الحرب بين إسرائيل وإيران.. السيناريوهات المحتملة وحسابات كل طرف

عربي بوست
تم النشر: 2025/06/18 الساعة 08:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/06/18 الساعة 08:00 بتوقيت غرينتش
عربي بوست

تصاعدت المواجهة بين إيران والاحتلال الإسرائيلي مؤخراً لتتخذ منحى جديداً لم تشهده المنطقة من قبل، حيث انتقل الاحتلال من استهداف حلفاء إيران إلى توجيه الضربات مباشرة نحو "رأس النظام" في طهران، وهو ما يفتح الباب أمام مرحلة استراتيجية أكثر خطورة وتعقيداً. ورغم أن دوافع كلا الطرفين واضحة في هذه المواجهة، إلا أن المسارات والنتائج لا تزال غير محسومة، خصوصاً مع تعدّد السيناريوهات المحتملة وتباين مصالح الأطراف الإقليمية والدولية المؤثرة. وضمن هذا السياق، يشير تحليل لموقع "أسباب" للدراسات الجيوسياسية إلى أن هذه المرحلة ليست مجرد جولة تصعيد اعتيادية، بل نقطة تحوّل محورية في الشرق الأوسط.

أطلق الاحتلال الإسرائيلي، فجر الجمعة 13 يونيو/حزيران، هجوما عسكريا (الأسد الصاعد) ضد إيران استهدف كبار القادة العسكريين، وعلماء البرنامج النووي، فضلا عن استهدف عشرات المواقع العسكرية بما في ذلك قواعد ومصانع صواريخ ومنصات الدفاع الجوي ومنشآت نووية وبنية تحتية استراتيجية. في المقابل؛ ردت إيران بهجمات صاروخية متصاعدة استهدفت تل أبيب وحيفا ومناطق أخرى في فلسطين المحتلة، وهو ما يعتبر أوسع هجوم يتعرض له كيان الاحتلال منذ تأسيسه، وأخطر تصعيد عسكري بين إيران والاحتلال على الإطلاق. دبلوماسياً توقفت محادثات النووي بين طهران وواشنطن في مسقط، وهددت إيران بالانسحاب من معاهدة عدم الانتشار النووي، وعقد مجلس الأمن جلسات طارئة وسط تحذيرات دولية من تحول حرب إسرائيل على إيران إلى نطاق أوسع. تصّاعد التوتر رفَع أسعار النفط بنحو 6٪ ثم استقرت. وتتجه "إسرائيل" لمرحلة هجومية ثانية تهدف إلى تدمير أو إضعاف قدرات إيران النووية، ومواصلة تقويض هيكل البلاد القيادي على المستوى السياسي والأمني، فيما تلوح إيران بقوتها الصاروخية وحلفائها الإقليميين، ما يبقي خطر الانفجار الشامل قائماً مع غياب أي قناة تفاوضية فاعلة.

المواجهة بين إسرائيل وإيران تنتقل إلى "استهداف الرأس" لكنّ النتائج غير مؤكدة

ينظر إلى ما يجري باعتبار أنه يتجاوز كونه مجرد جولة تصعيد، ليشكّل لحظة استراتيجية تعيد رسم قواعد الاشتباك في المنطقة. فبعد أن تعرّض النفوذ الإيراني لسلسلة ضربات استراتيجية تمثّلت في سقوط نظام الأسد، وتراجع قدرات حزب الله في لبنان وحماس في قطاع غزة؛ انتقلت العمليات العسكرية إلى استهداف "الرأس" مباشرة، وفق ما تصفه العقيدة العسكرية الإسرائيلية بـ"عقيدة الأخطبوط". ولا تزال كافة الخيارات مطروحة، في ظل مشهد ميداني متسارع وتقدير موقف يتغيّر ساعة بساعة.

وتُعدّ هذه اللحظة الأخطر منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، إذ أصبحت طهران نفسها ساحة لعمليات عسكرية كثيفة، في ظل تبادل الضربات مع الكيان الإسرائيلي. وبينما أعلن رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، أن العملية العسكرية تهدف إلى تقويض البرنامج النووي الإيراني وبرنامج الصواريخ الباليستية، يشير مسار العمليات إلى أهداف أوسع وأكثر استراتيجية تصل إلى مشروع "إخضاع استراتيجي"، يهدف إلى نزع قدرة طهران على الردع، وشلّ إدارتها لشبكة وكلائها في المنطقة، ويمهّد الطريق لمسار أطول ومتراكم نحو إسقاط نظام الجمهورية الإسلامية نفسه.

من المرجح أن جيش الاحتلال سيواصل عملياته حتى استنفاد بنك الأهداف الاستخباراتية الذي أُعدّ على مدى أشهر، وربما سنوات، بغية فرض وقائع ميدانية وسياسية تسبق أي استئناف محتمل للمفاوضات النووية، مستفيدًا من لحظة إقليمية مواتية بعد إضعاف حلفاء طهران وتراجع مظلتها الدفاعية، وتوفر الردع الأمريكي.

في المقابل؛ ستواصل إيران هجماتها المضادة باعتبار أن ذلك ضرورة للحفاظ على التماسك الداخلي وتجنب صورة انهيار قدرات النظام أو فقدانه الفاعلية، لأن ذلك يهدد بتحفيز الصراعات الداخلية وترسيخ مخيال أن النظام قابل للانهيار. وعلى الرغم من الآثار المحدودة للهجمات الإيرانية، إلا أن تعرض العمق الإسرائيلي للاستهداف المباشر وسقوط قتلى يخلق قدرا من التوازن تراهن طهران أنه قد يفرض معادلات ردع جديدة، تؤدي لتوقف الهجمات الإسرائيلية.

وتسعى إيران عبر ردّها العسكري إلى المحافظة على توازن دقيق يحقق الأهداف التالية: 

  • ترسيخ معادلة ردع جديدة تُجنبها المزيد من الخسائر وتوقف الاعتداءات الإسرائيلية على أراضيها.
  • منع الولايات المتحدة من استثمار التصعيد سياسيًا في مسار المفاوضات النووية.
  • في الوقت ذاته، تحاول طهران تجنّب الانزلاق إلى حرب شاملة قد تستنزف مواردها أو تستجلب تدخلاً أميركيًا مباشراً.

لكن هذه المعادلة محفوفة بالمخاطر، في ظل ضغوط داخلية وخارجية على القيادة الإيرانية لتنفيذ ردّ قوي ضمن معادلة الردود المتبادلة، خاصة في ظل عدم وجود ضمانات بعدم انخراط إدارة الرئيس ترامب عسكريًا. كما أن حكومة نتنياهو أظهرت منذ السابع من أكتوبر أنها لا تضع خطوطا حمراء لسلوكها العسكري في المنطقة، وبالتالي فإن تحمل إيران لمزيد من الضربات بهدف تجنب التصعيد قد يكرر سيناريو مواجهة حزب الله مع الاحتلال، ما يعني أن ضبط النفس الإيراني قد يؤدي إلى استنزاف مقدرات طهران تدريجيا وعدم ردع هجمات "إسرائيل". 

ويمكن بصورة أولية رسم ثلاثة سيناريوهات محتملة لحرب إسرائيل على إيران:

السيناريو الأول: استمرار القصف المتبادل دون تدخل أميركي (مفضل لدى إيران)

في هذا السيناريو، يبقى التصعيد منضبطاً ضمن حدود القصف المتبادل، دون أن تتوسع العمليات لتشمل استهداف منشآت أو قواعد أميركية في المنطقة. ووفق هذا السيناريو، قد ينتهي المشهد العسكري حين يقرر الطرفان وقف إطلاق النار، والاكتفاء بالتوازن العسكري الجديد، ومن ثم العودة إلى طاولة المفاوضات النووية بـ"توازنات جديدة" تفرضها النتائج الميدانية.

السيناريو الثاني: تدخل أميركي مباشر (مفضل لدى إسرائيل)

في حال سقوط قتلى أميركيين، أو استهدفت مصالح أميركية مباشرة، أو حال توسّعت الهجمات الإيرانية على منشآت حساسة وحيوية داخل كيان الاحتلال، ستتوسع الحرب إلى حرب استنزاف لإيران، وستكون طهران أمام خيارات صعبة، بما في ذلك دخول وكلاء إيران بشكل كامل في الحرب (حزب الله، الحوثي، فصائل العراق)، مقابل ردّ أوسع تقوده واشنطن وتحالف غربي داعم يستهدف تدمير مقدرات إيران النووية والصاروخية.

السيناريو الثالث: حرب إقليمية شاملة (ضعيف الاحتمال حاليًا)

هذا السيناريو يبقى مستبعدًا في المدى القريب؛ نظرًا لمصالح دول الخليج والعراق وتركيا التي تسعى إلى احتواء التدهور ومنع اندلاع حرب إقليمية مفتوحة، قد تتجاوز قدرة الأطراف على ضبطها أو التحكم في مآلاتها. ومع هذا لا يجب استبعاده ابتداءً؛ إذ قد تلجأ إيران حال وضع مستقبل النظام على المحك إلى مهاجمة القواعد الأمريكية في دول الخليج، وإغلاق مضيق هرمز، وتعطيل التجارة الدولية.

تحميل المزيد