وظفت الوساطة المصرية والقطرية حالة الهدوء الحذر في منطقة الشرق الأوسط في أعقاب وقف الحرب الإسرائيلية على إيران لطرح رؤية لوقف القتال الدائر في قطاع غزة عبر تقديم حلول تتماشى مع الواقع الراهن بالقطاع مع قرب مرور عامين على الحرب الإسرائيلية على القطاع.
هذا الأمر انعكس إيجاباً على طرح هدنة مؤقتة لمدة 60 يوماً على أن يعقبها مرحلة ثانية تتضمن وقفاً شاملاً للقتال، وسط مخاوف من تكرار محاولات سابقة لم تُفضي لتوقف الجرائم الإسرائيلية بحق قطاع غزة منذ الانقضاض على الاتفاق السابق لوقف إطلاق النار.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قال فجر الثلاثاء، إن إسرائيل "وافقت على الشروط اللازمة لإبرام وقف لإطلاق النار مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لمدة 60 يوماً في غزة"، مشيراً إلى أن القاهرة والدوحة ستعملان على إنجاز الصياغة النهائية لهذا المقترح، طبقاً لمنشور له عبر منصته تروث سوشال عقب اجتماع بين مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين في واشنطن.
حماس تراهن على سعي ترامب للسلام
وقال مصدر دبلوماسي مصري مطلع على تفاصيل المفاوضات الجارية، إن الوصول إلى هدنة مؤقتة في قطاع غزة كان مسألة متوافق عليها بين الوسطاء (مصر وقطر والولايات المتحدة) وحركة حماس وإسرائيل، وذلك من قبل اندلاع الحرب الإسرائيلية على إيران، وأن الخلاف كان على كيفية الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة.
وضغطت إسرائيل باتجاه أن يتم إطلاق سراح نصف الأسرى الأحياء وعددهم تقريبا (10 أو 12 أسيراً) خلال الأسبوع الأول من الهدنة والنصف الأخر خلال الأسبوع الثاني مع تسليم الجثث على فترات متتالية، وهو ما رفضته حركة حماس.
وأضاف المصدر ذاته، أن الحركة طالبت بأن يتم إطلاق سراح ثمانية أسرى خلال الأسبوع الأول على أن يتم إطلاق سراح أسير إسرائيلي واحد كل أسبوع لضمان الانتقال إلى مرحلة تالية من الهدنة، وهو ما عرقل استكمال المفاوضات.
كما أن نجاح المفاوضات المصرية القطرية الحالية يرتبط بموقف الحركة وإمكانية تقديم مزيد من التنازلات في ظل سعيها للوصول إلى وقف شامل للحرب والإنسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة مع إمكانية الإفراج عن الأسرى دفعة واحدة.
وأكد أن حركة حماس لديها تصور بأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يسعى لوقف الحرب وتراهن على أن يمضي باتجاه الضغط على إسرائيل ضمن مساعيه لأن يظهر صانعاً للسلام، وفي حال حدث اللقاء المزمع بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وترامب فإنه قد يتجدد آمال الوقف الشامل للحرب.
لكن لدى المفاوض المصري قناعة بأن الأقرب هو التوصل إلى اتفاق هدنة مؤقتة إذ أن وقف الحرب والانسحاب من القطاع سيقود إلى صدام بين نتنياهو وشركائه الأكثر تطرفاً في الحكومة.

دور الأزمات الداخلية بإسرائيل
وذكر المصدر أن مصر تتبع سياسة واقعية لوقف الحرب، وتدرك بأن إسرائيل لن تسير في مسار الوقف الشامل، وأن المقترح المصري يتضمن الوصول إلى حل وسط يفضي للإفراج عن ثمانية أسرى في الأسبوع الأول مع الإفراج عن أسيرين كل أسبوع، مشيراً إلى أن ما تطرحه مصر يتم بالتوافق مع قطر والولايات المتحدة مع الانسحاب الإسرائيلي التدريجي من مواقع سيطرتها بالقطاع.
وأوضح أن خطط التهدئة تقوم على استغلال الثغرات التي يمكن أن تدفع الاحتلال لوقف الحرب مع سيطرته الكاملة على الجزء الأكبر من القطاع وفي ظل أزمات داخلية جراء تداعيات الحرب مع إيران.
وكان وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي بحث مع نظيره القطري محمد بن عبدالرحمن، الثلاثاء، "جهود البلدين مع الولايات المتحدة لاستئناف وقف إطلاق النار وحقن دماء الشعب الفلسطيني بقطاع غزة"، وبحسب بيان لوزارة الخارجية المصرية، فإن الجانبين تبادلا وجهات النظر "حول مستجدات الأوضاع في قطاع غزة والجهود المشتركة للبلدين مع الولايات المتحدة لاستئناف وقف إطلاق النار وحقن دماء الشعب الفلسطيني، وإطلاق سراح الأسرى والمحتجزين (الإسرائيليين)، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة بشكل عاجل ودون عوائق".
ومساء الأحد، قال عبد العاطي في مقابلة تلفزيونية إن بلاده "تعمل حالياً على اتفاق لوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة يتضمن هدنة 60 يوما مقابل الإفراج عن عدد من الرهائن الإسرائيليين وإدخال المساعدات الإنسانية والطبية للقطاع في أسرع وقت ممكن".
القاهرة والدوحة يسعيان لإنجاح الهدنة
ولفت مصدر دبلوماسي آخر، أن الاتصالات المصرية القطرية مع الجانب الأميركي تتركز على ضرورة وضع جدول زمني للوصول إلى وقف مؤقت لإطلاق النار في القطاع على أن يكون خلال النصف الأول من هذا الشهر، ويتضمن ذلك الاتفاق على خطة لإدخال المساعدات خلال الأيام المقبلة، مشيراً إلى أن مصر سوف تلعب دوراً في تسهيل وصولها من خلال المعابر على الحدود مع غزة.
وشدد المصدر ذاته، على أن التركيز في المباحثات مع إسرائيل على التوصل لهدنة تمتد لشهرين يتم فيها إدخال المساعدات الإنسانية مثلما كان الوضع حين التوصل لاتفاق يناير/ كانون الثاني الماضي، وهناك تصورات مستقبلية لما بعد هذه المرحلة تتضمن أن تكون إدارة القطاع بشراكة إقليمية تتداخل فيها الأمم المتحدة وبعض الدول العربية والإسلامية دون أن يتم تحديدها وتشكيل حكومة يتم التوافق عليها داخلياً وخارجياً تتولى مسؤولية تنسيق دخول مواد البناء والمساعدات بالتعاون مع الجانب الإسرائيلي.
وأوضح أن طبيعة الهدنة وضمانات استكمالها لكي تتحول إلى وقف الحرب تتوقف على الاتجاهات الإسرائيلية المستقبلية من الحرب، وما إذا كان سيكون هناك مرحلة جديدة لاستكمالها واحتلال ما تبقى من القطاع أو الانسحاب من مناطق بعينها ووقف القتال، وأن تقديرات الجيش الإسرائيلي ستكون أكثر وضوحاً خلال الأسابيع المقبلة.
وأشار إلى أن القاهرة والدوحة يسعيان لإنجاح الهدنة بما يدعم التباعد على نحو أكبر من قضية التهجير التي تراجعت على نحو كبير بل يمكن القول بأنها لم تعد ضمن أولويات الإدارة الأميركية في الوقت الحالي، وفي حال جرى الضغط على إسرائيل للانسحاب من أجزاء واسعة من القطاع فإنه يمكن البناء على ذلك لاستيعاب المواطنين المتواجدين والمضي قدما في خطة إعادة الإعمار، وفي حال كان القرار هو استكمال الحرب بعد الهدنة فإن خطر التهجير سيظل قائما من الناحية العملية.
ومساء الأحد، تحدثت مصادر إسرائيلية عن أن الجيش طلب من الحكومة تحديد الخطوة المقبلة للحرب، إما استكمال السيطرة على غزة أو إبرام صفقة تبادل أسرى، مع تفضيله الخيار الثاني، وفق القناة "12" العبرية، وتزامن ما ذكرته القناة مع تصريحات للرئيس دونالد ترامب، أعرب فيها عن اعتقاده بأن التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب في غزة "بات وشيكاً جداً".

وحسبما ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، فقد شدد نتنياهو الأحد، على أن إطلاق سراح الأسرى المتبقين في غزة، هو أولويته القصوى، وذلك خلال زيارته لمركز تابع لجهاز الأمن الداخلي "الشاباك".
ورأت وسائل إعلام إسرائيلية، من بينها صحيفة "هآرتس"، أن تصريحات نتنياهو تأتي في ظل ضغوط أميركية متزايدة لإنهاء الحرب على غزة، حيث كان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قد توقّع، الجمعة، التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار خلال أيام.
من جهتها قالت حركة حماس لوكالة رويترز على لسان أحد مسؤوليها بأن الحركة أبلغت الوسطاء باستعدادها لاستئناف محادثات وقف إطلاق النار، لكنها جددت تأكيد مطالب الحركة القائمة بأن أي اتفاق يجب أن ينهي الحرب ويضمن انسحاباً إسرائيلياً من القطاع، وأعلنت استعدادها لإطلاق سراح الرهائن المتبقين في غزة، والذين يُعتقد أن 20 منهم ما زالوا على قيد الحياة، فقط في إطار اتفاق يُنهي الحرب.
إجواء إيجابية لإنجاح جهود الهدنة
وقال مصدر مصري على صلة بملف المفاوضات، إن التعويل المصري على نجاح جهود الهدنة هذه المرة مبني على الأجواء الإيجابية في أعقاب وقف الحرب الإسرائيلية على إيران وكانت الأمال تتسلط على الوقف الكامل للقتال مثلما صرح الرئيس الأميركي لكن ذلك بعيد عن الواقع الحالي الذي تبقى في هناك محاولات للحصول على ضمانات أميركية لعدم استئناف الحرب عقب انتهاء الهدنة، مشيرا إلى أن الاتصالات المصرية والقطرية مع حماس توازيها اتصالات أميركية مع الحركة لكنها تسير في الإطار ذاته.
وذكر المصدر ذاته أن المعضلة ليست في أعداد الأسرى المفرج عنهم لكن المشكلة الأكبر تبقى في أن الاحتلال الإسرائيلي لا يريد الانسحاب من كافة المناطق التي سيطر عليها، وهو ما يسعى الوسطاء الآن حلحلته لضمان نجاح الهدنة.
وأضاف أن هناك تعويل على ضغوطات يمكن أن يمارسها ترامب على نتنياهو خلال لقائهما المزمع إذ أن وقف القتال يدخل في إطار مشروع السلام الإبراهيمي الذي يتبناه الرئيس الأميركي، غير أن التجارب التفاوضية السابقة أثبتت أن الإدارة الأميركية وإسرائيل يراوغان دون الالتزام بالتعهدات المرتبطة بتفاصيل التفاوض ما يجعل لدى حركة حماس مخاوف من استئناف الحرب بعد تحرير الرهائن.
ولفت المصدر ذاته إلى أن المشكلة تتمثل في أن أوراق الضغط على الاحتلال من جانب المقاومة أضحت ضعيفة بخاصة وأن إسرائيل لديها رغبة في إثارة الفوضى العارمة في القطاع من بعدها مع دعم جماعات تحمل السلاح وتعمل مواجهة حركة حماس عسكريا بدلا منها وهو أمر يزعج الحركة ويحول الصراع إلى حرب داخلية وهو ما يسعى إليه الاحتلال ما يجعل هناك رغبة في تنسيق كيفية تيسير أمور القطاع خلال فترة الهدنة والأمر بحاجة لمزيد من التفاوض مع إسرائيل خلال الأيام المقبلة.
رغبة إسرائيلية صعبة التحقيق
ونفى المصدر الأحاديث التي تواترت أخيراً عن نزع سلاح حركة حماس أو إبعاد قياداتها من القطاع، مشيراً إلى أن المفاوضات الجارية لم تتطرق لتلك المسائل وهي رغبة إسرائيلية صعبة التحقيق على أرض الواقع، وأن احتمالات الوصول إلى تهدئة ولو مؤقتة في غزة يرجع كون الاحتلال حقق جزء من أهدافه خاصة فيما يتعلق بتقليل أعداد الفلسطينيين في القطاع مع وجود إحصاءات تشير إلى عدد الفلسطينيين هناك أضحى مليون و800 ألف مواطن من أصل 2 مليون و300 ألف مواطن قبل اندلاع الحرب.
وبدعم أمريكي مطلق ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023 جرائم إبادة جماعية في غزة خلّفت أكثر من 190 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، فضلا عن مئات آلاف النازحين.
ومطلع مارس انتهت المرحلة الأولى من اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل أسرى بين حركة "حماس" وإسرائيل بدأ سريانه في 19 يناير 2025، بوساطة مصرية قطرية ودعم أمريكي.
وبينما التزمت "حماس" ببنود المرحلة الأولى، تنصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المطلوب للعدالة الدولية، من بدء المرحلة الثانية للاتفاق، استجابة للمتطرفين في ائتلافه الحاكم، لضمان استمراره بالسلطة، وفق المعارضة الإسرائيلية.
وتُقدر تل أبيب وجود 50 أسيراً إسرائيلياً في غزة، منهم 20 أحياء، بينما يقبع في سجونها أكثر من 10 آلاف و400 فلسطيني يعانون من التعذيب والتجويع والإهمال الطبي، ما أودى بحياة العديد منهم، حسب تقارير حقوقية وإعلامية فلسطينية وإسرائيلية.
رهان عربي لإنجاح الهدنة
وقال مصدر دبلوماسي ثالث متخصص في الشؤون الفلسطينية، إن تفاصيل المقترح المصري لهدنة غزة ليست كاملة وهناك بنود لم تخرج بعد للعلن وهناك تحفظ عليها لحين قرب التوصل إلى اتفاق، مشيراً إلى أن إسرائيل تتواجد في مناطق استراتيجية بالنسبة إليها لن تنسحب منها بسهولة بخاصة في محوري فيلادلفيا ونتساريم وانتشارها الحالي في رفح الفلسطينية.
وذكر أن الدول العربية تراهن على السخط الغربي من الإدارة الأميركية وإسرائيل في أعقاب حالة الفوضى التي تسببت فيها توسيع دائرة الصراع في الشرق الأوسط، إلى جانب تصاعد الانتقادات الموجهة إلى الإدارة الأميركية في الداخل بعد أن أضحت متورطة في جرائم حرب ترتكب بحق المدنيين.
وأضاف أن مصر تسعى لانتقال سلس للسلطة في قطاع غزة من حركة حماس إلى لجنة الاسناد المجتمعي بعد التوافق مع إسرائيل والترتيب لمرحلة ابتعاد حماس عن المشهد السياسي لفترة تتم فيها إعادة إعمار قطاع غزة، وفي المقابل دفع إسرائيل للتخلي عن المناطق التي احتلتها تحت تأثير الضربات التي توجهها المقاومة بشكل يومي رغم سيطرة الجيش الإسرائيلي على معظم مناطق القطاع إلى جانب التركيز على فشل الحلول الفردية من جانب إسرائيل والولايات المتحدة عبر إجراءات آلية توزيع المساعدات وتسليح المليشيات، وهي أدوات لم يتم تثبيت أركانها على الأرض وتعاني مشكلات جمة.
وبحسب وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي فإن "الرؤية الشاملة (للحل في غزة) مطروحة بالتأكيد من جانب واشنطن ونقدر رؤية الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في العمل على استدامة وقف إطلاق النار، وأن يقود ذلك إلى تسوية شاملة".
واستكمل قائلاً: "توجد رؤية أمريكية ترغب في التركيز على قطاع غزة بعد التوصل إلى وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران (في 24 يونيو)، كما يوجد تفهم أمريكا لأن يتضمن أي اتفاق قادم قدراً كافياً من الضمانات بما يحقق استدامة وقف إطلاق النار".
وشدد الوزير المصري على أهمية وجود ضمانات لعدم استئناف العدوان الإسرائيلي على غزة قائلاً: "إذا استأنفت إسرائيل العدوان على غزة مرة أخرى بعد التوصل إلى اتفاق، فإن هذا سيكون مصدراً رئيسياً للتهديد وعدم الاستقرار في المنطقة".