كشفت مصادر مصرية متطابقة لموقع "عربي بوست" كواليس تمرير قانون الإيجار القديم في البرلمان المصري، وما شابه من جدل كبير حول بعض بنوده، وما ترتب عليه من خلاف داخل الشارع المصري، بسبب مخاوف تتعلق بتأثيره المحتمل على مستقبل ملايين العائلات في مصر.
وأوضحت المصادر أن الحكومة مررت القانون من خلال ممارسة ضغوط على نواب البرلمان بهدف إنهاء "النقاش المتكرر" حول القانون، بينما مارس نواب حزب "مستقبل وطن" –المحسوب على السلطة، والذي يشكل الأغلبية البرلمانية– ضغوطاً بدورهم على نواب المعارضة لدفعهم نحو الموافقة على تمرير القانون.
تحركات منذ أشهر
كشف مصدر رفيع داخل مجلس الوزراء المصري لـ"عربي بوست" تفاصيل كواليس تمرير قانون الإيجار القديم في البرلمان، القانون الذي أثار جدلاً واسعًا في الشارع المصري وبين أروقة السياسة والتشريع.
يشير المصدر إلى أن التحركات المتعلقة بالمشروع بدأت منذ أشهر، لكن زخمها ازداد خلال الأسابيع الأخيرة مع اقتراب عرضه على مجلس النواب.
منذ البداية، بحسب المصدر، كانت هناك حالة من التردد داخل الحكومة بشأن المدة الزمنية لتطبيق القانون. فخطة التنفيذ التي كانت في المشروع الأولي للقانون كانت تتضمن فترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات فقط، وهي المدة التي أثارت تخوفات حقيقية، سواء داخل مجلس الوزراء أو في أوساط النواب.
يقول المصدر: "كان هناك وعي داخل الحكومة بأن هذه المدة الزمنية غير كافية، فالناس تحتاج إلى وقت أطول لتأمين مساكن بديلة أو التكيف مع نظام إيجاري جديد تمامًا".
ويتابع: "تم طرح مقترح بمدّ المدة إلى عشر سنوات في بعض الاجتماعات الداخلية، لكن تم التراجع عن ذلك خوفًا من اتهامات بالمماطلة أو الحفاظ على امتيازات قديمة غير عادلة. وفي المقابل، لم يكن لدى الحكومة تصوّر واضح لتقديم بدائل واقعية للسكان المتضررين، لا دعمًا ماليًا ولا سكنيًا".
في ذات الوقت، كان الشارع المصري يتابع باهتمام بالغ التحركات الحكومية والنيابية حول مشروع القانون، خاصة أن الإيجار القديم يمس فئات واسعة من المجتمع، من بينهم أسر فقيرة ومتوسطة، وبعضها تقطن في الشقق نفسها منذ عقود طويلة.
وبحسب المصدر، فقد جرى تقييم داخلي لردود الفعل الشعبية، وتخوّفت الحكومة من حدوث احتجاجات، أو تحركات إعلامية وشعبية تتحدى المشروع وتعرقله.
يقول المصدر، لذلك اتفقت نقاشات الحكومة الداخلية على أن يتم تقديم مشروع القانون إلى البرلمان لمدة انتقالية هي سبع سنوات، مضيفًا أن الحكومة كانت تخطط لتمرير القانون بهدوء ودون إثارة جدل سياسي أو إعلامي. ويكشف أنه في الجلسة البرلمانية الأولى، لم تقدم الحكومة للنواب كافة البيانات والدراسات المرتبطة بالمشروع.
وأضاف: "كان هناك اتجاه لتسريع العملية التشريعية لتمرير القانون قبل أن تنشأ موجات معارضة. لكن نوابًا من أحزاب مختلفة اعترضوا بشدة على هذا التسرع، وطالبوا بمعلومات تفصيلية حول حجم الشقق المؤجرة بالنظام القديم، وأثر القانون على الأسر محدودة الدخل".
ويؤكد المصدر أن حزب "مستقبل وطن"، باعتباره الكتلة الأكبر في البرلمان، لعب دورًا محوريًا في محاولات تمرير القانون. ويوضح: "كانت هناك تحركات واتصالات يومية تقريبًا بين قيادات الحزب ومعظم النواب، لتأمين أكبر عدد من الأصوات المؤيدة دون فتح نقاشات مطولة تحت القبة. الهدف كان تمرير القانون بأقل تكلفة سياسية".
لكن الخطة لم تنجح بالكامل. إذ برزت معارضة قوية من نواب الحزب الديمقراطي الاجتماعي اليساري، الذين حذّروا من أن القانون سيخلق أزمة حقيقية للفئات الأكثر فقرًا. وأوضح أحد النواب المعارضين – وفق رواية المصدر – أن المستأجرين القدامى ليسوا طبقة واحدة، وأن كثيرًا منهم يعيشون على دخل محدود لا يمكنه تحمّل أعباء السوق العقاري المفتوح.
تمرير المشروع
يضيف المصدر أن جلسة البرلمان التي تلت الجلسة الأولى شهدت حالة من التوتر بين المؤيدين والمعارضين. بعض النواب هدّدوا بعدم التصويت ما لم يتم تضمين مواد تلزم الحكومة بتوفير بدائل سكنية، أو آليات دعم فعالة للمستأجرين المتضررين.
ورغم هذه التهديدات، تمكنت الحكومة من احتواء الموقف جزئيًا عبر وعود غير ملزمة بإطلاق برامج إسكان اجتماعي موسعة، وتم تمرير القانون في الجلسة الثانية.
ويشير المصدر إلى أن المخاوف لم تكن فقط سياسية أو شعبية، بل أيضًا أمنية. إذ خشي بعض مسؤولي الحكومة من اندلاع موجات احتجاج عفوية، خاصة في المناطق الشعبية والعشوائية التي تضم النسبة الأكبر من المستأجرين تحت مظلة القانون القديم.
ويوضح: "كنا نخشى أن تتحول أزمة السكن إلى أزمة شاملة، ولهذا تم توجيه المحافظين لإعداد تقارير مفصلة عن المناطق التي قد تشهد اضطرابات فور تطبيق القانون".
وبالفعل، بدأت بعض المحافظات تقديم مقترحات لتأجيل تنفيذ القانون في مناطق محددة، خصوصًا في الوجه القبلي، حيث تقل فرص إيجاد سكن بديل، ولكن هذه المقترحات لم تُدمج في القانون النهائي، وظلت مجرد توصيات تُدار إداريًا.
تعويضات مالية وقروض
كما شهدت الكواليس مشاورات مع عدد من الخبراء العقاريين والاقتصاديين. بعضهم طالب الحكومة بإطلاق آلية تعويض مالي مباشر للأسر الأكثر تضررًا، والبعض الآخر اقترح تسهيل الحصول على قروض عقارية بفوائد مخفضة لتشجيع المستأجرين على الانتقال الطوعي إلى وحدات جديدة، لكن جميع هذه الأفكار ظلت حبيسة الأوراق، ولم تُنفذ.
ويضيف المصدر: "خلال الاجتماعات الوزارية، كانت هناك أصوات تنادي بإطلاق صندوق تعويضات للمستأجرين المتضررين، لكن الفكرة وُوجهت بتحفظات مالية كبيرة من وزارة المالية، ولم تجد طريقها إلى مسودة القانون".
ويتابع: "كما كانت هناك فكرة لمنح المستأجرين أولوية في تملّك وحدات الإسكان الاجتماعي، بشرط إخلاء العين القديمة، ولكن التنفيذ الفعلي لهذه الفكرة ظل غامضًا، نظرًا لتعقيدات آليات التخصيص وندرة الوحدات المتاحة بالفعل".
ولم تكن المعارضة البرلمانية وحدها العقبة أمام تمرير القانون، إذ واجهت الحكومة أيضًا ضغطًا غير مباشر من المجتمع المدني وبعض النقابات المهنية التي حذرت من تداعيات اجتماعية خطيرة في حال تطبيق القانون دون شبكة حماية مناسبة. ووصل الأمر إلى تلقي لجان البرلمان عشرات المذكرات من منظمات أهلية تطالب بمراعاة الحالات الإنسانية، خاصة بين كبار السن والمرضى.
وعلى الرغم من تمرير القانون في نهاية المطاف، إلا أن التنفيذ العملي، كما يراه المصدر، يطرح تحديات هائلة. فالدولة مطالبة الآن بإدارة انتقال سلمي وعادل لعشرات الآلاف من الأسر خلال فترة قصيرة.
ويقول المصدر: "من الناحية القانونية، تم تمرير القانون. لكن التحدي الحقيقي هو ما بعد القانون: كيف نمنع حدوث أزمة مجتمعية؟ كيف نحافظ على الاستقرار؟ وكيف نضمن أن الفقراء لن يُرمَوا في الشوارع؟"
ويرى مراقبون – بحسب المصدر – أن النجاح الحقيقي لهذا التشريع سيُقاس بمدى قدرة الحكومة على إطلاق مسارات دعم موازية، سواء عبر الإسكان أو عبر إعانات مباشرة، وأن أي تجاهل لهذا البُعد الاجتماعي قد ينسف القانون من أساسه، ويؤدي إلى ردود فعل غير محسوبة.
ويختم المصدر حديثه بالتأكيد على أن القضية أبعد من مجرد ملف تشريعي، بل هي اختبار حقيقي للدولة المصرية في مدى قدرتها على الجمع بين مقتضيات الإصلاح ومقتضيات العدالة الاجتماعية. ويقول: "المرور من البرلمان سهل نسبيًا إذا وُجدت الأغلبية، لكن المرور في الشارع هو ما سيحدد مصير هذا القانون".
تفاصيل النقاشات
وفقًا لمصدر داخل البرلمان، عقد أعضاء الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي لقاءً مع نواب حزب مستقبل وطن قبل بدء جلسة مناقشة مشروع القانون في البرلمان.
ركزت هذه المناقشات على محاولة الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي إقناع نواب مستقبل وطن بعدم تمرير القانون، محذرين من أن تمريره قد يتسبب في "مشكلة كبيرة".
المصدر أشار إلى أن الحزب الديمقراطي الاجتماعي قدم حججًا تتعلق بالتبعات الاجتماعية والسياسية المحتملة للقانون.
ومع ذلك، رد نواب مستقبل وطن بأن القانون يحظى بدعم مباشر من الرئاسة المصرية، وأكدوا أن تمريره يعتبر أولوية لا يمكن التراجع عنها.
وأوضحوا أن موقفهم ليس نابعًا من قناعة شخصية بالضرورة، بل من التزام سياسي تجاه توجيهات الرئاسة.
هذا الرد يعكس ديناميكيات القوة داخل البرلمان، حيث يبدو أن حزب مستقبل وطن، بصفته حزب الأغلبية، يعمل كأداة تنفيذية لقرارات السلطة التنفيذية.
النقاش مع محمود فوزي
في سياق آخر، أفاد المصدر أن نقاشًا آخر جرى بين أعضاء الحزب الديمقراطي الاجتماعي ومحمود فوزي، الوزير في حكومة مصطفى مدبولي وممثل الحكومة في البرلمان.
جاءت هذه المناقشة بعد تمرير القانون، حيث حاول أعضاء الحزب إقناع الوزير بإعادة النظر في القرار أو تعديل بعض جوانب القانون.
لكن هذه المحاولات باءت بالفشل، حيث أصر ممثل الحكومة على موقف الحكومة الداعم للقانون.
هذا الفشل يعكس تحديات كبيرة تواجهها الأحزاب الصغيرة أو المعارضة في التأثير على القرارات التشريعية، خاصة عندما تكون هناك توجيهات عليا من السلطة التنفيذية.
كما أن إصرار الحكومة على تمرير القانون يشير إلى وجود أجندة سياسية أو اقتصادية محددة وراء هذا القرار.
الحزب الديمقراطي الاجتماعي يرفع لواء المعارضة
أبرز ملامح المعارضة جاءت من الحزب الديمقراطي الاجتماعي اليساري، الذي أعلن عبر نوابه رفضه الصريح لصيغة القانون الحالية، واصفًا إياه بأنه "مشروع إخلاء جماعي للفقراء" الذين يسكنون في مساكن بالإيجار القديم منذ عقود دون أي حماية بديلة واضحة.
وأكد نواب الحزب أن الحكومة لم تتخذ أي خطوة عملية لتأمين بدائل سكنية للفقراء أو حتى دعم مالي يمكنهم من استئجار مساكن جديدة بأسعار السوق، مشيرين إلى أن القانون "يخدم فئة قليلة من ملاك العقارات القديمة على حساب الملايين من المستأجرين محدودي الدخل".
كما أشار الحزب إلى أن الحكومة لم تفتح أي نقاش مجتمعي موسّع مع النقابات أو منظمات المجتمع المدني أو ممثلي المستأجرين قبل عرض القانون على البرلمان، وهو ما يُعد، وفقًا للحزب، دليلًا على غياب الرؤية الاجتماعية المصاحبة للتعديل التشريعي.
قانون الإيجار القديم في مصر: بنود التعديل الجديد
أبرز ما جاء في القانون:
- المادة (2): إنهاء عقود الإيجار السكنية بعد 7 سنوات من تطبيق القانون، وغير السكنية بعد 5 سنوات، ما لم يتم الاتفاق على الإنهاء قبل ذلك.
- المادة (3): تشكيل لجان حصر لتقسيم المناطق إلى متميزة، متوسطة، واقتصادية وفقًا لمعايير محددة تشمل الموقع والخدمات والمرافق، على أن تنهي أعمالها خلال 3 أشهر قابلة للتجديد مرة واحدة بقرار من رئيس مجلس الوزراء.
- المادة (4): تحديد القيمة الإيجارية الجديدة وفق تقسيم المناطق، بحيث تكون 20 مثل القيمة السارية (حد أدنى 1000 جنيه) للمناطق المتميزة، و10 أمثال (حد أدنى 400 جنيه و250 جنيهًا) للمتوسطة والاقتصادية، مع إلزام المستأجر مؤقتًا بسداد 250 جنيهًا حتى إعلان نتائج لجان الحصر.
- المادة (5): تحديد الإيجار لغير غرض السكنى بـ5 أمثال القيمة الحالية.
- المادة (6): زيادة القيمة الإيجارية بنسبة 15% سنويًا طوال الفترة الانتقالية.
- المادة (7): الإخلاء الإجباري في حال ترك العين المؤجرة مغلقة لمدة تزيد عن سنة دون مبرر، أو إذا كان المستأجر يمتلك وحدة بديلة صالحة للغرض ذاته.
- المادة (8): أحقية المستأجر في التقدم بطلب لتخصيص وحدة بديلة من الدولة بالإيجار أو التمليك، بشرط تقديم إقرار بإخلاء العين الأصلية، مع إعطاء الأولوية للفئات الأولى بالرعاية والمستأجرين الأصليين.
- المادة (9): إلغاء قوانين الإيجار القديمة بعد 7 سنوات من تطبيق القانون الجديد، بما في ذلك القانونين 49 لسنة 1977، و136 لسنة 1981، والقانون رقم 6 لسنة 1997، مع إلغاء أي نص يخالف أحكام القانون الجديد.
- المادة (10): يُنشر القانون في الجريدة الرسمية، ويعمل به اعتبارًا من اليوم التالي لتاريخ النشر.
ويهدف القانون إلى تحقيق توازن عادل بين أطراف العلاقة الإيجارية، وضمان حقوق كل من المالك والمستأجر، في إطار رؤية الدولة لتحديث التشريعات العقارية والتوسع في توفير بدائل سكنية ملائمة.
الوحدات المؤجرة بنظام الإيجار القديم في مصر
تشكل الوحدات المؤجرة بنظام الإيجار القديم جزءًا مهمًا من المشهد العقاري في مصر، حيث يبلغ عددها الإجمالي 3,019,662 وحدة، وهو ما يمثل حوالي 7% من إجمالي الوحدات السكنية في البلاد والبالغ عددها حوالي 42.97 مليون وحدة.
تفاصيل استخدام الوحدات:
تتنوع استخدامات هذه الوحدات، حيث تشمل:
- 1,879,746 وحدة سكنية.
- 575,000 وحدة مخصصة للعمل أو الأنشطة المختلطة (سكني وتجاري).
التوزيع الجغرافي:
تتركز غالبية وحدات الإيجار القديم في أربع محافظات رئيسية، حيث تضم حوالي 69% من الإجمالي (حوالي 2.08 مليون وحدة):
- القاهرة: 1,099,426 وحدة (36%).
- الجيزة: 562,135 وحدة (19%).
- الإسكندرية: 269,403 وحدة (9%).
- القليوبية: 150,961 وحدة (5%).
الأسر والأفراد المقيمون:
يبلغ عدد الأسر التي تقيم في هذه الوحدات 1,642,870 أسرة، أي ما يعادل حوالي 7% من إجمالي الأسر في مصر (23.46 مليون أسرة)، ويصل عدد الأفراد المقيمين بها إلى حوالي 6.13 مليون فرد.
التغيرات على مر الزمن:
شهد عدد وحدات الإيجار القديم تراجعًا ملحوظًا، حيث انخفض من 5.54 مليون وحدة (20%) في تعداد عام 2006 إلى 3.02 مليون وحدة (7%) بحلول عام 2017، وهو ما يمثل تراجعًا بنسبة 45% خلال 11 عامًا.
الوحدات المغلقة:
توجد حوالي 300 ألف وحدة مغلقة من إجمالي وحدات الإيجار القديم، ويُعزى سبب إغلاقها إلى عدة عوامل مثل وجود ملكية بديلة للمستأجر أو فسخ العقد أو وفاة المستأجر.
قيمة الإيجار الشهرية:
تتفاوت قيمة الإيجار الشهري لهذه الوحدات بشكل كبير:
- 36% من الوحدات (أكثر من 500 ألف وحدة) تدفع إيجارًا شهريًا يقل عن 50 جنيهًا.
- 20% تدفع إيجارًا يتراوح بين 50 و100 جنيه.
- نسبة قليلة جدًا (حوالي 2%) تدفع إيجارًا شهريًا يزيد عن 900 جنيه.
بهذا تنكشف كواليس أحد أخطر القوانين الاجتماعية في العقود الأخيرة، قانون يطال شريحة واسعة من المصريين، ويعيد تشكيل خريطة العلاقة بين المالك والمستأجر، وسط ظروف اقتصادية حرجة وتعقيدات سياسية واجتماعية بالغة، في مشهد يؤكد أن السكن في مصر لم يكن يومًا مجرد سقف، بل مساحة صراع بين الحقوق الاجتماعية وأجندات السوق.