قدّم نائب رئيس مجلس الوزراء اللبناني الدكتور طارق متري، في مقابلة مع "عربي بوست"، رؤية شاملة حول خطة الجيش لحصر السلاح بيد الدولة، واصفاً إياها بـ "الواقعية" لأنها تراعي الإمكانات والمعوقات وتتفادى الصدام الداخلي، لكنه ربط نجاحها بتأمين الغطاء السياسي والدعم الدولي للجيش ووقف الاعتداءات الإسرائيلية.
طارق متري أكد أن حزب الله عامل أساسي في نجاح الخطة، نافياً وجود أي تفاهم دولي مع إيران حول سلاحه، ومشدداً على أن المفاوضات مع طهران انحصرت بالملف النووي.
وانتقد متري ما سماه "غطرسة القوة" في السياسة الإسرائيلية، معتبراً أن استهداف قطر كان ضربة لمساعي التسوية في غزة. كما أبدى حذراً حيال القمة العربية المقبلة، واعتبر أن سياسة "النأي بالنفس" تواجه اختباراً صعباً بفعل الترابط بين ساحات النزاع.
وبشأن العلاقة مع دمشق، أشار إلى ارتياح لبناني لخطاب الرئيس أحمد الشرع، مؤكداً أن اللقاءات الأخيرة اتسمت بالمرونة والحرص على معالجة الملفات المعقدة، من اللاجئين والحدود إلى الموقوفين، وصولاً إلى مراجعة الاتفاقيات الموروثة من عهد الوصاية السورية.
وهذا نص المقابلة كاملة:
كيف تقيمون خطة الجيش اللبناني بعد قرار مجلس الوزراء حصر السلاح بيد الدولة؟
خطة الجيش تمثّل تقدماً عملياً على طريق تنفيذ ما جاء في البيان الوزاري وخطاب القسم لرئيس الجمهورية، خصوصاً أنها ليست محكومة بالدوافع السياسية وحدها، بل انطلقت من مقاربة واقعية تأخذ بالحسبان الإمكانات المتاحة والمعوقات المحتملة.
والأهم أنها ملتزمة بتجنّب المواجهة مع أي فئة لبنانية، ما يجعلها أكثر قابلية للتنفيذ على الأرض من خطط سابقة كانت تفتقد الغطاء السياسي أو الواقعية.
ما المطلوب اليوم لتأمين الغطاء لهذه الخطة؟
المطلوب هو تأمين غطاء سياسي شامل لهذه الخطة، وهو أمر أراه متاحاً بفضل التأييد الواسع بين اللبنانيين وبين القوى الممثلة في الحكومة اللبنانية.
لكن في الوقت نفسه فرص نجاحها ترتبط بعاملين حاسمين: أولهما توفير إمكانات أكبر للجيش عبر وعود المساعدات الدولية، وثانيهما وقف الأعمال العدائية الإسرائيلية التي لم تتوقف منذ 27 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي.
هل يشكل حزب الله عاملاً أساسياً في هذا السياق؟
حزب الله يبقى عاملاً أساسياً لإنجاح الخطة، سواء من خلال تجاوبه المباشر. وفي المقابل، تراهن الدولة على التزامات المجتمع الدولي بمساعدة الجيش، إذ من دون تعزيز قدراته يصبح تطبيق الخطة أمراً بالغ الصعوبة.
هل هناك أي مؤشرات إلى تنسيق دولي مع إيران بشأن سلاح حزب الله؟
لا علم لي باتصالات من هذا النوع. ما أعرفه أن المفاوضات الأوروبية–الإيرانية أولاً، ثم المفاوضات الأميركية–الإيرانية التي شارفت على الانتهاء إذا ما التزمت بالمواعيد التي ضربها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ناقشت حصراً المسألة النووية، ولم تتطرّق إلى دور إيران في الإقليم بما في ذلك دعمها لحزب الله في لبنان. وهذا يعني أنّ لبنان ما زال خارج الحسابات المباشرة لهذه المفاوضات.
ماذا عن زيارة نائبة المبعوث الأميركي للشرق الأوسط مورغان أورتاغوس إلى بيروت؟
لا علم لي بأنها حملت ضمانات جديدة بالتزام إسرائيل بوقف الأعمال العدائية. برأيي، لبنان يواصل محاولاته لاستنهاض همة أصدقائه، ولا سيما الولايات المتحدة، لممارسة ضغط على إسرائيل، لكن حتى الآن هذا الضغط لم يؤت ثماره.
هل ترى أن إسرائيل قد تشن حرباً جديدة على لبنان؟
ما هي سياسة إسرائيل؟ إنها غطرسة القوة. لا يمكن وصف ما تقوم به إسرائيل في بلادنا سواء في غزة أو عندنا وفي البلاد العربية الشقيقة وآخرها دولة قطر، إلا بأنها سياسة بلا سياسة. إنها غطرسة القوة الصرف، محاولة إخضاع وانتقام ومحاولة جعل القدرة على مواجهة إسرائيل ضعيفة.
هذا التوصيف الصارم، الذي يتجاوز لغة الدبلوماسية التقليدية، يعكس قناعتي بأن إسرائيل لا تتحرك وفق حسابات سياسية واضحة بقدر ما تتحرك بدافع التفوق العسكري وفرض الأمر الواقع، والتي يترجمها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بمشروع "إسرائيل الكبرى"، وهو ما يجعلها تهديداً متجدداً لمصائر شعوب المنطقة.
كيف تقرأون استهداف إسرائيل للدوحة؟
جاء الاستهداف في توقيت حساس ليقطع الطريق على أي تسوية كانت قطر ومصر تحاولان إنجاحها في غزة. أول ما يتبادر إلى الذهن أنّ العملية العسكرية الإسرائيلية ضد قطر هي إسقاط لما بقي من فرصة للوصول إلى تسوية، وتكاد تكون رصاصة الرحمة على هذا المسار.
نتنياهو يجمع بين استهداف الدور القطري كوسيط وبين ضرب المشروع العربي الغاضب من سياساته: العقل السياسي لنتنياهو يدور حول استخدام القوة والمزيد من القوة. ما لا ينجح في فرضه بالقوة يحاول فرضه بمزيد من القوة، وهذه سياسته منذ سنتين على الأقل.
وماذا عن القمة العربية الاستثنائية المقبلة؟
القمم العربية كثيراً ما خيبتنا، لكن فلننتظر. لا يمكن تجاهل مشاعر ومواقف الشعوب، وهذا عامل جديد لا تستطيع الأنظمة التغاضي عنه. لكنني أبدي استياء من الموقف الأميركي، إذ لم تراعِ واشنطن حتى حلفاءها عندما أبلغت قطر بالعملية "بعد عشر دقائق من حدوثها".
ما هو تقييمكم لسياسة النأي بالنفس في ظل الظروف الراهنة؟
سياسة النأي بالنفس تواجه اختباراً صعباً. الخيار الذي اعتمده لبنان بالوسائل الدبلوماسية قد لا يكون ناجعاً، لكن لا أعتقد أن هناك خيارات كثيرة غير هذا الخيار.
استمرار إسرائيل في ربط ما يجري في غزة بلبنان وكل المنطقة يجعل من الصعب على لبنان تجاهل هذا الترابط، حتى مع تمسك الحكومة رسمياً بخيار الحياد النسبي.
كيف ترون العلاقات اللبنانية–السورية بعد وصول الرئيس أحمد الشرع إلى الحكم في دمشق؟
الفقرة التي خصصها للبنان في خطابه كانت مدعاة ارتياح عند اللبنانيين على اختلاف مشاربهم السياسية. قلت للوفد السوري الذي زارني في بيروت إن هذا التواصل ليس لبناء الثقة، بل لتعزيزها، فبيننا وبينكم ثقة كافية علينا أن نعززها. اللقاءات سواء في بيروت أو في دمشق اتسمت بالمرونة والحرص على معالجة مختلف القضايا، نافياً أن يكون تواضع مستوى الوفود دليلاً على عدم جدية الجانب السوري.
وبحسب متري، فإن الأجواء التي رافقت المحادثات في بيروت ودمشق تميّزت بمرونة لافتة، وروح إيجابية، وإصرار على معالجة القضايا الخلافية. وأكد أن الطابع الودي للقاءات أضفى عليها طابعاً صريحاً وبعيداً عن التعقيد الرسمي، وخاصة أن الوفد السوري الذي زار لبنان مطلع بشدة على الملفات المشتركة وهذا يسهل العديد من الأمور العالقة.
ما أبرز الملفات التي تم البحث فيها مع دمشق؟
المحادثات شملت كل الملفات. ففيما يخص اللاجئين السوريين، دمشق ترحب بعودتهم وأن أعداد العائدين إلى ديارهم في تزايد مستمر. أما الحدود، فقد شهدت تقدماً كبيراً بفضل اجتماعات اللجنة العسكرية–الأمنية المشتركة برعاية سعودية، حيث أصبح القسم الأكبر من الحدود مضبوطاً بشكل جيد من الجانبين، مع بقاء تحدي التهريب قائماً ولا سيما تهريب المخدرات.
أما ملف الموقوفين، فأعتبره "بسيطاً وصعباً في الوقت ذاته"، والمبالغة في تعقيده تثير شكوكاً، والحل يكمن في إبرام اتفاقية تعاون قضائي مشتركة تعطي إطاراً قانونياً لهذه القضايا. لبنان يتعامل بجدية مع الطلب السوري المتعلق ببعض الموقوفين على خلفيات سياسية.
هل ستتم مراجعة الاتفاقيات الموروثة من عهد الوصاية السورية؟
هناك نحو 34 اتفاقية موروثة من عهد الوصاية السورية يجب مراجعتها وإعادة النظر بها، لكنها ليست أولوية راهنة قياساً بالملفات الأكثر إلحاحاً. هناك إرادة سياسية من الطرفين لمعالجة هذه المسألة لاحقاً، بما يعيد صياغة العلاقة الثنائية على أسس جديدة، تتجاوز أثقال الماضي.
بطاقة تعريفية: من هو طارق متري؟
طارق متري أكاديمي ودبلوماسي وسياسي لبناني وُلد في طرابلس عام 1950، تخرّج من الجامعة الأميركية في بيروت وحصل على الدكتوراه في العلوم السياسية من باريس.
تولّى عدة حقائب وزارية بين عامي 2005 و2011 بينها الثقافة والإعلام والبيئة والتنمية الإدارية، كما شغل منصب وزير الخارجية بالوكالة عام 2006، وكان أحد عرّابي القرار الدولي 1701 الصادر بعد حرب 2006.
إضافة إلى منصبه الآن كنائب لرئيس مجلس الوزراء اللبناني، عمل مبعوثاً خاصاً للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا بين 2012 و2014، ثم مديراً لمعهد عصام فارس للسياسات العامة والعلاقات الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت بين 2014 و2019.
ويُعرف متري أيضاً كأستاذ جامعي ومفكّر كتب باللغتين العربية والفرنسية في قضايا الديمقراطية والحوار الإسلامي–المسيحي.