فجّرت الاشتباكات التي دارت بين قوات الجيش السوري وقوات "قسد" الكردية في محيط حي الشيخ مقصود وحي الأشرفية بمدينة حلب، الجدل حول دور قوات قسد في حفر مئات الأنفاق في شمال شرق سوريا، وما ترتّب على ذلك من كوارث بيئية، وكذلك انهيار منازل كثير من السوريين في خضمّ الصراع الذي دام سنوات طويلة بين القوات الكردية والنظام السابق، وفي ظلّ استمراره حاليًا مع الحكومة السورية الحالية.
وتسيطر قوات قسد الكردية على مساحات ليست قليلة من سوريا، كما تسيطر على بعض الأحياء في مدينة حلب، وقد قامت بحفر أنفاق فيها من أجل الوصول إلى نقاط تمركز قوات الداخلية وقوات الجيش السوري والهجوم عليها، وذلك وفقًا للاشتباكات التي وقعت في الفترة الماضية وبيانات قوات قسد.
في هذا التقرير نشرح بالتفصيل خريطة تواجد قوات قسد في مدينة حلب، وكيف سيطرت على بعض أحياء المدينة منذ سنوات، بالإضافة إلى نشاط القوات الكردية في حفر الأنفاق الضخمة.
لماذا اندلعت الاشتباكات بين الجيش السوري وقسد في حلب؟
كانت البداية يوم الاثنين، 6 تشرين الأول/أكتوبر 2025، حين أعلن الجيش السوري عن اكتشافه أنفاقًا تابعة لقوات "قسد" الكردية في مناطق خلف مواقع انتشار الجيش في مدينة حلب، فقام الجيش بتدميرها بعد اكتشافها. ومن هنا بدأت اشتباكات عنيفة في محيط حيي الشيخ مقصود والأشرفية بمدينة حلب، ثم أعلنت وزارة الدفاع السورية عن وضع خطة لإعادة انتشار الجيش على بعض المحاور شمال وشمال شرق سوريا، وذلك بعد الاعتداءات المتكرّرة لقوات قسد واستهدافها للأهالي وقوى الجيش والأمن، ومحاولتها السيطرة على نقاط وقرى جديدة.
تلا ذلك قيام الجيش السوري بإغلاق المنافذ المؤدية إلى هذه الأحياء لحماية المواطنين في حلب. وجراء الاشتباكات بين قوات قسد والجيش السوري، قُتل اثنان على الأقل من القوات السورية والمدنيين، وأُصيب عدد آخر منهم كذلك.
ما هي نقاط تمركز قوات قسد في مدينة حلب؟
تُعدّ محافظة حلب واحدة من أكثر المحافظات السورية تعقيدًا من الناحية الأمنية والعسكرية، نظرًا لتعدّد الفاعلين المحليين والإقليميين والدوليين المتواجدين على أرضها، وبروز النزاعات بين القوات الحكومية والفصائل المسلحة وقوات سوريا الديمقراطية "قسد".
ضمن هذا السياق، تتوزع نقاط تمركز قسد في المحافظة بشكل استراتيجي يغطي المدينة ومناطق الريف الشمالي والشرقي، مع حرصها على السيطرة على المعابر الحيوية ونقاط المراقبة المهمة.
في مدينة حلب، يُعدّ حيّ الشيخ مقصود وحيّ الأشرفية أبرز معاقل قوات قسد، خاصة أن كلا الحيين يقطنه غالبية كردية، مما جعلهما منطقتين استراتيجيتين للحفاظ على نفوذها داخل المدينة. تتركز القوات في هذه الأحياء بشكل أساسي على مراقبة التحركات المدنية والعسكرية، كما تنتشر نقاط أمنية تابعة لقسد ولأجهزة "الأسايش" في مناطق معينة حول طريق الكاستيلو وحي الكلاسة الشمالية.
أين يقع حي الشيخ مقصود وأهميته؟
يقع حي الشيخ مقصود في شمال غرب مدينة حلب، ويُعد من أبرز المعاقل الكردية داخل المدينة لما له من موقع استراتيجي يربط بين الأحياء الغربية والشرقية. على مر السنوات، لعب هذا الحي دورًا محوريًا في الحياة السياسية والاجتماعية للأكراد في حلب، إذ يُعتبر مركزًا للنشاطات الثقافية والسياسية الكردية.
يمتاز الحي بتضاريسه المفتوحة نسبيًا ووجود شبكة طرق تربطه بالأحياء المجاورة، ما جعله موقعًا مهمًا للرقابة والمراقبة سواء من قبل القوات الحكومية أو الفصائل المسلحة الأخرى قبل سيطرة قسد عليه. يكتسب حي الشيخ مقصود أهميته الاستراتيجية أيضًا من كونه أحد الأحياء التي تجمع السكان الكرد في قلب المدينة، ما جعله قاعدة قوية للتأثير السياسي والثقافي للوجود الكردي في حلب، ويجعله عنصرًا رئيسيًا في أي اتفاقات أمنية أو عسكرية تخص شمال غرب المدينة.
يُقدر عدد سكان حي الشيخ مقصود بحوالي 60 ألف نسمة، يشكل الأكراد غالبية السكان، بينما توجد أقلية من العرب والتركمان، مما يضفي على الحي طابعًا متعدد المكونات. رغم الصراعات المستمرة منذ عام 2011، حافظ الحي على طابعه الاجتماعي والثقافي، واستمرت فيه المدارس والمراكز الثقافية والخدمية، وإن كانت محدودة بسبب الوضع الأمني المتوتر. ويتميز سكان الحي بالتشبث بهويتهم الكردية، وهو ما جعل حي الشيخ مقصود هدفًا استراتيجيًا لقوات سوريا الديمقراطية عند سعيها لتعزيز نفوذها في حلب، حيث يمكنها من خلال السيطرة على الحي تأمين خط دفاع مركزي لأحياء الأكراد وضمان إدارة ذاتية نسبية للنشاطات السياسية والاجتماعية.
شهد حي الشيخ مقصود منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011 سلسلة من التغيرات الأمنية والسياسية، بدءًا من مقاومة السكان ضد القوات الحكومية والفصائل المسلحة المتعددة، وصولًا إلى سيطرة قوات سوريا الديمقراطية عليه في عام 2015. عند سيطرتها، أسست قسد وإدارة الأسايش نقاط مراقبة وأجهزة أمنية محلية لإدارة الحي وحماية المدنيين، ما جعلها قوة محورية في الدفاع عن المنطقة. على الرغم من سيطرة قسد، فقد شهد الحي توترات متقطعة مع الجيش السوري والفصائل الأخرى، حتى تم التوصل في أكتوبر 2025 إلى اتفاق مع الحكومة السورية لوقف إطلاق النار، ما أتاح إعادة الانتشار التدريجي للجيش السوري دون الإخلال بالخصوصية الكردية للحي أو الحقوق الأساسية لسكانه.
أين يقع حي الأشرفية وما هي أهميته؟
حي الأشرفية يقع شمال حي الشيخ مقصود ويُعتبر امتدادًا طبيعيًا له، ويتميز بموقعه الحيوي الذي يجعله نقطة التقاء بين الأحياء الكردية والأحياء العربية في شمال غرب مدينة حلب. هذا الموقع جعله أحد الأحياء ذات الأهمية الاستراتيجية الكبيرة، سواء من الناحية العسكرية أو السياسية، حيث يتيح السيطرة على الممرات بين الأحياء المختلفة ومراقبة التحركات القادمة من مناطق النزاع. كذلك، يُعتبر الحي مركزًا للعديد من الأنشطة التجارية والخدمية التي تربط السكان الكرد بالعرب في المناطق المجاورة، ما يجعله عنصرًا أساسيًا في الحفاظ على التوازن الاجتماعي والاقتصادي داخل شمال غرب المدينة.
عدد سكان حي الأشرفية يُقدر بحوالي 60 ألف نسمة، ويتميز الحي بتنوعه العرقي، إذ يشمل الأكراد والعرب بشكل أساسي، وهو ما يعكس تاريخ التعايش النسبي بين المكونات المختلفة في حلب. هذا التنوع جعل الحي نقطة تفاعل اجتماعي وثقافي، ووفّر منصة لقسد لتعزيز نفوذها عبر تقديم خدمات محلية والتنسيق مع الأسايش لإدارة الأمن. كما ساعد التنوع السكاني على توسيع القبول الشعبي لوجود قسد في الحي، حيث لم تقتصر السيطرة على جانب واحد من السكان، بل شملت القدرة على إدارة التوترات مع السكان العرب والأكراد معًا.
متى سيطرت قوات قسد عليه؟
تمكنت قوات سوريا الديمقراطية من السيطرة على حي الأشرفية في عام 2015، بالتوازي مع سيطرتها على حي الشيخ مقصود، لتصبح هذه الأحياء معقلها الرئيسي داخل مدينة حلب. بعد السيطرة، قامت قسد بنشر نقاط مراقبة ومراكز للأسايش لتنظيم الأمن المحلي وحماية المدنيين، بينما حافظت على قدر من الإدارة الذاتية للأنشطة الثقافية والخدمية.
تأتي أهمية السيطرة على حيّي الشيخ مقصود والأشرفية من عدة عوامل متكاملة. يمثل الحيان معقلًا رئيسيًا للأكراد في حلب، ويعزز من النفوذ السياسي والثقافي لقسد. يتمتع الحيان بموقع استراتيجي يسمح بالسيطرة على الأحياء المجاورة ومراقبة تحركات الفصائل الأخرى والجيش السوري. توفر السيطرة على الحيين قاعدة آمنة لإدارة الأمن المحلي من خلال الأسايش، وتسمح لقسد بالتحكم في المعابر ونقاط المراقبة الحيوية. في النهاية، تشكل السيطرة على الحيين خطوة استراتيجية لقسد لتعزيز نفوذها داخل المدينة ولعب دور محوري في أي تسويات مستقبلية مع الحكومة السورية والفصائل الأخرى.
ما هي النقاط الأخرى التي تتمركز فيها قوات قسد؟
توجد نقاط مراقبة محدودة في الأحياء المحاذية لمناطق النزاع مع فصائل أخرى، مثل حيّي صلاح الدين والبريدج في الشمال الغربي للمدينة. هذه النقاط لا تمثل سيطرة مباشرة كاملة، لكنها تتيح لقسد متابعة الحركة العسكرية والمدنية وتأمين خطوط التسلل والانسحاب في حال حدوث أي توتر أو اشتباكات.
خارج مدينة حلب تتحكم قسد في عدد من البلدات والقرى في ريف حلب الشمالي، أبرزها تل رفعت ومنغ وعين دارة وعين العرب، إضافة إلى عدة قرى صغيرة محيطة بها. تركز هذه السيطرة على الطرق الحيوية والقرى الاستراتيجية، حيث يمكنها من مراقبة التحركات القادمة من المناطق الخاضعة لفصائل أخرى أو الجيش السوري.
كما أن قسد تمتلك القدرة على التدخل السريع في هذه المناطق من خلال نقاطها الأمنية المتنقلة ومعسكرات الأسايش، ما يعزز قدرتها على التحكم في الريف الشمالي وتأمين خطوط الإمداد والتموين لقواتها. في ريف حلب الشرقي والمناطق المحاذية لنهر الفرات، تتواجد نقاط مراقبة ومعسكرات للأسايش التابعة لقسد، والتي تُستخدم لمتابعة الأنشطة العسكرية والتجارية والتحركات المحلية.
هذه المواقع تشكل خط المراقبة الرئيسي بين الريف الشمالي والشرقي، كما تتيح السيطرة على بعض المعابر الحدودية الصغيرة بين مناطق النفوذ المختلفة ضمن اتفاقيات محدودة مع الحكومة السورية، ما يسمح لقسد بإدارة حركة المدنيين والتجار والحفاظ على تأثيرها العسكري والسياسي في الريف.
تتوزع نقاط المراقبة بشكل استراتيجي بين مناطق النفوذ، سواء داخل المدينة أو في الريف الشمالي والشرقي، لضمان السيطرة على التحركات العسكرية والمدنية. تتركز هذه النقاط في مناطق قابلة للرصد المباشر للطرق والتقاطعات الحيوية، كما تسمح لقسد بالتحكم في تدفقات المدنيين والمواد التموينية، مع القدرة على الرد السريع عند وقوع أي هجوم أو تصعيد مفاجئ.
ما هي تفاصيل أنفاق قسد؟
بعد مرور عدة سنوات من الصراع المستمر في سوريا، تواجه المدن الشمالية الشرقية للبلاد، وعلى رأسها الرقة والحسكة وتل رفعت، أزمة جديدة متعلقة بالأنفاق التي حفرتها قوات سوريا الديمقراطية خلال فترة سيطرتها على هذه المناطق.
هذه الأنفاق لم تتوقف حتى بعد الاتفاقيات السياسية ومحاولات دمج التنظيم ضمن مؤسسات الدولة السورية، وتحولت إلى شبكة معقدة من الممرات والملاجئ والمستودعات التي تشكل تهديدًا حقيقيًا للسكان المحليين بسبب الانهيارات الأرضية والأضرار الكبيرة في البنية التحتية، فضلًا عن الاستغلال البشع للعمال المدنيين.
بدأت قوات سوريا الديمقراطية منذ نحو سبع سنوات في حفر خنادق وأنفاق بالقرب من نقاط التماس مع الجيش الوطني السوري والمناطق الحدودية مع تركيا. استخدمت خلال هذه الفترة مدنيين بأجور يومية منخفضة تتراوح بين ثلاثة وخمسة دولارات، مع منعهم من حمل هواتف أو ساعات أو أي أجهزة يمكن تتبعها. وقد شهدت هذه الأنفاق حوادث عديدة أسفرت عن وفاة عدد من العمال نتيجة انهيارات أو انفجار ألغام أرضية، من بينها ثلاثة شبان في أغسطس 2025 في ريف الحسكة، وشابان آخران في تل هرمز.
الأبعاد التاريخية والاستراتيجية
بدأت قوات سوريا الديمقراطية وحلفاؤها، وعلى رأسهم وحدات حماية الشعب، بتنفيذ أولى عمليات الحفر حوالي عام 2014، بعد تشكيل القوات وتوحيدها، بهدف إنشاء بنية تحتية دفاعية متماسكة تربط الأراضي الخاضعة لسيطرتهم وتوفر وسيلة آمنة للحركة والتواصل بعيدًا عن التهديدات الجوية والبرية.
وتمتد الأنفاق على طول الحدود التركية شمالًا، والحدود العراقية شرقًا، وعلى طول خطوط المواجهة مع الجيش السوري، بما في ذلك ضفاف نهر الفرات، وتشكل شبكة دفاعية ولوجستية مترابطة تصل من الرقة والحسكة إلى دير الزور ومدينة الباب وأعزاز، بما يضمن السيطرة على مناطق استراتيجية. ويشير خبراء إلى أن هناك أنفاقًا تصل من سنجار العراقية إلى محافظة الحسكة السورية لنقل الأسلحة والإمدادات من إقليم كردستان العراق إلى سوريا، ما يعكس البعد الإقليمي لشبكة الدفاع هذه.
تم تمويل هذه الشبكة جزئيًا من إيرادات النفط والغاز بعد عام 2018، بالإضافة إلى دعم أمريكي عبر قوافل من العراق لدعم القوات في مواجهة تنظيم داعش، مع ميزانية تجاوزت أربعة مليارات دولار لتطوير بنية تحتية عسكرية تحت الأرض. وقد تم استخدام مقاولين خاصين وفنيين مرتبطين بحزب العمال الكردستاني لتنفيذ الحفر، ما يعكس غياب الشفافية والمساءلة في الإدارة المالية للعمليات.
شبكة الأنفاق التي حفرتها قوات سوريا الديمقراطية تمثل مدينة كاملة تحت الأرض من الناحية العسكرية والاستراتيجية، لكنها تحمل أزمة إنسانية وبيئية ضخمة، إذ تهدد حياة المدنيين، تدمر البنية التحتية، تستغل العمال بأجور زهيدة، وتخلق تهديدات مستقبلية للمدن السكنية، وسط غياب كامل للرقابة والمساءلة. ومع استمرار الحفر، يبقى السكان في شمال شرق سوريا على حافة المخاطر، بينما تتصارع القوى المحلية والإقليمية على النفوذ والسيطرة، في ظل رهانات عسكرية وسياسية متشابكة تجعل من هذه الأنفاق محورًا حيويًا للمعركة على الأرض ومستقبل المنطقة.
تصنيف واستخدام الأنفاق
تقسم أنفاق قوات سوريا الديمقراطية إلى ثلاث فئات رئيسة:
أنفاق للأفراد
أنفاق واسعة للمركبات
أنفاق كملاجئ ومراكز قيادة، مزودة بأنظمة تهوية وشبكات إنترنت، وأرضيات مبلطة، مع نقاط مراقبة مزودة بشاشات لرصد الحدود التركية، تتيح الانتقال بين المنشآت تحت الأرض لأغراض تكتيكية وعسكرية
وقد أعلنت تركيا مؤخرًا عن تدمير 593 كيلومترًا إضافيًا في مناطق شمال وشرقي حلب، بما في ذلك 236 كيلومترًا في تل رفعت و357 كيلومترًا في منبج. كما استخدمت قوات سوريا الديمقراطية تكتيكات حفر أنفاق وهمية ملغومة في مناطق الطبقة والرقة وحوض نهر الفرات، إضافة إلى المناطق المحيطة بالحسكة، ما يعكس رغبتها في تحصين مواقعها العسكرية والتكيف مع تهديد القوات الجوية التركية، مع تجاهل المخاطر البيئية والاجتماعية على السكان.
الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية للحفر
تعتمد أعمال الحفر على مجندين من الفقراء والمحتاجين بأجور زهيدة، دون دعم طبي أو تعويض عند وقوع حوادث، باستثناء حالات نادرة جدًا. عمليات التنفيذ يسيطر عليها كوادر مرتبطة بحزب العمال الكردستاني، بينما تدير الأموال غالبًا جهات خارجية، ما يعكس غياب الشفافية والمساءلة داخل التنظيم.
حادثة تلوث مياه أحد الآبار القديمة في الحسكة بعد انهيار خط صرف صحي نتيجة الحفر توضح حجم الأزمة، إذ لم تُتخذ أي إجراءات لإصلاح الضرر أو محاسبة المسؤولين. كما أدت الانهيارات السابقة إلى وفيات وإصابات بين المدنيين والعمال الذين ينفذون الحفر، أغلبهم من المدنيين غير المنتمين للقوات.
تواصل قوات سوريا الديمقراطية حفر شبكات واسعة من الأنفاق في المناطق التي تسيطر عليها شمال شرقي سوريا، إذ تشهد مدينتا الرقة والحسكة استمرار أعمال الحفر في عدد من الأحياء السكنية بعيدًا عن خطوط المواجهة العسكرية، ما يثير مخاوف الأهالي من انهيارات أرضية محتملة وتأثر أساسات المنازل.
التداعيات على السكان والبنية التحتية
تسببت أعمال الحفر في تصدعات بالأبنية القديمة، ما جعل الأهالي يشعرون بخطر متزايد على حياتهم. في الرقة، شملت شبكة الأنفاق مناطق حيوية مثل شارع المنصور وحي الفردوس وحي الرميلة، بينما في الحسكة استمرت عمليات الحفر قرب المدارس ومؤسسات المياه، معرضة حياة المدنيين للخطر ومستخدمة المرافق الخدمية والتعليمية كدروع لأعمالها العسكرية. وقد أدت هذه الأنفاق إلى انهيارات في الشوارع والأراضي، ما يثير مخاطر بيئية وصحية كبيرة، فيما استُغل العمال المدنيون بأجور زهيدة دون تعويضات في حال الإصابة، وكانت حالات التعويض محدودة جدًا.
شبكة الأنفاق لم تقتصر على الاستخدام العسكري المباشر، بل شملت أيضًا إقامة مرافق أساسية تحت الأرض مثل غرف طبية ومستودعات أغذية وأفران ومرافق مياه، لكنها بنيت دون مراعاة السلامة المدنية أو تأثيرها على المباني السطحية، ما يجعل أي انهيار أرضي أو انفجار محدود قوة كارثة محققة للسكان المحليين.
استراتيجية القوات ومخاوف التصعيد العسكري
اعتمدت قوات سوريا الديمقراطية استراتيجية مزدوجة تجمع بين التفاوض مع دمشق لتعزيز دورها السياسي، وتعزيز قدراتها العسكرية والدفاعية استعدادًا لأي مواجهة محتملة. وبالرغم من الاتفاقية الموقعة في 10 مارس 2025، والتي نصت على دمج التنظيم ضمن مؤسسات الدولة ووقف إطلاق النار، لم تتوقف أعمال الحفر، ما يثير مخاوف من صدام محتمل مع الجيش السوري في حال فشل تنفيذ الاتفاق.
استمرت المناوشات والاشتباكات المحدودة خلال الأشهر الماضية في شرقي حلب ودير الزور على سرير نهر الفرات، الفاصل بين مناطق السيطرة. وأكد الرئيس الشرع أن المفاوضات تسير بشكل جيد رغم التعطيل، مشددًا على أن سوريا لن تتنازل عن ذرة تراب واحدة وأن الحفاظ على وحدة الأراضي السورية هو الأولوية القصوى.
وسّعت قوات سوريا الديمقراطية خطوط إمدادها وتحركاتها العسكرية على طول نهر الفرات والحدود السورية التركية، وأقامت ثلاثة خطوط دفاع رئيسية على جبهات التماس مع الجيش السوري، تضمنت أسلحة خفيفة ومتوسطة، مضادات دبابات، ناقلات جند مدرعة، مدافع هاون، بطاريات مدفعية، وطائرات مسيرة انتحارية، مع ربط هذه الخطوط بشبكة أنفاق واسعة شرق الفرات، إضافة إلى حفر أنفاق وهمية ملغومة كتكتيك دفاعي.
تشير الشهادات إلى أن الأنفاق أعادت تحويل المدن السكنية إلى ساحات محتملة للصراع، مع تحكم كامل من قيادة قوات سوريا الديمقراطية وكم كبير من كوادر حزب العمال الكردستاني، بينما يدير التمويل جهات خارجية، ما يعكس عدم إشراك المجتمع المحلي في القرارات المصيرية، وعدم وجود شفافية في إدارة الأموال. وقد تسبب الحفر في وفاة وإصابة عدد من العمال المدنيين، أغلبهم من غير المنتمين للقوات، نتيجة انهيارات أو انفجار ألغام، إضافة إلى تلوث مصادر المياه وتدمير الممتلكات.