تتعرض لبنان منذ أسابيع لضغوط دولية من أجل الإسراع في تطبيق خطة شاملة لحصر سلاح حزب الله وضبط الحدود لتثبيت واقع أمني جديد في الجنوب اللبناني، وفقاً لما كشفه لـ"عربي بوست" مصدر حكومي لبناني رفيع، أوضح أن هذه الضغوط مصدرها الولايات المتحدة التي نقلت رسائل مباشرة وغير مباشرة عبر أطراف أوروبية مثل فرنسا وألمانيا.
حسب المصدر الحكومي، فإن هذه الترتيبات التي تسعى أمريكا لفرضها، لم تعد في إطار التمنيات أو النصائح، بل تحوّلت إلى التزامات أمنية مطلوب من لبنان تنفيذها وفق جدول زمني محدد، مقابل استمرار المساعدات والدعم الدولي للجيش والمؤسسات، وأن هذه الالتزامات التي باتت بمثابة "ترتيبات أمنية" أرسلتها إسرائيل.
يأتي ذلك، بينما تسعى الحكومة اللبنانية إلى كسب مزيد من الوقت من أجل تطبيق خطة حصر سلاح حزب الله بناءً على اتفاق مع جميع الفاعلين على المستوى الداخلي، بهدف تجنب أي توترات داخلية بما يخدم مصلحة لبنان، لكن ذلك لم يرق لواشنطن وتل أبيب اللتين تضغطان من أجل تطبيق الخطة بشكل فوري.
تكليف أمريكي ولائحة مطالب لبنانية
بحسب مصدر "عربي بوست"، فقد أبلغت واشنطن السلطات اللبنانية أن الجيش اللبناني بات مكلفاً بمهام مزدوجة: الأولى ضبط الحدود مع سوريا بنسبة شاملة، والثانية الشروع عملياً في ملف سحب سلاح حزب الله دون تسويف أو تأجيل.
وأكد الأميركيون أن هذا التكليف لا يحتاج إلى أي قرار حكومي إضافي، بل يدخل حيّز التنفيذ في إطار خطة متفق عليها، تبدأ من منطقة جنوب الليطاني، حيث جرى التمديد لقوات "اليونيفيل" لعام إضافي مع توسيع مهماتها لمواكبة الجيش وتسهيل تحركاته.
فيما أضاف المصدر أن قيادة الجيش اللبناني رفعت لائحة طويلة من الاحتياجات العاجلة، تم تسليمها إلى الأميركيين ولأطراف أخرى عربية وأوروبية، وتشمل:
- تجنيد ثلاثة آلاف عسكري إضافي ونشرهم في القطعات المنتشرة جنوب الليطاني.
- تأمين دعم مالي مباشر للرواتب لمواجهة الأزمة المعيشية وتحفيز العناصر.
- تزويد الجيش بآليات مدرعة من طراز حديث، كانت واشنطن قد وعدت بيروت بإرسالها كهبات عسكرية، وهذه الآليات موجودة في قواعد عسكرية أميركية بالمنطقة.
- الحصول على أجهزة رصد واتصالات مرتبطة مباشرة بالأقمار الصناعية الأميركية، لتطوير قدرة الجيش على مصادرة السلاح وتفكيك البنية العسكرية للفصائل المسلحة.
وأوضح المصدر أن الأميركيين أبدوا استعداداً لتأمين المعدات اللوجستية عبر برامج الدعم العسكري، فيما ستتكفل دول خليجية بالشق المالي للرواتب، بناءً على تفاهم جرى التوصل إليه في لقاءات سابقة، خاصة اجتماعات باريس منتصف أغسطس/آب 2025، بمشاركة دبلوماسيين فرنسيين وأميركيين وخليجيين.

دعم استخباري وشبكات مراقبة في الجنوب اللبناني
كشف المصدر الحكومي اللبناني لـ"عربي بوست" أن الإدارة الأميركية عرضت تقديم دعم استخباري متواصل للجيش اللبناني، يتضمن صوراً جوية وتقارير محدثة عن مواقع ومنشآت عسكرية في منطقة جنوب الليطاني.
كما تعهدت واشنطن بتسليم الجيش اللبناني طائرات مسيرة صغيرة متطورة، لاستخدامها في عمليات المسح الميداني في الجنوب اللبناني. وجرى أيضاً النقاش مع الفرنسيين في إمكانية إرسال فرق تقنية متخصصة للمساعدة في تفكيك الأنفاق والمخابئ في حال وُجدت.
شروط لبنانية ولا ضمانات أمريكية
أما فيما يتعلق بالمرحلة الثانية شمال الليطاني، فأوضح المصدر أنّها تبقى رهناً بانسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية المحتلة، ولا سيما النقاط الخمس التي لا تزال إسرائيل تحتلها وترفض الانسحاب منها، والتي سلّمت الحكومة خرائط تفصيلية بشأنها للأميركيين والفرنسيين.
وطالب لبنان بضمانات دولية مكتوبة بعدم تنفيذ إسرائيل أي توغلات أو غارات جوية خلال بدء عملية نزع السلاح شمال الليطاني، وهو ما رفضه الأميركيون، ولمّحوا إلى إمكان فتح ملف الانسحاب الإسرائيلي إذا أثبتت بيروت خلو الجنوب من أي وجود مسلح لحزب الله بحلول نهاية 2025.
وأشار المصدر إلى معلومات متداولة تفيد بأن واشنطن تدرس خطة بديلة في حال تعثّر تطبيق القرار 1701، تقوم على إنشاء غرفة تنسيق عسكرية مباشرة بين الجيش اللبناني والإسرائيليين بإشراف أميركي، تمهيداً لتفاهم أمني جديد يوازي القرار الدولي.
كما يجري العمل على ترتيبات أخرى، منها تزويد الجيش اللبناني بمروحيات مطوّرة بتمويل أوروبي، وإشراك دول عربية في تمويل بنى تحتية عسكرية للجيش في الجنوب عبر صندوق خاص يشرف عليه البنك الدولي.
اختبار حاسم للبنان
حسب المصدر الحكومي اللبناني الذي صرّح لـ"عربي بوست"، فإن المجتمع الدولي وضع لبنان أمام اختبار واضح، وهو أن نجاح الجيش اللبناني في إثبات قدرته على ضبط الجنوب سيكون معياراً رئيسياً لاستمرار الدعم المالي والعسكري.
وأوضح أنّ المتابعة لن تقتصر على الوعود، بل ستشمل حملات تفتيش دورية في القرى الجنوبية، وإرسال تقارير مباشرة إلى اللجنة الخماسية لمراقبة وقف إطلاق النار، والتي تضم (الولايات المتحدة، وفرنسا، والأمم المتحدة، ولبنان، وإسرائيل)، إضافة إلى قيادة قوات "اليونيفيل".
وأضاف مصدر "عربي بوست" أنّ المبعوث الأميركي توماس باراك سيتابع الشق السياسي من التفاهم، فيما ستتولى نائبة المبعوث الأميركي للشرق الأوسط مورغان أورتاغوس متابعة التنفيذ الميداني بدقة، عبر حضورها شخصياً لاجتماعات اللجنة المعنية بمراقبة تنفيذ خطة الجيش، ما يجعل المرحلة المقبلة بمثابة اختبار حقيقي لموقع لبنان في المعادلة الإقليمية، ولقدرة الجيش على أداء دور يفوق طاقته التقليدية.

تحركات إسرائيلية في الكواليس
وأشار المصدر إلى أنّ لبنان علم من دول صديقة، أنّ وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر التقى بمسؤولين أميركيين وأوروبيين، وقدّم لهم ورقة تشير إلى تجدد نشاطات حزب الله في مناطق مختلفة في لبنان، وأنّ الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تمتلك معطيات دقيقة حول نشاطات حزب الله.
وكانت تراهن إسرائيل على أن تنجح الولايات المتحدة في إقناع الدولة اللبنانية بالشروع بخطوات عملانية تمهّد لعملية نزع السلاح، ليس في نطاق جنوب الليطاني فحسب، بل شماله أيضاً.
فيما يشير المصدر إلى أنّ الجانب الأميركي أبلغ الدولة اللبنانية وأركانها عن خيبة أمل واضحة من جلسة الحكومة اللبنانية في 5 سبتمبر/أيلول، ليس فقط لغياب أي خطة تنفيذية مرفقة بجدول زمني لما سبق إقراره في جلستي 5 و7 أغسطس/آب الماضي.
وسبق أن كشفت مصادر حكومية لـ"عربي بوست" أن وزراء حزب الله ومعهم وزير التنمية الإدارية فادي مكي، وهو وزير شيعي مستقل، هدّدوا قبل مغادرتهم الجلسة الحكومية الأخيرة، بتحركات شعبية في الشارع ضد قرار نزع السلاح وحصره بيد الجيش.
بل لأن واشنطن، وفقاً لما عبّر عنه الموفد الأميركي توم باراك، ترى في أداء القادة السياسيين اللبنانيين "انحيازاً للسلم الأهلي"، وهذا يثير قلقها في مدى التزام بيروت بالورقة الأميركية.
في المقابل، شددت تل أبيب أمام جميع الأطراف، بمن فيهم توماس باراك خلال اجتماعه الأخير مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أنّها غير معنيّة بالمهل الزمنية التي يُشاع أن واشنطن منحتها لـلبنان لإنجاز تسوية كبرى قبل نهاية العام.
وأكدت حكومة الاحتلال الإسرائيلي أنها لن تقدّم أي تنازل فيما يتصل بآلية عمل قواتها في لبنان، أو الانسحاب من الأراضي المحتلة، أو إطلاق أسرى لبنانيين، مع استمرارها في تنفيذ عمليات الاغتيال والغارات ضد ما تعتبره أهدافاً مشروعة.