إخفاق السابع من أكتوبر لا يزال يطارد الإسرائيليين.. هل تُسقط التحقيقات حكومة نتنياهو بعد انتهاء الحرب؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/10/12 الساعة 16:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/10/12 الساعة 16:11 بتوقيت غرينتش
تصاعد التوتر بين نتنياهو والشاباك الإسرائيلي بسبب هجوم طوفان الأقصى/ عربي بوست

بعد عامين على زلزال السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، لا تزال إسرائيل تعيش تحت ظلال الإخفاق المُرّ الذي كشف هشاشة منظومتها الأمنية والسياسية والاستخباراتية. ومع أن اتفاق وقف الحرب مع حماس برعاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعاد الأسرى الإسرائيليين وفتح باب التهدئة، إلا أن الجرح الداخلي لم يلتئم. فالمعركة الحقيقية الآن بالنسبة للإسرائيليين الآن ليست في غزة، بل داخل "إسرائيل" نفسها، حيث يشتد الجدل حول من يتحمل المسؤولية هذا عن الانهيار الأمني والسياسي الذي هز البلاد في ذلك اليوم٬ وحرب استمرت لنحو عامين كلفت مليارات الدولارات ونحو 2000 قتيل و20 ألف جريح من الإسرائيليين.

في قلب هذا الجدل يقف بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء اليمين الذي نجا من الحرب لكنه لم ينجُ من أسئلة المحاسبة. وطوال عامين، تهرب نتنياهو من المحاسبة والدعوات لتشكيل لجنة تحقيق رسمية بحجة أن "زمن الحرب ليس وقت الحساب"، لكن الإسرائيليون يقولون إن الحرب انتهت، والتهرب لم يعد ممكناً. فالصوت العام في "إسرائيل" يطالب اليوم بتحقيق شامل لا يترك مجالاً للالتفاف من قبل نتنياهو.

وتعيد المطالبات بالتحقيق في الإخفاق إلى الواجهة شبح لجان تحقيق سابقة مثل لجنة "أغرانات" بعد حرب أكتوبر 1973، حين دفعت الفضيحة السياسية والاستخباراتية والعسكرية قادة الاحتلال آنذاك إلى الاستقالة تحت ضغط الشارع الإسرائيلي. ولا شك أن الضغط بالتحقيق في إخفاقات السابع من أكتوبر سيعد أكبر تحدٍ لجوهر النظام الإسرائيلي نفسه ومستقبله٬ هل لا تزال مؤسساته قادرة على محاسبة القيادة كما فعلت في الماضي٬ أم أن هيمنة نتنياهو وشبكة تحالفاته اليمينية التي أصبحت تسيطر على جميع مفاصل دولة الاحتلال ستحول دون ذلك٬ وهل التحقيقات المقبلة ستسقط حكومة نتنياهو أم ستمنحه فرصةً أخرى للنجاة كما أتقن ذلك كل مرة.

إخفاق السابع من أكتوبر لا يزال يلاحق نتنياهو.. فهل اقترب الحساب؟

  • منذ صباح السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، صدم الهجوم الذي شنّته المقاومة الفلسطينية على المستوطنات الإسرائيلية المنظومة الأمنية والاستخباراتية الإسرائيلية، وأطلق جدلا داخلياً حادًّا حول من يتحمّل المسؤولية: الجيش، أجهزة الاستخبارات، الحكومة، أو الطبقة السياسية التي تقف على رأس القرار٬ والتي نجحت حتى اللحظة بالنجاة من سؤال المحاسبة.
  • وإذا كان الفشل التقني والاستخباراتي يوم السابع من أكتوبر قد تمّ استيعابه جزئيًا داخل أجهزة الأمن، فإن التحدّي الأكبر كان في الساحة السياسية: كيف يمكن لمن يقود السلطة أن يواجه مطالب التحقيق دون أن يُعرّض نفسه للمسائلة الكاملة؟ التقارير الإسرائيلية تسلّط الضوء على سلسلة من التحركات التي سعت لتقييد أي لجنة تحقيق، أو تحويلها إلى هيئة ذات صلاحيات محدودة.
  • في 5 مايو 2025، قرّر الكابينت (مجلس الوزراء) الإسرائيلي عدم المضيّ في تشكيل لجنة تحقيق حكومية شاملة لأحداث السابع أكتوبر في الوقت الراهن أو "خلال الحرب"، مبرّرًا القرار بضرورات أمنية واستمرار تداعيات الحرب. لكن هذا القرار والتحايل أثار غضبًا عامًّا، خاصة من ذوي عائلات القتلى الإسرائيليين والجرحى والأسرى ومن رموز المعارضة.
  • وخلال الحرب٬ استخدم نتنياهو وحلفاءه مَناورات تشريعية مختلفة للتهرب من المساءلة بعدما أطاحوا بجميع خصومهم في الجيش والمخابرات والحكومة٬ مثل صياغة مشاريع قوانين تُقيِّد صلاحيات لجان التحقيق أو تُحوّلها إلى هيئات استشارية٬ في محاولة لتصغير قدرة اللجنة على المساءلة الحقيقية والفاعلة.
  • وكشفت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن حكومة نتنياهو التي تهربت من المساءلة دوماً عرضت صيغة بديلة خلال الأشهر الأخيرة: إنشاء لجنة سياسية أو لجنة "محدودة الصلاحيات" بدلاً من لجنة دولة (State Commission) تملك صلاحيات التحقيق الشامل بما في ذلك الطلب من المسؤولين تقديم إفادات تحت القسم، فتح ملفات سرية، وإصدار توصيات قضائية أو جزائية إن لزم الأمر. 
  • وفي الجانب القانوني، ادعت حكومة نتنياهو أن قدرة القضاء على إجبار إنشاء لجنة تحقيق دستورية محدودة، وأن المسألة تدخل في صلاحيات الحكومة التنفيذية، وأن فرض لجنة عبر ضغط قضائي أو برلماني قد ينطوي على خروقات في موازين السلطات ويهدد بتعميق انقسام الشارع الإسرائيلي. 
  • وكانت تقارير إسرائيلية قد قالت إن أطرافًا داخل حكومة نتنياهو حاولت استمالة نواب المعارضة أو الضغط عبر وسائل تشويه أدبي على من يطالب باللجنة، من خلال تسليط الشك على نزاهة القضاة الممكنين لعضوية اللجنة، أو اتهام المعارضين بأنهم "من يحاولون شق الصف الوطني وسط الأزمات الأمنية".
  • وتستمر حالة الرفض الشعبي لحكومة نتنياهو وتدعو لمحاسبتها بعد انتهاء الحرب٬ وخلال كلمة ألقاها مبعوث ترامب ستيف ويتكوف في تل أبيب أمام عائلات الأسرى الإسرائيليين هتافات حادة ضد نتنياهو٬ دفعت ويتكوف إلى إنهاء كلمته على عجل٬ وهو ما يثبت حالة الغضب والاحتقان الداخلي ضد حكومة الاحتلال. 
  • وبحسب هآرتس٬ وجه ذوي الأسرى والقتلى الإسرائيليين رسائل مباشرة إلى نتنياهو، مطالبين بلجنة تختصّ بالتحقيق في كافة المستويات: الأمنية، السياسية، الاستخبارية والقضائية. وقال بعضهم إن "كل يوم يمر من دون لجنة تحقيق كاملة هو يوم جديد من النكسة للثقة بين الدولة والمواطنين".

توقفت الحرب.. ماذا سيحدث الآن؟

  • تقول صحيفة "هآرتس" في افتتاحيتها يوم الأحد 12 أكتوبر 2025 إن انتهاء الحرب وعودة الرهائن يُعدّان إنجازًا هامًا٬ مع ذلك، يستحيل الانتقال إلى الفصل التالي دون تحقيق شامل في الأسباب والظروف التي أدت إلى انهيار بلد بأكمله في صباح أحد أيام أكتوبر. وعلى مدى العامين اللذين أعقبا اندلاع الحرب، زعم نتنياهو أنه لا ينبغي إنشاء لجنة تحقيق حكومية في زمن الحرب. وكرر هذه العبارة: "قلنا إننا سنفعل ذلك بعد انتهاء الحرب"، فيما بدا محاولةً واضحةً للتهرب. في الواقع، لا توجد حيلةٌ واحدةٌ إلا وقد جربها نتنياهو في محاولته اليائسة لتجنب المحاسبة على الفشل الذريع أمام حماس.
  • وتضيف الصحيفة: "الآن وقد انتهت الحرب، لم يعد هناك أي مبرر لعدم محاسبة حكومة نتنياهو. حان الوقت لتشكيل لجنة تحقيق رسمية في أحداث السابع من أكتوبر: هذا لا يعني لجنة شكلية، ولا لجنة "سياسية" أو "وطنية"، وبالتأكيد ليست لجنة تابعة لمراقب الدولة . كما يجب ألا نكتفي بالتحقيقات الداخلية للجيش.. المطلوب هو لجنة تحقيق رسمية: لجنة شرعية وقانونية وملزمة. لجنة يُشكلها رئيس المحكمة العليا للتحقيق في جميع الأنظمة التي تسببت في أسوأ كارثة وكارثة في تاريخ "إسرائيل".
  • وتقول الصحيفة إنه مع مرور الوقت، أصبح الفارق في اختبار المسؤولية العامة، مقارنة بما حدث في أعقاب حرب يوم الغفران عام 1973، أكثر وضوحا. ثم شُكِّلت "لجنة أغرانات"، ورغم أنها لم تُدين رئيسة الوزراء غولدا مائير، إلا أنها استقالت تحت ضغط شعبي، وأُجبر الحزب الحاكم على التنحي عن السلطة. ولا يزال نتنياهو في منصبه، يحاول منع تشكيل لجنة تحقيق رسمية، والضغط الشعبي يدفعه إلى مواصلة مواقفه الخطيرة!
  • إلى جانب معارضة نتنياهو لتشكيل لجنة تحقيق حكومية، يعمل شركاؤه وأبواقه وأتباعه على نسج رواية جديدة: إذا كان هناك من يستحق التحقيق، فهو الجمهور! ليست الحكومة وزعيمها الذي قاد دفة الدولة لما يقرب من عشرين عامًا، بل مواطنوها الذين تجرأوا على الاحتجاج على التخلي عن البلاد لصالح انقلاب حكومي. هذا التحول من قيادة تتهرب من المسؤولية وتُلقي باللوم على الشعب هو سمة من سمات نظام فاسد لا مفر من نهايته٬ كما تقول الصحيفة.
  • وتختم الصحيفة بأنه "لا يمكن إلا للجنة تحقيق حكومية تتمتع بصلاحيات تحقيقية كاملة أن تجري تحقيقا حقيقيا وجادا ومستقلا يحلل الإخفاقات السياسية والعسكرية والاستخباراتية والاجتماعية، ويستعيد الثقة العامة، ويضمن عدم تكرار الكارثة، ويعطي الدولة والمجتمع فرصة للتعافي وطي الصفحة".

بعد انتهاء الحرب.. مستقبل نتنياهو أصبح على المحكّ و"الجنائية الدولية" لا تزال تلاحقه

  • من جهتها٬ كشفت آنا بارسكي مراسلة الشؤون السياسية بصحيفة معاريف، عن أن نتائج آخر استطلاع للرأي أُجري على عينة تمثيلية من ناخبي حزب الليكود الذي يترأسه نتنياهو، أظهرت أن أغلبية مطلقة منهم تؤيد إنهاء الحرب كجزء من صفقة شاملة، لكنها لفتت إلى أن اتفاق وقف إطلاق النار يأتي في أوقات حساسة للغاية بالنسبة لنتنياهو على الصعيد السياسي والحزبي الداخلي، لأنه سيُحدد جدوله الزمني السياسي للأشهر المقبلة مع اقتراب الانتخابات، وربما يُغير أيضاً خريطة القوى الحزبية حول طاولة الحكومة.
  • وبحسب أفراهام بلوخ الكاتب في صحيفة معاريف، فإنه "صحيح أن الحزبين في الساعات الأخيرة تجنّبا التهديدات العلنية الاتفاق مع حماس، لكن اختبار نتنياهو لا يقتصر على مدى نجاح الاتفاق على الأرض في غزة، بل يشمل أيضاً مدى قدرته على الحفاظ على سيطرته على الساحة السياسية والحكومية في اليوم التالي". 
  • وربطت المواقف الإسرائيلية الحالية من اتفاق وقف إطلاق النار بالحسابات السياسية والحزبية، لاسيما وأن الإسرائيليين دخلوا عامهم الانتخابي الحاسم. بالنسبة لسموتريتش، فإن استطلاعات الرأي لا تمنحه إمكانية اجتياز عتبة الحسم، أما بن غفير فهو بمنأى عن هذا الإنذار، ومع ذلك، فإن لكليهما قد تكون مصلحة في الاستقالة من الحكومة في مرحلة ما، لمراكمة المزيد من الرصيد السياسي. ورغم أنهما سمحا للصفقة بالحدوث، لكنهما سيتخذان خطوات قد تؤثر على مستقبل الحكومة، بحسب تقدير أشكنازي.
  • في الوقت نفسه٬ فإن نتنياهو يواجه حرباً أخرى من نوع مختلف٬ حيث تقول صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية إن "إسرائيل ستواجه أوقاتاً عصيبة أمام المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية بعد انتهاء الحرب". ولطالما سعت إسرائيل وحليفتها الأبرز، الولايات المتحدة، إلى استهداف المحاكم الدولية التي تنظر في قضايا الإبادة الجماعية ضد تل أبيب، وخاصة المحكمة الجنائية الدولية التي استهدفتها إدارة ترامب بعقوبات، رداً على إصدار مذكرات الاعتقال بحق نتنياهو.
  • لكن في الوقت الحالي، من غير المرجّح أن يتم إلغاء مذكرات الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنياهو وغالانت كمكافأة على إنهاء الحرب، وفقاً لصحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية. وأضافت جيروزاليم بوست أن وضع نتنياهو قد يصبح أكثر عرضة للخطر إذا أُجبر على ترك السلطة في انتخابات عام 2026، بما أن رؤساء الدول يتمتعون بالحصانة وفقاً لبعض البلدان.
  • وكانت الساحة السياسية والحزبية الإسرائيلية قد شهدت، في الأيام الأخيرة وفور توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، نقاشات بشأن التحضير لطيّ صفحة الحكومة، والتحضير للانتخابات القادمة، لأنهم يرون في الاتفاق بداية النهاية لمستقبل حكومة نتنياهو. ورجّحت جيروزاليم بوست أن أفضل ما يمكن أن تأمله تل أبيب هو إقناع المحكمة الجنائية الدولية بعدم إصدار المزيد من مذكرات الاعتقال، والتي قد تشمل جنوداً من جيش الاحتلال الإسرائيلي، ومواجهة قضية محكمة العدل الدولية، مشيرة إلى أنه من غير المحتمل قبول رواية إسرائيل في هذه المحاكم الدولية.
تحميل المزيد