يبرز اسم رجل الأعمال الأمريكي من أصل لبناني، مسعد بولس، في المشهد الليبي مؤخراً، لا سيما بعد لقاءات وصفقات عقدها مع كبار المسؤولين هناك، مع وعود بمليارات الدولارات، الأمر الذي يسلط الضوء على تحركاته وصفقاته الأخيرة، وعلاقتها بالنفوذ الأمريكي في ليبيا.
بدأ يظهر اسم مسعد بولس بشكل لافت في المشهد الليبي في صيف 2025، بعد زيارتين قام بهما إلى كل من طرابلس وبنغازي، محمّلاً بوعود استثمارية تصل إلى 70 مليار دولار.
الرقم 70 مليار دولار لا يخص استثمارات أمريكية جديدة، بل يتعلق بأموال ليبية مجمّدة منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011.
المبادرة جاءت من حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس (غرب ليبيا)، التي طلبت من وسطاء من بينهم مسعد بولس، المساعدة في التخفيف من التجميد الأمريكي على الأصول الليبية المجمدة منذ سقوط نظام القذافي، مقابل توجيه الاستثمار عبر شركات أمريكية، وتوظيف عشرات المليارات في الطاقة والبنية التحتية والاتصالات، وفق ما أكدته مصادر في حكومة طرابلس لـ"عربي بوست".
حتى الآن لم يُوثّق ذلك كاتفاق رسمي شامل، ولكنه سلط الضوء على دور بولس، رجل الأعمال الأمريكي من أصل لبناني، الذي صنع ثروته في أفريقيا وتربطه صلة عائلية بالرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب.
وشارك بولس في يوليو/تموز 2025، بتوقيع اتفاقية بقيمة 235 مليون دولار بين المؤسسة الوطنية للنفط والشركة الأمريكية (Hill International) لتطوير مشاريع الغاز.
على الصعيد الآخر، في بنغازي، زار بولس المدينة التي تعد مقر حكومة الشرق الليبي، والتقى خليفة حفتر ونجله صدام؛ في رسالة رأى فيها محللون تحدثوا في هذا التقرير لـ"عربي بوست"، أن واشنطن لا تتجاهل الشرق، وأنها مستعدة للتعامل مع جميع الفاعلين، في محاولة لتحقيق توازن سياسي يتجاوز الاقتصاد.
ومنذ عام 2011، ويعد ملف الأصول والأموال المجمدة في الخارج، لا سيما في أمريكا، من أكثر الملفات تعقيداً، إذ لم تتمكن الحكومات في ليبيا من استعادته أو التصرف بها من حينها، رغم الاعتراف الدولي بشرعية بعضها.
والمقصود بالأصول والأموال المجمدة في الخارج، هي التي تعود للدولة الليبية أو مؤسساتها (مثل مصرف ليبيا المركزي، وصندوق ليبيا للاستثمار) أو لأفراد من النظام السابق، والتي تم تجميدها بقرارات أمريكية أو دولية (من الأمم المتحدة مثلاً) لمنع استخدامها من قبل الأطراف التي يُعتقد أنها تستفيد من الفساد أو الانتهاكات.
والتجميد يعني أن الأصول تظل ملكاً لليبيا، لكن لا يُسمح بصرفها أو نقلها أو التصرف بها حتى رفع العقوبات أو الاتفاق على شروط قانونية، بموجب قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة منذ سقوط نظام القذافي عام 2011.
لذا فإن التحرك في هذا الملف يعد لافتاً، لا سيما مع وساطة ودور مسعد بولس، ما يسلط الضوء على هذا الرجل وهويته، وعلاقاته ودوره في المشهد الليبي الحالي.

من هو مسعد بولس؟
وُلد مسعد بولس عام 1971، ونشأ في نيجيريا حيث أسس مجموعة SCOA المتخصصة في السيارات والمعدات الثقيلة والاتصالات.
خبرته الطويلة في الأسواق الأفريقية الهشّة صقلت شخصيته كرجل صفقات يجمع بين المال والسياسة، وصولاً إلى ذهابه إلى الولايات المتحدة، وتمتعه بعلاقات كبيرة مع كبار رجال الأعمال بينهم قطب العقارات دونالد ترامب الذي بات الرئيس الأمريكي الحالي.
تطورت العلاقات بين ترامب وبولس على صعيد العلاقة العائلية، إذ تزوج ابن بولس، مايكل، من تيفاني ترامب، الابنة الصغرى لدونالد ترامب، في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، وهو ما جعله صهراً لترامب.
وشارك بولس في الدعم السياسي والحملة الانتخابية لترامب التي أوصلته إلى الرئاسة، خصوصاً من خلال التواصل مع الجاليات العربية والمسلمة الأمريكية، خصوصاً في الولايات المتأرجحة مثل ميشيغان.
بعد فوز ترامب في الانتخابات عام 2024، اختيار مسعد بولس ليكون مستشاراً أول للشؤون الأفريقية والشرق الأوسط، ما عزّز صورته كشخصية تربط بين عالم الأعمال والسياسة الأمريكية.
ليبيا.. أرض خصبة وفرص معلقة
بدا دخول بولس إلى ليبيا، انعكاساً لرغبة أمريكية في إعادة التموضع عبر لغة العقود والاستثمارات بدلاً من الدبلوماسية التقليدية، وفق ما أكدته مصدر "عربي بوست" في طرابلس.
ليبيا الغنية بالنفط والغاز، تحولت منذ 2011 إلى ساحة تنافس دولي مفتوح، مع حضور روسي عبر "فاغنر" في الشرق، وشراكات عسكرية–اقتصادية لتركيا في الغرب، وسعي إيطالي للحفاظ على موقعها كشريك طاقة، وترقب صيني لمشاريع البنية التحتية.
في هذا السياق، ظهر دور بولس مرتبطاً برغبة أمريكية في الاهتمام بالملف الاقتصادي والاستثماري في ليبيا، في تحركات مرتبطة بالملف السياسي المعقد هناك.
ارتبط اسم بولس بلقاء نادر في روما مطلع سبتمبر/أيلول 2025 بين صدام حفتر وإبراهيم الدبيبة، بحسب ما كشفته وكالة الأنباء الإيطالية "نوفا"، فيما أكدت السفارة الأمريكية "محادثات شرق–غرب" ليبيا، دون تفاصيل أو أسماء.
المصادر التي نقلت عنها وكالة "نوفا"، قالت إن الاجتماع لم يكن ليُعقد بهذه الصيغة لولا وساطة وتسهيل بولس، الذي لعب دور الوسيط أو الضامن لجدّية النقاش.
في 24 سبتمبر/أيلول 2025، وعلى هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، استقبل رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي بمقر البعثة الليبية في نيويورك، مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون أفريقيا والشرق الأوسط مسعد بولس، رفقة مورا نامدار، مساعدة وزير الخارجية بالإنابة لشؤون الشرق الأدنى.
هذا الظهور بجانب مسؤولة أمريكية رفيعة، أعطى إشارة إلى أن بولس لا يتحرك بمعزل عن مؤسسات واشنطن، وأثار تساؤلات حول حدود صفته الرسمية داخل الملف الليبي.
نهج اقتصادي–عسكري بديل عن الأمم المتحدة
المحلل السياسي الليبي صلاح البكوش، رأى في حديثه لـ"عربي بوست"، أن اجتماعات بولس تمثل تحولًا في الدبلوماسية الأمريكية.
وأوضح أن "الاجتماع الذي قاده مسعد بولس في نيويورك حول ليبيا، واجتماع سابق عقده مع صدام حفتر وإبراهيم الدبيبة، يشيران إلى نهج جديد للدبلوماسية الأمريكية تجاه الصراع الليبي".
اعتبر أن ذلك "قد تجلى بوضوح في بيان وزارة الخارجية الصادر عقب اجتماع نيويورك، حيث لم يتطرق البيان إلى الانتخابات أو تشكيل حكومة جديدة، بل ركز على تعزيز المؤسسات المالية والنفطية، بالإضافة إلى تنسيق عمل القوات العسكرية في شرق وغرب البلاد".
أكد أن ذلك يُعدّ "نهجاً اقتصادياً–عسكرياً يتناقض بشكل صارخ مع النهج السياسي لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا الذي كانت تدعمه واشنطن".
أما الخبير الاقتصادي الليبي محمد الشحاتي، فقال لـ"عربي بوست"، إن "الحقيقة هي أن بولس لم يعد باستثمارات، وما تم تناوله هو وعد السلطات الليبية بالمساعدة في التخفيف من التجميد الدولي للأصول الليبية التي تُقدَّر بنحو 70 مليار دولار، بشرط أن يتم استثمارها مع شركات أمريكية".
بهذا الشأن أشار إلى أن "هناك أولاً مسألة الشرعية في ليبيا، حيث لا توجد حكومة منتخبة بعد، وهذا يثير تساؤلات حول أحقية أي طرف بهذه الأموال".
ولفت ثانياً إلى أنه "لا توجد ميزانية أو خطة تنمية واضحة يمكن أن تستند إليها هذه الاستثمارات"، أما ثالثاً فتساءل: "لماذا يجب اختيار شركات أمريكية فقط بينما هناك شركات عالمية أخرى أكثر كفاءة من الناحية التكنولوجية والمالية؟"، وفق تعبيره.
وأكد الشحاتي أن "ربط الإفراج عن الأموال المجمدة بشرط كهذا، لا ينبغي أن يحدث من ناحية أخلاقية".
الباحث المتخصص في الشأن الليبي جلال حرشاوي، أكد لـ"عربي بوست"، أن النفوذ الأمريكي في ليبيا ما يزال قائماً بصرف النظر عن تحركات بولس، بحسب رأيه.
وقال: "لا ينبغي للمراقبين أن يتساءلوا عما إذا كان النفوذ الأمريكي سيكون له وزن في ليبيا خلال الفترة المقبلة. فالنفوذ الأمريكي دائماً بالغ الأهمية في ليبيا. لا سيما أن ليبيا بلد يستمد ثروته بالكامل من تصدير النفط الخام، الذي يُباع بالدولار، وهذه الدولارات يسيطر عليها النظام الأمريكي".
لكنه لفت إلى تحدي كبير يقف أمام بولس بما يتعلق بتحركاته في الملف الليبي، وهو أن "واشنطن أكبر من مسعد بولس، فهناك البنتاغون، والمجتمع الاستخباراتي، ووزارة الخارجية، ووزارة الخزانة، وهذه المكونات في واشنطن غير متوافقة حول الملف الليبي".

توقيت تحركات بولس
بدوره، رأى المحلل السياسي أشرف الشح، في حديثه لـ"عربي بوست"، أن
"العنوان الرئيسي لكل هذه اللقاءات التي يقوم بها بولس، هو عنوان اقتصادي بحت؛ محاولة لإيجاد توافق أو اتفاق بين طرفي النزاع على مسألة الموارد الاقتصادية وكيفية التعامل معها بشكل موحد أو بشكل يضمن ديمومتها واستمراريتها".
وأشار إلى أن تحركات بولس جاءت خاصة بعد الخلافات الأخيرة التي شابت علاقة الغرب والشرق في ليبيا بعد استقالة فرحات بن قدارة من المؤسسة الوطنية للنفط.
وقال إن "الخلافات ظهرت بشكل خاص في ملف الغاز، وفي مشروع إنشاء شركة جديدة باسم جليانة، حيث لم يتفق الطرفان بعد على تقاسم الحصص. كما برزت توترات بين رئيس المؤسسة الحالي مسعود سليمان وعبد الصادق، المستشار النفطي لعبد الحميد الدبيبة، والذي يُعتبر ذراعه في قطاع النفط".
وخلص الشح إلى أن "بولس يحاول الدفع باتفاقات اقتصادية مرحلية قد تنتقل إلى سياسية، لكنها مبادرات شخصية أكثر من كونها سياسة مؤسساتية أمريكية، أي على طريقة ترامب. لذلك فرص نجاحها محدودة ما لم يتفق الطرفان"، بحسب تقديره.
حقل الغاز NC-7 في قلب الصفقات المحتملة
مشروع NC-7 في حوض غدامس من أثقل ملفات الطاقة قيد الجدل في ليبيا، لا سيما بعد أن ظهرت تقارير في 2025، تفيد بأن المؤسسة الوطنية للنفط تسعى لإحياء مشروع NC-7 كمبادرة استراتيجية لمعالجة نقص الغاز والكهرباء في ليبيا.
يقدَّر أن الاحتياطيات التي يمكن استغلالها في قطْعة NC-7 تُقارب 2.7 تريليون قدم مكعبة من الغاز ضمن بعض التقديرات.
وكشفت مصادر حكومية في طرابلس، عن أن مشروع NC-7 ومشاريع بهذا الوزن ستكون على أجندة أي عودة أمريكية اقتصادية، رغم عدم وجود ربط معلن لبولس بالحقل حتى الآن.
يُطرح المشروع عادة بقيادة ائتلاف دولي قد يضم شركات مثل إيني (Eni) الإيطالية، وتوتال إنرجيز الفرنسية، وأدنوك الإماراتية، وربما تركيا للبترول (Turkish Petroleum Corp)، إلى جانب مشاركة المؤسسة الوطنية للنفط الليبية.
لذلك، تعد هذه هي المرة الأولى التي يجري الكشف فيها عن اهتمام أمريكي لتكون واشنطن من الائتلاف الدولي للشركات الأجنبية التي ستقود المشروع.
غياب الشرعية يقوّض الصفقات
بما يتعلق بالصفقات التي ترتبط ببولس، يقول وزير النفط والغاز في حكومة طرابلس المعترف بها دوليا، محمد إمحمد عون، "إن ما يجري الحديث عنه هو وعود تبدو غير واقعية، في ظل غياب حكومة تحظى بشرعية كاملة، خاصة أن حكومة الوحدة الوطنية سُحبت منها الثقة من مجلس النواب منذ 2021، وتجدد هذا السحب في 2024".
وأشار كذلك إلى أن الاتفاق السياسي وقرار مجلس النواب رقم (15) لسنة 2023 ينصان بوضوح على عدم الدخول في اتفاقيات طويلة المدى خلال هذه المرحلة.
وقال عون، إن "أي اتفاقيات كبرى تحتاج إلى غطاء دستوري وقانوني واضح، وإلى بيئة إدارية نزيهة وشفافة. ومن دون ذلك، تبقى الاستثمارات عرضة للطعن والإلغاء، مهما كان حجمها أو الجهات الدولية التي تقف وراءها".
مبادرات شخصية بأسلوب ترامب
من جانبه، قال السفير الليبي السابق محمد عميش، لـ"عربي بوست": "تمثل تحركات السيد بولس توجهاً أمريكياً رسمياً، ولكن بأسلوب غير تقليدي يعكس الطبيعة الشخصية لإدارة الرئيس ترامب".
وأضاف: "هو لا يعمل عبر القنوات المعتادة لوزارة الخارجية، بل يستمد سلطته مباشرة من قربه من الرئيس. هذا يمنح مبادراته زخماً وقوة، حيث تدرك الأطراف الليبية أن رسالته هي رسالة ترامب نفسه"، بحسب تعبيره.
وقال: "مع ذلك، فإن هذا النهج يفتقر إلى الدعم المؤسسي العميق، ما يجعل أي اتفاقيات محتملة مرتبطة بشكل وثيق ببقاء واستمرارية الإدارة الحالية وسياساتها".
وعن دخول واشنطن إلى الملف الاقتصادي الليبي، وصفه بأنه "سلاح ذو حدين، قد يخلق مصالح مشتركة بين الأطراف المتصارعة، لكنه يكرّس الأمر الواقع ويعزز سلطة الأطراف على حساب بناء دولة المؤسسات والقانون".
الدور الذي يقوم به بولس في ليبيا، ليس التجربة الأولى له في دخول الساحة السياسية عبر الاقتصاد، ففي غرب أفريقيا، صنع ثروته من شبكات تجارية امتدت إلى السيارات والمعدات الثقيلة والاتصالات، بالإضافة إلى أنه اعتاد التفاوض مع حكومات في بيئات هشة، ودمج الاقتصاد بالسياسة في صفقات تُدار على حافة الأزمات.
لكن بيانات وزارة الخارجية الأمريكية الأخيرة حول ليبيا ركّزت على المؤسسات المالية والنفطية وتعزيز التنسيق الأمني، من دون الإشارة المباشرة إلى بولس أو منحه صفة المبعوث الرسمي.
وتجدر الإشارة إلى أن ما تُرجم عملياً من وعود وصفقات بولس حتى الآن، لا يتجاوز اتفاقية الشركة الأمريكية (Hill International) بقيمة 235 مليون دولار، في حين تبقى عشرات المليارات محصورة في الخطاب الذي قدمه بولس دون صفقات مكتملة حتى الآن، مع وجود تحديات الشرعية والمؤسسية.