تصعيد غير مسبوق بين أستراليا وإسرائيل.. كيف حولت الحرب كانبرا من داعم لتل أبيب إلى خصم علني؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/08/21 الساعة 14:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/08/21 الساعة 14:15 بتوقيت غرينتش
عشرات الآلاف يتظاهرون عبر جسر ميناء سيدني في أستراليا مطالبين بإيصال المساعدات إلى غزة في ظل تفاقم الأزمة الإنسانية هناك ووقف الحرب - رويترز

تواجه دولة الاحتلال الإسرائيلي ضغوطاً دولية وحالة غضب شعبي عالمي غير مسبوقين بسبب حرب الإبادة الجماعية التي تشنها على قطاع غزة منذ نحو عامين، وأسفرت عن استشهاد أكثر من 60 ألف فلسطيني وإصابة وفقدان عشرات آلاف أخرين معظمهم نساء وأطفال، حيث لم تفلح كل التحركات الدولية والمناشدات بوقف آلة القتل الإسرائيلية عند حدها، لكن حالة انقلاب مواقف الكثير من حلفاء إسرائيل وتحولهم إلى خصوم أصبحت تتزايد، فبعد إسبانيا والنرويج وغيرها من الدول الأوروبية، وصلت الخلافات بين أستراليا ودولة الاحتلال إلى ذروتها.

على مدى عقود طويلة، مثّلت العلاقة بين أستراليا وإسرائيل إحدى أكثر الشراكات ثباتاً في العالم الغربي، فقد اعترفت كانبيرا مبكراً بإسرائيل ووفرت لها غطاءً سياسياً في المحافل الدولية. لكن هذه الصورة تغيّرت بشكل متسارع بعد الحرب على غزة في أكتوبر 2023، وصولاً إلى صيف 2025 حين تحولت الخلافات الدبلوماسية إلى مواجهة علنية بين رئيس الوزراء الأسترالي أنطوني ألبانيز ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية- حيث شنّ الأخير هجوماً شخصياً غير معتاد على نظيره الأسترالي ووصفه بـ"الضعيف" و"الخائن لإسرائيل"، فيما ردّت كانبيرا بإجراءات عقابية غير مسبوقة، في مشهد يعكس انعطافة كبرى في علاقةٍ كانت توصف يوماً بأنها "وطيدة واستراتيجية" بين أستراليا ودولة الاحتلال.

نتنياهو يصعد هجومه على ألبانيز.. ما الذي يحصل بين أستراليا وإسرائيل؟

  • وصل التوتر في العلاقات الدبلوماسية بين أستراليا وإسرائيل إلى ذروته، منذ أن أعلنت حكومة حزب العمال اليسارية الوسطية بزعامة أنتوني ألبانيز الأسبوع الماضي أنها ستعترف بشروط بدولة فلسطينية، بعد خطوات مماثلة من جانب فرنسا وبريطانيا وكندا.
  • دفع هذا القرار نتنياهو إلى شن هجوم شخصي على ألبانيز، وكرر إدانته في مقابلة بثتها على قناة سكاي نيوز أستراليا. حيث قال إن "السجل السياسي لألبانيز تضرر إلى الأبد". وذلك بعد أن وصف نتنياهو ألبانيز قبل أيام بأنه "سياسي ضعيف خان إسرائيل وتخلى عن يهود أستراليا"، على حد تعبيره.
  • وأضاف نتنياهو للقناة الأسترالية: "أعتقد أن سجله (ألبانيز) سوف يكون ملطخًا إلى الأبد بسبب الضعف الذي أظهره في مواجهة وحوش حماس الإرهابية". وقال نتنياهو إن ألبانيز "يصب الزيت على نار معاداة السامية".
رئيس الوزراء الأسترالي أنطوني ألبانيز – رويترز

"القوة لا تُقاس بعدد الأشخاص الذين يُمكنكم تفجيرهم وقتلهم"

  • من جهتها، شنت أستراليا الأربعاء هجوماً على نتنياهو بسبب اتهامه رئيس وزرائها أنتوني ألبانيز بـ"الضعف وخيانة إسرائيل". وقال وزير الداخلية الأسترالي توني بيرك لشبكة "إيه بي سي" التلفزيونية إن "القوة لا تُقاس بعدد الأشخاص الذين يُمكنكم تفجيرهم أو بعدد الأطفال الذين يُمكنكم تركهم يتضوّرون جوعا"، في إشارة إلى المجازر والتجويع الذي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة. وأضاف بيرك أن "القوة الحقيقية هي ما فعله ألبانيز، عندما اتخذ قراراً يعلم أن إسرائيل لن تحبه، لكنه واجه نتنياهو مباشرة وأبلغه بموقف أستراليا".
  • وقلل ألبانيز من أهمية تصريحات نتنياهو، قائلاً إنه "لا يأخذ هذه الأمور على المستوى الشخصي" وأنه "يعامل زعماء الدول الأخرى باحترام". وفي الأسبوع الماضي، قال ألبانيز إن رئيس الوزراء الإسرائيلي "ينكر" الوضع الإنساني في غزة، حيث حذرت الأمم المتحدة من خطر المجاعة على نطاق واسع، وتتزايد الضغوط الدولية على إسرائيل للسماح بدخول المساعدات غير المقيدة إلى القطاع.
  • سبق التراشق المتبادل بين حكومة ألبانيز وحكومة نتنياهو، إلغاء أستراليا الأسبوع الماضي تأشيرة سيمحا روثمان، النائب اليميني المتطرف المنتمي لحزب الصهيونية الدينية الذي يتزعمه وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، مشيرة إلى أنها اتخذت هذا القرار خشية أن يثير بتصريحاته انقسامات في المجتمع الأسترالي إذا ما زار أراضيها. لترد إسرائيل في اليوم التالي بإلغاء تأشيرات الدبلوماسيين الأستراليين لدى السلطة الفلسطينية، وهو ما أدانته كانبرا بشدة.
  • وكان من المقرر أن يتحدّث سيمحا روثمان، الذي يشكّل حزبه "الصهيونية الدينية" جزءاً من ائتلاف نتنياهو الحاكم، خلال فعاليات تنظمها "الجمعية اليهودية الأسترالية". لكن وزير الداخلية الأسترالي توني بورك، أكد أن بلاده لن تقبل بقدوم أشخاص إلى البلاد لزرع "الفرقة". وقال: "إذا كنت قادماً إلى أستراليا لنشر رسالة الكراهية والفرقة، فلا نريدك هنا"
  • في الوقت نفسه، حذر "المجلس التنفيذي لليهود الأستراليين" من تبعات التصعيد المتبادل بين إسرائيل وأستراليا، وحث المجلس في رسائل منفصلة أرسلها يوم الأربعاء إلى الزعيمين على مناقشة الخلافات من خلال الدبلوماسية بدلاً من المواقف العامة. وجاء في الرسائل: "نكتب للتعبير عن انزعاجنا وقلقنا العميق إزاء "حرب الكلمات" الأخيرة". وأضاف: "إذا كان من الضروري قول أشياء علنًا، فيجب قولها باستخدام لغة مدروسة وسليمة تليق بالقادة الوطنيين. أستراليا وإسرائيل ديمقراطيتان ناضجتان، وعلى حكومتيهما التصرف وفقًا لذلك، كما قال المجلس".

تاريخياً.. كيف كانت العلاقة بين إسرائيل وأستراليا؟

  • تعود بدايات الارتباط التاريخي إلى الحرب العالمية الأولى، حين شاركت وحدات من الجيش الأسترالي، بينها "فرسان الخيالة الأستراليون"، في معارك سيناء وفلسطين ضمن الانتداب البريطاني الذي مهد الطريق للعصابات الصهيونية في احتلال فلسطين.
  • كانت أستراليا من أول دولة تمنح اعترافها الرسمي بإسرائيل عام 1949، ولعب الدبلوماسي الأسترالي هيربرت فير إيفات دوراً بارزاً في صياغة قرار الأمم المتحدة المتعلقة بتقسيم فلسطين عام 1947. ومنذ ذلك التاريخ، ظلّت الحكومات الأسترالية المتعاقبة – خصوصاً الليبرالية المحافظة – منحازة لإسرائيل بقوة في مواقفها السياسية والأمنية ضد العرب والفلسطينيين.
  • وفي خمسينيات القرن الماضي فتحت مدينة ملبورن الواقعة في جنوب شرق أستراليا ذراعيها أمام اليهود الفارين من ويلات المحرقة، مما جعلها بالنسبة لإجمالي عدد سكّانها موطن أكبر عدد من الناجين من الهولوكوست بعد إسرائيل. 
  • منذ حرب 1967 حتى الثمانينيات، تراوحت المواقف الأسترالية بين الدعم المباشر لإسرائيل ومحاولة تبني سياسة "متوازنة" مع العالم العربي. فقد أيدت حكومات ليبرالية متعاقبة "حق إسرائيل في الوجود ضمن حدود آمنة"، فيما أبدت حكومات عمالية استعداداً للتقارب مع الدول العربية بعد حرب أكتوبر 1973. في الثمانينيات، برز موقف قوي ضد قرار الأمم المتحدة الذي ساوى "الصهيونية بالعنصرية"، حيث رفضته أستراليا ودعمت إلغاؤه عام 1991.
  • وخلال الحروب القريبة مثل حرب لبنان 2006، دعمت أستراليا حق إسرائيل في "الدفاع عن نفسها"، وظلّ التعاون الأمني والتجاري قائماً بوتيرة متصاعدة، إلى أن زار نتنياهو كانبيرا عام 2017 في أول زيارة لرئيس وزراء إسرائيلي وهو في منصبه، وسط أجواء ودّية عكست متانة العلاقة آنذاك.
  • بدأت التحوّلات الواضحة في موقف أستراليا، مع حكومة المحافظ سكوت موريسون عام 2018 حين اعترفت أستراليا بـ"القدس الغربية" عاصمة لإسرائيل، وإن أبقت سفارتها في تل أبيب. لكن حكومة حزب العمال برئاسة أنطوني ألبانيزي سرعان ما تراجعت عن هذا الاعتراف عام 2022، لتعيد ملف القدس إلى قضايا الحل النهائي.
  • في أغسطس/آب 2023، تبنّت كانبيرا توصيف "الأراضي الفلسطينية المحتلة" وأكدت أن المستوطنات الإسرائيلية "غير قانونية"، ثم صوّتت في الأمم المتحدة لصالح وقف فوري ودائم لإطلاق النار في غزة أواخر 2024، في خروج واضح عن سياسة "الامتناع" التي اتبعتها الحكومات السابقة، وهو ما أغضب حكومة نتنياهو.
  • الأزمة انفجرت على نحو غير مسبوق في منتصف أغسطس/آب 2025 حين أعلنت حكومة ألبانيزي عزمها الاعتراف بدولة فلسطين في اجتماعات الأمم المتحدة المقبلة. القرار سبقه فرض عقوبات على مستوطنين متورطين بأعمال عنف، بل وعلى وزيريْن إسرائيليين متطرفين هما إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. ولقيت سياسات ألبانيز دعماً من جناح واسع داخل حزب العمال وجماعات حقوقية، فيما اتهمته المعارضة المحافظة بتقويض العلاقات الخارجية التقليدية لأستراليا. أما في إسرائيل، فاعتُبرت خطوات كانبيرا "مكافأة للتطرف وتشجيعاً لحماس"، وهو ما دفع نتنياهو لتصعيد لهجته ضد ألبانيز.

ماذا عن التعاون الاقتصادي والعسكري بين أستراليا وإسرائيل؟

  • تطورت العلاقات التجارية بشكل ملحوظ منذ الثمانينيات، إذ ارتفع حجم التبادل السلعي والخدماتي بين إسرائيل وأستراليا ليبلغ أكثر من 1.3 مليار دولار أسترالي عام 2023. وتشير بيانات وزارة الخارجية الأسترالية إلى أن صادرات أستراليا إلى إسرائيل شملت المعادن واللحوم والحبوب، بينما تركزت وارداتها من إسرائيل في التقنيات الطبية، البرمجيات، والمعدات الدفاعية المتقدمة.
  • ووفقًا لوزارة الخارجية والتجارة الأسترالية (DFAT) بلغت قيمة صادرات أستراليا إلى إسرائيل 419 مليون دولار أسترالي، بينما كانت وارداتها من إسرائيل 983 مليون دولار أسترالي.
  • واستثمرت أستراليا في إسرائيل ما يزيد عن 1.7 مليار دولار أسترالي، واستثمرت إسرائيل في أستراليا أكثر من 5.5 مليار دولار أسترالي، مع التركيز الأكبر على قطاع الابتكار.
  • كما برز التعاون الأمني والعسكري بشكل خاص في مجال تكنولوجيا الدفاع والسايبر، حيث استفادت أستراليا من الخبرة الإسرائيلية في مجالات الطائرات المسيّرة، الأنظمة الدفاعية، والمراقبة الإلكترونية. 
  • ورغم أن كانبيرا أكدت في 2023 أنها لا تزود إسرائيل بالسلاح منذ اندلاع الحرب على غزة، إلا أن تقارير عدة أشارت إلى استمرار تبادل الخبرات العسكرية والأمنية عبر القطاع الخاص والبحث العلمي. لكن الحكومة واجهت انتقادات لعدم شفافيتها بشأن ما يشمله كل تصريح. كما دافعت عن توريد أستراليا لقطع غيار لطائرات إف-35 المقاتلة، وقد استخدمت إسرائيل طائرات إف-35 في حرب الإبادة التي تشنها على غزة.
  • وفي نوفمبر 2024، أعلنت أستراليا أنها أنهت 16 تصريحاُ لتصدير الأسلحة الدفاعية إلى إسرائيل وسط مراجعة من وزارة الدفاع لـ 66 تصريح تصدير "ساري المفعول" آخر إلى إسرائيل، وذلك بعد أن أعلنت الحكومة البريطانية عن إعادة تقييم تراخيص أسلحتها لإسرائيل في سبتمبر/أيلول من العام نفسه. وصرح حينها مسؤولون بأن أستراليا أصدرت حوالي 247 تصريحًا متعلقًا بإسرائيل منذ عام 2019، لكنها خفّضت عدد التصاريح السارية إلى 65 تصريحًا.
تحميل المزيد