تأشيرات مشروطة وجنسيات مهددة بالإلغاء: كيف تعيد إدارة ترامب تعريف المواطنة في أمريكا؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/07/02 الساعة 14:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/07/02 الساعة 14:04 بتوقيت غرينتش
ماركو روبيو وترامب (عربي بوست)

تمضي إدارة دونالد ترامب قدماً في سياسة تستهدف واحداً من أقدس مفاهيم الديمقراطية الأمريكية: المواطنة. فبعد إطلاق حملة ترامب لملاحقة المهاجرين غير النظاميين، وُجهت البوصلة هذه المرة نحو من سبق أن نالوا الجنسية الأمريكية، عبر إجراءات قانونية، أو حتى أولئك الذين وُلدوا على التراب الأمريكي.

التحرك الجديد، الذي لم يُعلَن عنه رسمياً إلا بعد فترة من صدور التعليمات في يونيو/حزيران 2025، يأتي في سياق أوسع من السياسات التي تنتهجها الإدارة حيال ملف الهجرة والمواطنة، والتي شهدت توسعاً في استخدام الأدوات القانونية لتقييد الوضع القانوني لفئات متعددة من السكان، بما في ذلك المهاجرون المجنسون، وحاملو بطاقات الإقامة الدائمة، بل وحتى الأطفال المولودون داخل الأراضي الأمريكية لأبوين لا يتمتعان بوضع قانوني مستقر.

في هذا التقرير سنحاول التطرق إلى ما تضمنته المذكرة، والقرارات المصاحبة لها، بدءاً من سحب الجنسية، ووصولاً إلى الطعن في "حق الجنسية بالولادة".

إدارة ترامب تجعل من سحب الجنسية الأمريكية أولوية لبعض فئات المهاجرين

في سياق استمرار إدارة ترامب في تشديد سياسات الهجرة وإعادة تعريف مفاهيم المواطنة، وجّه البيت الأبيض مذكرة رسمية إلى القسم المدني في وزارة العدل بتاريخ 11 يونيو/حزيران 2025، تطلب فيها إعطاء الأولوية لإجراءات سحب الجنسية الأمريكية من أفراد تنطبق عليهم معايير محددة، تشمل المشتبه بتورطهم في "جرائم حرب، أو عمليات قتل خارج نطاق القانون، أو انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان"، بالإضافة إلى من أُدينوا بجرائم تُصنَّف على أنها تهديد مباشر للأمن القومي.

وتوسّع المذكرة نطاق الاستهداف ليشمل أعضاء العصابات الإجرامية، وكذلك الأشخاص الذين حصلوا على الجنسية عبر "الاحتيال أو إخفاء معلومات جوهرية"، مؤكدةً أن "مثل هؤلاء لا يحتفظون بحقوق المواطنة المكتسبة بشكل غير مشروع".

وطبقاً للتعليمات الجديدة، طُلب من القسم المدني في وزارة العدل أن "يعطي الأولوية، وأن يلاحق إلى أقصى حد ممكن قضايا نزع الجنسية في جميع الحالات التي يسمح بها القانون وتدعمها الأدلة". والمثير للانتباه أن المذكرة منحت وزير الخارجية، ماركو روبيو، صلاحية حصرية لتحديد من يُعد "خطراً محتملاً على الأمن القومي" — وهي سابقة توسّع من دور السلطة التنفيذية على نحو غير مسبوق في قضايا المواطنة.

ماركو روبيو – shutterstock

ويُعد روبيو، المنحدر من أصول كوبية، من أبرز الداعمين للسياسات المتشددة تجاه المهاجرين، كما يُعرف بمواقفه المؤيدة بلا تحفظ لإسرائيل ومعارضته العلنية للنشاطات المؤيدة للفلسطينيين داخل الولايات المتحدة. وفي هذا السياق، أشار موقع Middle East Eye إلى أن روبيو لا يزال يسعى لترحيل محمود خليل، الطالب السابق في جامعة كولومبيا، والذي أُفرج عنه بكفالة، بعد أن تم اعتباره تهديداً للسياسة الخارجية الأمريكية بسبب رفضه الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين في غزة وتأييده لأبسط حقوق الفلسطينيين. وقد جرى بالفعل سحب بطاقة إقامته الدائمة (الجرين كارد)، ضمن إطار توسيع أدوات الملاحقة الإدارية.

ولمدة طويلة، منحت بطاقة الإقامة الخضراء أصحابها حقوقاً شبيهة بحقوق المواطنين، باستثناء حق التصويت في الانتخابات.

وتتضمن الفئات المستهدفة كذلك أولئك الذين ارتكبوا جنايات لم يُفصح عنها أثناء إجراءات التجنيس، إلى جانب المتورطين في جرائم جنسية أو في قضايا احتيال مالي، سواء ضد الدولة أو الأفراد. إلا أن المذكرة تحتفظ للقسم المدني بسلطة اتخاذ قرارات خارج هذه الفئات "وفق ما يراه مناسباً"، ما يفتح الباب أمام تأويل واسع للصلاحيات.

ويبدو أن هذه الصلاحيات الواسعة بدأت تتجلى أكثر في السجال السياسي الراهن، كما يتضح في حالة زهران ممداني، النائب التقدمي من أصول هندية، وأول مرشح مسلم بشكل جدي لمنصب عمدة مدينة نيويورك. فبعد فوزه في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي بنسبة 56% من الأصوات، واجه ممداني حملة شرسة ذات طابع عنصري ومعادٍ للمسلمين، شملت تهديدات صريحة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسحب جنسيته وترحيله، على خلفية تعهده بعدم التعاون مع وكالة الهجرة والجمارك في حال توليه المنصب رسمياً.

يأتي هذا التوجه في إطار سياسة أشمل بدأتها إدارة ترامب خلال الحملة الانتخابية، حين وعد الرئيس باستهداف "المجرمين العنيفين" من بين المهاجرين غير النظاميين. غير أن التعريف الرسمي للجريمة توسّع لاحقاً ليشمل مجرد "الوجود غير القانوني" على الأراضي الأمريكية، وهو ما أفضى إلى موجات من الاعتقالات الجماعية، غالباً ما تمت عبر عناصر ملثمة من وكالة الهجرة والجمارك.

وقد تسببت هذه الحملات في مشاهد صادمة نُشرت على منصات التواصل الاجتماعي، توثق لحظات انفصال مفاجئة بين الأمهات وأطفالهنّ أثناء الاعتقال، ووضعت كثيراً من العائلات أمام واقع الترحيل الفوري دون مراجعة قضائية فعلية. كما أثارت سلسلة من الاعتقالات الخاطئة بحق مواطنين أمريكيين من أصول لاتينية، إلى جانب تهديدات بإلغاء الإقامات المؤقتة، مخاوف متزايدة بين المهاجرين والمقيمين القانونيين على حد سواء.

ترامب وإلغاء حق المواطنة بالولادة

في إطار التوسّع في إعادة تعريف مفهوم المواطنة، لم تكتفِ إدارة ترامب باستهداف المجنسين فحسب، بل امتدت جهودها إلى الطعن في أحد أقدم المبادئ الدستورية في الولايات المتحدة: المواطنة بالولادة. ووفقاً لتقديرات معهد سياسات الهجرة (Migration Policy Institute)، فإن نحو 7% من سكان الولايات المتحدة، البالغ عددهم نحو 340 مليون نسمة، هم مواطنون مجنسون — أي حصلوا على الجنسية من خلال إجراءات قانونية بعد الهجرة، وليس عبر الولادة داخل البلاد.

تأشيرات مشروطة وجنسيات مهددة بالإلغاء: كيف تعيد إدارة ترامب تعريف المواطنة في أمريكا؟
احتجاجات ضد الترحيل في وسط مدينة لوس أنجلوس 2025 – shutterstock

لكن حتى هذا التمييز لم يسلم من محاولات التعديل. فقد سعت إدارة ترامب منذ توليها السلطة في يناير/كانون الثاني 2017 إلى تقويض حق المواطنة التلقائي، المنصوص عليه في التعديل الرابع عشر من الدستور الأمريكي، والذي ينص على منح الجنسية لكل من يُولد داخل الأراضي الأمريكية، باستثناء حالات محددة مثل أبناء الدبلوماسيين.

وفي 20 يناير/كانون الثاني 2025، وقّع ترامب أمراً تنفيذياً يقضي بإلغاء هذا الحق، وينص على أن الأطفال المولودين لوالدين لا يحملان جنسية أمريكية أو بطاقة إقامة دائمة (Green Card) — سواء كانا في وضع قانوني غير نظامي أو يحملان تأشيرات مؤقتة — لن يُمنحوا الجنسية تلقائياً بعد الآن.

أثار هذا القرار موجة من الجدل القانوني والسياسي، وواجه سلسلة من الطعون القضائية، أسفرت عن إصدار ثلاثة قضاة فيدراليين أحكاماً بتعليق تنفيذ الأمر على مستوى البلاد. وردّت وزارة العدل برفع القضية إلى المحكمة العليا، التي لم تنظر في شرعية الأمر التنفيذي نفسه، بل في صلاحية القضاة الفيدراليين لإصدار أوامر قضائية "شاملة" تعيق تنفيذ سياسات الرئيس.

والأسبوع الماضي، قضت المحكمة العليا، بأغلبية 6-3، بأن هذا النوع من الأوامر القضائية "على الأرجح يتجاوز الصلاحيات التي منحها الكونغرس للمحاكم الفيدرالية". واستناداً إلى هذا القرار، أعلن ترامب "الانتصار القانوني"، ما سمح باستئناف التحضيرات لتنفيذ الأمر التنفيذي.

وبحسب تصريح لاحق من محامٍ حكومي لموقع Middle East Eye، فإن الأطفال الذين لا يمتلك أحد والديهم الجنسية الأمريكية أو بطاقة إقامة لن يُصنَّفوا كـ"قابلين للترحيل" حتى 27 يوليو/تموز، وهو التاريخ الذي يُتوقع أن يدخل فيه القرار حيّز التنفيذ.

ومع ذلك، لا تزال العديد من الأسئلة القانونية قائمة، خصوصاً حول ما إذا كان القرار سيُطبّق بأثر رجعي. وفي الوقت الراهن، يجري العمل على إعداد سلسلة من الدعاوى الجماعية على مستوى الولايات، للطعن في القرار أمام المحاكم، مستندة إلى ما تركته المحكمة العليا من هامش للمنازعة القانونية الجماعية، بديلاً عن قرارات فردية يصدرها قاضٍ واحد.

مراقبة الحسابات الاجتماعية للطلاب: شرط جديد للحصول على التأشيرة لأمريكا.

في خطوة تعكس استمرار التشدّد في سياسات التأشيرات الأمريكية، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية في يوليو/تموز 2025 توجيهات جديدة تطلب من المتقدمين للحصول على تأشيرات دراسية.

وبحسب تقرير لموقع The Intercept، يتطلب نموذج طلب التأشيرة من نوع الطالب أن يقدّم المتقدّم أسماء المستخدمين الخاصة به على "كل منصة تواصل اجتماعي استخدمها خلال السنوات الخمس الماضية"، من بين قائمة تشمل 20 خدمة، بعضها لم يعد موجوداً. وهو ما قد يضع المتقدمين في موقف محرج، حيث يُطلب منهم، على سبيل المثال، جعل ملفاتهم الشخصية على تطبيق الفيديو القصير Vine — الذي أُغلق في عام 2017 — عامة، أو على منصة Google+ التي توقفت في 2019، أو حتى موقع التعارف Twoo الذي توقف في 2021.

وبحسب برقية رسمية حصلت عليها Free Press و Politico، فإن هذه الحسابات ستُراجع بحثاً عن "أي مؤشرات على عداء تجاه المواطنين أو الحكومة أو الثقافة أو المبادئ التأسيسية للولايات المتحدة". ورغم أن شرط الإفصاح عن الحسابات الاجتماعية طُبّق منذ عام 2019 في عهد إدارة ترامب ضمن سياسة "توسيع التدقيق الأمني"، فإن إلزام المتقدمين بجعل حساباتهم علنية يُعد سابقة جديدة في نطاق المراقبة الرقمية.

تأشيرات مشروطة وجنسيات مهددة بالإلغاء: كيف تعيد إدارة ترامب تعريف المواطنة في أمريكا؟
مظاهرات سابقة في نيويورك احتجاجاً على اعتقال محمود خليل – رويترز

وانتقدت مؤسسة الحدود الإلكترونية (EFF) هذه الخطوة، معتبرةً أنها تمثّل "انتهاكاً لمبدأ الخصوصية، وتهديداً لحرية التعبير"، إذ لم تُثبت فعاليتها في تقييم التهديدات الأمنية. كما أشار مشروع الرقابة على تكنولوجيا المراقبة (STOP) إلى أن القرار قد يُعرّض الطلاب الأجانب، وخاصة أولئك الفارّين من أنظمة استبدادية، لمزيد من المخاطر عبر إجبارهم على الكشف عن حساباتهم علناً أمام حكوماتهم الأصلية.

تتضمن قائمة منصات التواصل الاجتماعي التي يُطلب من المتقدمين للحصول على تأشيرات أمريكية الإفصاح عن حساباتهم فيها 20 منصة متنوعة، تشمل خدمات عالمية، إقليمية، وأخرى توقفت عن العمل. وتضم القائمة كلاً من:Ask.fm، Douban، Facebook، Flickr، Google+، Instagram)  LinkedIn، Myspace، Pinterest، Qzone (QQ)، Reddit، Sina Weibo، Tencent Weibo، Tumblr، Twitter، Twoo، Vine، VKontakte (VK)، Youku، وYouTube.)

يُذكر أن قائمة المنصات المعتمدة من وزارة الخارجية لم تُحدّث لتعكس التطورات التكنولوجية، إذ تغيب عنها منصات شائعة مثل TikTok وWeChat وTruth Social، فيما تتضمن منصات صينية مثل Sina Weibo وDouban، ومنصة روسية واحدة هي VKontakte. ولم توضح الوزارة بعد كيف تم اختيار هذه القائمة أو متى سيتم تحديثها.

تحميل المزيد