مواجهات دامية بين باكستان وأفغانستان.. تفاصيل الاشتباكات وكواليس مناشدات إسلام آباد لكابل بخصوص “طالبان باكستان”

عربي بوست
تم النشر: 2025/10/12 الساعة 17:47 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/10/12 الساعة 17:47 بتوقيت غرينتش

شهدت الحدود بين باكستان وأفغانستان خلال الساعات الأخيرة تصاعدًا خطيرًا في حدة المواجهات العسكرية، بعد تبادل إطلاق النار بين قوات البلدين، وهو ما دفع السلطات الباكستانية إلى اتخاذ قرارات أمنية شددية تضمنت إغلاق المعابر الحدودية الرئيسية، وهو ما انعكس على الحركة التجارية والمدنية في المنطقة بأكملها.

اندلعت الاشتباكات مساء يوم السبت، 11 أكتوبر/تشرين الأول 2025، عقب هجوم شنته حركة طالبان على مواقع عسكرية باكستانية، وفق ما نقلته صحيفة الغارديان البريطانية، وذلك في سياق تصاعد التوترات بعد غارات جوية باكستانية نفذتها على أراضٍ أفغانية استهدفت قيادات بارزة في طالبان باكستان، وأدت إلى استهداف مواقع الحركة على طول خط ديورند الحدودي المعروف بوعورته وجباله الشاهقة، والذي يمتد لمسافة تقارب 2600 كيلومتر.

خلفية المواجهات العسكرية


تأتي هذه المواجهات في إطار سلسلة من الأحداث المتصاعدة بين باكستان وحركة طالبان الباكستانية، التي يُعتقد أنها تتلقى تدريبات ودعمًا من طالبان الأفغانية. فقد شنت طالبان باكستانية هجمات انتقامية على مواقع حدودية في ولاية هلمند الجنوبية، وتمكنت من السيطرة على موقعين حدوديين على الأقل، حسبما أفادت مصادر الحركة، وهو ما أقرّه مسؤولون باكستانيون.

رد الجيش الباكستاني كان سريعًا وقويًا، مستخدمًا المدفعية والدبابات والأسلحة الثقيلة، مؤكدًا أن أي عدوان على أراضيه لن يمر دون مواجهة مباشرة. وأوضح أحد المسؤولين الحكوميين لصحيفة الغارديان: "الليلة بدأت طالبان بإطلاق النار على عدة نقاط حدودية، ورددنا بالمدفعية على أربعة مواقع على طول الحدود. لن نتسامح مع أي عدوان من طالبان الأفغانية على أراضينا".

المواجهات الأخيرة لم تكن حدثًا عابرًا، بل تعكس تراكمات سياسية وأمنية طويلة بين الطرفين. فقد أشار محللون أمنيون مثل مايكل كوغلمان، المختص بشؤون جنوب آسيا، إلى أن تكثيف الهجمات عبر الحدود والضربات الباكستانية المكثفة في أفغانستان، إضافة إلى ردود فعل طالبان الانتقامية، خلق بيئة مشحونة بالمخاطر، مع تحذيرات من أن أي تصعيد عسكري محتمل أصبح أكثر احتمالية. كما أوضح كوغلمان أن عدم اعتراف أفغانستان بالحدود وانتشار المعلومات المضللة حول الأزمة كلها عوامل تُفاقم الوضع، وتجعل أي مواجهة عسكرية واسعة محتملة.

على الجانب الباكستاني، أبدت الحكومة نفاد صبرها تجاه كابل، وامتنعت عن تأكيد أو نفي تورطها في الضربات الجوية، بينما طالبت طالبان بوقف إيواء عناصر طالبان باكستان، المتهمة بقتل مئات الجنود الباكستانيين منذ عام 2021، والتي يُعتقد أنها تتلقى تدريبات قتالية في أفغانستان، وتشترك في روابط أيديولوجية مع طالبان الأفغانية. وفق كوغلمان، فإن قدرة طالبان على مواجهة الجيش الباكستاني مباشرة محدودة، ومن المرجح أن عمليات الانتقام تتراجع بمجرد تهدئة الرأي العام.

بدوره، شدد الجيش الباكستاني على التزامه بحماية أرواح المواطنين، وأكد الفريق أحمد شريف شودري، المتحدث العسكري، على ضرورة منع استخدام الأراضي الأفغانية لشن هجمات إرهابية على باكستان. واعتبر محلل أمني مقيم في إسلام آباد، إمتياز جول، أن ما جرى هو نتيجة منطقية للتوترات المتصاعدة بين البلدين، خاصة بعد الهجمات على مخابئ طالبان باكستان والرفض المستمر من النظام الأفغاني اتخاذ إجراءات حاسمة ضد الحركة.

طبيعة الحدود والتحديات الميدانية


تعد الحدود بين باكستان وأفغانستان، المعروفة باسم خط ديورند، من أكثر الحدود تحديًا في العالم، نظرًا لوعورتها وجبالها الشاهقة. هذه الطبيعة الجغرافية تزيد من صعوبة مراقبة الوضع، وتسمح بتبادل الهجمات المتكررة بين الطرفين. في ليلة 9 أكتوبر، وقعت اشتباكات في خمس نقاط حدودية على الأقل، أسفرت عن مقتل عدد من الجنود وإغلاق معبرين حدوديين رئيسيين. وأعلنت طالبان مقتل 58 جنديًا باكستانيًا وإصابة نحو 30 آخرين، بينما أُصيب تسعة جنود أفغان وقتل 18 آخرون، في حين لم تعلن باكستان رسميًا عن عدد الضحايا، لكنها أكدت مقتل ثلاثة جنود ومدني واحد وإصابة خمسة آخرين.

الغارات الجوية الباكستانية


شكلت الغارات الجوية محور التصعيد الرئيس، حيث استهدفت غارة بطائرة مسيرة في كابول زعيم طالبان باكستان، نور والي محسود، ما أسفر عن مقتل عضوين بارزين في الجماعة، فيما نجا محسود من الاغتيال.

رد حركة طالبان على هذه الغارات كان سلسلة من الهجمات الانتقامية على المواقع الحدودية الباكستانية، بهدف استعادة السيطرة على بعض المواقع واستعادة جثث الجنود، وفق بيانات الحركة الرسمية، التي أشارت إلى السيطرة على 25 موقعًا حدوديًا وإسقاط ذخائر الجيش الباكستاني في أيدي عناصر طالبان.

أسفرت الاشتباكات الأخيرة عن مقتل 58 جنديًا باكستانيًا بحسب طالبان، وتدمير 11 مركزًا حدوديًا، واستعادة جثتين من الجنود وعدد من أسلحتهم، بينما أكد الجيش الباكستاني أنه استهدف 20 موقعًا حدوديًا لطالبان، واستسلم بعض عناصر الحركة، ما يعكس حجم التصعيد الأخير، وأنه قتل 200 من عناصر طالبان.

السيناريوهات المحتملة
حسبما قال مصدر سياسي عاش في مناطق نفوذ طالبان باكستان فترات طويلة وكان مقربًا من تنظيم القاعدة، فقد صرح في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست" أن السيناريوهات المستقبلية لتطور الأزمة بين باكستان وطالبان باكستان تتراوح بين عدة خيارات:

  • تهدئة مؤقتة عبر وساطات إقليمية: قد تؤدي ضغوط إقليمية من إيران وقطر والسعودية إلى وقف مؤقت لإطلاق النار، مع فتح قنوات دبلوماسية لتقليل المخاطر.
  • تصعيد عسكري محدود: استمرار الاشتباكات في نقاط محددة مع هجمات انتقامية متفرقة، دون أن تتحول إلى حرب شاملة، مع إمكانية حدوث خسائر بشرية إضافية.
  • تصعيد شامل وتحول الصراع إلى صراع إقليمي: إذا فشلت الوساطات الدبلوماسية، واستمرت الغارات الجوية والهجمات البرية، قد يؤدي ذلك إلى زعزعة الأمن في الحدود الشرقية لأفغانستان، وربما تدخل الهند كطرف متأثر بالتصعيد.
  • استغلال الأزمة داخليًا في باكستان: هناك احتمالية أن تستخدم دوائر سياسية داخل باكستان المواجهة لتضييق الخناق على خصوم سياسيين أو لتعزيز النفوذ العسكري في السياسة الداخلية.

الأبعاد العسكرية والسياسية


كشفت الاشتباكات الأخيرة عن مستوى عالٍ من الاستعداد العسكري من قبل الطرفين، حيث استخدمت قوات طالبان الأفغانية الأسلحة الخفيفة والمدفعية الثقيلة، في حين ردت القوات الباكستانية بإطلاق كثيف للنار واستخدام طائرات مسيرة يُشتبه في نقلها متفجرات. هذا يعكس استعداد كلا الجانبين للتصعيد العسكري في حال استمرار الاستفزازات أو حدوث خروقات على الأرض، ما يجعل الحدود بين باكستان وأفغانستان خط تماس ساخن يهدد باندلاع صراع أوسع.

تاريخيًا، شكل خط ديورند، الذي يمثل الحدود بين البلدين، ساحة مستمرة للنزاعات المسلحة منذ عقود، بسبب وجود جماعات مسلحة مثل طالبان الباكستانية والعناصر المرتبطة بها، والتي تتلقى دعمًا لوجستيًا وعملياتيًا من سلطات طالبان الأفغانية، بما في ذلك التدريب والتمويل والملاذ الأمني، ما يزيد من صعوبة السيطرة على التحركات المسلحة ويخلق حالة من التوتر الدائم.

في الوقت نفسه، يُنظر إلى هذه المواجهات كجزء من استراتيجية باكستان للضغط على حكومة طالبان الأفغانية لوقف أي دعم محتمل لحركة طالبان الباكستانية، بينما تسعى كابل إلى الحفاظ على هيبة الدولة ومنع أي تدخل خارجي، مما يخلق حالة من الجمود والتوتر المستمر.

الوساطات الدبلوماسية والإقليمية
على الرغم من استمرار الاشتباكات في بعض المناطق، فإن الوساطات الإقليمية من قطر والسعودية ساعدت على خفض حدة التصعيد، ولم تتأخر ردود الفعل الإقليمية والدولية، إذ دعت إيران وقطر والسعودية الطرفين إلى ضبط النفس، وحذرت من التصعيد الذي قد يهدد استقرار المنطقة.

وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي شدد على أهمية الاستقرار بين أفغانستان وباكستان، واعتبره شرطًا لاستقرار المنطقة بأكملها. أما قطر فقد دعت إلى استبدال الحل العسكري بالحوار والدبلوماسية، مؤكدة ضرورة حل الخلافات بما يحقق السلام الإقليمي. السعودية أيضًا شددت على تجنب التوترات وحل النزاعات بالحوار والحكمة الجماعية.

في المقابل أعلنت أفغانستان أن عملياتها "الانتقامية" ضد باكستان توقفت بحلول منتصف الليل، استجابة لطلب من قطر والسعودية، مؤكدة استعدادها للدفاع عن أراضيها بكل حزم.

سبب الأزمة


تشترك أفغانستان وباكستان في حدود تمتد قرابة 1600 ميل، على طول مناطق جبلية متعرجة تُعرف باسم خط ديورند. وقد وقعت اشتباكات متكررة بين جيشي البلدين على طول الحدود، غالبًا بسبب هجمات عبر الحدود، ونزاعات إقليمية، وبناء مراكز أمنية جديدة.

وقدمت باكستان الدعم لطالبان خلال تمردها ضد الاحتلال الذي تقوده الولايات المتحدة لأفغانستان، لكن العلاقة تدهورت منذ استعادة طالبان للسلطة في أفغانستان عام 2021.

اتهمت باكستان حكومة طالبان مرارًا وتكرارًا بتوفير ملاذ آمن لجماعة تحريك طالبان باكستان المحظورة، والمعروفة أيضًا باسم TTP أو طالبان الباكستانية، التي أدت هجماتها إلى مقتل المئات من قوات الأمن الباكستانية في السنوات الأخيرة.

في حين أعلنت حركة طالبان باكستان، السبت، مسؤوليتها عن سلسلة من الهجمات في أنحاء خيبر باختونخوا، وهي مقاطعة باكستانية على الحدود مع أفغانستان، والتي أسفرت عن مقتل عدد من أفراد الأمن والمدنيين، بما في ذلك تفجير بالقرب من منشأة لتدريب الشرطة.

كما تلقت قيادة حركة طالبان باكستان دعمًا ماليًا من الحكومة الأفغانية، وتدرب مقاتلوها بحرية في أفغانستان، وفقًا لمسؤولين عسكريين باكستانيين وخبراء مستقلين ومن خبراء الأمم المتحدة. وتنفي حركة طالبان في أفغانستان دعمها للجماعة الباكستانية.

وقال سكان في المناطق الحدودية على الجانبين في مقابلات هاتفية إنهم شهدوا اشتباكات عنيفة طوال الليل استمرت لعدة ساعات. وقال شابير خان، أحد سكان منطقة كورام الحدودية الباكستانية، وهو يصف صوت الأسلحة الثقيلة التي يتردد صداها عبر الجبال: "استمر القتال لساعات دون توقف".

وقال عزيز سيار، أحد سكان منطقة سوكاي في ولاية كونار الأفغانية بالقرب من الحدود مع باكستان، إن إطلاق النار بدأ حوالي الساعة التاسعة مساءً واستمر لأكثر من ثلاث ساعات، وقال: "كان أطفالنا يصرخون خوفًا عندما تردد صدى الرصاص في الليل".

مطالب باكستانية من أفغانستان


لذلك فقد دعت باكستان إدارة كابل إلى اتخاذ خطوات ملموسة ضد "العناصر الإرهابية التي تسعى إلى تقويض العلاقات بين البلدين".

وبحسب صحيفة "دون" المحلية، دعا الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري في تصريحات، الأحد، إدارة كابل إلى اتخاذ خطوات ملموسة ضد "العناصر الإرهابية" التي قال إنها تنشط على الأراضي الأفغانية.

كما نقلت الصحيفة تصريحات لرئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، قال فيها إن إسلام أباد سترد بقوة على أي استفزاز.

وأضاف شريف أن إسلام أباد "نقلت مرارًا معلومات إلى أفغانستان تفيد بأن بعض العناصر الإرهابية تستخدم الأراضي الأفغانية لشن هجمات ضد باكستان".

من جهته، أعرب وزير الخارجية الباكستاني محمد إسحاق دار، في منشور على منصة شركة "إكس" الأمريكية، عن قلقه العميق إزاء التطورات على الحدود الأفغانية. وذكر دار أن باكستان تتصرف بحذر لمنع وقوع خسائر بين المدنيين، وأنها لا تستهدف المدنيين.

وشدد على أن بلاده ستتخذ التدابير اللازمة لحماية أراضيها، وطالب أفغانستان باتخاذ "إجراءات ملموسة" ضد العناصر التي تسعى إلى تقويض العلاقات بين البلدين.

تحميل المزيد