يقصي آلاف الطلاب ويفرض رسوماً على الموظفين.. خلفيات وكواليس قرار مثير للجدل حول برنامج الماجستير بالمغرب

عربي بوست
تم النشر: 2025/08/25 الساعة 09:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/08/25 الساعة 16:06 بتوقيت غرينتش
جامعة سيدي محمد بن عبد الله في المغرب (مواقع التواصل الاجتماعي)

يشهد الدخول الجامعي في المغرب هذه السنة نقاشًا محتدمًا بعدما أقدمت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار على إحداث تغيير جذري في شروط ولوج سلك الماستر؛ إذ ألغت نظام الامتحانات الكتابية والشفوية الذي كان معمولا به لعقود، واستبدلته بآلية انتقاء مباشر تعتمد فقط على المعدلات المحصَّلة في سلك الإجازة.

خطوةٌ اعتبرتها الوزارة وسيلة لتكريس الشفافية وقطع الطريق أمام مظاهر الفساد التي لطالما لطّخت سمعة الجامعات، لكنها في المقابل فجّرت جدلاً واسعًا بين أساتذة يرون فيها تهميشًا لدورهم الأكاديمي، وطلبة يعتبرونها مدخلاً جديدًا لإعادة إنتاج التفاوتات بدل تجاوزها.

خلفيات القرار

كشف مصدر مطلع بالوزارة أن القرار الصادر في 25 يوليو/تموز 2025 يهدف أساساً إلى سدّ الباب أمام التلاعب بالنتائج في بعض المقابلات الشفوية، التي كانت تعطي صلاحيات واسعة للأساتذة في اختيار طلبة على حساب آخرين.

وأوضح المصدر لـ"عربي بوست"، أن القرار الجديد يهدف قبل كل شيء إلى سدّ باب التلاعب الذي تحوّل داخل عدد من الجامعات إلى ما يشبه "بازاراً للزبونية"، موضحاً أن بعض الأساتذة كانوا يوظفون سلطتهم في اختبار القبول، خاصة في الشفوية، لترجيح كفة طلبة لهم روابط شخصية أو مصالح متبادلة، بعيداً عن أي معيار أكاديمي.

وأشار المصدر إلى أن هذه المباريات كانت في حالات كثيرة أداة لتكريس المحسوبية، حيث يضمن طلبة "مدعومون" ولوج سلك الماجستير بسهولة، بينما يُقصى آخرون رغم تفوقهم الدراسي، معبتراً أن ما جرى في السنوات الماضية شكّل ضرباً لمبدأ تكافؤ الفرص، بل أساء لصورة الجامعة المغربية نفسها، وهو ما دفع الوزارة إلى اعتماد نظام الانتقاء وحده كآلية وحيدة للقبول.

وأوضح المصدر أن من غير المقبول مساواة طلبة مجدين حصلوا على نتائج متميزة مع آخرين بأرقام متدنية، مشيراً إلى أن اعتماد المقابلة الشفوية كان يفتح الباب أمام بعض الأساتذة للتلاعب بنتائج المباريات، آخر مثال على ذلك كان اعتقال أستاذ جامعي بكلية الحقوق في جامعة ابن زهر بأكادير بتهمة بيع شهادات الماجستير.

وأكد المصدر أن النظام الجديد يضمن العدالة بين الطلبة، ويكافئ الجهد والمثابرة، ويغلق الباب أمام الاتجار في هذه الشهادات، مضيفاً أن وزارة التعليم العالي سبق أن ألغت الامتحان الشفوي في الولاية الحكومية السابقة واكتفت بالامتحان الكتابي، غير أن عدداً من الجامعات سرعان ما تجاوزت هذا القرار، وأن هذا القرار جاء استجابة لمطالب واسعة من الطلبة والأساتذة الذين ينادون منذ سنوات بضرورة إرساء الشفافية في ولوج سلك الماجستير

وخلال السنوات السابقة كان على الطلاب الراغبين في الانضمام لبرامج الماجستير في المغرب، المرور بثلاث مراحل أساسية، تشمل عملية فرز أولي للمرشحين بناء على معدلاتهم الأكاديمية خلال سنوات الدراسة بسلك الإجازة البكالوريوس(. بعدها، يخضع من اجتازوا هذا الفرز لامتحان كتابي. وأخيرا، تتم مقابلة المرشحين المؤهلين من قبل لجنة من الأساتذة الجامعيين.

وتتميز هذه العملية بكونها تتيح الفرصة لعدد أكبر من الطلاب للتنافس على مقاعد الماجستير، فعلى سبيل المثال، إذا كان عدد المقاعد المتاحة هو 30 مقعدا فقط، فإن عدد المتبارين الذين يتم اختيارهم لإجراء المقابلة الشفوية قد يصل إلى 300 طالب، بحيث تكون المنافسة أوسع، مما يزيد من فرص اختيار الأفضل والأكثر كفاءة من بين جميع المتقدمين.

لكن القرار الجديد لوزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار اكتفى بشرط وحيد، هو عدد الميزات المحصل عليها في سلك الإجازة )البكالوريوس(، وهو ما يعني اقصاء آلاف الطلبة من المنافسة بشكل تلقائي.

 ويبلغ عدد برامج الماجستير في الجامعات العمومية بالمغرب حوالي 1000 برنامج، بحسب تصريح سابق لوزير التعليم العالي والابتكار في مجلس النواب، ورغم غياب الأرقام الرسمية بخصوص عدد الطلبة الذين يتابعون دراستهم بالماجستير.

إلا أنه بعملية حسابية بسيطة يتبين أن عددهم يفوق 30 ألفا، إذا اعتبرنا أن معدل الطلبة الذين يدرسون بكل مسلك من مسالك الماجستير هو 30 طالباً، ما يعني أن مليون طالب من مجموع الطلبة المغاربة البالغ مليون و30 ألف لن تتاح لهم فرصة المنافسة على ولوج هذا السلك، الذي يسمح للحاصلين عليه بشغل مناصب عليا في الإدارة المغربية والقطاع الخاص.

 معارضة شديدة للقرار

وقد خلف هذا القرار جدلا واسعا في صفوف الأوساط الأكاديمية والطلابية، حيث يرى العديد من الأساتذة والطلبة أن التغييرات الجديدة في شروط الالتحاق ببرامج الماجستير قد تضحي بمعيار الكفاءة لصالح معيار وحيد هو التقديرات التي حصل عليها الطلاب خلال سنوات الدراسة بسلك الإجازة.

 ويبدو أن هذا الرفض نابع من اعتقاد راسخ بأن النظام القديم، على الرغم من سلبياته، كان يضمن درجة أكبر من العدالة والشفافية في عملية الانتقاء، إذ كان يعتمد على تقييم شامل للمترشحين من خلال مراحل متعددة، بدءًا من الانتقاء الأولي، مرورا بامتحان كتابي، وصولا إلى المقابلة الشفوية، مما كان يتيح فرصة لعدد أكبر من الطلاب للتنافس.

 في هذا السياق، اعتبر عبد الإله طلوع، أستاذ باحث، في تصريح لـ"عربي بوست" أن القرار "غير منصف"، لأنه يحصر الكفاءة في معدل عددي، في حين أن النقط، على حد قوله، لم تكن يوماً معياراً شاملاً لقدرات الطلبة. وأضاف أن تجربة المباريات أثبتت وجود طلبة بمؤهلات فكرية وبحثية عالية لا تعكسها معدلاتهم، معتبراً أن الاقتصار على النقط يكرّس الحيف ويقوّض مبدأ تكافؤ الفرص.

وشدد طلوع على ضرورة اعتماد نظام متوازن يجمع بين النقط والمقابلة والمباراة الكتابية، بما يتيح اختبار قدرات الطالب في البحث والتحليل، بدل تحويل الانتقاء إلى عملية "ميكانيكية جافة".

من جهته، اعتبر أمين السعيد، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، أن الإصلاح الجديد "يحمل إيجابيات كبيرة، لكنه لا يخلو من سلبيات"، مشيراً إلى أن الممارسة العملية في السنوات المقبلة ستكشف بوضوح موازين هذه الإيجابيات والسلبيات.

في المقابل، احتفى رشيد المدور، أستاذ القانون العام بجامعة الحسن الثاني بالمحمدية، بالقرار، وكتب في منشور على فيسبوك: "ابتداءً من الموسم الجامعي المقبل، الولوج إلى سلك الماجستير صار أسهل وأوضح، فقط بناء على الانتقاء وملف الترشيح حسب معايير المسلك". وأضاف أن الحاصلين على إجازة التميز "سينتقلون مباشرة وبدون عناء إلى سلك الماجستير".

قرار لا يعالج المشكل

وإذا كان عدد من الأساتذة والطلاب قد احتفوا بقرار وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، فإن مصطفى العلوي، رئيس منظمة التجديد الطلابي، اعتبر في تصريح لـ"عربي بوست" أن قرار وزير التعليم العالي المتعلق بشروط ولوج سلك الماجستير يهدف في ظاهره إلى محاربة الزبونية والمحسوبية التي تفجرت بسبب فضائح عرفتها بعض الجامعات المغربية، لكنه لن يحل المشكل.

وأوضح أن معايير التنقيط تختلف بين الجامعات، ما يجعل الاقتصار على النقط غير عادل، مضيفاً أن معالجة الخلل تستدعي أولاً مواجهة آفة الغش في الامتحانات، والحد من السلطة التقديرية للأساتذة في منح النقط، إضافة إلى إخفاء بيانات الطلبة خلال التصحيح لضمان النزاهة.

ومنذ سنوات، بدأت بعض الجامعات المغربية بفرض رسوم على الطلبة الموظفين والأجراء مقابل تمكينهم من الدراسة في الفترة المسائية. هذا الإجراء أثار جدلاً واسعاً، حيث اعتبره كثيرون غير دستوري ويقوض مبدأ مجانية التعليم.

قرار وزير التعليم العالي الأخير، الذي نص على إمكانية اعتماد الجامعات لصيغ بيداغوجية (فن التعليم وطرق التدريس) تراعي خصوصية فئات مثل الطلبة في وضعية إعاقة أو الموظفين، اعتُبر من طرف منتقدين فتحاً لباب تعميم تجربة الرسوم، التي سبق أن انطلقت في جامعات الرباط ومراكش.

في هذا السياق، أكد العلوي أن منظمة التجديد الطلابي عارضت منذ البداية قرار فرض الرسوم بجامعة محمد الخامس قبل حوالي عشر سنوات، معتبراً أنه يتناقض مع مبدأ مجانية التعليم الذي طالما دافعت عنه المنظمة.

موقف الوزارة والحسم القضائي

في المقابل، دافع مصدر من وزارة التعليم العالي عن القرار، مؤكداً في حديثه مع "عربي بوست" أن فرض رسوم على الموظفين لا يمس بمبدأ المساواة، لكونهم يستفيدون من خدمات إضافية، أبرزها ملاءمة أوقات الدراسة مع التزاماتهم المهنية. وأوضح أن جزءاً من الرسوم يخصص لتعويضات الأساتذة الذين يدرّسون خارج أوقات عملهم الرسمية، فيما يوزَّع الباقي بين الجامعة والكليات.

وأضاف المصدر أن هذا النظام أتاح للمئات من الموظفين استكمال دراستهم بشكل طبيعي، خاصة في ظل إلزامية الحضور المعمول بها في العديد من المسالك الجامعية، والتي قد تؤدي إلى التشطيب على الطلبة في حال الإخلال بها.

وأشار المصدر إلى أن محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط سبق أن حسمت الجدل، إذ قضت بأن واجبات التسجيل التي فرضتها جامعة محمد الخامس "لا علاقة لها بالتكاليف العامة المنصوص عليها في الفصل 71 من الدستور"، بل تستند إلى المادتين 12 و18 من القانون المتعلق بالتعليم العالي.

وأكد الحكم أن الهدف من هذه الرسوم هو توفير خدمة إضافية لا تدخل ضمن السير العادي للمؤسسات الجامعية، وذلك عبر تكييف أوقات التكوين مع ظروف الطلبة الموظفين، بما يمكّنهم من متابعة دراستهم في أحسن الشروط.

تحميل المزيد