات إسرائيل من الغاز في غضون سنوات/ عربي بوست

دخلت اتفاقية تصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر "نفقاً مظلماً" في أعقاب اتجاه إسرائيل لعدم الموافقة بشكل نهائي على الاتفاق تمهيداً لتنفيذه، وسط ضغوطات تمارسها حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على مصر، تارة نحو تعديل بنود الاتفاقية والحفاظ على ما أسمته "العوائد الاقتصادية" للاتفاق، وتارة أخرى نحو الضغط لتحجيم الانتشار العسكري للجيش المصري في شبه جزيرة سيناء واتخاذ الصفقة ورقة ضغط سياسية على القاهرة.

تعديل الصفقة لتحقيق مكاسب اقتصادية

وقال مصدر مصري بوزارة البترول مطلع على تفاصيل الصفقة مع إسرائيل، إن الاتفاق مازال بالأحرف الأولى، وطالما أنه لم يتم تنفيذه فإن إسرائيل يمكنها الضغط لتعديله، وهو أمر كان يجب أن يتم وضعه في الحسبان سابقاً لأنها في تلك الحالة من المفترض أن تدفع تعويضات لعرقلة الصفقة.

وأشار المصدر إلى أنه لا مبرر فني للحديث عن تعديل الصفقة، لأن إسرائيل مستفيدة بشكل أكبر من الاتفاق كونها لديها احتياطات محلية تفيض عن استهلاكها المحلي لن تستطيع التصرف فيها ولن تتمكن من تصديرها للخارج بسبب عدم وجود بنية تحتية لإسالة الغاز.

وأوضح أن الموقف الحالي لتل أبيب يأتي لأسباب تتعلق بالضغوط المصرية التي تمارسها على حكومة نتنياهو لتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار والذهاب باتجاه إعادة إعمار غزة دون الاستجابة لضغوط تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، على حد قوله، كما أن إسرائيل تشعر أن مصر ضيقت الخناق عليها بما يجعلها ليس بإمكانها التراجع عن الصفقة، وذلك بعد توقيع اتفاق لتوصيل الغاز من قبرص وهي الدولة التي لديها اتفاق آخر مع إسرائيل وكذلك اتفاقيات طويلة الأجل مع قطر والاتجاه نحو الجزائر أيضاً، وتهدف للتأكيد على أنها لديها القدرة على إرباك القاهرة والشركات الأميركية التي لديها امتيازات تشغيل حقل "ليفياثان" الإسرائيلي.

وأكد أن إسرائيل مرغمة على تنفيذ صفقة الغاز رغم التعقيدات التي تضعها قبل تنفيذه إذ أن هناك مكسب مع مصر لن يتحقق مع أي دولة أخرى يرتبط بالعامل الجغرافي ما يخفض من قيمة التصدير، لكنها في الوقت ذاته تستهدف تحقيق مكاسب اقتصادية من خلال طرح إمكانية تعديل الصفقة لأنها تنظر إلى أن مصر تشتري منها مليون وحدة حرارية من الغاز مقابل 7.5 دولار، وتقوم بتصديره بنحو 14 دولار ويمكن أن يزيد السعر في حالة ارتفاع أسعار الغاز عالمياً وفقاً لما تتضمنه اتفاقيات تصدير الغاز إلى أوروبا.

وتابع: "إسرائيل تحاول أن تحصل على جزء من المكسب الذي تحققه مصر، بخاصة وأن القاهرة تستورد منها نحو مليار و300 مليون قدم، لكنها تغفل أن مصر قامت ببناء بنية تحتية عبر محطات الإسالة كلفت مليارات الدولارات"، مشدداً على أن المحرك الرئيسي للتطورات الأخيرة يعود لأبعاد سياسية من جانب الحكومة المتطرفة، وهو ما تعاملت معه مصر مسبقاً وكانت تضعه في اعتبارها".

وفي عام 2018، أُبرمت صفقة تاريخية بين شركة "دولفينوس" المصرية وشركتي "ديليك دريلينغ" الإسرائيلية و"نوبل إنرجي" الأميركية (التي استحوذت عليها لاحقًا شركة "شيفرون")، لتوريد الغاز الإسرائيلي إلى مصر بقيمة 15 مليار دولار لمدة عشر سنوات.

وبحلول عام 2023، أصبحت مصر المنفذ الرئيسي لتصدير الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا، حيث يُعاد تسييله في منشآتها ويُعاد تصديره، مما وفر لتل أبيب مكاسب مالية وسياسية كبيرة، مقابل حصول القاهرة على رسوم مرور وتسييل واستفادة من فائض الطاقة.

 لكن مع اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر 2023، تعرض هذا التعاون لهزات متتالية. فقد أُغلقت بعض خطوط الإمداد مؤقتًا لأسباب أمنية، وعلّقت شركات الطاقة عملياتها في حقل "تمار" لفترة وجيزة، كما تصاعدت الانتقادات داخل إسرائيل بشأن اعتمادها على منشآت مصرية في ظل التوتر السياسي بين البلدين.

وبالرغم من ذلك وقّعت كلّ من القاهرة وتل أبيب، في شهر أغسطس الماضي، اتفاقيةً لتصدير نحو 130 مليار متر مكعب من الغاز إلى مصر، وتحديداً من حقل ليفياثان للغاز الطبيعي، بقيمة تصل إلى 35 مليار دولار، حتى عام 2040، في أكبر صفقة تصدير في تاريخ إسرائيل.

لكن هذه الصفقة -التي تمّت برعاية أمريكية- وعلى الرغم من ضخامة أبعادها الاقتصادية، لم تمرّ بسلاسة كما تمنّت واشنطن، وبغض النظر إن كانت معنونةً كصفقة اقتصادية، لكنها في عمقها تصبّ في صالح السياسة، وهذه المرة السياسة الأمريكية تحديداً.

التملص من المدة الطويلة للاتفاقية

وقال مصدر حكومي مطلع، إن التعقيدات الإسرائيلية بشأن الصفقة لا يمكن أن تكون أداة لتحقيق مكاسب على حساب مصر، وأن أولويات الأمن القومي المصري لا يمكن ربطها بمصالح اقتصادية، مشيراً إلى أن الموقف المصري قانوني وهناك التزام بالاتفاق الذي تم التوقيع عليه، وهو ما يجعل الجانب الأميركي يمضي في طريق الضغط على إسرائيل، ولن تتأثر مصر بمثل هذه التعقيدات لأنها تدرك بأن الأزمة مشتعلة في إسرائيل مع قدرة القاهرة على تجاوز الصيف الماضي دون تخفيف أحمال الكهرباء عبر تنويعها اتفاقيات استيراد الغاز من الخارج والتوسع في الاكتشافات المحلية.

وذكر أن الجانب الإسرائيلي يحاول التملص من المدة الطويلة للاتفاقية، وبدأ ذلك حينما تحجج بوقف تصدير الغاز إلى مصر بحجة ضرب أنابيب الغاز من جانب حزب الله، ومرة أخرى بحجة وجود صيانة، وفي مرات ثالثة بسبب الحرب مع إيران، لافتاً إلى أن الموقف الإسرائيلي الحالي يرجع لأن دوائر مصرية تعمل على تضييق الخناق على حكومة نتنياهو بشأن الالتزام بوقف إطلاق النار في غزة ووصولاً لإقامة الدولة الفلسطينية، على حد تعبيره.

وشدد على أن الدعم الأميركي لإسرائيل في الحرب على قطاع غزة قد لا يسير على نفس المنوال بالنسبة لإتفاقية الغاز، لأن الأمر يرتبط بمصالح شركات خاصة وسمعتها في أسواق الطاقة العالمية، وفي حال مضي نتنياهو في رفض تنفيذ الصفقة فإن ذلك سيبرهن على أن الشركات الأميركية قبلت بتسييس صفقة اقتصادية في حين أن هذه الشركات وفي مقدمتها "شيفرون" لديها مشروعات تنقيب أخرى في مصر والأردن وسيؤثر ذلك سلباً على أنشطتها.

وأكد على أن بنود الاتفاق مع إسرائيل ليست معروفة، وفي حال لم يكن هناك تعويضات لمصر والتي افترضت حسن النية، فإن ذلك سيؤثر على سمعة الشركات الأميركية والإسرائيلية، بخاصة وأن مصر أكبر شريك مع إسرائيل بمجال الغاز وكذلك الوضع بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية.

كما أن ذلك سوف يبرهن ب- بحسب المصدر ذاته – على أنه لا مجال للتعاون الاقتصادي مع حكومة إسرائيلية متطرفة، ولا يجب الارتهان إلى عدو في مثل هذا النوع من الصفقات الحساسة لأن إسرائيل عند أول خلاف مع مصر تراجعت عن تعهداتها، وقد يكون ذلك مفيداً لمصر في المستقبل لبناء شراكات أكثر فائدة مع دول عربية أخرى في مقدمتها قطر والجزائر ودول إسلامية على رأسها تركيا.

وأشار إلى أن مصر مستعدة للتعامل مع جميع السيناريوهات، وأنها نشّطت عملية التنقيب عن الغاز المحلي تحسباً لتوقف الغاز الإسرائيلي، وهو يمثل تقريباً نصف ما يتم استيراده من الخارج، وكذلك نوعت شراكاتها مع أطراف مختلفة وتمضي في طريق إبرام اتفاقيات طويلة للتأكيد على أنها لن تقف كثيراً أمام المراوغات الإسرائيلية.

ووفق صحيفة "إسرائيل هيوم"، فإن الصفقة كان يُفترض أن تشمل رفع صادرات الغاز الإسرائيلي إلى مصر بنسبة تتجاوز 40%، ما يجعلها أكبر صفقة غاز في تاريخ العلاقات بين الطرفين. وكان من المقرر أن يتم ضخ كميات إضافية من حقل "تمار" و"ليفياثان" عبر خط أنابيب "إيست ميد" الواصل إلى مصر، حيث يُعاد تسييل الغاز وتصديره إلى أوروبا. 

إلا أن شركة "شيفرون" الأميركية العملاقة للطاقة، المشغلة للحقل، أبدت انزعاجها من القرار الإسرائيلي، وضغطت على وزارة الطاقة للمضي في المصادقة على الاتفاق، معتبرة أن استمرار التجميد "يضر بسمعة إسرائيل كمورّد موثوق في سوق الطاقة الإقليمي". 

ومنذ توقيع اتفاق تصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر، مثّلت القاهرة منفذًا رئيسيًا لصادرات الطاقة الإسرائيلية إلى أوروبا، بعد أن تحوّلت إلى مركز إقليمي لتسييل الغاز، وقد ازداد التعاون بين الجانبين عقب توقيع "منتدى غاز شرق المتوسط" الذي يضم إلى جانب مصر وإسرائيل كلًا من اليونان وقبرص وإيطاليا والأردن.

لكن التوتر السياسي المتصاعد منذ اندلاع الحرب على غزة، واستمرار الخلاف حول إدارة المعابر والتهدئة، ألقى بظلاله على الملفات الاقتصادية، وفي مقدمتها الغاز والطاقة. وبحسب التقديرات، فإن تجميد الصفقة الجديدة يحرم إسرائيل من عائدات تصل إلى نحو 15 مليار دولار خلال العقد المقبل، في حين يخسر الجانب المصري فرصة لتأمين كميات إضافية من الغاز اللازم لمحطات الكهرباء والتصدير للأسواق الأوروبية، وفقاً لمراقبين.

سابقة خطيرة في اتفاقيات الطاقة

وأكد خبير في الطاقة بوزارة البترول على علاقة بالملف أن الولايات المتحدة سوف تضغط خلال الأيام المقبلة لتنفيذ الاتفاق من جانب إسرائيل، وهي تدرك بأن ذلك يصب في صالح شريكيها (مصر وإسرائيل) لأنهما قد يتحولان إلى حقلي طاقة يتم ربطهما بالممر الهندي الأوروبي ويشكل ذلك ضربة للصين، لكن الان تحاول إسرائيل الحصول على بعض المكاسب الاقتصادية والأمنية بشأن انتشار قوات الجيش المصري في سيناء.

وذكر أنه في حال استمرت التهديدات الإسرائيلية المستمرة بشأن عرقلة الصفقة فإن ذلك لا يصب في صالح إسرائيل التي تم دمجها في منظومة الطاقة بشرق المتوسط من خلال اتفاق غاز شرق المتوسط، كما أن ذلك يتعارض مع رؤية الولايات المتحدة نحو التهدئة في المنطقة وافساح المجال لتعاون اقتصادي أكبر. 

وأكد على أن نوايا إسرائيل مفضوحة بالنسبة لمصر فهي لا تريد التزاماً بالاتفاقيات وتعتاد على انتهاك القرارات معتمدة على الدعم الأميركي وتكيل الاتهامات لمصر لكي لا يتم التركيز على أنها تقدم على سابقة خطيرة في اتفاقيات الطاقة إذ أنه سيتم توقيف اتفاق اقتصادي لأسباب سياسية، بل أن مصر يمكن أن توظف هذا الموقف لصالح فضح إسرائيل، لكن القاهرة تتعامل الآن بهدوء انتظاراً لما سوف تسفر عنه تطورات الأوضاع خلال الأيام المقبلة.

أفادت صحيفة "يسرائيل هايوم" الإسرائيلية بأن وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين، يرفض رغم الضغوط الكبيرة من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، المصادقة على اتفاق الغاز الضخم مع مصر.

وأرجعت الصحيفة هذا الموقف إلى سببين رئيسيين: أولًا: الانتهاكات المصرية المدعاة لبنود اتفاقية السلام المتعلقة بانتشار القوات في شبه جزيرة سيناء. ثانيًا: المخاوف من ارتفاع أسعار الغاز على المستهلك الإسرائيلي.

وأشار التقرير إلى أن هذا الموقف أدى إلى إلغاء وزير الطاقة الأمريكي زيارة كانت مقررة إلى إسرائيل الأسبوع الماضي، ونقلت الصحيفة عن كوهين قوله: هذا واجبي، ولن يؤثر عليّ أي ضغط، مؤكدا أن أولويته تبقى حماية المصالح الأمنية والاقتصادية لإسرائيل.

وأضافت الصحيفة أن إسرائيل لا تزال تؤخر الموافقة الرسمية النهائية على اتفاق تصدير الغاز مع مصر حتى يتم التوصل إلى تسوية واضحة بشأن تواجد القوات المصرية في سيناء وهو ملفٌّ حسّاس تنظر إليه تل أبيب على أنه يشكل خرقًا محتملاً لبنود اتفاقية كامب ديفيد للسلام.

وفي وقت سابق من العام الجاري، حذرت وزارة المالية الإسرائيلية من "مواجهة نقص في الغاز الطبيعي خلال السنوات الـ25 المقبلة، نظرا لنمو الاحتياجات المحلية للطاقة بوتيرة أسرع من المتوقع، ومبيعات تصدير الغاز القوية"، وقالت إن "هذا النقص سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الكهرباء على المستهلكين".

وبدأ الغاز الطبيعي من حقل ليفياثان، أحد أكبر اكتشافات الغاز في المياه العميقة في العالم، بالتدفق إلى السوق المحلية الإسرائيلية في ديسمبر 2019، وحتى الآن، زود حقل ليفياثان السوق المصرية بـ23.5 مليار متر مكعب من الغاز.

تحميل المزيد