اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، الجمعة 12 سبتمبر/أيلول 2025، قراراً يؤيد "إعلان نيويورك" الرامي إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية وتعزيز حل الدولتين لتحقيق التسوية السلمية لقضية فلسطين، وهو القرار الذي قوبل بترحيب دولي وعربي وإسلامي، فيما أعرب الاحتلال عن رفضه للقرار.
وبين 28 و30 يوليو/تموز الماضي، عُقد في نيويورك "مؤتمر حل الدولتين" برئاسة السعودية وفرنسا، وبمشاركة رفيعة المستوى، وحضور فلسطين، وغياب أمريكي، لدعم مسار الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية.
وصدر عن المؤتمر "إعلان نيويورك" بشأن التسوية السلمية لقضية فلسطين وتنفيذ حل الدولتين، ودعا إلى الاعتراف بدولة فلسطين، ومنحها عضوية كاملة في الأمم المتحدة، بدلاً من الوضع القائم منذ عام 2012، وهو "دولة مراقب غير عضو".

ما الذي جاء في إعلان نيويورك؟
- تضمّن "إعلان نيويورك" الاتفاق على العمل المشترك لإنهاء الحرب في قطاع غزة، والتوصل إلى تسوية عادلة وسلمية ودائمة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بناءً على التطبيق الفعّال لحل الدولتين، وبناء مستقبل أفضل للفلسطينيين والإسرائيليين وجميع شعوب المنطقة.
- وأكد رفض أي أعمال تؤدي إلى التغييرات الإقليمية (المتعلقة بالأرض) أو الديموغرافية (السكانية)، بما في ذلك التهجير القسري للمدنيين الفلسطينيين، الذي يُعد انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني.
- كما جدّد الإعلان إدانة جميع الهجمات من أي طرف ضد المدنيين، بما في ذلك جميع أعمال الإرهاب، والهجمات العشوائية، وكل الاعتداءات ضد الأعيان المدنية، والأعمال الاستفزازية، والتحريض، والتدمير.
- وأشار الإعلان إلى أن أخذ رهائن (أسرى) محظور بموجب القانون الدولي.
- وأدان الإعلان الهجمات الإسرائيلية ضد المدنيين في قطاع غزة، بما في ذلك استهداف البنية الأساسية المدنية، والحصار، والتجويع وصولاً إلى كارثة إنسانية مدمّرة من ناحية، والهجمات التي ارتكبتها حماس ضد المدنيين في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 من ناحية أخرى.
- وقال الإعلان إن الحرب والاحتلال والإرهاب والتهجير القسري لا يمكن أن تؤدي إلى تحقيق السلام أو الأمن، وإن الحل السياسي هو الوحيد الكفيل بتحقيق ذلك.
- وأضاف أن إنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وتطبيق حل الدولتين، هما السبيل الوحيد لتلبية التطلعات المشروعة، وفق القانون الدولي، لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين، وأفضل طريقة لإنهاء العنف بكافة أشكاله، وأي دور مزعزع للاستقرار من الأطراف من غير الدول، ووضع حد للإرهاب والعنف بكل الصور، وضمان أمن الشعبين، وسيادة الدولتين، والسلام، والازدهار، والتكامل الإقليمي من أجل مصلحة شعوب المنطقة.
- وتعهّد المسؤولون والمندوبون في الإعلان باتخاذ خطوات ملموسة، محددة بإطار زمني، ولا يمكن التراجع عنها، من أجل التسوية السلمية لقضية فلسطين وتطبيق حل الدولتين، وتجسيد، بأسرع وقت ممكن، عبر أعمال ملموسة، دولة فلسطين المستقلة الديمقراطية ذات السيادة، القادرة على الاستمرار اقتصادياً، التي تعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل، بما يمكن التكامل الإقليمي والاعتراف المتبادل.
- وتضمّن الإعلان مطلباً بوقف إسرائيل الفوري للأنشطة الاستيطانية وعنف المستوطنين، وهو شرط للتطبيع الإقليمي مع قيام دولة فلسطينية، ودعوة لقبول فلسطين عضواً كامل العضوية في الأمم المتحدة.
- ونص أحد بنود الإعلان على مطلب مراجعة الكتب المدرسية، ليس فقط في فلسطين، بل في إسرائيل أيضاً.
كيف صوت أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة على إعلان نيويورك؟
أقرت الجمعية العامة القرار الفرنسي السعودي، المعنون رسمياً "إعلان نيويورك بشأن التسوية السلمية لقضية فلسطين وتنفيذ حل الدولتين"، بأغلبية 142 صوتاً من حضور جلسة التصويت، مقابل 10 أصوات معارضة، وامتناع 12 دولة عن التصويت، وفق بيان نشرته الأمم المتحدة على حسابها الإلكتروني.
🔴 #ماكرون: اليوم اعتمدت 142 دولة إعلان نيويورك بشأن تنفيذ حل الدولتين. معاً، نرسم مساراً لا رجعة فيه نحو السلام في الشرق الأوسط. مستقبل آخر ممكن. شعبان، دولتان: إسرائيل و #فلسطين، يعيشان جنباً إلى جنب في سلام وأمان. pic.twitter.com/7SRJUCVRcl
— عربي بوست (@arabic_post) September 12, 2025
وشملت قائمة الدول الرافضة للقرار: إسرائيل، الولايات المتحدة الأمريكية، الأرجنتين، المجر، ميكرونيزيا، ناورو، بالاو، بابوا غينيا الجديدة، باراغواي، تونغا.
والدول الممتنعة عن التصويت: ألبانيا، الكاميرون، جمهورية التشيك، الكونغو، الإكوادور، إثيوبيا، فيجي، غواتيمالا، مقدونيا الشمالية، مولدوفا، ساموا، جنوب السودان.
فيما لم تشارك إيران في التصويت على المبادرة الفرنسية السعودية في الأمم المتحدة، لأنها لا تعترف بدولة إسرائيل، وبالتالي لا يمكنها دعم حل الدولتين. وأفادت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية أن السفير الإيراني لدى الأمم المتحدة، أمير سعيد إيرفاني، ظل خارج القاعة أثناء التصويت.
كيف ردت إسرائيل على إعلان نيويورك؟
رفضت حكومة الاحتلال الإسرائيلية، في بيان، قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، واصفة إياه بـ"السيرك السياسي المنفصل عن الواقع"، وفق ادعائها.
وانتقد السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، داني دانون، القرار بشدة، قائلاً: "هذا اقتراح فارغ يتجاهل الواقع تماماً، وليس دبلوماسياً. إنه إعلان أحادي الجانب يتبنى أكاذيب أعدائنا ويضفي الشرعية على حماس. هذا الاقتراح لا يجلب السلام، بل يُطيل أمد الحرب".
وجدير بالذكر أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ اتفاق أوسلو 1993 تعاملت مع فكرة الدولتين بانتقائية، وربطتها بشروط تجعل تطبيقها صعباً، من دون إعلان رفض صريح لها.
غير أن مواقف رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، شهدت تحولاً؛ إذ ألمح عام 2009 إلى قبول مشروط بدولة فلسطينية منزوعة السلاح، قبل أن يتراجع لاحقاً، وصولاً إلى حكومته الحالية التي تُعدّ الأكثر تطرفاً، حيث أعلنت في أكثر من مناسبة رفضها المطلق لحل الدولتين، رغم الدعم الدولي والأممي الواسع له، وفق وكالة الأناضول.

ماذا يعني إعلان نيويورك؟
- اعتبرت وسائل إعلام عبرية أن "إعلان نيويورك" يأتي في وقت غير مناسب على الإطلاق بالنسبة لإسرائيل.
- وقال موقع والا العبري، الذي وصف الإعلان بكونه إعلاناً رمزياً، إن الدول الأوروبية والعربية تسعى جاهدة لإعادة حل الدولتين إلى الواجهة، في الوقت الذي تركز فيه تل أبيب على الحرب في غزة، وما وصفها بـ"التهديدات الإقليمية".
- ورأى مراقبون أن "إعلان نيويورك" يسعى لمنح دفعة جديدة لحل الدولتين، عبر التأكيد على ضرورة التوصل إلى تسوية عادلة وشاملة تُنهي عقوداً من النزاع، وفق تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي).
- كما يُعد الإعلان، بجانب اعتزام بعض الدول، في مقدمتها فرنسا وبريطانيا وكندا، نيتها الاعتراف بدولة فلسطين، وسيلةً لزيادة الضغط على إسرائيل لإنهاء الحرب في غزة، وفق تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية.
- وقال تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية إن "إعلان نيويورك"، الذي دعم حكومة فلسطينية من دون حماس، يهدف إلى إظهار أن إسرائيل والولايات المتحدة معزولتان في معارضتهما لحل طويل الأمد لحرب غزة، وكيف أن دولاً مثل ألمانيا، وهي مؤيد قوي لإسرائيل، تدعم حلاً تحكم فيه السلطة الفلسطينية الضفة الغربية وغزة.
- وكانت تقارير أمريكية أشارت في يوليو/تموز الماضي بعدما أعلنت كلاً من بريطانيا وفرنسا نيتهما الاعتراف بدولة فلسطين إلى أن هذا القرار يزيد من عزلة إسرائيل على الساحة الدولية بسبب الحرب التي تخوضها في غزة.
- وقال تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال: "لن يكون لاعتراف عدد متزايد من الحلفاء الغربيين بدولة فلسطينية تأثير ملموس يُذكر في إسرائيل أو الأراضي الفلسطينية، لكنه يكشف عن تصدعات كبيرة في الدعم الغربي لإسرائيل، الذي كان يُعتبر في السابق راسخاً".
- وأضاف التقرير أن إسرائيل سوف تفتقد جبهة موحدة من الدعم الغربي من الحلفاء الذين تدخلوا للدفاع عنها، وقدموا لها الدعم الدبلوماسي في المحافل الدولية، وتعاونوا معها بشأن مخاوفها الأمنية الأساسية، مثل طموحات إيران النووية والإقليمية.

ما هي الدول التي تعترف بفلسطين حتى الآن؟
- وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني 2012 على الاعتراف الفعلي بفلسطين دولة ذات سيادة من خلال رفع وضعها في المنظمة الدولية كمراقب إلى "دولة غير عضو" بعد أن كانت "كياناً".
- وحتى مايو/أيار 2025 تحظى (دولة فلسطين) باعتراف 147 دولة من أصل 193 دولة عضواً في الأمم المتحدة، أي ما يمثل 75% من المجتمع الدولي، كدولة ذات سيادة.
- كما تحظى فلسطين باعتراف الكرسي الرسولي، الهيئة الحاكمة للكنيسة الكاثوليكية، ومدينة الفاتيكان، التي تتمتع بصفة مراقب في الأمم المتحدة.
- وخلال الحرب الإسرائيلية المتواصلة على غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، اعترفت 10 دول رسمياً بدولة فلسطين، وهي المكسيك وأرمينيا وسلوفينيا وأيرلندا والنرويج وإسبانيا وجزر البهاما وترينيداد وتوباغو وجامايكا وبربادوس، وهو ما يعكس الدعم الدولي المتزايد للفلسطينيين.
- ومن بين دول مجموعة العشرين، اعترفت 10 دول (الأرجنتين والبرازيل والصين والهند وإندونيسيا والمكسيك وروسيا والسعودية وجنوب أفريقيا وتركيا، فضلاً عن إسبانيا المدعوة الدائمة) بفلسطين كدولة، في حين لم تعترف بها تسع دول (أستراليا وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة والولايات المتحدة).