مزاد في “ترشيحات البرلمان” المصري قبل الانتخابات.. مصادر: أحزاب ترشح رجال أعمال من خارج كوادرها واتهامات متبادلة بين القيادات والمرشحين

عربي بوست
تم النشر: 2025/10/08 الساعة 06:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/10/09 الساعة 05:23 بتوقيت غرينتش
مجلس النواب المصري/ رويترز

يبدأ اليوم الأربعاء أولى إجراءات انتخابات البرلمان المصري وذلك عبر تلقي أوراق المرشحين على أن تستمر لمدة أسبوع، وذلك قبل عقد أولى مراحل الاقتراع في نوفمبر المقبل، ووسط أجواء ساخنة داخل الأحزاب التي تطمح في السيطرة على كعكة تمكنها من التواجد على الساحة السياسية وفي ظل تعدد أحزاب الموالاة التي تحجز مواقعها عبر القائمة المغلقة المطلقة، وهو ما ترتب عليه اندلاع أزمات عديدة حول اختيار المرشحين في القائمة التي تدعمها الحكومة وتضمن بنسبة كبيرة فوزها في الانتخابات.

والشهر الماضي أثارت أمينة المرأة بحزب "حماة الوطن"، حنان شرشر، جدلاً واسعاً في أوساط سياسية بعدما تحدثت في فيديو بثّته على مواقع التواصل الاجتماعي عن "تعرضها لضغوط مالية داخل الحزب لدفع 25 مليون جنيه نظير ترشحها لانتخابات مجلس النواب المقبلة".

وقالت إنها عملت لصالح الحزب، وقدمت الكثير، لتفاجأ عند الترشح بسؤال "هتدفع كام؟ أنت داخل المزاد؟"، واستخدمت لفظا متداولا مقتبسا من أحد الأفلام "هتشخلل هتعدي"، في إشارة لطلب الأحزاب "تبرعات ضخمة" من الراغبين في الترشح على قوائمها.

البقاء في كنف السلطة

وقال مصدر مطلع بأحد أحزاب الموالاة، تحدث شريطة عدم ذكر اسمه، إن الاستعداد لانتخابات البرلمان بدأت منذ ما يقرب من عام، وفي ذلك الحين جرى تأسيس حزب جديد يمثل الموالاة "الجبهة الوطنية" وضم عدد من القيادات والوزراء حجزوا أماكنهم للترشح، فيما بدأت أحزاب أخرى في استقطاب رجال الأعمال ممن لم يكن لديهم حضور سياسي خلال السنوات الماضية، ثم جرى فتح باب التبرعات وبدا ملاحظاً أن القيادات التي التحقت حديثاً بأحزاب الموالاة كان لديها النصيب الأكبر في هذه التبرعات.

وأوضح المصدر ذاته، أن اختيار المرشحين على القوائم المغلقة وكذلك المقاعد الفردية جرى حسمها منذ عدة أشهر داخل الثلاث أحزاب الرئيسية وهما "مستقبل وطن" و"الجبهة الوطنية" و"حماة الوطن"، والمفاجأة كانت في استبعاد ما يقرب من ثلث الأسماء التي ترشحت في مرات سابقة واختيار أسماء جديدة بعضها لم يكن لديه علاقة بهذه الأحزاب قبل عدة أشهر، كما أن بعض الأحزاب بحثت عن استقطاب أسماء لديها القدرة على دفع ملايين الجنيهات من أجل تمويل الحملات الانتخابية.

وأكد المصدر ذاته، أن العديد من الأحزاب شهدت أزمات عديدة خلال الأشهر الماضية نتيجة حالة عدم الرضاء التي تسيطر على قواعد الأعضاء وقيادات الصفين الثالث والرابع، وهو ما قاد لجملة من الاستقالات في حزب حماة الوطن، إلى جانب تجميد أدوار عدد من القيادات في حزب مستقبل وطن، كما شهد حزب الوعي استقالات ايضاً بعد أن وعد قياداته الانضمام للقائمة الوطنية لكنه خرج منها في انتخابات مجلس الشيوخ وترتب على ذلك استقالة عشرات الأعضاء أيضاً.

وأشار إلى أن معايير اختيار المرشحين لا تقوم على الكفاءة أو القدرة على التفاعل مع الشارع والأهم القدرة المالية لتمويل أنشطة الحزب، وهناك سياسة لدى أحزاب الموالاة الكبرى تقوم على لعب أدوار بديلة للحكومة عبر بيع السلع بأسعار مخفضة وتقديم مساعدات إنسانية للمناطق الفقيرة، وتعتبر أن ذلك بمثابة دعاية انتخابية لها وليس هناك ما يدفع نحو البحث عن كوادر لديها القدرة على ممارسة السياسية تحت قبة البرلمان والأهم ضمان البقاء في كنف السلطة وهو ما يتطلب دفع أموال طائلة.

قسم قانون انتخابات مجلس النواب إلى أربع دوائر للانتخاب بنظام القوائم المغلقة بإجمالي 284 مقعداً، و143 دائرة لنظام الانتخاب الفردي بإجمالي 284 مقعداً، مع منح رئيس الجمهورية الحق في تعيين نسبة 5% من إجمالي عدد الأعضاء، ما يوازي 28 نائباً من أصل 596 نائباً.

وقررت الهيئة الوطنية بدء تلقي طلبات الراغبين في الترشح للانتخابات اعتباراً من 8 إلى 15 أكتوبر الأول الحالي، على أن تجرى الانتخابات على مرحلتين، الأولى في محافظات: الجيزة، والفيوم، وبني سويف، والمنيا، وأسيوط، والوادي الجديد، وسوهاج، وقنا، والأقصر، وأسوان، والبحر الأحمر، والإسكندرية، والبحيرة، ومطروح. والثانية في محافظات: القاهرة، والقليوبية، والدقهلية، والمنوفية، والغربية، وكفر الشيخ، والشرقية، ودمياط، وبورسعيد، والإسماعيلية، والسويس، وشمال سيناء، وجنوب سيناء.

وتجرى انتخابات المرحلة الأولى خارج البلاد يومي 7 و8 نوفمبر المقبل، وفي داخل مصر يومي 10 و11 نوفمبر وتعلن النتيجة في الجريدة الرسمية في الثامن عشر من الشهر نفسه. والمرحلة الثانية بالخارج يومي 21 و22 نوفمبر، وفي الداخل يومي 24 و25 منه، وتعلن النتيجة في 2 ديسمبر. 

ولأول مرة منذ عام 2011، يشرف أعضاء من هيئتي قضايا الدولة والنيابة الإدارية على عمليات الاقتراع والفرز، بدلاً من الجهات القضائية ممثلة في القضاء العالي والنيابة العامة ومجلس الدولة، بعد تطبيق النص الدستوري الخاص بإلغاء الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات، بمضي عشر سنوات من تاريخ إقرار دستور 2014.

تصعيد احتجاجي بسبب توريث مقاعد البرلمان

وبحسب مصدر حزبي آخر تحدث شريطة عدم ذكر اسمه، فإن الأزمة التي أثارتها القيادة بحزب حماة وطن تعبر عن جزء بسيط مما يحدث داخل الحزب، مشيراً إلى أن الأشهر الماضية كانت شاهدة على انضمام قيادات جديدة فيما سمحت إدارة الحزب للقيادات القديمة أن تترشح شريطة دفع مبالغ لا تتجاوز نصف ما يتم تحصيله من القيادات الجدد، وهو ما أحدث أزمة داخلية عميقة، والأكثر من ذلك أن مقاعد القائمة الوطنية جرى حجزها في وقت مبكر ولم تضم كوادر محلية لعبت الدور الأكبر في التواصل مع الجمهور خلال السنوات الماضية.

وأوضح أن المفاجأة كانت في اختيار نواب حاليين وبعض شركائهم في مجال التجارة والأعمال كما أن بعض الكوادر تخلت عن مواقعها بالبرلمان لصالح أبنائهم أو أخواتهم، وبدا هناك توريث لمقاعد البرلمان، مشيراً إلى أن انتخاب رئيس جديد للحزب هدفه التعامل مع الأزمات الداخلية، وإدخال تعديلات على بعض قوائم المحافظات ووقف نزيف الاستقالات بعد أن تقدم أكثر من 40 قيادي باستقالاتهم خلال الأسابيع الماضية.

وشهدت أروقة حزب حماة الوطن في محافظة الفيوم، جدلاً واسعاً بعدما تقدم عدد من أعضاء الحزب في أمانات مراكز الفيوم وسنورس وسنهور باستقالات جماعية، احتجاجًا على ما وصفوه بـ تسريبات لأسماء بعينها لخوض انتخابات مجلس النواب المقبلة قبل الإعلان الرسمي عن القوائم النهائية. 

وأكد المستقيلون أن الترشيحات لم تراعَ فيها مشاورات القواعد الحزبية، وأنه تم تجاهل جهود الكوادر المحلية وإهدار لمبدأ تكافؤ الفرص، وهو ما دفعهم إلى اتخاذ خطوة الاستقالة كتصعيد احتجاجي.

فقد تقدم ربيع عبدالتواب أبو لطيعة، أمين تنظيم الحزب بمحافظة الفيوم، باستقالته الرسمية من منصبه، موجهاً خطابه إلى قيادات الحزب بالقاهرة، ومؤكداً أن الحزب بالمحافظة لم يتمكن خلال السنوات الماضية من تحقيق أهدافه بسبب غلبة أصحاب المال السياسي على حساب الكوادر، وأوضح أن هذا النهج تسبب في استبعاد عناصر شبابية وأعضاء أكفاء كانوا قادرين على تمثيل الحزب بقوة في الساحة السياسية.

وفي السياق ذاته، أعلن النائب السابق ممدوح الحسيني، أمين عام مساعد الحزب بمحافظة الفيوم، استقالته هو الآخر، مبرراً القرار بما أسماه "الإنكار وعدم التقدير من قبل قيادات الحزب"، بالإضافة إلى "تجاهل الكفاءات والاكتفاء بترشيحات قائمة على المال السياسي.

قرارات انفرادية وإقصاء من لديه جماهيرية

وقال أحد قيادات حزب الإصلاح والتنمية (معارض) لكنه قرر الترشح على القائمة الوطنية، إن عملية اختيار المرشحين بدأت باتخاذ رئيس الحزب قرارات انفرادية لضمان بقائه في منصبه دون تمكين الهيئة العليا من إقالته، وذلك بعد أن فتح مدد بقائه رئيساً للحزب لما بعد عام 2026، وأعقب ذلك اتجاهه لاختيار مرشحين من خارج الحزب في انتخابات مجلس الشيوخ الماضية وعدم قبول طلبات قيادات الحزب الساعين للترشح.

وأوضح أن رئيس الحزب اختار أحد أقاربه ليكون في قائمة الشيوخ ولم يكتفي بذلك بل أنه وضع اسم شريك قريبه في تجارته ضمن القائمة، كما ضم أحد رجال الأعمال من أصحاب شقيقه، مشيرا لوجود خمسة أسماء لم يسبق أن جرى تمرير عضويتهم داخل الحزب ولم يتم عرضها على المكتب التنفيذي، لافتا إلى أن رئيس الحزب شكل لجنة لقبول اسماء الراغبين من الترشح وسمح للمشرفين على تلك اللجنة بالترشح للانتخابات وهو ما أحدث تعارض في المصالح ترتب عليها إقصاء كل من لديه جماهيرية ويتواجد في دوائر انتخابية ينتمي إليها مشرفي اللجنة.

وذكر أن حزبه اتجه لفتح باب الترشح على المقاعد الفردية فقط لانتخابات البرلمان ولم يتح لأعضائه الترشح على القائمة وهو ما يبرهن على أنه سيقوم بتسمية أعضاء من خارج الحزب على القائمة لا أحد يعرف عنهم شيئاً ولا يمثلون سياسات الحزب، لافتاً إلى أن الأمر سبق وأن حدث في انتخابات مجلس النواب الماضية في العام 2020 والآن لدى الحزب رئيس هيئة برلمانية لم يكن منتمياً للحزب قبل إجراء الانتخابات.

وفي أكتوبر 2020، تم القبض على المحامي طارق جميل سعيد، وتوجيه تهم تكدير السلم العام، ونشر شائعات وأكاذيب، عقب بثه فيديو قال فيه، إن "من يدفع أكثر يضمن مقعده النيابي بغض النظر كون المرشح كفؤا للمنصب أم لا"، وتم حذف الفيديو لاحقا والإفراج عن طارق.

أعضاء لا تعرف آليات العمل البرلماني

وبحسب محلل سياسي، فإن نظام القوائم المطلقة أعاد مصطلحات "شراء كراسي البرلمان" و"دفع رشاوى لقيادات الأحزاب" للترشح بالانتخابات بخاصة وأن انتخابات مجلس الشيوخ السابقة كشفت عن وجود قائمة مضمونة الفوز كما أن النواب الفائزين لا أحد يحاسبهم على أدائهم تحت قبة البرلمان ولا يوجد رقابية حقيقية من البرلمان على الحكومة وتحول المقعد إلى مظهر اجتماعي يقود لفساد مالي وسياسي.

وأشار إلى أن تداعيات الأموال المدفوعة نظير الترشح سوف تظهر في مستوى مجلس الشيوخ المنتخب أخيرا وكذلك مجلس النواب المقبل، وإن كان لا يرتبط الأمر بالجزء الأكبر من الأعضاء لكن نسبة منهم لن يكون لديها حضور كونها لم تتدرج سياسياً وليس لديها صلات بالمواطنين ولا تعرف آليات العمل البرلماني، مشيراً إلى أن برلمان 2020 اضطر لعقد العديد من الدورات التدريبية لتعريف النواب بمهام عملهم وقد يكون ذلك حاضر في برلمان 2026 ولكن على نحو أكبر.

ومنذ عام 2015، بدأت مصر بتنظيم الانتخابات البرلمانية وفق  نظام "القائمة المغلقة المطلقة"، المثير للجدل، والذي ترفضه أحزاب المعارضة بشدة فيما تصر عليه الحكومة وأحزاب الموالاة، وفقًا لهذا القانون تُقسم فيه البلاد إلى دوائر انتخابية يُخصص لكل منها عدد محدد من المقاعد تُملأ بقوائم حزبية أو ائتلافية مغلقة، بحيث يصوّت الناخب للقائمة ككل وليس لأفراد بعينهم داخلها. 

تحميل المزيد