- أنظمة دفاع جوي تُثير غضب تركيا
- خلفيات التحالف بين إسرائيل وقبرص
- دوافع إسرائيل الاستراتيجية للتحالف مع قبرص
- كيف يؤثر هذا التحالف على دول المنطقة؟
- العلاقات الأمنية والعسكرية.. حجر الزاوية بين نيقوسيا وتل أبيب
- الفوائد الاقتصادية للتقارب بين إسرائيل وقبرص
- من الانحياز للفلسطينيين إلى تأييد إسرائيل
- التحديات التي تواجه علاقة نيقوسيا وتل أبيب
كشفت الصفقة العسكرية الأخيرة التي زُوّدت بموجبها إسرائيل قبرص الأوروبية بأنظمة دفاع جوي متطورة، عن تحالف ثنائي يُهدد منطقة شرق المتوسط المشتعلة أصلاً بين القوى الإقليمية، خاصة تركيا التي ترى في هذه الصفقة بين إسرائيل وقبرص تهديداً مباشراً لها ولنُفوذها في المنطقة.
حيث دفعت "العزلة" التي تعيشها إسرائيل في المنطقة إلى البحث عن "حليف" تمثّل في قبرص التي منحتها أنظمة دفاع جوي متطورة توفر لها مدى تغطية يجعلها قادرة على اختراق المجال الجوي التركي، إضافة إلى التواجد العسكري الاستخباراتي الإسرائيلي في نيقوسيا.
هذا التقارب العسكري "غير المسبوق"، وما يمكن أن يُحدثه من أزمة في منطقة شرق المتوسط، دفعنا لإنجاز هذا التقرير بحثاً عن حقيقة العلاقات التي تربط إسرائيل وقبرص، سواء عسكرياً أو اقتصادياً أو سياسياً، إضافة إلى تأثير ذلك على مستقبل العلاقات بين قبرص وباقي دول المنطقة، وكيف يُهدد مصالح دول أخرى، خاصة تركيا ومصر.
أنظمة دفاع جوي تُثير غضب تركيا
كشفت صحيفة "معاريف" أن إسرائيل سلّمت قبرص مؤخراً شحنة جديدة من نظام الدفاع الجوي المتطور "باراك إم إكس"، مما يوفر لها اعتراضاً متعدد الطبقات لمختلف التهديدات، من الطائرات المقاتلة والمروحيات والصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار.
ويشمل النظام أربعة أنواع من الصواريخ بمديات: 15، 35، 70، 150 كيلومتراً، ومزود برادارات AESA متطورة، إضافة إلى قدرة الاعتراض، وتوفر راداراته تغطية استخباراتية يصل مداها 460 كيلومتراً، تخترق عمق المجال الجوي لتركيا، التي حذّرت من كون هذا النظام يعني إنشاء "مظلة مراقبة" إسرائيلية فوق أراضيها، مما أثار غضبها.
دودو كوغان، مراسل صحيفة "إسرائيل اليوم"، نقل بعضاً من التحذيرات التركية التي اعتبرت ما أسمته "التحالف غير المقدس" بين نيقوسيا وتل أبيب بأنه يهدف إلى محو وجودها في المنطقة، ومصادرة حقوقها في شرق المتوسط، خاصة مع تولي الاستخبارات الإسرائيلية إدارة أمن مطاري لارنكا وبافوس، بما يُعتبر تجاهلاً لحقوق جاليتها التركية.
واعتبرت أنقرة، وفق كوغان، أن النظام الجوي الجديد أخطر بكثير من نظام إس-300 الروسي الذي اشترته قبرص في التسعينيات، وكاد أن يؤدي إلى صراعٍ عسكري مع تركيا، لأنه سيتم دمج قدراته المتقدمة في شبكة الاستخبارات الإسرائيلية في شرق المتوسط، مما يُشكل تهديداً حقيقياً للقوات الجوية والبرية التركية في قبرص وحولها.
وسلطت هذه الصفقة مزيداً من الأضواء على استهداف تركيا من العلاقة القبرصية الإسرائيلية، حيث ذكرت نوعا لازيمي، الباحثة في معهد "مسغاف" للشؤون الاستراتيجية والصهيونية، أن إسرائيل وقبرص تعتقدان أن تركيا تُشكل التحدي الرئيسي لعلاقتهما.
لأنها ترى فيها تهديداً لمصالحها في شرق المتوسط، وعقبة أمام طموحاتها القوية، ولديها علاقات إشكالية معهما، مما دفعها لاتخاذ خطوات مضادة في شرق المتوسط في إطار جهودها لإحباط أنشطتهما المشتركة، ومنها توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا، وأنشطة التنقيب عن الغاز والنفط البحرية في المنطقة القبرصية.

وزعم دانيال أرازي، الكاتب في موقع القناة 12، أن أحد جوانب التعاون القبرصي الإسرائيلي هو التصدي لحملة متعددة الجوانب تُنفذها تركيا، من الحرب الهجينة والعمليات السيبرانية والدعاية المُولدة بالذكاء الاصطناعي والمعلومات المضللة والتلاعب، لتوجيه سهامها نحوهما معاً.
وزعم الكاتب أن تركيا تهدف من وراء ذلك إلى تقويض التحالفات الإسرائيلية القبرصية، وزرع انعدام الثقة، عقب بروز قبرص كواحدة من الساحات الرئيسية لاستراتيجية الحرب الهجينة التركية، وتصوير قبرص على أنها "بيدق" في يد إسرائيل، في محاولة لقطع علاقاتها بالدول العربية والإسلامية.
مع العلم أن إسرائيل وقبرص تواجهان تحديات مشتركة، خاصة في ضوء توتراتهما الإقليمية المتزايدة مع تركيا، وقد حاول وزير الخارجية الأسبق أفيغدور ليبرمان إقامة تحالف متوسطي ضدها، دون إكمال مشروعه حينها.
لكن الإطار الثلاثي الإسرائيلي اليوناني القبرصي، ومنذ إنشائه عام 2016، وعقده سبع قمم في تل أبيب وأثينا ونيقوسيا، ركز دائماً على مواجهة تركيا، التي تعتبرها تهديداً لمصالحها في شرق المتوسط، وفقاً لما ذكره غابريئيل هاريتوس، الكاتب بمجلة "غلوبس" الاقتصادية.
فيما ذكر تحليل لموقع "أسباب" أن الصفقة بين إسرائيل وقبرص تندرج ضمن جهود احتواء النفوذ التركي منذ اكتشاف الغاز عام 2010، حيث بنت قبرص شراكات أمنية مع اليونان وإسرائيل ومصر وفرنسا والولايات المتحدة لتعزيز موقفها في النزاعات البحرية.
وسهّل إقرار الكونغرس الأميركي عام 2022 قانون "الشراكة في مجال الأمن والطاقة" رفع حظر الأسلحة عن قبرص وفتح الباب أمام صفقات متقدمة، ما يعكس دعماً مستمراً من واشنطن ودوائرها.
خلفيات التحالف بين إسرائيل وقبرص
بدا لافتاً أن يصف الرئيس القبرصي، نيكوس كريستودوليدس، العلاقات مع إسرائيل بأنها "أقرب حليف لنا في المنطقة"، فيما اعتبرت وزارة خارجيته هذه العلاقات بأنها "امتدادٌ لتاريخ طويل من الرخاء"، مما يدفع لتسليط الضوء على طبيعة العلاقة، وشبكة مصالحهما الثنائية.
حيث شهدت علاقاتهما تحولاً في السنوات الـ15–20 الأخيرة، ولم يأتِ تطورها بمحض الصدفة، بل نبع من جملة تطورات رصدها العقيد عيران ليرمان، نائب رئيس معهد القدس للاستراتيجية والأمن (JISS)، في ورقة بحثية نشرها موقع "ميدا":
- اكتشافات رواسب الغاز في حوض شرق المتوسط، في ضوء حدودهما البحرية المشتركة.
- اضطرابات الشرق الأوسط خلال العقد الماضي، وعدم استقرار النظام الإقليمي المباشر، دفعهما للسعي لحفظ مصالحهما في ظل التقلبات المتسارعة، وانعكس ذلك في التوقيع السريع على الاتفاقيات، ووضع الترتيبات، والتوافقات على التنظيم المشترك، واستغلال التطورات الإقليمية لصالحهما.
- مزاعمهما عن زيادة التهديد الإيراني، واقترابه من الحدود الإسرائيلية، ونشر عناصره في قبرص.
- تعثّر علاقات إسرائيل مع الدول العربية "البراغماتية" بسبب القضية الفلسطينية، دفعها للتوجه غرباً نحو شركائها الأكثر طبيعية في شرق المتوسط، ومنها قبرص.
- تدهور علاقاتهما مع تركيا، واشتراك إسرائيل مع قبرص في عدائها، منحاهما فرصة للتشجع على تعزيز علاقاتهما.
- رغبة إسرائيل بتحسين علاقاتها بالاتحاد الأوروبي، الذي تواجه معه في السنوات الأخيرة صعوبات سياسية ودبلوماسية.
وذكرت أورنا مزراحي، الباحثة في معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، أن العلاقات مع قبرص شكّلت تحقيقاً لرغبة إسرائيل بتطوير علاقاتها بالدول المجاورة المسماة "الدائرة الثانية"، وهي ركيزة أساسية في استراتيجيتها للأمن القومي منذ تأسيسها، نظراً للعلاقات العدائية مع جيرانها المباشرين، حيث تبنى رئيس الوزراء الأول، ديفيد بن غوريون، هذا النهج وأسماه "الحزام المحيطي".
ومع مرور الوقت، تحولت قبرص، وارتبطت بإسرائيل في كل مجال تقريباً، وباتت لقاءات قادتهما مستمرة ومكثفة، وباتت المناورات العسكرية، والتعاون الاقتصادي، خاصة قطاع الطاقة، والزيارات المتبادلة، والاتفاقيات المشتركة، جزءاً من علاقتهما الوثيقة المتزايدة، وفقاً لما ذكرته سارة ليبوفيتز–دار، خبيرة الشؤون الدولية بصحيفة "معاريف".
مع العلم أن هذه الجزيرة، التي اعتبرتها سابقاً الاستخبارات الإسرائيلية بؤرةً للحركات المسلحة المعادية، أصبحت الآن من أفضل حلفائها، خاصة مع خوفها من تنامي عزلتها السياسية، حتى أن بعض الإسرائيليين يزعمون أن قبرص هي الدولة الأجنبية الوحيدة في العالم المذكورة في التلمودين البابلي والمقدسي، على حدّ زعم الرواية الإسرائيلية.
مما دفع غاد يارديني، رئيس غرفة التجارة الإسرائيلية القبرصية، للادعاء بأن علاقتنا الجيدة لا ترتكز على أسس اقتصادية فقط، بل على أساس ديني، نحن وقبرص الدولتان الوحيدتان في المنطقة غير المسلمتين، هذا هو أساس العلاقات الوثيقة.
دوافع إسرائيل الاستراتيجية للتحالف مع قبرص
ذكر البروفيسور أفيشاي برافرمان، رئيس جمعية الصداقة الإسرائيلية القبرصية في الكنيست، في مقابلة مع موقع "ويللا"، أن الارتباط بقبرص مهم نظراً لطبيعتها المعزولة، فهي تبحث عن حلفاء يساعدونها في التعامل مع تركيا.
فيما اعتبر آرون لوبيز، السفير السابق لدى قبرص، أنها عضو في الاتحاد الأوروبي، ومركز تجاري مهم، وصداقتها معنا معروفة، ووقّعنا عدداً كبيراً من الاتفاقيات في مجالات الزراعة والسياحة والصحة والابتكار والتكنولوجيا، وينبغي النظر لها على أنها امتداد لإسرائيل، وبوابة للاتحاد الأوروبي، بكل ما يعنيه ذلك، بما يشمله من مجالات استراتيجية واقتصادية ومالية.
وتستفيد إسرائيل من تعاونها مع قبرص لتحقيق جملة مصالح لها في عدة أبعاد، أوردهما غابي سيبوني وغال بيرل فينكل، الضابطان الإسرائيليان الكبيران، في ورقة بحثية نشراها، على النحو التالي:
- الأول: صياغة استجابة مشتركة للتهديدات في البحر المتوسط، بشأن حرية الحركة والتجارة فيه، حيث يتم إجراء معظم التجارة الخارجية لإسرائيل إلى أوروبا عبره؛ سواء بسبب التحركات "العدائية" التركية تجاههما، أو الصراع مع لبنان على ترسيم الحدود البحرية قبل التوصل لاتفاق بشأنها.
- الثاني: إنشاء جبهة خلفية استراتيجية في الحرب، من خلال استخدام إسرائيل لمطارات وموانئ قبرص، ووضع مستودعات طوارئ خارج نطاق إطلاق الصواريخ بعيدة المدى.
- الثالث: التدريبات والمناورات العسكرية المشتركة، وتُشارك فيها أحياناً قوات من دول أخرى كالولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى.
- الرابع: توقيع اتفاقيات في مجالات الأمن الداخلي والحرب وملاحقة الجهات المعادية، مما يساعد إسرائيل في جهودها لإحباط عمليات المقاومة ضد أهدافها في الخارج، ومساعدتها في مواجهة الكوارث الطبيعية والحرائق.
أعدّ معهد ميتافيم للدراسات الإقليمية تقدير موقف جاء فيه، أن الحاجة والرغبة في إبقاء الأبواب مفتوحة مع مختلف الكيانات الدولية، دفعت قبرص لتطوير علاقات خارجية، ليس فقط مع القوى الكبرى، بل أيضاً مع دول وقوى فاعلة أخرى في المنطقة، ومنها إسرائيل، التي تراها قبرص قوةً إقليمية بعد أزمتها مع تركيا، وأدركت أنها قادرةٌ على الوقوف بوجهها، بجانب التصور السائد لديها بأن إسرائيل تُشكل جسراً للإدارة الأمريكية.

كيف يؤثر هذا التحالف على دول المنطقة؟
في ظل العلاقات الواسعة بين إسرائيل وقبرص، يمكن الإشارة إلى جملة من الفرص والتحديات التي تواجهانهما، والاتجاهات التي قد تتخذها هذه العلاقات، أوردها روعي كيبريك، الباحث في مركز ديفيس للعلاقات الدولية في الجامعة العبرية، ومن أهمها:
تتشابه إسرائيل وقبرص في كثير من النواحي، فكلاهما يمتلك خصائص الجزيرة، واحتياطيات من الغاز الطبيعي، ويتورطان في صراع معقد ومستمر، وشريكتان في تحالفات متعددة الأطراف في حوض المتوسط، وتتعاونان في مجالات متنوعة مثل الأمن والجيش والسياحة والطاقة.
ولعلاقاتهما تأثير مباشر على قدرة إسرائيل على تأمين مصالحها، وتحقيق أهدافها السياسية والأمنية، وتعزيز التعاون في مجال الطاقة، وتشجيع صناعة السياحة، وحركة الملاحة البحرية.
يوجد لإسرائيل عدد من المصالح المحورية في علاقاتها مع قبرص، تنبع من موقعها الاستراتيجي، وعضويتها في الاتحاد الأوروبي، حيث تريان بعضهما البعض كخلفية أمنية استراتيجية، وتعززان تعاونهما العسكري، وتُدرك إسرائيل أن التعاون مع قبرص ضروري لاستغلال احتياطيات الغاز الطبيعي، في كل ما يتعلق بإنتاجه وتصديره.
تُمثل قبرص لبنة أساسية في سعي إسرائيل لتعزيز نفوذها في حوض المتوسط، ويمكن لعضويتها في الاتحاد الأوروبي أن تُساعدها على التأثير في قرارات الاتحاد المتعلقة بها، أو على الأقل منع اتخاذ قرارات غير مرغوب فيها من وجهة نظرها.
العلاقات الأمنية والعسكرية.. حجر الزاوية بين نيقوسيا وتل أبيب
يكمن التعاون الاستخباراتي وعدد لا يُحصى من المناورات العسكرية المشتركة في أساس العلاقات الثنائية بين قبرص وإسرائيل، وقبل سنوات ذكرت تقارير بأن الأخيرة تنوي نشر 20 ألف جندي على الأراضي القبرصية.
كما أُجريت عدة مناورات مشتركة علنية في السنوات الأخيرة، جوية وبحرية، بمشاركة طائرات إف 15 وإف 16، ومنها أكبر مناورة خارج إسرائيل، بمشاركة 50 سفينة ومركبة إنزال وطائرة ومروحية وآلاف الجنود.
وأكد تال ليف- رام، المحرر العسكري لصحيفة "معاريف"، أن تعاون الجيشين الإسرائيلي والقبرصي مستمر في التعزيز، مع إجراء المزيد من المناورات المشتركة للقوات الجوية والبحرية في الأراضي القبرصية، وتضمّنت التعامل مع سيناريوهات عديدة، علماً بأن تضاريس قبرص غير المألوفة للجنود الإسرائيليين تُحاكي تضاريس لبنان.
كما تدربوا على الحرب في المناطق المبنية والمفتوحة المشابهة لقطاع غزة والضفة الغربية، مما دفع رئيس العلاقات الخارجية في الجيش القبرصي، أدونيس كارلومبس، للقول إن هذه التدريبات مهمة لتجسيد التعاون المستمر بين الجيشين، وسيستمر في المستقبل.
وتحافظ إسرائيل وقبرص على تعاون أمني وثيق لمكافحة العمليات المعادية، والأمن البحري، والتصدي للتهديدات المحتملة في المنطقة، كما تُزوّدها إسرائيل بمعدات تكنولوجية استخبارية متطورة.
وذكرت القناة السابعة التابعة للمستوطنين أن تل أبيب زودت نيقوسيا بمعدات حماية شخصية وأنظمة حمل لجنودها، بما يوفر أنظمة الجندي المتكامل، يساعده على توزيع الوزن، ويسمح له بالتثبيت السريع والسهل لحمل الأوزان الثقيلة.
وأكد إيتمار آيخنر، المراسل السياسي لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، أن إسرائيل تربطها بقبرص علاقات أمنية وعسكرية وثيقة، فهي المورد الأول أو الثاني لمعداتها التسلحية، وأكد وزير الحرب الأسبق موشيه يعلون أنهما نجحتا في بناء علاقات استراتيجية جيدة قائمة على مصالحهما المشتركة.
وكشف أمير تيفون، المراسل العسكري لصحيفة "هآرتس"، أن إسرائيل وقبرص أجرتا محادثات بشأن صفقة لبيع دبابات ميركافا، ثم تُنقل لاحقاً دبابات روسية الصنع قديمة إلى أوكرانيا.
وظهر انكشاف العلاقات الأمنية والعسكرية بين نيقوسيا وتل أبيب عقب تهديد وجهه زعيم حزب الله السابق، حسن نصر الله، خلال مجريات حرب 2024، إلى قبرص، التي تخطط إسرائيل لاستخدام منشآتها في الحرب ضد الحزب، مُعلناً "أننا سنواجهكم، ولن يكون هناك مكان آمن، بما فيها أهداف في البحر المتوسط"، عقب كشف معلومات مفادها أن إسرائيل، في حال تعرّض مطاراتها للخطر، فستستخدم منشآت قبرصية.
فيما زعمت قبرص في السنوات الأخيرة عن إحباط خطط لحزب الله وإيران لمهاجمة أهداف إسرائيلية فيها، فيما أعلن الموقع الرسمي للحكومة الإسرائيلية أن وزير الخارجية السابق، والطاقة الحالي، إيلي كوهين، طلب من نظيريه اليوناني والقبرصي تصنيف الحرس الثوري منظمة إرهابية في الاتحاد الأوروبي.
الفوائد الاقتصادية للتقارب بين إسرائيل وقبرص
تحولت العلاقات الإسرائيلية القبرصية من شراكة بسيطة إلى روابط اقتصادية وثيقة في مجالات متنوعة، بما فيها الطاقة والاقتصاد والسياحة والتجارة وغيرها، خاصة اكتشاف احتياطيات الغاز في البحر المتوسط، وعملهما معاً على تطوير مشاريع الطاقة، مثل خط أنابيب الغاز الهادف لنقله إلى أوروبا، ومشاريع الطاقة الشمسية وتخزين الكهرباء، بما يؤدي إلى تعزيز الاقتصاد الإقليمي، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
ذكرت القناة 12 أن اكتشاف حقل "أفروديت" القبرصي للغاز، المجاور لحقل "ليفياثان" الإسرائيلي، ساهم في تعزيز علاقاتهما، وبات جوهر علاقتهما المتجددة لأن أفضل طريقة لتصدير الغاز الإسرائيلي تتمثل في خط أنابيب يمر من قبرص إلى تركيا.
كما ترتبطان بمشروع الربط الكهربائي البحري الكبير، الذي سيربط شبكة الكهرباء الإسرائيلية بقبرص واليونان، ومن ثم بشبكة الكهرباء الأوروبية، مما سيسمح لإسرائيل ببيع واستقبال الكهرباء من أوروبا، وتنويع مصادر الطاقة في أوروبا، وتعزيز مكانة إسرائيل في المنطقة.
ذكر تسفي لافي، المراسل الاقتصادي لصحيفة يديعوت أحرونوت، أن إسرائيل وقبرص وقّعتا اتفاقية لتحديد حدود المياه الإقليمية، على بُعد نصف المسافة البحرية بينهما، قرابة 150 كيلومتراً شمال غرب حيفا، بما يُمهّد الطريق لتشجيع استكشاف وتطوير مصادر الطاقة في البحر، وتُوفّر الأمن للمستثمرين، ويُساعد في تعزيز وتطوير قطاع الطاقة الإسرائيلي.
بينما ذكرت وكالة الأنباء اليهودية أن الجانبين اتفقا على مشروع مدّ الكابل الكهربائي الذي سيربطهما IMEC، ومن قبرص إلى أوروبا مستقبلاً، كجزءٍ من خطة طموحة تهدف إلى ربط الهند والشرق الأوسط وأوروبا من خلال البنية التحتية للنقل والاتصالات والطاقة، ويبلغ طوله 1240 كم، ويصل عمقه 3000 متر، وهو الأطول والأعمق في العالم، وسيُمكّن من نقل الكهرباء بسعة تصل إلى 2000 ميغاواط بين الدول.
أكد غاد يارديني، رئيس غرفة التجارة الإسرائيلية القبرصية، أن علاقاتهما التجارية لم تنقطع قط، حيث تُصدّر إسرائيل بضائع لقبرص بمليار دولار، وتستورد منها بربع المبلغ.
وشهدت تجارتهما توسعاً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، بالتركيز على الصناعات عالية التقنية، والزراعة، والمياه، والبنية التحتية، وتعمل العديد من الشركات الإسرائيلية فيها، وتكتسب الاستثمارات المتبادلة زخماً متزايداً، لا سيما في مجالي الطاقة والعقارات.
كما تُزوّدها إسرائيل بتقنيات متقدمة في مجالات إدارة الموارد الطبيعية والتنمية المستدامة، والتكنولوجيا الخضراء والابتكار، بجانب تعميق التعاون في قضايا استراتيجية أخرى، مثل مكافحة الجريمة الدولية والأمن السيبراني وتطوير التقنيات المتقدمة.
وتجاوز عدد الشركات المنتشرة في قبرص، والمملوكة لرجال أعمال يهود يحملون جنسيات أجنبية وقبرصية، 2000 شركة، وفقاً لما ذكرته منصة "كابريتسا" الاستثمارية.
على صعيد السياحة، ذكر عميرام باركت، مراسل مجلة "غلوبس"، أن قبرص تُعدّ وجهة شهيرة للإسرائيليين بسبب قربها الجغرافي، وتشابه ثقافتهما، وتنوع خيارات العطلات التي تُقدّمها، ويتزايد عددهم إليها عاماً بعد عام، مع تنامي الرحلات الجوية المباشرة.
فيما يزور العديد من القبارصة إسرائيل للسياحة الدينية والتجارية والعلاجات الطبية المتقدمة، ويصفونها بـ"الدولة الخضراء"، حيث سُجِّل رقم قياسي بلغ 14 رحلة أسبوعية، وتُعدّ إسرائيل ثاني أكبر مورد للسياح لقبرص، فقد وصلها 410 آلاف إسرائيلي.
وتُسيّر تسع شركات طيران إسرائيلية رحلات جوية إليها، ويستثمر الإسرائيليون بكثافة في فنادقها، وينشطون في قطاع العقارات وشراء الشقق، حتى أن وسائل الإعلام القبرصية تُحمّلهم مسؤولية ارتفاع أسعار العقارات، وصعوبة شراء الشقق.
وقد نقل يانكي فاربر، مراسل موقع "باهول"، جدلاً ثار بين القبارصة على مواقع التواصل الاجتماعي حول أهداف تزايد شراء الإسرائيليين للعقارات في بلدهم، إضافة إلى يهود من إيران وبريطانيا وروسيا وأوكرانيا وبولندا، اشتروا أراضٍ ووحدات سكنية في قبرص في السنوات الأخيرة، ومساحات بلغت 25 ألف دونم، وعدداً كبيراً من الوحدات السكنية، وبأسعار باهظة.
مما جعل قبرص أمام "تدفّق يهودي" للجزيرة، لأن الأمر تجاوز مجرد استثمار تجاري، بل خطة للاستيلاء عليها خلال السنوات العشر القادمة، مما يعيد إلى الأذهان طرقهم القديمة في غزو فلسطين، والاستيطان فيها.
وأكد عامي روخاكس دومبا، المحرر الرئيسي بمجلة يسرائيل ديفينس، أن إسرائيل وقبرص وقّعتا اتفاقية تعاون علمي وتكنولوجي، بما يُوفّر إطاراً جديداً لتعزيز ودعم الأفكار والبحوث العلمية والتكنولوجية، وتشجيع مؤسساتهما للبحث العلمي، وتنفيذ برامج ومشاريع علمية وتكنولوجية مشتركة، وتبادل العلماء والطلاب، وإطلاق مبادرات بحثية علمية في مجالات ذات اهتمام مشترك.

من الانحياز للفلسطينيين إلى تأييد إسرائيل
تحافظ نيقوسيا وتل أبيب على علاقات دبلوماسية قوية، تتجلى في الزيارات الرسمية، والاجتماعات المتكررة لقادتهما، والبيانات المشتركة، والتعاون على الساحة الدولية، وتعتبرها إسرائيل شريكاً استراتيجياً مهماً في الاتحاد الأوروبي.
حيث تحشد قبرص جهودها لدعمها في المناقشات المتعلقة بها في إطاره، ورغم محدودية قدرتها على المساهمة فيه لأن قراراته تُتخذ بالإجماع، لكنها تسعى أحياناً لعرقلة القرارات ضد إسرائيل، ومنها معارضة وضع علامات على منتجات المستوطنات في الأسواق الأوروبية.
ورغم تعزيز علاقاتهما السياسية، فلا يزال نمط تصويت قبرص في مؤسسات الأمم المتحدة يتعارض بوضوح مع موقف إسرائيل، التي تتوقع تغييره، وترغب بذلك.
ومع بداية حرب غزة، وصل رئيس قبرص كريستودوليديس ووزير خارجيته للتضامن مع الاحتلال، ورفعت وزارة الخارجية علمه على مقرها، في خطوة غير مألوفة دبلوماسياً، وتضامن برلمانها معه، ورفع علمه على جدرانه، وأصدر قرارين يُصبّان في مصلحته.
مما دفع وزير الطاقة والبنية التحتية، إيلي كوهين، خلال لقائه بنظيره القبرصي، جورج بافناستاتسيو، لشكره على دعمها وتعاونها طوال فترة الحرب، لأنها أثبتت صداقتها العميقة في الترويج لخطوات اقتصادية وسياسية ضد حماس في الاتحاد الأوروبي.
ورغم الموقف الرسمي المؤيد لإسرائيل، فإن استمرار حرب غزة زاد من انتقاداتها في قبرص، ولم تعد المظاهرات العامة الداعمة لها تُرى فيها، وبات استمرارها يُعطي دفعةً لمنتقديها من القبارصة، حيث شهدت مظاهرات ضدها، ومن أبرز معارضيها حزب "أكيل" اليساري الكبير، الذي اتهمها بارتكاب تطهير عرقي وإبادة جماعية في غزة، ووصفها بدولة فصل عنصري.
مع العلم أنه في ضوء التزام قبرص بالمواقف الرسمية للاتحاد الأوروبي بشأن القضية الفلسطينية، فإن تحركات إسرائيلية باتجاه ضم الضفة الغربية، أو التسبب بانهيار السلطة الفلسطينية، قد يؤثر على علاقتهما.
التحديات التي تواجه علاقة نيقوسيا وتل أبيب
رغم "شهر العسل" الذي تشهده علاقات إسرائيل وقبرص، لكن المعطيات السياسية لا تبقى على حالها بالعادة، مما يفسح المجال لاستعراض أبرز التحديات التي تواجهانها:
- قد تؤثر الصراعات الحالية والمستقبلية بين إسرائيل والدول العربية في منطقة المتوسط سلباً على تطور علاقاتها مع قبرص، لا سيما لبنان وسوريا وحماس في غزة، قبل اندلاع الحرب الأخيرة.
- إمكانية حصول تطورات داخلية في إسرائيل وقبرص، والتغييرات المحتملة في ميزان القوى الإقليمي، وفي أوروبا، وقد اعتبر مايكل هراري، السفير السابق في قبرص، في مقال نشره موقع زمان إسرائيل، أن التغيرات الجيوسياسية، حتى الإيجابية منها كالتقارب بين إسرائيل ودول الخليج، تشكل تحدياً للعلاقة مع قبرص، خشية أن تأتي على حساب التحالف بينهما، مما قد ينجم عنه مصالح مختلفة متضاربة.
- نشوب خلافات ثنائية بشأن التقدم في مجالات التعاون الاقتصادي والطاقة، والتخوف أن تأتي المنافع التجارية أقل من التوقعات العالية، حيث صدرت أصوات مُتشككة في نيقوسيا تُبدي قلقاً بشأن جدوى بعض المشاريع المشتركة مع إسرائيل.
وكشف عميحاي شتاين، مراسل هيئة البث الإذاعي والتلفزيوني – كان، عن خلافهما حول حقل غاز أفروديت، عقب فشلهما في التوصل لاتفاق بشأن تقسيم أرباحه.
- الجهود المستمرة التي تبذلها قبرص لتعزيز علاقاتها مع مصر والأردن ولبنان بالتوازي مع إسرائيل قد تزعج الأخيرة، لأن نيقوسيا تخشى من ظهور علاقتها بإسرائيل كتحالف ضد الدول العربية والإسلامية.