تحولت الأنظار خلال الأيام الماضية إلى الدور المصري في الحرب المستمرة حالياً على قطاع غزة بعد ما يقرب من عامين على اندلاعها، مع دعوة معارضين في الخارج لاحتجاجات أمام السفارات المصرية للضغط نحو إدخال المساعدات للفلسطينيين في ظل حرب التجويع التي تشنها إسرائيل على المدنيين.
يأتي هذا في وقت لم يكن هناك تجاوب فيه داخلي أو حكومي مع هذا الحراك في ظل قناعة بمحدودية الأوراق التي يمكن أن تكون مؤثرة وفاعلة في المشهد الراهن مع تعامل الدول العربية مع القضية الفلسطينية وفقا لمصالحها والخشية من الدخول في صدامات عسكرية مع إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة في الوقت الراهن.
رغبة أميركية في إعادة هندسة منطقة الشرق الأوسط
وقال مصدر أمني مطلع، إن مطالبة الحكومة المصرية بفتح معبر رفح لإدخال المساعدات "ليس له محل من الإعراب"، لأنه من ناحية تتكدس الشاحنات قرب المعبر وهو مفتوح من الجهة المصرية لكنه يصعب مرورها نحو المنطقة العازلة ومنها إلى المعبر من الناحية الفلسطينية التي يتواجد فيها الاحتلال الإسرائيلي.
كما أنه تم تخريب الطرق التي يمكن من خلالها سير الشاحنات ووصولها إلى المواطنين في مدينة رفح الفلسطينية بل والاحتلال يسيطر بشكل كامل على تلك المنطقة وعمل على تجريفها وحال إدخال المساعدات بدون اتفاق فإنها لن تصل إلى الفلسطينيين، بحسب المصدر.
وأوضح أن إدخال الشاحنات عنوة يعني أنها ستكون في صوب نيران الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما سيكون على القاهرة التعامل معه باعتبار أن ذلك يمسها بشكل مباشر، وسيفتح الباب أمام صدامات عسكرية لا ترغب بها جهات كثيرة في مصر، بما في ذلك المواطنين العاديين – على حد تعبيره – الذين يدركون صعوبة مآلات الحرب في ظل أوضاع اقتصادية صعبة.
كما أن التعامل مع قوافل الإغاثة ورفض وصولها إلى رفح جاء لأن ذلك يضع القاهرة في حرج أيضاً حال جرى التعامل معها عسكرياً من جانب الاحتلال، فضلاً عن أن الولايات المتحدة وإسرائيل لا يعيران أي اهتمامات للانتقادات الدولية التي تطالهما ولم تعد مسألة الاحتجاج السلمي أو المظاهرات سبيلا ناجزا للضغط، بحسب المصدر الأمني المطلع على هذا الملف.
وأشار إلى أن ما يحدث في غزة لا ينفصل عن رغبة أميركية في إعادة هندسة منطقة الشرق الأوسط لصالح إسرائيل، وفي حال وجدت المبررات التي تدفع نحو مزيد من التمدد الإسرائيلي بالاتجاه نحو مصر، فإن الاحتلال ومن خلفه الولايات المتحدة لن يترددا في ذلك.
وأضاف "هناك قناعة مصرية بأن هناك محاولات لتوريط الجيش الوحيد الذي يقف على قدميه في المنطقة لتمرير هذا المشروع التوسعي"، كما أن كثير من المبادرات والمحاولات المصرية التي جرت لتأسيس قوة عربية مشتركة يمكن أن تلعب دوراً في مثل هذا الموقف الراهن باءت بالفشل وجرى الاعتراض عليها من الدول الرئيسية في المنطقة ولن يكون مقبولاً خوض حرب لم تختار القاهرة توقيت انطلاقها ولا تعرف كيف من الممكن أن تكون نهايتها.
هجوم متفهم ولكن
وذهب لتأكيد أن الهجوم الذي تتعرض له الدولة المصرية في الوقت الحالي مفهوم بسبب المآسي الإنسانية في قطاع غزة، لكن التعامل المصري معها يكون من خلال توضيح حقيقة الأمور على الأرض وليس دفن الرؤوس في الرمال، ولعل ما يسهل هذه المهمة أن المواطنين في الداخل يقنعون بأن الدولة يجب أن تحافظ على تماسكها وإن كان هناك رغبة شعبية في استخدام أدوات الضغط السلمية وهو أمر تعمل عليه الجهات التي تتولى إدارة ملف غزة، لكن التركيز يبقى على الأدوات التي يمكن أن تحقق نتائج إيجابية وليست التي يمكن أن توظفها الولايات المتحدة ضد مصر.
وأكد أنه على المستوى الدبلوماسي فهناك شبه انقطاع في العلاقات مع إسرائيل ولا يوجد سفير إسرائيلي في مصر، وكذلك لا يوجد سفير مصري لدى تل أبيب، وهناك تحركات لإفساد مخطط مدينة الخيام المزمع إنشاؤها والتي ستكون بحاجة إلى وسائل دعم لوجستية من مصر، ورغم المغريات التي قدمها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن حل قضية سد النهضة مقابل قبول القاهرة بهذا المقترح فإن ذلك لم يحدث، وفي حال لم تكن تمتلك القاهرة القوة التي تجعلها ترفض مثل هذه المقترحات لكانت اضطرت للتجاوب مع أي خطط أمريكية تم التسويق لها منذ اندلاع الحرب مع غزة.
وخلال الأيام الماضية شهدت بعض العواصم العالمية احتجاجات رمزية ضد إغلاق معبر رفح وتضامناً مع أطفال غزة المجوّعين، كما تشهد عواصم العالم إيقاعاً متسارعاً من الاحتجاجات حملت بعضها رسائل تقول "إن لم تفتح المعابر فلتغلق السفارات"، و"قرع الطناجر الفارغة في غزة يصل صداه إلى العالم" على وقع المجاعة.
وفي خطوة احتجاجية غير مسبوقة، أقدم الناشط المصري أنس حبيب على إغلاق أبواب سفارة بلاده في لاهاي باستخدام أقفال معدنية، وذلك احتجاجاً على استمرار إغلاق معبر رفح من الجانب المصري وتفاقم أزمة الجوع في قطاع غزة المنكوب، وقام الناشط المصري بفتح بث مباشر على وسائل التواصل الاجتماعي، ظهر خلاله وهو يقوم بوضع أقفال رمزية على أبواب السفارة من الخارج، بينما تواجد طاقم السفارة في الداخل.
ووضعت الأقفال على أبواب السفارة المصرية لعدة أيام متتالية، كما هو الحال عند السفارة المصرية في بروكسل، بينما انطلقت حملات تدعو إلى محاصرة السفارة المصرية والأردنية في العالم، بحكم حدودها المشتركة مع إسرائيل وقطاع غزة تحت عنوان "مقفول من عندهم مش من عندنا" في إشارة إلى الرواية المصرية حول إغلاق معبر رفح الحدودي.
وفي العاصمة اللبنانية بيروت، اعتصم عشرات الفلسطينيين واللبنانية أمام السفارة المصرية احتجاجاً على إغلاق معبر رفح، ودعا المنظمون إلى اعتصام مفتوح حتى فتح المعابر ورفع الحصار، وبحسب ناشطين، فقد انتشر أثر هذه الخطوة إلى السفارة الأردنية في لاهاي، ووضع النشطاء أقفالاً مشابهة ضمن حملة التضامن الرمزية.
دخول القاهرة الصراع منفردة لن يكون في صالحها
ويؤكد مصدر مصري بوزارة الخارجية، أن أدوات الضغط المصرية يتم توظيفها في التوقيت المناسب نظراً لكون الاحتلال الإسرائيلي يمضي في سياسة تصعيدية على جبهات متعددة منها الشحن الإعلامي ما يجعل هناك خلطاً للأوراق قد لا يكون في صالح الدولة المصرية، وأن الأسس التي تبنيها مصر في الوقت الحالي تقوم على تعزيز علاقاتها الدبلوماسية مع دول لديها رغبة في إنهاء الحرب الجارية في قطاع غزة وتتبنى مواقف لصالح الفلسطينيين وهو ما حدث من قبل مع فرنسا إذ ساهمت القاهرة في تعزيز موقفها من الاعتراف بإقامة الدولة الفلسطينية.
وأشار إلى أن القاهرة يجب أن تبحث أولا عن ظهير يدعمها قبل أن تفكر في اتخاذ مواقف تصعيدية ضد إسرائيل لأن دخولها الصراع منفردة لن يكون في صالحها، وهو أيضاً أمر يتم تعزيزه بهدف بناء موقف قوي ضد نوايا الاحتلال المستقبلية في غزة، ولعل الانضمام إلى تجمع "بريكس" وتعزيز العلاقات العسكرية مع الصين وروسيا تأتي ضمن تلك الخطوات إلى جانب مجموعة أخرى من التحركات لا يتم الإعلان عنها.
ولفت إلى أن هناك بعض القرارات بحاجة إلى تحصين الجبهة الداخلية أولا وهو أمر ليس بالسهل وبحاجة لمزيد من الوقت بخاصة وأن القاهرة مازالت تمضي في طريق إصلاحي يترتب عليه إتخاذ إجراءات اقتصادية صعبة تقود لتباعد الفجوات بين الطبقات الفقيرة والمتوسطة وبين السلطة القائمة، وأن تغيير هذا الطريق أمر تتردد فيه الحكومة ولم تبذل فيه مجهود يذكر يدعم مسألة بناء الثقة مع القطاع الأوسع من المواطنين في الداخل، وفي كلا الحالات فإنه يصعب التحرك بحرية طالما أن هناك ثغرات في الداخل.
وشدد على أن القاهرة أيضا تتردد في مسألة الإصلاح السياسي وإتاحة الفرصة أمام المعارضين للحراك وتعتقد بأنه يمكن تحريكهم ضدها من خلال تمويلات خارجية في حين أنه لم يتم اتخاذ إجراءات صارمة تمنع من وصول تلك التمويلات وبالتالي فإن عملية تهيئة الجبهة الداخلية أيضا تواجه بعض العثرات التي تجعل هناك تحركات معقدة تهدف لعدم تحقيق أطماع إسرائيل في السيطرة الكاملة على قطاع غزة وازاحة الفلسطينيين إلى شبه جزيرة سيناء وفي الوقت ذاته دون أن يقود ذلك لصدامات عسكرية.
وأكد أن القاهرة تعول على استفادة دول الخليج من الأخطاء التي وقعت فيها في خضم تعاملها مع الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل والتأكد من أن الاحتلال لن يفضي معه صيغ السلام دون مقابل بل إنه سيؤدي إلى مشكلات وسيطالب بمزيد من المكتسبات المزعجة للدول العربية مثل أن يلوح بضرورة القتال نيابة عنه لتحقيق أهداف إسرائيل وفي ظل تبني خرائط توسعية تطال دولا ليس لديها أي عداء مع دولة الاحتلال، وأن إعادة طرح مسألة تشكيل قوة عربية مشتركة في هذا التوقيت وفقا للمتغيرات الحالية يبقى أمرا ضروريا لكنه يتوقف على مدى التوافق العربي.
الضغط الأميركي السبيل الوحيد لإدخال المساعدات وإنهاء الحرب
أكد اللواء خالد مجاور، محافظ شمال سيناء، في تصريحات إعلامية، الجمعة الماضية أن مصر تتعامل مع أزمة غزة بحكمة ومسؤولية، رافضًا أي مزايدة على موقفها التاريخي الثابت تجاه القضية الفلسطينية، مضيفا: "مصر لم تغلق معبر رفح من جانبها كما يروج البعض، بل تدير الأمور وفق معادلات دقيقة تجمع بين العقلانية والشجاعة"، مشيرًا إلى أن الوضع في غزة خطير ويقترب من المجاعة بالفعل، وأضاف أن "الدعوات لاقتحام المعبر بالقوة تعني الدخول في حرب شاملة قد تدمر المنطقة بالكامل".
وأوضح المحافظ أن مصر واجهت ضغوطًا أمريكية لتمرير خطة تهجير الفلسطينيين، مؤكدًا أن الرئيس السيسي رفض هذا الطرح بشكل قاطع، تابع: "مصر قالت لأمريكا لا، في ظل أنه لا يمكن لأحد أن يقول لها لا"، في إشارة إلى ثبات الموقف المصري الرافض لأي حلول تمس حق العودة للفلسطينيين.
ورد على الأصوات التي تطالب مصر بفتح المعبر "بالقوة"، قائلا:"محدش يقول مصر قافلة المعبر وافتحوا المعبر بالعافية، هناك قوانين وأبعاد لأمن الشرق الأوسط، نحن ندير دولة، الموضوع ليس بهذه البساطة والسهولة".
وشدد أن هذا الطرح غير صحيح وغير عقلاني، مضيفا: "هناك اتفاقيات دولية، ونحن ندير أمورنا بمنتهى الشجاعة والتعقل، أنا لن أجر مصر في خطأ يتمناه الجميع لأضيع جمهورية مصر العربية وبالتالي يضيع إقليم الشرق الأوسط وينتهي العالم العربي، الناس المغرضة تفهم ذلك بشكل جيد جدا".
وبحسب مصدر مصري مطلع بالحكومة المصرية فإن أوراق الضغط الحقيقية ليست بيد مصر أو قطر وهما وسيطان بين إسرائيل وحركة حماس بينما الضغط الأميركي هو السبيل الوحيد لإدخال المساعدات وإنهاء الحرب برمتها، مشيرا إلى أن الدوحة كانت تعول على إطلاق سراح الرهينة الأميركية لدى حماس عيدان سكندر، لكي يكون ذلك بادرة حسن نية للامريكان نحو الضغط على إسرائيل لكن ذلك لم يحدث وفقدت حماس ورقة مهمة كانت بيدها، وما سوى ذلك فإنه لا يمكن التعويل عليه.
وأضاف أن مصر اتخذت عدة إجراءات بهدف الضغط الدبلوماسي بينها الانضمام للدعوى القضائية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية لكن في الوقت الحالي لا يوجد أوراق ضغط تذكر ليس لوقف الحرب ولكن من أجل العودة مرة أخرى للمفاوضات، ومن المعروف أنه كلما طالت فترة التفاوض دون استجابة تذكر كلما قلت الخيارات التي يمتلكها الطرف الأضعف.
وأوضح أن الهجوم على مصر بشأن إدخال المساعدات متعمد لخدمة أجندة سياسية معارضة للنظام الحاكم، في حين أنه من المعروف بأن أي دولة عربية لن تتمكن بمفردها من مجابهة الطوفان الأميركي الإسرائيلي سوى عبر التوحد والتكاتف للضغط على إسرائيل نحو وقف الحرب، ولا يكفي اهتمام دولتين أو ثلاثة بالقضية الفلسطينية في حين أن لا يوجد ضغط عربي حقيقي على إدارة الرئيس دونالد ترامب لإنهاء الحرب، وهناك دول عديدة بإمكانها الضغط بورقة المصالح الأميركية لديها.