أسعار “مدن” الإماراتية في رأس الحكمة تشعل سوق العقارات في الساحل الشمالي.. ومخاوف من ركود في عملية الشراء مع ارتفاع الأسعار

عربي بوست
تم النشر: 2025/08/06 الساعة 11:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/08/06 الساعة 11:11 بتوقيت غرينتش
شكل متخيل لمدينة رأس الحكمة في الساحل الشمالي - مرسى مطروح / (خريطة مشروعات مصر)

أحدث إعلان شركة "مدن القابضة" الإماراتية عن أسعار الوحدات السكنية في أول مشروعاتها بمنطقة "رأس الحكمة" على الساحل الشمالي الغربي في مصر حالة من الارتباك في سوق العقارات على طول المناطق الساحلية على البحر المتوسط، بعد أن بلغ لأول مرة أسعار الفيلات أكثر من 320 مليون جنيه مصري.

هذه الأسعار اعتبرها خبراء التطوير العقاري ضربة للسوق ولا تخدمه مع الارتفاع المتوقع في أسعار الوحدات القريبة من المشروع الجديد وفي ظل تراجع القدرة الشرائية التي انعكست على معدلات الشراء في صيف هذا العام، واعتبر هؤلاء من ناحية أخرى أن الحكومة المصرية "فرطت" في منطقة استراتيجية ستدر عوائد هائلة في المستقبل.

تفاوت الأسعار يكرس للطبقية والعنصرية 

وقال خبير تطوير عقاري يعمل في مناطق الساحل الشمالي، إن أسعار الوحدات الجديدة كانت مفاجأة بالنسبة للمطورين العقاريين وكذلك لمن لديهم الرغبة في امتلاك وحدات في مدينة رأس الحكمة، وبرهنت على أنها غير موجهة للمصريين بالأساس، وفي حال كان هناك معايير تمنع تملك المصريين فإنه كان ممكن اتخاذ القرار بخاصة وأن هناك ما يشبه كشوف الهيئة للتعرف على هوية الملاك وهو أمر يحدث أيضا في بعض المناطق والقرى الأخرى على الساحل الشمالي الغربي.

وأضاف الخبير الذي فضل عدم التصريح باسمه بسبب طبيعة عمله، أن أسعار الساحل الشمالي تبدأ من 3 مليون للوحدة في مناطق بالكيلو 70 أو ما يعرف في مصر باسم "الساحل الطيب" وتصل إلى 330 مليون جنيه للفيلات الكبيرة في رأس الحكمة، وهو ما يشير إلى تفاوت كبير يكرس للطبقية والعنصرية في تلك المنطقة، مشيرا إلى أن الأسعار في الساحل القديم تتراوح ما بين 3 إلى 5 مليون جنيه وذلك للوحدة التي تضم غرفتين وليس هناك طروحات جديدة باستثناء دخول مشروعين أو ثلاثة جدد هذا العام.

وتابع: "بالانتقال إلى منطقة سيدي عبدالرحمن تتراوح متوسط أسعار الغرفتين ما بين 8 إلى 10 ملايين جنيه بمنطقة الضبعة حيث مشروعات شركة طلعت مصطفى تبدأ أسعار الوحدات من 12 مليون جنيه، وفي رأس الحكمة تصل أسعار الغرفتين إلى 25 مليون جنيه حسب الموقع، وفي منطقة "سيدي حنيش" وهي مخصصة للأثرياء في مصر تصل أسعار الغرفتين إلى 23 مليون جنيه، وكذلك الوضع بالنسبة لمنطقة "ألماظة باي" والتي قد تصل أسعار الغرفتين فيها إلى 30 مليون جنيه".

يستكمل المصدر:  لكن الأسعار التي أعلنت عنها مؤخراً "مدن الإماراتية" سوف تساهم في زيادة اشتعال سوق العقارات في المنطقة نظراً لأن منطقة رأس الحكمة سيكون بها مطار دولي وأكبر مارينا يخوت على مستوى العالم، وسوف تعمل المناطق السياحة القريبة منها على بعد 20 أو 30 كيلو متر التسويق لإمكانية التحرك إلى المطار الدولي في غضون دقائق، ومن المتوقع أن يحدث ما يمكن تسميته بإعادة صياغة لأسعار الوحدات في الساحل الشمالي وإن ما قد يجعل الأسعار لا تأخذ في الارتفاع بمعدلات من المنطقى أن تزيد عن 35% أن هناك حالة تباطؤ في المبيعات هذا الصيف.

وشدد على أن كثير من المشترين كانوا يعولون على أسعار مناسبة في منطقة رأس الحكمة للشراء فيها، لكن الأسعار المعلنة برهنت على أن "مدن الإماراتية" تهدف لمنافسة أسواق سياحية أخرى حول العالم ولا تضع في اعتبارها أسعار السوق في الساحل الشمالي المصري، وأن استهداف العملاء الدوليين يبقى الهدف الرئيسي وليس النظر إلى العملاء المحليين، مع التركيز على رجال الأعمال والأثرياء في دول الخليج العربي.

وقبل أيام، أعلنت شركة "مدن القابضة" الإماراتية رسميًا عن أسعار الوحدات السكنية في مشروعها العقاري الجديد "وادي يم" بمنطقة رأس الحكمة بالساحل الشمالي المصري، أحد أكبر المشروعات العقارية في المنطقة.

تتنوع أسعار الوحدات السكنية في مشروع "وادي يم" برأس الحكمة الذي أطلقت الشركة مبيعاته هذا الشهر. يبلغ متوسط سعر الشقق الفاخرة المكوّنة من غرفة نوم نحو 20 مليون جنيه (407 آلاف دولار)، إلى 324 مليون جنيه (6.6 مليون دولار) وهي تمثل متوسط أسعار الفيلات المكونة من سبعة غرف نوم، وفق ما أعلنت عنه الشركة.

ويعتبر مشروع رأس الحكمة الأضخم من نوعه، حيث يستهدف تطوير مدينة مساحتها 170 مليون متر مربع، أي أكثر من 40 ألفا و600 فدان، ويتضمن المشروع أحياء سكنية لكل المستويات وفنادق عالمية على أعلى مستوى ومنتجعات سياحية ومشروعات ترفيهية عملاقة بالإضافة إلى كل الخدمات العمرانية الموجودة في كل مدينة سواء مدارس وجامعات ومستشفيات ومباني إدارية وخدمية.

صورة لمشروع فيلات الساحل الشمالي من إعمار في الساحل الشمالي بالقرب من رأس الحكمة – الموقع الرسمي للمشروع

ركود في الساحل الجديد "الشرير"

يندرج المشروع ضمن صفقة استثمارية كبرى، أبرمتها مصر مع الإمارات العربية المتحدة في 23 شباط/فبراير 2024، تقضي بتطوير مشروع رأس الحكمة الواقع على سواحل البحر المتوسط، بمقتضاها قامت الإمارات بضخ استثماراً أجنبياً مباشراً لمصر بقيمة 35 مليار دولار بعد شهرين من التوقيع تم سدادها على دفعتين، الأولى بقيمة 15 مليار دولار تشمل 10 مليارات دولار سيولة نقدية و5 مليارات دولار تنازل عن ودائع إماراتية.

والثانية 20 مليار دولار تتوزّع بين 14 مليار دولار سيولة و6 مليارات دولار تنازل عن الودائع، ليصل صافي المدخل الدولاري الجديد إلى 24 مليار دولار. إما ال 11 مليار  دولار من ودائع الإمارات سيتم استخدامهم لسداد جزء من الدين الخارجي لمصر وتعزيز احتياطيات البنك المركزي.

ومن المنتظر أن يصل إجمالي حجم الاستثمارات التراكمية في المشروع إلى 110 مليارات دولار في 2045، سيساهم في رفع الناتج المحلي للاقتصاد المصري بقيمة 25 مليار دولار كل سنة.

وبحسب مطور عقاري آخر في الساحل الشمالي، فأن الأسعار المبالغ فيها للوحدات الفندقية في ما يسمى بالساحل الشرير في مصر وهو يبدأ من مدينة العلمين ووصولا إلى مرسى مطروح، دفع البعض لطرح وحدات جديدة في منطقة الساحل القديم تتماشى مع القوة الشرائية المصرية لطبقة يمكن وصفها بأنها ضمن الأغنياء، وهي تتيح وحدات بأسعار 3 مليون جنيه وتصل إلى 10 مليون في حين أن المناطق الجديدة في رأس الحكمة تصل إلى 25 مليون، وأن هذه الأسعار تجعل قدرات الجزء الأكبر من المطورين المصريين أضحت تتماشى مع المناطق القديمة.

ولفت إلى أن الاستثمارات بمشروع واحد وهو "العمار" في الساحل القديم تصل إلى 40 مليار جنيه وهو مبلغ ضخم، لكن يتم التعويل على أن تكون هذه النوعية من المشروعات هي من تحقق رواجًا حقيقيًا داخل المنطقة، مشيرا إلى أن دلائل الركود في الساحل الجديد أو "الشرير" تتمثل هذا الصيف في تراجع معدلات الإقبال على الإيجارات اليومية بخاصة وأن مناطق ساحلية أخرى في بلدان عربية وأوروبية قد لا تصل إلى أسعارها مع وصول سعر الليلة الواحدة في بعض المناطق إلى 50 ألف جنيه، بينما حافظ الساحل القديم على استقراره النسبي في حجم الطلب.

وذكر أن منطقة رأس الحكمة تقود لارتفاع أسعار الوحدات في إجمالي مناطق الساحل الشمالي بنسبة تصل إلى 15% على أقل تقدير وذلك مقارنة بالأسعار خلال الأشهر الأولى من الصيف وكذلك أسعار العام الماضي، مشيرا إلى أن عدد من الشركات العاملة في الساحل الجديد بدأت بالفعل في مراجعة أسعار الطروحات الجديدة، تحديدا في مناطق سيدي عبد الرحمن والعلمين الجديدة، تماشيا مع الأسعار التي أعلنت عنها مدن الأماراتية، وكذلك اتجاه الحكومة المصرية من ناحية أخرى إلى فرض رسوم انتفاع جديدة تصل إلى 1000 جنيه للمتر في بعض مشروعات الشراكة، وهو ما ينعكس تدريجيًا على أسعار البيع النهائية.

دخول مستثمرين عرب وانسحاب عدد من الشركات المصرية 

وبحسب المصدر ذاته فإن توسع دخول مستثمرين عرب سيكون على حساب انسحاب عدد من الشركات المصرية العاملة منذ سنوات في منطقة الساحل الشمالي، كما أن التضييق الذي تمارسه الحكومة على الشركات المصرية التي تبيع بالدولار قد لا يحدث بالنسبة للشركات العربية التي تبيع غالبية وحداتها بالدولار مع وجود عملاء من دول الخليج إلى جانب بعض المصريين في الخارج، متوقعا أن تشهد الأسعار زيادة أخرى خلال شهر أغسطس الجاري مع انتظار إعلان شركة "سكاي أبوظبي" أيضا عن مشروعاتها في عدد من مناطق الساحل بالقرب من رأس الحكمة.

ويمثل مشروع رأس الحكمة شراكة بين مصر والإمارات، حيث سيمثل الجانب المصري في المشروع في "هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، باعتبارها الجهة المعنية بتنمية المجتمعات العمرانية، بينما سيكون الجانب الإماراتي مُمثلًا في "شركة أبوظبي التنموية القابضة"، ويضم المشروع عدد من الشركات المشاركة وهي "إى أند مصر، أوراسكوم للإنشاءات، السويدى إليكتريك، كاندى إنترناشيونال، مونتاج إنترناشيونال، أكور – ينيسمور، فالديرما، برجيل ومطارات أبوظبى".

ويُعد مشروع "مدن رأس الحكمة" أحد أكبر المشاريع الإماراتية في السوق المصرية، إذ يقدم مجتمعًا سكنيًا متكاملًا يضم فنادق عالمية، ومرافق ترفيهية وخدمية حديثة، بالإضافة إلى مطار دولي، ومحطات قطارات، ومارينا لليخوت، وملعب غولف، وهو يقع بالتحديد على بعد 350 كيلومترًا شمال غرب القاهرة، كما أنها تتبع محافظة مطروح، وتبدأ منطقة "رأس الحكمة" من الكيلو 170 وصولًا إلى الكيلو 220 على طريق الإسكندرية مطروح.

ويشير أحد أساتذة التخطيط العمراني في جامعة القاهرة، تحدث شريطة عدم ذكر اسمه، إن التأثير الواضح الذي أحدثه أولى مشروعات رأس الحكمة يبرهن على أن الحكومة المصرية لم تتخذ القرار السليم حين قامت ببيع المنطقة إلى دولة الإمارات مع الاكتفاء بالحصول على عوائد تصل إلى 35% إذ من المتوقع أن تحقق المنطقة على المدى البعيد طفرة سياحية وقد تتأثر منطقة الساحل سلبا بالأسعار المربكة الآن لكنها بعد سنوات قليلة قد يختلف الأمر في حال توافد السياح العرب والأجانب على التملك فيها، وقد يصل ذلك إلى مناطق أخرى في الساحل الشمالي، في حين أنه يمكن القول بأن مصر باعت المنطقة الساحرة بحفنة من الدولارات مقارنة بحجمها وقيمتها المستقبلية.

رجال الأعمال وأصحاب الشركات هم من يستفيدون من المشروعات

وذكر أن أهداف "مدن القابضة الإماراتية" إنجاز مشروع يستقطب العرب والأثرياء في المنطقة العربية وكذلك من بعض الدول الأوروبية وهناك مشروعات أخرى مثل مراسى سيدى عبد الرحمن كان هدفها المعلن أيضا جذب الأثرياء إلى الساحل الشمال وهو من المفترض أن يحقق مكاسب سياحية وزيادة عوائد التحصيل الضريبي للحكومة المصرية لكن الواقع يشير إلى أن رجال الأعمال وأصحاب الشركات هم من يحققون الاستفادة الأكبر.

وتابع أن مشروع سيدي عبدالرحمن وهو أحد أجمل المواقع السياحية في مصر على ساحل البحر المتوسط والمقام على مساحة تصل إلى حوالي 5000 فدان انتهى الأمر بها ببناء عقاري متنوع يستخدم شهرين فقط في السنة دون استفادة حقيقية من عوائد السياحة بالنسبة للحكومة المصرية وتسربت أرباحه إلى حيث يبتغى مستثمره وهو لا يعلم أيضا أن حركة السياحة العالمية بمستوياتها المختلفة يسيطر عليها عدد محدود من مصدري السياحة.

ولفت إلى أنه في حال هدف الحكومة الحقيقي من وراء بيع رأس الحكمة هو الاستثمار السياحي الحقيقي فإنه سيكون عليها الاسترشاد بمصدري السياحة وهم يسيطرون على سوق السياحة حول العالم لإخراج مقصد سياحى يمكن تسويقه عالميا بنجاح ومنافس للأسواق الأخرى دون اللجوء لبيع أصول وطنية ذات قيمة استثنائية.

وتقول الحكومة المصرية أنها تسعى إلى تحويل الساحل الشمالي الغربي إلى محور تنموي متعدد الاستخدامات، يستهدف تحقيق معدل نمو اقتصادي سنوي لا يقل عن 12%، وتوطين نحو 5 ملايين نسمة، بالتوازي مع توفير 1.5 مليون فرصة عمل مباشرة، في إطار رؤية تمتد حتى عام 2052، وفق موقع رئاسة الجمهورية.

يمتد مشروع مدينة "رأس الحكمة" على مساحة 170.8 كيلومتر مربع على الساحل الشمالي الغربي لمصر، ويستهدف استيعاب أكثر من مليوني نسمة من خلال أكثر من 310 آلاف وحدة سكنية. ويضم المشروع واجهة بحرية بطول 44 كيلومتراً، إلى جانب مرافق تعليمية على مساحة 4 ملايين متر مربع، ونحو 50 فندقاً.

تحميل المزيد