شهد قصر الرئاسة اللبنانية، الجمعة 5 سبتمبر/ أيلول 2025 جلسة استثنائية لمجلس الوزراء اللبناني بعد انسحاب وزراء الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) بشكل كامل، بالتزامن مع بدء قائد الجيش العماد رودولف هيكل عرض خطته التنفيذية لحصر السلاح بيد الدولة.
وكشفت مصادر حكومية لـ"عربي بوست" أن وزراء حزب الله ومعهم وزير التنمية الإدارية فادي مكي، وهو وزير شيعي مستقل هددوا قبل مغادرتهم الجلسة بتحركات شعبية في الشارع ضد قرار نزع السلاح وحصره بيد الجيش.
وهذا الانسحاب لم يكن مفاجئًا، ولكنه أضفى على الجلسة، التي ترأسها رئيس الجمهورية جوزيف عون وبحضور رئيس الحكومة نواف سلام أجواءً متوترة، وفتح الباب أمام أزمة حكومية تُضاف إلى سلسلة التعقيدات التي يواجهها لبنان منذ أن قرر مجلس الوزراء في الخامس والسابع من آب/أغسطس الماضي، المضي في مسار "حصر السلاح بيد الدولة".
مواقف حادة من الكتل الشيعية
وحسب مصادر حضرت أطوار الجلسة، فإن نواب الثنائي الشيعي وقبل مغادرتهم هاجموا الحكومة، واعتبروا أن أي قرار حكومي منفرد في ملف حصر السلاح ستُواجه بعوائق دستورية وسياسية وربما تصل إلى أمنية من طرف المكون السياسي الشيعي في البلاد.
وكشف مصدر من حزب الله لـ"عربي بوست" أن الانسحاب من جلسة الحكومة جاء اعتراضاً على مناقشة خطة الجيش لحصر السلاح، علماً أنه كان مطلوبا بدء الجلسة بالبنود الأربعة (بنود خدماتية) التي أدرجت على جدول الأعمال.
وحسب المصدر ذاته، فإن الوزراء الأربعة المنضوين تحت راية الثنائي الشيعي اعترضوا باعتبار أن قرار تكليف الجيش بوضع خطته التطبيقية غير ميثاقية وغير معترف بها من قبلهم، مشددين على أن أي قرار يصدر في الجلسة في ظل غياب وزراء الطائفة الشيعية سيكون غير ميثاقي.
وأشار المصدر أن الانسحاب من الجلسة ليس على وجود قائد الجيش اللبناني، وخاصة في ظل استمرار التنسيق بين الحزب والجيش، لكن يعزو المصدر أن تصرفات الحكومة ورئيسها نواف سلام هي التي تهدد السلم الأهلي والجيش، مؤكداً على أنه لا مناقشة بمصير السلاح، طالما أن إسرائيل مستمرة في احتلال أراضي لبنانية، وأن الاعتداءات الإسرائيلية متواصلة.
وقال وزير التنمية الإدارية فادي مكي، الذي لعب دور الوسيط في مراحل سابقة، توجّه إلى رئيس الجمهورية بالقول: "أضع استقالتي في عهدتك إذا كان الوضع يسير نحو اللاتوافق"، معتبرا أ خطة نزع السلاح غير واقعية في ظل استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب اللبناني، من جهته قال وزير الصحة المنتمي إلى حزب الله ركان ناصر الدين إن طريقة طرح الملف لا تراعي ظروف.
ما هي خطة الجيش لنزع السلاح؟
في ذات السياق، كشفت معلومات حصلت عليها "عربي بوست" من مصدر عسكري لبناني، أن خطة الجيش لا تقتصر على مبادئ عامة، بل تنقسم إلى خمس مراحل متتالية وهي:
- المرحلة الأولى تمتد على ثلاثة أشهر، وتركز على منطقة الجنوب تحديدًا ما بعد نهر الليطاني، حيث يسعى الجيش إلى تأكيد حصرية السلاح هناك ومنع أي نقل أو استخدام له في مناطق أخرى.
- المرحلة الثانية والثالثة تشملان توسيع الرقابة لتشمل كامل الأراضي اللبنانية
- فيما تتناول المراحل اللاحقة ضبط الحدود اللبنانية – السورية، وإنهاء ملف السلاح داخل المخيمات الفلسطينية عبر متابعة مسار التسليم الذي بدأ في مراحل سابقة، وخاصة لدى فصائل حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية والفصائل الجهادية في مخيم عين الحلوة.
كما نصت الخطة على أن يقوم قائد الجيش العماد رودولف هيكل بتقديم تقرير شهري إلى الحكومة لعرض مستوى التقدم، ما يعني أن العملية ستتم بإشراف مباشر ومستمر من الحكومة الذي لا يزال يشارك بها حزب الله وحركة أمل حتى اللحظة.
وتشمل الخطة تفاصيل دقيقة لما يحتاجه الجيش من دعم لوجستي ومادي وبشري يتيح له تنفيذ مهامه بفاعلية، مع الإشارة إلى التحديات التي تعترضه في هذا المجال. كما تضع الخطة شرط أساسي يتمثل في إلزام إسرائيل بوقف اعتداءاتها وانسحابها من النقاط التي لا تزال تحتلها، بما يمكّن الجيش اللبناني من استكمال انتشاره جنوبًا وفقًا للمهام الموكلة إليه".
وفي ذات السياق كشفت مصادر حكومية حضرت الجلسة أن هذه الأخيرة لم تخرج بقرارات نهائية، بانتظار تقارير قائد الجيش الشهرية التي ستحدد إمكانية المضي قدمًا في تنفيذ قرار حصر السلاح بيد الجيش.
ومع مراقبة المجتمع الدولي، خصوصاً الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية، لهذا المسار عن كثب، تبدو الحكومة اللبنانية في سباق مع الوقت لإثبات أنها قادرة على إدارة ملف السلاح، ولو وسط الانقسامات الداخلية.
ماذا بعد انسحاب الوزراء من الجلسة؟
يؤكد المصدر الحكومي الرفيع لـ"عربي بوست" أن انسحاب وزراء الثنائي الشيعي يطرح ثلاث سيناريوهات:
- الأول أن تستمر الحكومة في مناقشة وتنفيذ الخطة بالتوازي مع دعم دولي متزايد لمؤسسة الجيش، ما قد يؤدي إلى مزيد من التوتر الداخلي.
- الثاني أن يدخل البلد في مسار تسوية جديدة توازن بين مطلب "حصر السلاح" وهواجس حزب الله والمكون الشيعي، على غرار تسويات سابقة.
- الثالث أن يؤدي الانقسام إلى تعطيل فعلي لعمل الحكومة وربما فتح الباب أمام أزمة دستورية في ظل غياب التوافق، وقد تؤدي لاستقالة الحكومة في مرحلة لاحقة.
ويؤكد المصدر أن ما جرى في جلسة الحكومة ليس مجرد "انسحاب"، بل بداية مواجهة حول موقع الجيش ودوره في المرحلة المقبلة، فبينما يسعى رئيس الجمهورية جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام إلى تأكيد أن قرار حصر السلاح لا رجعة عنه، يراهن حزب الله وحركة أمل على أن الميثاقية والديموغرافيا السياسية ستجبر الدولة على التراجع أو التعديل، وخاصة أن الوزير الشيعي الخامس وهو مستقل انحاز لحزب الله وأمل.
ويشير المصدر أن حزب الله يؤكد في كل اللقاءات مع الوسطاء الداخليين والخارجيين أنه يواجه خطر كبير وهو خطر الوجود الإسرائيلي جنوب لبنان، ووجود نظام جديد "معادي" له شرقاً في إشارة للنظام السوري الجديد، وأن هذا المسار يزيد الهواجس لدى الحزب على مصير "شيعة لبنان".
رأي آخر
في الجهة الأخرى، قال النائب في البرلمان اللبناني إبراهيم منيمنة لـ"عربي بوست" بأن انسحاب وزراء الثنائي الشيعي من جلسة مجلس الوزراء لم يكن صادماً، بل أحد السيناريوهات المتوقعة منذ لحظة إدراج خطة الجيش على جدول الأعمال.
واعتبر أن النائب البرلماني ضمن المكون السني أن ما جرى "مؤسف ومخيّب للآمال"، لأن لبنان كان أمام فرصة لمناقشة موضوع حصر السلاح بشكل مسؤول وبما يخدم المصلحة الوطنية العليا.
وأوضح منيمنة أنّ نزع السلاح ليس جديدًا، بل هو ثابت منذ اتفاق وقف إطلاق النار وخطاب القسم والبيان الوزاري الذي أقرته القوى السياسية بما فيها حزب الله نفسه، وعليه فإن التراجع عن مناقشته بحجة الاعتداءات الإسرائيلية أو الظروف الإقليمية لا يُقنع اللبنانيين، الذين أجمعوا على أن حصر السلاح بيد الدولة هو شرط أساسي لاستعادة الاستقرار وإعادة بناء الثقة بالمؤسسات.
ويشير منيمنة إلى أنّ إسرائيل لم تلتزم بتعهداتها، لكن هذا الواقع لا يُبرّر تعطيل مؤسسات الدولة، فالخروقات والضغوطات الخارجية والتحديات الأمنية والاقتصادية يجب أن تكون دافعًا لتعزيز موقف الدولة وتوحيد القرار، لا للهروب من النقاش.
وقال إن الانسحاب لا يلغي جوهر النقاش الذي سيبقى قائماً، لأن مجلس الوزراء رغم الانقسام، هو الإطار الطبيعي لمقاربة الملفات الكبرى، لأن أي نقاش خارج المؤسسات لن يفضي إلا إلى مزيد من الأزمات.