انهيار رهانات الاحتلال.. هكذا استعادت “حماس” النظام والسيطرة على القطاع بعد وقف إطلاق النار

تم النشر: 2025/10/13 الساعة 16:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/10/13 الساعة 16:18 بتوقيت غرينتش
مقاتلون من كتائب القسام أثناء تسليم الأسرى في غزة ضمن اتفاق وقف إطلاق النار - رويترز

بعد ساعات فقط من إعلان وقف إطلاق النار في غزة٬ يوم الجمعة 10 أكتوبر/تشرين أول 2025 انتشرت الأجهزة الأمنية والشرطية التابعة لوزارة الداخلية في قطاع غزة على الفور وباشرت ببسط الأمن والسيطرة وتنظيم حركة النازحين٬ وملاحقة المطلوبين من عصابات العملاء المتعاونين مع الاحتلال وعصابات السلب والنهب٬ في مشهد أصاب الإعلام العبري بالصدمة من قدرة الأجهزة المعنية في غزة وسرعتها في استعادة زمام المبادرة فور وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه برعاية أمريكية.

وفي حين أن جزءاً كبيراً من المؤسسة الأمنية الإسرائيلية مقتنع بأن الهجوم الإسرائيلي على مدار عامين نجح في تفكيك القدرات العسكرية لحماس ــ بما في ذلك دعم العديد من المجموعات المسلحة لإحداث فوضى داخل القطاع وتدريبها وتسليحها لتحل محل حماس ــ فإن نشر حماس السريع لمقاتليها في مختلف أنحاء القطاع٬ كشف عن أن الحركة ظلت قادرة على التماسك داخل غزة نفسها٬ كما تقول صحيفة "فاينانشيال تايمز"٬ حيث رسخت الحركة وجودها الأمني ​​في المناطق التي أخلتها قوات الاحتلال الإسرائيلي فور دخول وقف إطلاق النار في غزة حيز التنفيذ٬ كما هاجمت بعنف العديد من المجموعات المسلحة في شمال وجنوب القطاع٬ لتأكيد قوتها.

صدمة إسرائيلية.. المقاومة تملك زمام السيطرة في غزة بعد عامين من الحرب

  • أعلنت وزارة الداخلية في غزة يوم السبت، عن نشر آلاف من عناصر الشرطة وقوات الأمن في مراكز مدن القطاع، وعلى تقاطعات الطرق الرئيسية، وفي المواقع التي سادت فيها الفوضى التي رعاها الاحتلال خلال الأسابيع الأخيرة. وأوضحت الوزارة أن هذا الانتشار يهدف إلى "استعادة النظام العام ومنع انتشار الفوضى التي سعت إسرائيل إلى إشاعتها خلال العامين الماضيين".
  • نجحت هذه القوات في بسط سيطرتها بشكل كبير٬ وأمنت عبور النازحين العائدين إلى شمال غزة٬ حيث بدأت منذ يوم الجمعة عمليات العودة الجماعية للنازحين من شمال ووسط قطاع غزة، في أعقاب انسحاب القوات الإسرائيلية من أجزاء من قطاع غزة، تطبيقا لاتفاق وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه إدارة ترامب. 
  • ويوم الأحد دخلت عشرات الشاحنات المحملة بالمساعدات الإنسانية ومنتجات أخرى٬ إلى قطاع غزة ونجحت الأجهزة الأمنية في تأمينها ولم تتعرض لها العصابات التي كانت تحتمي بقوة جيش الاحتلال والغطاء الجوي، وكانت تقوم بسرقتها ونهبها٬ وأكدت وزارة الداخلية أن الاستعدادات جارية لدخول المزيد من الشاحنات وتأمينها.
  • في الوقت نفسه٬ علقت صحيفة "هآرتس" العبرية بالقول إن هذه القوات التابعة لحماس منذ أن انتشرت في محيط مدينة غزة والقطاع، استخدمت عناصر يوصفون بـ"قوة سهم" الرادعة، بهدف "ضرب أوكار الخيانة والجريمة، من الشمال إلى الجنوب، بيد ثقيلة، بحسب تقارير من القطاع٬ حيث لاحقت عصابات مسلحة تابعة لبعض العائلات في غزة مثل عائلة "دغمش"٬ ووقعت مساء يوم الأحد اشتباكات عنيفة في حي الصبرة بين هذه القوات ومسلحين خارجين عن القانون ومتعاونين مع الاحتلال٬ وشوهد في لقطات مصورة رجال شرطة مسلحون ومسلحون من حماس، ملثمون، وهم يقومون بدوريات في أسواق مدينة غزة الرئيسية.

"حماس لا تزال القوة الأكثر هيمنة في غزة"

  • من جانبها٬ علقت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" بالقول إن هذا الظهور العلني لقوات حفظ الأمن على امتداد القطاع٬ يهدف إلى إظهار أن حماس لا تزال القوة الأكثر هيمنة في غزة، حتى رغم تعرضها لضربات شديدة بعد عامين من حرب الإبادة. وقالت الصحيفة إن هذا هو الظهور الأول لضباط الأمن الداخلي منذ التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار السابق في يناير/كانون الثاني.
  • كما أن لهذه المظاهر مؤشرات هامة٬ ففي حين وافقت حماس على التنازل عن السيطرة على حكم غزة للجنة مستقلة من التكنوقراط الفلسطينيين، فإنها تصر أيضاً على البقاء جزءاً من الحوار السياسي الوطني الفلسطيني٬ وتؤكد على وجودها واستمراريتها٬ بحسب الصحيفة.
  • وتقول "تايمز أوف إسرائي": تُسلّط القوة العسكرية لحماس التي تستعرض في غزة٬ الضوء على سبب معارضة بعض شركاء رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في الائتلاف اليميني المتطرف للاتفاق المبرم يوم الخميس لإنهاء الحرب في غزة. ويسعى الحزبان اليمينيان المتطرفان أيضًا إلى إعادة توطين اليهود في القطاع. وتتضمن أجزاء من الخطة لم يتم الاتفاق عليها بعد نزع أسلحة حماس ونزع سلاح قطاع غزة، وقد أكد نتنياهو أن إسرائيل سوف تستأنف القتال إذا لم يتم تنفيذ هذه العناصر".
  • في غضون ذلك، لا يزال جيش الاحتلال الإسرائيلي يسيطر على مساحة واسعة من قطاع غزة بعد انسحابها الأولي يوم الجمعة. ويقول جيش الاحتلال إنه "سيبقى في مواقعه بعد إطلاق سراح الرهائن الأسبوع المقبل، بينما ستُربط أي انسحابات أخرى بنزع سلاح حماس وإنشاء قوة دولية لحفظ الاستقرار، والتي قد يستغرق تشكيلها أشهرًا".
مشاهد لانتشار عناصر الشرطة والأمن الداخلي في غزة – X

"استراتيجية حماس في نهاية الحرب: إعادة التأهيل والتموضع في غزة"

  • في السياق٬ تقول سابير ليبكين مراسلة الشؤون الفلسطينية والعربية في القناة 12 العبرية٬ إن حركة حماس تعيد بناء استراتيجية في نهاية هذه الجولة من الحرب٬ وهي إعادة التموضع كـ"صاحب البيت" وإعادة تأهيل قوتها وقمع العائلات والعصابات المتعاونة مع إسرائيل.
  • وتقول ليبكين إنه بالنسبة لحماس، لا يُمثّل وقف إطلاق النار نهايةً للحرب فحسب، بل فرصةً لفرض الوقائع على الأرض٬ حيث بدأ المسلحون بالعودة إلى شوارع غزة، وأُعيد نشر قوات حماس الأمنية، وشُنّت حملة تطهير عنيفة ضد المسلحين. هدف حماس واضح: إعادة تموضعها كصاحب البيت في القطاع".
  • وتقول المراسلة الإسرائيلية إنه بحسب تقارير٬ فقد أعادت حماس نحو 7000 عنصر من قواتها الأمنية إلى الخدمة لاستعادة السيطرة على مناطق في قطاع غزة انسحب منها الجيش الإسرائيلي مؤخرًا، وفقًا لمصادر محلية. وأشارت أيضًا إلى تعيين خمسة محافظين جدد على محافظات غزة، من ذوي الخلفية العسكرية، وكان بعضهم قد قاد ألوية في الجناح العسكري للحركة.
  • تقول ليبكين: "تُدرك حماس أن قوتها الحقيقية تكمن في السيطرة على زمام الأمور وتأمين المساعدات الإنسانية. وقد فُكّك صندوق إغاثة غزة (GHF) الأمريكي، الذي أُنشئ لإدارته بعيدًا عن نفوذها، بعد إصرار الحركة على إعادة المساعدات لتوزيعها من قِبل منظمات الأمم المتحدة. وبهذه الطريقة، تمكنت من الحفاظ على موقع مركزي كإدارة الأمن والغذاء، وقد تواصل استخدام المساعدات كأداة لتعزيز سيطرتها على القطاع"٬ على حد وصفها.
  • وتضيف الكاتبة أنه من المتوقع أن تستغل حماس الفترة المقبلة لتعزيز صفوفها وتعيد تأهيل قوتها٬ من حيث العناصر والقيادات. وستسد حماس الثغرات التي نشأت خلال عامين من الحرب، وتضع خطة عمل "لإعادة الإعمار"، وتعيد تنظيم الوحدات والأطر التابعة لها٬ وستسعى إلى إيجاد طريقة لإعادة تسليح نفسها، وقد تبحث عن مخابئ أسلحة سليمة داخل قطاع غزة.
  • و"إحدى المهام الأولى لحماس في وقف إطلاق النار هي كبح الميليشيات، التي يتمتع بعضها بنفوذ في جميع أنحاء قطاع غزة بفضل الدعم الإسرائيلي. حتى قبل دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، هددت حماس علنًا عصابات "أبو شباب" وعائلات أخرى في غزة والجنوب٬ وشنت حماس بالفعل حملتها لتصفية هذه المليشيات". وتضيف الكاتبة الإسرائيلية: لكن الأمر أكثر تعقيدًا مما يبدو٬ ففي هذه الأثناء، بدأت أولى بوادر محاولة إعادة الإعمار بالظهور، حيث تقوم جرافات بلدية غزة وغيرها بإزالة الأنقاض٬ وتعيد رصف الطرق الرئيسية على الفور، كما بدأت بلدية خان يونس بإزالة الأنقاض المتراكمة في الشوارع وفتح الطرق".
  • فيما قالت حركة حماس اليوم السبت إن الوكالات الإنسانية في غزة أنجزت أكثر من 5 آلاف مهمة إنسانية خلال الـ24 ساعة الماضية، بما في ذلك العمليات الجراحية، وإزالة الأنقاض، واستعادة خطوط المياه والصرف الصحي، وتوزيع الطرود الغذائية.

حماس و"اليوم التالي" لغزة

  • مع ذلك، لا يزال إعادة الإعمار الحقيقي بعيد المنال٬ بحسب القناة 12 فالمرحلة الأولى من الاتفاق لا تتضمن حلاً لإعادة الإعمار الحقيقي، ومن المتوقع أن تُصبح هذه القضية محوريةً في الجولة المقبلة من المفاوضات، حيث قد تطالب حماس بالفعل بتأثير مباشر على عملية إعادة الإعمار.
  • من جهتها٬ تقول صحيفة وول ستريت جورنال إن أعلنت الأمم المتحدة يوم الجمعة أنها أحصت نزوح 180 ألف فلسطيني ، بينهم عشرات الآلاف عائدين إلى ديارهم من مناطق في غزة نزحوا إليها. وسيجد الكثيرون أن القليل قد بقي، إذ دمّرت إسرائيل أجزاءً كبيرة من قطاع غزة٬ وينتظر الجميع الآن محادثات إعادة الإعمار التي قال ترامب إن دول عربية ستتولى مهمة ذلك.
  • وتقول الصحيفة الأمريكية إن "عودة ظهور وحدات الأمن التابعة لحماس قد يشكل مشاكل للاتفاق والذي يتطلب في مرحلته الثانية من الحركة التخلي عن السيطرة الحكومية والعسكرية على غزة ونزع السلاح" كما يدعو الاتفاق إلى تشكيل حكومة مؤقتة للإشراف على غزة، بالإضافة إلى تدفق قوات دولية للقطاع. ومن المتوقع أن تبدأ مفاوضات المرحلة الثانية يوم الثلاثاء، فور اكتمال المرحلة الأولى".
  • يوم السبت، كانت الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية أخرى تستعد لإمداد غزة بالغذاء والضروريات الأخرى. ومن المتوقع دخول ما بين 400 و600 شاحنة لتعزيز إمدادات المساعدات الحالية والمساعدة في تخفيف عامين من الحرب والمعاناة. صرح مسؤول أمني إسرائيلي بأن زيادة المساعدات قد تستغرق عدة أيام حتى تبدأ، مما يعكس استمرار المناقشات حول لوجستيات التوزيع ومخاوف أخرى. وبحسب مسؤول أمني إسرائيلي، دخلت حوالي 300 شاحنة مساعدات، معظمها محملة بالمواد الغذائية، القطاع يوميًا خلال الأسابيع الأخيرة.
  • وأضاف المسؤول أن السماح المساعدات الأخرى، مثل إصلاح خطوط المياه وشبكات الصرف الصحي وغيرها من البنى التحتية، قد بدأت بالفعل. ومن المتوقع فتح معبر رفح المصري جنوب غزة خلال الأيام المقبلة. صرحت أولغا تشيريفكو ، المتحدثة باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، قائلةً: "نحن مستعدون لتنفيذ خطتنا بزيادة المساعدات في أقرب وقت ممكن. ونأمل أن يبدأ ذلك قريبًا".
تحميل المزيد