وثائق وأحكام واتهام بمحاولة اغتيال الرئيس.. هل يمهد قيس سعيد إلى حل النهضة رسمياً؟ 

عربي بوست
تم النشر: 2025/07/20 الساعة 08:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/07/20 الساعة 08:11 بتوقيت غرينتش
الرئيس التونسي قيس سعيد، ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، أرشيفية/ الأناضول

عاد حزب حركة النهضة الإسلامي إلى صدارة المشهد السياسي التونسي، لكن هذه المرة من بوابة الاتهامات والتسريبات. فقد أثارت وثائق زُعم أنها وُجدت في مقر الحزب، وتتضمن "مخططاً لاغتيال الرئيس قيس سعيد"، موجة من التفاعلات السياسية والقضائية، وسط صمت رسمي وترويج واسع من أطراف موالية للسلطة.

تأتي هذه التطورات في ظل تصاعد الضغوط على الحزب منذ قرارات 25 يوليو 2021، التي أطاحت بالبرلمان ورفعت الحصانة عن نوابه. تبعتها موجات اعتقالات ومحاكمات طالت قيادات الصف الأول في الحركة، ضمن مسار وصفته المعارضة بـ"الاستئصالي" الممنهج.

ومع تزايد الإجراءات العقابية بحق النهضة، وتجميد أنشطتها وإغلاق مقراتها، بدأ الحديث يتجدد حول فرضية حلها قانونياً أو عملياً. فهل يمضي الرئيس قيس سعيد في هذا الاتجاه؟ وما المؤشرات التي تعزز هذا الاحتمال؟

وثائق "الاغتيال"

أعاد تسريب وثائق قيل إنها وُجدت بمقر حركة "النهضة"، ويُزعم أنها تحتوي على "مخطط لاغتيال الرئيس قيس سعيد"، الجدل بشأن مصير الحزب الإسلامي الأكبر في تونس. ووفق الصفحات الموالية للسلطة، فإن الوثائق عُثر عليها داخل مكتب راشد الغنوشي.

وقال مصادر خاصة لـ"عربي بوست" إن "مكتب الغنوشي مغلق منذ أكثر من عام ومنذ ذلك الفترة يوجد تحت الحراسة الأمنية، وتم تفتيشه من قبل، لكن هذه الوثائق ظهرت الآن فجأة".

ورغم غياب أي إعلان رسمي من النيابة العمومية أو وزارة الداخلية بشأن فحوى هذه الوثائق أو سلامة إجراءات العثور عليها، إلا أن تداولها الواسع عبر وسائل الإعلام وصفحات التواصل المحسوبة على السلطة أو على حملة 25 يوليو، أضفى عليها طابع "الواقعة المؤسِّسة" لمرحلة جديدة في الصراع السياسي.

وفي ظل غياب الشفافية القضائية، تساءل مراقبون عن توقيت التسريب، الذي تزامن مع موجة أحكام قضائية جديدة طالت قيادات الحزب، ما دفع البعض لاعتبار الوثائق "مادة دعائية" جرى تسريبها بهدف خلق تأييد شعبي أو تمهيد قانوني لحل الحزب. فيما وصفت قيادات النهضة الوثائق بـ"الملفقة"، وشددت على أنها وسيلة لـ"ترهيب المعارضة".

وقال الدكتور محسن السوداني، عضو المكتب التنفيذي للحركة، في تصريح لـ"عربي بوست"، إن الحملة الأخيرة ضد النهضة "تُظهر بوضوح أن هناك إرادة داخل السلطة لتصفية الحزب سياسياً، عبر توظيف الأمن والقضاء والإعلام"، مضيفاً أن الحديث عن مخطط اغتيال دون دليل قضائي هو "استهداف عبثي ومحاولة لصناعة الذريعة".

اللافت أن هذه الوثائق تأتي في سياق سياسي يُهيمن عليه خطاب رسمي متكرر يعتبر النهضة "جزءاً من منظومة الفساد"، و"تهديداً لاستقرار الدولة"، وهو ما دفع بعض المقرّبين من سعيد إلى المطالبة علناً بحل الحزب. بذلك، لم تعد فرضية الحل مجرّد تكهنات، بل تحوّلت إلى احتمال مدعوم بسيناريو تحضيري سياسي وقضائي متصاعد.

أحكام قضائية مشددة تعمّق العزلة السياسية

في موازاة الجدل حول الوثائق، صدرت مؤخرًا أحكام بالسجن تصل إلى 14 سنة جديدة بحق راشد الغنوشي، في ملف يُعرف إعلاميًا بـ"التآمر 2″، ليصل مجموع الأحكام الصادرة بحقه إلى نحو أربعين سنة، تشمل إلى جانب السجن، قرارات بتجميد أمواله ومنعه من السفر.

واعتبر فتحي العيادي، مسؤول العلاقات الخارجية في النهضة، أن هذه الأحكام "تعكس حالة الفزع داخل منظومة الحكم"، خاصة بعد تصاعد المطالب الدولية بالإفراج عن المعتقلين السياسيين في تونس. وأضاف في تصريح لـ"عربي بوست": "السلطة تريد التغطية على عجزها وفشلها في تحقيق وعود 25 يوليو، فتختلق ملفات وهمية لتلهية الرأي العام".

منذ قرارات سعيد في صيف 2021، بدأت سلسلة من الملاحقات القضائية ضد قيادات النهضة، شملت العشرات من النواب والكوادر التنظيمية، وسط اتهامات بـ"التآمر" و"تبييض الأموال" و"التحريض على العنف"، وهي تهم ينفيها الحزب جملة وتفصيلاً.

وأدى تصاعد هذه الأحكام إلى تقويض قدرة الحزب على التحرك السياسي، إذ لم تعد له مكاتب نشطة، وتراجعت أنشطته الميدانية إلى الحد الأدنى، وهو ما يراه البعض تمهيداً عملياً لحله حتى من دون إصدار مرسوم صريح.

منع الأنشطة وتجميد الفعل الحزبي.. نحو الإقصاء الكامل؟

بالإضافة إلى الجانب القضائي، خضعت حركة النهضة خلال العامين الأخيرين إلى إجراءات سياسية متواصلة، من بينها منعها من عقد مؤتمراتها أو اجتماعاتها المركزية، وإغلاق مقرها الرئيسي بتونس العاصمة، ومنع كوادرها من التصريح لوسائل الإعلام في بعض الفترات.

تقول قيادات الحزب إن هذه الخطوات لم تأت بشكل عشوائي، بل تنتمي إلى خطة متكاملة تهدف إلى "تفكيك الحزب من الداخل"، عبر الضغط على قواعده ومنع تحركاته التنظيمية، وتحويل قياداته إلى "موقوفين دائمين أو محاصرين قضائيًا".

ويرى متابعون أن النهضة تُعامل في الواقع كحزب محلول، حتى وإن لم يُعلن ذلك رسميًا، في ظل غياب أي تفاعل مؤسساتي مع أنشطتها، ووجود رغبة واضحة في إقصائها من المشهد السياسي قبل الاستحقاقات الانتخابية القادمة.

وفي تصريح خاص لـ"عربي بوست"، أكد محسن السوداني أن "السياسة الاستئصالية التي تنتهجها السلطة ضد النهضة أثبتت فشلها تاريخيًا، ولا يمكن مواجهة الأفكار بالقوة"، مضيفًا: "نحن نراهن على المنافسة الديمقراطية رغم كل الإكراهات".

ويختم السوداني بأن الحركة لا تسعى إلى الصدام مع الدولة، لكنها ترفض في الوقت ذاته أن تكون ضحية خطاب تحريضي وأمني "صُمّم خصيصًا لإخراجها من المشهد تحت غطاء قانوني مشكوك فيه".

تحميل المزيد