- كيف تبدو العلاقات الجزائرية مع محيطها الإقليمي؟
- المغرب.. "أعمال عدائية" تقطع العلاقات
- دول الساحل.. طائرة مسيّرة تشعل الأزمة
- مستقبل العلاقات بين الجزائر ومالي
- ماذا عن الجنرال المتقاعد "حفتر" في ليبيا؟
- فرنسا وإسبانيا.. أزمة في الشمال بتبعات سياسية واقتصادية
- هل أثرت الأزمة مع فرنسا على الجزائريين؟
- ماذا عن الأزمة بين الجزائر وإسبانيا؟
- هل تأثرت الجزائر داخلياً وخارجياً بسبب تعدد الأزمات؟
قطعٌ كلي للعلاقات مع المغرب غرباً، وتوترٌ غير مسبوق مع فرنسا، وبرود في العلاقات مع إسبانيا شمالاً، واتهامات متبادلة مع دول الساحل الإفريقي في الجنوب، وتوجس من حفتر في ليبيا شرقاً.. هكذا يبدو واقع العلاقات الجزائرية مع محيطها الإقليمي، وهو وضع غير مسبوق يضع الجزائر أمام جبهات مواجهة متعددة.
وإذا كان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون برّر قطع العلاقات مع المغرب بأنه كان "بديلاً لنشوب حرب بين الدولتين"، فإن اعتراف باريس بدعم الرباط في قضية الصحراء الغربية كان بداية "حرب" دبلوماسية بين الجزائر وفرنسا، فيما تحدث تبون نفسه مراراً عن المخاطر القادمة من الجنوب، في إشارة إلى الأزمة مع مالي.
أمام هذا الوضع المليء بالتحديات الذي باتت تعيشه الدبلوماسية الجزائرية في علاقتها بمحيطها الإقليمي والدولي، نطرح مجموعة من الأسئلة التي سنعمل على الإجابة عنها من خلال هذا التقرير.
البداية بكيف وصلت الجزائر إلى "القطيعة" مع محيطها الإقليمي خلال السنوات الخمس الماضية؟ وكيف انعكس ذلك على الجزائر خارجياً وداخلياً؟ وكيف سيواجه الرئيس والمسؤولون الدبلوماسيون هذه "المخاطر" التي تحيط بالبلاد من كل جانب؟
كيف تبدو العلاقات الجزائرية مع محيطها الإقليمي؟
إلى جانب الأزمة المستمرة منذ عقود مع المغرب بسبب قضية الصحراء الغربية والاتهامات المتبادلة في ملفات مختلفة، دخلت الجزائر خلال السنوات الأخيرة في أزمات دبلوماسية وصلت حد القطيعة مع بعض البلدان المحيطة بها وحتى البعيدة عنها نسبياً.
العلاقات الجزائرية مع المغرب وصلت إلى حد القطيعة، وبينما تسود التوترات علاقاتها مع دول الجوار في الجنوب، ممثلة في مالي بدرجة أولى، والنيجر وبوركينا فاسو بدرجة أقل، تتوجس الجزائر من تواجد قوات الجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر في جنوبها الشرقي، فضلاً عن الوضع غير الطبيعي للعلاقات مع فرنسا وإسبانيا.
بالنسبة للنائب البرلماني والمحلل السياسي الجزائري، علي محمد ربيج، فإن ما يُوصف أحياناً بـ"سياسة العزلة" المفروضة على الجزائر، قال: "أود التوضيح أن الأمر لا يتعلق بخيار اتخذته الجزائر، بل هو نتيجة لتوجهات خارجية مفروضة عليها لعدة أسباب".
وأوضح ربيج لـ"عربي بوست" أن من بين هذه الأسباب تمسك الجزائر بسياسة خارجية مستقلة ترفض أي شكل من أشكال الإملاءات أو التدخل في شؤونها. كما تستمر الجزائر في الدفاع عن القضايا العادلة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وترفض الانخراط في موجة التطبيع مع الكيان الصهيوني.
وحسب المتحدث، فإن "هذا الموقف المبدئي، والإنساني، أحرج بعض الأنظمة العربية المطبّعة، وكذلك الولايات المتحدة وإسرائيل، ما دفع هذه الأطراف إلى تبني نوع من (العقاب الجماعي) تجاه الجزائر عبر خلق أزمات سياسية واقتصادية ودبلوماسية لمحاصرتها والضغط عليها لتغيير موقفها".
في المقابل، يضيف عضو البرلمان الجزائري عن حزب جبهة التحرير الوطني، أن الجزائر لم تنجر إلى الرد بالمثل أو الانخراط في التصعيد مع دول الجوار مثل المغرب ومالي والنيجر وبوركينا فاسو وليبيا، بل اعتمدت سياسة ضبط النفس، وتجاوزت الحملات الإعلامية والسياسية الموجهة ضد رموزها، رئيساً وجيشاً ومؤسسات، على حد قوله.
وحسب المصدر ذاته، فإن هذه الملفات تُدار بهدوء وبعقلانية، مع الاحتفاظ بحق الرد بالمثل عند الحاجة، سواء عبر القنوات السياسية والدبلوماسية أو، إذا اقتضت الضرورة، عبر الوسائل العسكرية – كما حدث في حادثة إسقاط الطائرة المسيّرة القادمة من الأراضي المالية.
بدوره، قال المحامي والباحث التونسي في العلاقات الدولية، محمد آدم المقراني، إن الدبلوماسية الجزائرية تشهد مؤخراً سلسلة من الأزمات التي يمكن فهمها في ضوء التغيرات المتسارعة التي تعرفها منطقة شمال إفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء، خصوصاً مع دخول فاعلين جدد على الساحة.

وتُعد الأزمة مع الجارة الغربية، المغرب، من أبرز هذه التوترات، خاصة بعد تطبيعها للعلاقات مع إسرائيل، في وقتٍ تعتبر فيه الجزائر هذا الكيان عدواً واضحاً، وهو ما ينسجم مع الثوابت التاريخية للسياسة الخارجية الجزائرية، التي استقرت منذ أواخر الستينيات على دعم حركات التحرر الوطني.
يضيف المقراني في تصريح لـ"عربي بوست" قائلاً: "قد يرى بعض المنتقدين أن الدبلوماسية الجزائرية تفتقر إلى شيء من المرونة، لكنها، في المقابل، تبقى واحدة من آخر الدبلوماسيات العربية التي لم تطبع علاقاتها مع إسرائيل".
حسب المتحدث، من المهم الإشارة إلى أن التوترات الراهنة لا ترتبط فقط بالمغرب، بل تشمل أيضاً عدة دول فاعلة جديدة في المنطقة مثل الإمارات، سواء في ليبيا أو في الساحل، بالإضافة إلى التحفظ الجزائري تجاه أنشطة قوات "فاغنر" الروسية، خاصة في مالي.
لكن، بالنسبة للخبير الأردني في العلاقات الدولية، عمر الرداد، فإن من أبرز الأسباب التي جعلت الجزائر تعيش أزمات متراكبة على مستوى محيطها الإقليمي وعلاقاتها الدولية، هو أن القيادة الجزائرية الحالية، التي ترى نفسها امتداداً لجبهة التحرير، "ما زالت أسيرة لأيديولوجيا ماضية تعود إلى مفاهيم وتوازنات ستينيات القرن الماضي"، على حد تعبيره.
وتتجلى هذه الأيديولوجيا، على حد تعبير المتحدث، في مواقف متشددة ومتقلبة تجاه القوى العظمى، ولا سيما في علاقاتها مع الولايات المتحدة وفرنسا. "ويبدو أن بعض أطراف القيادة الجزائرية ما زالت تتعامل مع الرئيس بوتين كما لو أنه رئيس الاتحاد السوفييتي"، بحسب المصدر.
المغرب.. "أعمال عدائية" تقطع العلاقات
خلال شهر أغسطس/آب 2021، وبعد أشهر قليلة من التطبيع المغربي مع إسرائيل، أعلن وزير الخارجية الجزائري السابق، رمطان لعمامرة، أن بلاده قررت قطع العلاقات مع المغرب، وقال إن قطع العلاقات الدبلوماسية يأتي بسبب ما وصفه لعمامرة بـ"الأعمال العدائية".
وبينما لم يشر رئيس الدبلوماسية الجزائرية السابق إلى طبيعة "الأعمال العدائية"، إلا أن القرار جاء بعدما أعلنت الجزائر في وقت سابق إعادة النظر في علاقاتها مع المغرب، متهمة الرباط بـ"مساندة حركة المطالبة باستقلال منطقة القبائل" التي تعتبرها الجزائر "منظمة إرهابية".
بالنسبة للباحث التونسي في العلاقات الدولية، محمد آدم المقراني، فالأزمة بين المغرب والجزائر قديمة تعود إلى ما بعد الاستقلال وحرب الرمال سنة 1963، موضحاً أن الجزائر "ترى أن المغرب يحتل الصحراء الغربية، وقد زاد من تعقيد الوضع التقارب المغربي-الإسرائيلي، الذي تعتبره الجزائر استفزازاً مباشراً".
وفي سبتمبر/أيلول 2021، قررت الجزائر إغلاق مجالها الجوي فوراً في وجه الطائرات المدنية والعسكرية المغربية، وتلك التي تحمل رقم تسجيل مغربي، وذلك بعد اجتماع للمجلس الأعلى للأمن بقيادة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون.
بينما أعربت المملكة المغربية عن أسفها لهذا القرار، واصفةً إياه بأنه "غير مبرر". وأصدرت وزارة الخارجية المغربية بياناً أعربت فيه عن أسفها للقرار الجزائري، مؤكدةً أن المغرب سيظل "شريكاً موثوقاً ومخلصاً" للشعب الجزائري.
فيما قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، إن قرار قطع العلاقات مع الجارة المغرب كان "بديلاً لنشوب حرب بين الدولتين". وأفاد تبون أن قطع العلاقات مع المملكة المغربية صيف العام 2021 كان "نتيجة تراكمات منذ العام 1963". وتابع تبون: "قطع العلاقات مع المغرب كان بديلاً للحرب معه، والوساطة غير ممكنة بيننا".
وفي موقف أكثر تشاؤماً، عاد الرئيس الجزائري للحديث عن قطع العلاقات مع المغرب، وقال عام 2023 إن العلاقة بين الجزائر والمغرب وصلت إلى نقطة اللاعودة، وإنه يأسف لوصول العلاقة بين البلدين الجارين إلى هذا المستوى، مشيراً إلى أن موقف بلاده هو رد الفعل.
وكان لهذا الوضع المعقد للعلاقات بين الجزائر والمغرب انعكاسات على الجانب الاقتصادي بين البلدين، وأيضاً على المستوى الاجتماعي، لانعكاس هذا الوضع على أعداد كبيرة من الجزائريين والمغاربة.
وفيما يلي أبرز تبعات قطع العلاقات بين الجزائر والمغرب:
إغلاق المجال الجوي: قررت الجزائر إغلاق مجالها الجوي فوراً في وجه الطائرات المدنية والعسكرية المغربية، وتلك التي تحمل رقم تسجيل مغربياً. وبات على جميع المسافرين، جزائريين ومغاربة من المتنقلين بين البلدين، أن يمروا من دول أخرى قبل النزول بأحد القطرين الجارين.
أنبوب الغاز: قرر الرئيس الجزائري عدم تجديد عقد استغلال خط أنابيب الغاز الذي يزود إسبانيا بالغاز الجزائري مروراً بالمغرب، وذلك بسبب ما وصفه بيان للرئاسة بـ"الممارسات ذات الطابع العدواني من المملكة المغربية".
المبادلات التجارية: تراجعت المبادلات التجارية بين البلدين من 557 مليون دولار عام 2020 إلى نحو 129 مليون دولار عام 2023:
- عام 2020 بلغت قيمة صادرات الجزائر إلى المغرب 423 مليون دولار أمريكي، منها 356 مليون دولار من الغاز، بينما بلغت قيمة صادرات المغرب إلى الجزائر 134 مليون دولار، عبارة عن حديد وأسمدة وملابس ومواد كيميائية.
- عام 2023 بلغت قيمة صادرات الجزائر إلى المغرب 64.2 مليون دولار، فيما بلغت قيمة صادرات المغرب إلى الجزائر 64.5 مليون دولار، وفق بيانات مرصد التعقيد الاقتصادي "OEC".
وتأثرت قيمة صادرات الجزائر إلى المغرب بإيقاف ضخ الغاز الجزائري عبر خط أنابيب الغاز الذي يزود إسبانيا بالغاز الجزائري مروراً بالمغرب، حيث كان يشكل نحو 68% من مجموع قيمة الصادرات الجزائرية إلى المغرب.
تجميد المشاريع المشتركة: أدى التوتر السياسي إلى تفتيت العلاقات بين المستثمرين المحليين في كلا البلدين، مما منع فرص خلق مشاريع صغيرة وكبيرة تؤدي في النهاية إلى تقليص معدلات البطالة وزيادة معدلات النمو في البلدين.
إعادة فرض التأشيرات: في سبتمبر/أيلول 2024، أعادت الجزائر فرض التأشيرات على المواطنين المغاربة، الأمر الذي زاد من تعقيد حركة الأفراد بين المغرب والجزائر، ما أثّر سلباً على قطاع السياحة.

دول الساحل.. طائرة مسيّرة تشعل الأزمة
في شهر مارس/آذار 2025، قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في لقائه الدوري مع الإعلام، إن الماليين "فهموا أن الجزائر بلد شقيق وليس جاراً فقط"، لكن بعد أقل من شهر على تلك التصريحات، استدعت دول تحالف الساحل، مالي والنيجر وبوركينا فاسو، سفراءها من الجزائر.
لتصل بذلك العلاقات بين الجزائر ومالي إلى ذروة التوتر المستمر منذ سنوات، وبالضبط بعد انقلاب الجيش المالي على الرئيس باه نداو، وما تلا ذلك من تطورات سياسية وعسكرية شهدتها منطقة الساحل الإفريقي، والاتهامات التي وجهتها مالي للجزائر بالتدخل في شؤونها الداخلية.
ويوضح الباحث التونسي المقراني لـ"عربي بوست" أن التوتر مع مالي يعود إلى اتهامات وجهتها السلطة الحاكمة هناك للجزائر بدعم الطوارق (الأزواد)، وهو ما تعتبره الجزائر جزءاً من التزاماتها باتفاق السلام الذي أُبرم برعايتها.
وأضاف المتحدث أن وجود أطراف جديدة مثل الإمارات أو مصالح فاغنر العسكرية ساهم في تعقيد العلاقة. ومع ذلك، يقول المقراني: "لا تزال الجزائر تتعامل بحذر مع مالي، رغم التصعيد الذي جاء أساساً من الجانب المالي، لا الجزائري".
وفي ما يتعلق بالنيجر وبوركينا فاسو، فإن التوتر مرده التكتل الجديد المعروف بـ"كونفدرالية الساحل"، دون أن يكون هناك عداء مباشر أو قائم مع هاتين الدولتين، لا سيما وأن الجزائر ما زالت تتعاون مع النيجر في مشروع أنبوب الغاز الرابط بنيجيريا.
في 7 أبريل/نيسان 2025، أعلنت مالي والنيجر وبوركينا فاسو أنها قررت استدعاء سفرائها من الجزائر، التي اتهموها بإسقاط طائرة مسيّرة تابعة للجيش المالي أواخر مارس/آذار 2025.
وفي بيان منفصل، أعلنت وزارة الخارجية في مالي انسحاب باماكو من لجنة رئاسة أركان الجيوش المشتركة مع الجزائر على خلفية إسقاط المسيّرة قرب الحدود المشتركة. وقالت الخارجية المالية إنه بعد إجراء تحقيق، خلصت مالي إلى أن الطائرة المسيّرة أُسقطت نتيجة ما وصفته بعمل عدائي من قبل الجزائر.
بينما أبدت وزارة الخارجية الجزائرية، في بيان نشرته على صفحتها، امتعاضها من القرار الصادر عن الحكومة الانتقالية في مالي بسحب سفراء كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو بسبب إسقاط طائرة مسيرة مالية اخترقت مجالها الجوي.
لكن الأزمة بين الجزائر ومالي لم تبدأ مع إسقاط الطائرة المسيّرة المالية، بل سبقتها مجموعة من الأحداث والتوترات:
- تحذيرات جزائرية: في يناير/كانون الثاني 2022، أعربت الجزائر عن استعدادها لدعم مالي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS) في مسار التفاهم المتبادل، محذرة من عواقب سياسية وأمنية واقتصادية لأي انتقال طويل الأمد في مالي.
- استقبال قادة "الطوارق": في فبراير/شباط 2023، استقبل الرئيس الجزائري قادة الحركات الأزوادية (طوارق) المتمردة شمالي مالي، والموقعة على "اتفاق السلام" مع باماكو، لبحث تطبيقه.
- استدعاء السفير المالي: في ديسمبر/كانون الأول 2023، استدعت مالي سفيرها في الجزائر بعد اتهامها للجزائر بالتدخل في شؤونها الداخلية من خلال لقاءات مع قادة متمردين، مما زاد من التوترات الدبلوماسية بين البلدين.
- انهيار اتفاق الجزائر: في يناير/كانون الثاني 2024، أعلنت مالي إنهاء "اتفاق الجزائر" للسلام والمصالحة الموقع عام 2015 مع الجماعات الانفصالية في الشمال، متهمة الجزائر بـ"أعمال عدائية" ودعم المتمردين الطوارق.
- اتهامات جزائرية: الجزائر اتهمت المجلس العسكري في مالي بـ"الاعتراض على نزاهة الوساطة الدولية، ووصف الموقعين على الاتفاق بأنهم قادة إرهابيون، وطلبت الانسحاب من بعثة الأمم المتحدة (مينوسما)، وكثفت برامج الأسلحة التي تمولها دول ثالثة، ولجأت إلى المرتزقة الدوليين".
- أزمة المسيّرة المالية: في مارس/آذار 2025، أسقطت الجزائر طائرة مسيرة عسكرية مالية من طراز "بيرقدار أقنجي" قرب منطقة "تين زواتين"، متهمة مالي بانتهاك مجالها الجوي. نفت مالي ذلك، واعتبرت الحادث انتهاكاً للقانون الدولي.
- رد فعل جزائري: في أبريل/نيسان 2025، ردت الجزائر بحظر الرحلات الجوية من وإلى مالي، واستدعى كلا البلدين سفراءهما، مما أدى إلى أزمة دبلوماسية حادة بين الجزائر وتحالف دول الساحل (مالي، النيجر، بوركينا فاسو).
مستقبل العلاقات بين الجزائر ومالي
أفادت دراسة معمقة لمنظمة "مجموعة الأزمات الدولية"، تناولت العلاقات المتوترة بين الجزائر ومالي، بأن تصعيداً عسكرياً بين الجارتين "لا ينبغي الاستهانة به" في حال استمرار خلافاتهما الحادة، التي نشأت بسبب إسقاط سلاح الجو الجزائري طائرة مسيّرة مالية، مطلع أبريل/نيسان الحالي على الحدود المشتركة.
وأكدت الدراسة التي نُشرت في أبريل/نيسان 2025، أن غياب آليات التنسيق بين البلدين "يزيد من خطر وقوع حوادث عبر الحدود"، خصوصاً وأن القوات المسلحة المالية "تواصل عملياتها ضد الجماعات المسلحة في شمال مالي" الحدودي مع الجزائر.
كما أفادت الدراسة بأن التوتر الحالي بين الجزائر وباماكو يأتي في سياق تصاعد التفتت السياسي في فضائي غرب إفريقيا والمغرب العربي، وهو تفتت تفاقمه الخلافات بين تحالف دول الساحل والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، وكذلك عودة التوتر بين المغرب والجزائر.
ماذا عن الجنرال المتقاعد "حفتر" في ليبيا؟
عام 2021 كشف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أن بلاده كانت مستعدة "للتدخل بصفة أو بأخرى" في ليبيا المجاورة لوقف تقدم قوات المشير خليفة حفتر نحو العاصمة طرابلس، وفق ما صرح به في مقابلة مع قناة الجزيرة.
هذا التصريح يعكس إلى حد كبير الموقف الجزائري من الوضع في ليبيا ودعمها الواضح لحكومة الوحدة الوطنية المعترف بها دولياً، كما تعي الجزائر جيداً أن أي توتر عسكري أو انفلات في ليبيا سينعكس سلباً أيضاً على الجزائر بحكم الحدود الجنوبية الشرقية للبلاد، والتي تخضع لسيطرة الجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر.
إذ إنه في عام 2024 أعربت الجزائر عن قلقها العميق إزاء التحركات العسكرية لقوات حفتر قرب حدودها، واعتبرتها "تهديداً مباشراً لأمنها القومي"، مع العلم أنه في عام 2018، هدد حفتر بنقل المعركة إلى الأراضي الجزائرية، مما أثار استياء الجزائر.

وفي يونيو/حزيران 2021، أعلنت قوات حفتر الحدود مع الجزائر "منطقة عسكرية"، مما زاد من حدة التوتر، ورداً على تحركات حفتر، قامت الجزائر بتعزيز تواجدها العسكري على الحدود، بما في ذلك توغل محدود داخل الأراضي الليبية لمنع أي تهديد محتمل.
وحسب المقراني، فإنه في علاقة الجزائر مع ليبيا، تبرز الخلافات في الرؤى مع الإمارات، خاصة فيما يتعلق بدعم الأخيرة للجنرال حفتر، بينما الجزائر تدعم الحكومة المعترف بها دولياً بقيادة عبد الحميد الدبيبة. وترى الجزائر أن "أي دعم خارجي لحفتر يهدد استقرار المنطقة ويمس أمنها القومي".
فرنسا وإسبانيا.. أزمة في الشمال بتبعات سياسية واقتصادية
من ملف الذاكرة إلى أزمة التأشيرات مروراً بقضية الصحراء الغربية، ووصولاً إلى الاتهامات المتبادلة بالتجسس، كلها ملفات أرخت بظلالها على العلاقات بين الجزائر وفرنسا خلال السنوات الأخيرة، إلى أن اقتربت إلى مرحلة القطيعة بين بلدين تراوحت العلاقة بينهما بين التطبيع والتوتر منذ استقلال الجزائر عام 1962.
النائب البرلماني والمحلل السياسي الجزائري، علي محمد ربيج، يرى أن العلاقات مع باريس تعاني منذ عقود من توترات هيكلية، "نتيجة السياسة الفرنسية المتعالية في تعاملها مع دول الجنوب، والجزائر تبنّت، رداً على ذلك، مواقف أكثر وضوحاً وصلابة، وهو ما أضر بالمصالح الاقتصادية الفرنسية داخل الجزائر".
ربيج أضاف لـ"عربي بوست" أن هذا الوضع دفع أطرافاً سياسية واقتصادية فرنسية، من اليمين المتطرف إلى الحكومة نفسها، إلى الدخول في حملة ضغط قوية ضد الجزائر، أملاً في دفعها للتراجع، ورجّح أن تتجه العلاقات نحو مزيد من التعقيد والتوتر.
ويمكن تلخيص التجاذبات بين الجزائر وباريس خلال السنوات الخمس الماضية في هذه الملفات:
- أزمة "الأمة الجزائرية": في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2021 وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون النظام السياسي الجزائري بأسلوب قاسٍ عندما تساءل علناً عن وجود "أمة جزائرية" مستقلة قبل الاستعمار الفرنسي.
وأثارت هذه التصريحات غضباً واسعاً في الجزائر، فحتى أحزاب المعارضة الشديدة انتقدت ماكرون، وأعلنت الجزائر سحب سفيرها من باريس، وتجمّعت أحزاب السلطة لحث الحكومة على التحرّك ضد "الإهانات" الفرنسية.
- أزمة التأشيرات: في سبتمبر/أيلول 2021 خفّضت فرنسا بنسبة كبيرة أعداد تأشيرات الدخول لمواطني المغرب والجزائر وتونس، للضغط على الدول الثلاث لقبول إرجاع مواطنيها المطرودين من فرنسا.
- أزمة "أميرة بوراوي": أثارت قضية الناشطة الجزائرية-الفرنسية أميرة بوراوي أزمة دبلوماسية، حين فرّت من الجزائر إلى فرنسا مطلع فبراير/شباط 2023 رغم منعها من السفر. وهو ما اعتبرته السلطات الجزائرية تسريباً غير قانوني بمساعدة دبلوماسيين فرنسيين، فاستدعت الجزائر سفيرها من باريس للتشاور.
- أزمة الصحراء الغربية: في 30 يوليو/تموز 2024 كشف الرئيس ماكرون في رسالة علنية دعمه لخطة الحكم الذاتي التي يدافع عنها المغرب في الصحراء الغربية. هذه الخطوة قُرئت في الجزائر كتحول مفاجئ في السياسة الفرنسية نحو المغرب. رداً على ذلك سحبت الجزائر سفيرها لدى فرنسا.
- قضية الكاتب بوعلام صنصال: في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 اعتقلت السلطات الجزائرية الكاتب الفرنسي جزائري الأصل بوعلام صنصال، وهو من المنتقدين للحكومة الجزائرية. وفي 27 مارس/آذار 2025 حُكم عليه بالسجن خمس سنوات بتهم "المساس بالوحدة الوطنية".
- الهدوء الذي سبق العاصفة: في 6 أبريل/نيسان 2025 زار وزير الخارجية الفرنسي الجزائر بهدف "إعادة ضبط العلاقات" بعد أشهر من الجمود، وتحدث وزير الخارجية الفرنسي وقتها عن "شراكة جديدة" بين البلدين. لكن الهدوء بين الجزائر وفرنسا لم يدم طويلاً، بعد أن أعادت حادثة دبلوماسية استجدّت بشكل مفاجئ علاقات البلدين إلى نقطة الصفر، ما شكل إنذاراً بتصعيد جديد، وهو ما حدث فعلاً.
وحسب المقراني، فإن الأزمة مع فرنسا "أعمق وأكثر تعقيداً"، ويرى البعض أن اعتراف باريس الضمني بالسيادة المغربية على الصحراء شكّل القشة التي قصمت ظهر البعير. "لكن خلف هذا الخلاف، تقبع أسباب اقتصادية، أهمها تراجع النفوذ الفرنسي في الجزائر لصالح قوى مثل تركيا والصين".
هل أثرت الأزمة مع فرنسا على الجزائريين؟
- الجزائريون الراغبون في دخول فرنسا وجدوا صعوبة في الحصول على تأشيرات، حيث ارتفعت معدلات الرفض إلى 45.8%، مما أثر على السفر لأغراض العمل، الدراسة، أو زيارة العائلة.
- تكشف الأرقام أن فرنسا منحت تأشيرات أقل للجزائريين بنسبة 28% في يناير/كانون الثاني 2025 مقارنة بالشهر نفسه من عام 2024. وربطت وسائل إعلام فرنسية بين انخفاض التأشيرات الفرنسية للجزائريين والتوتر بين البلدين.
- خلال 2024 سُجّل انخفاض بنسبة 9.1%، حيث تم منح 29 ألفاً و100 بطاقة إقامة أولى للجزائريين، مع العلم أن عدد بطاقات الإقامة الممنوحة لجميع الجنسيات في فرنسا ارتفع بنسبة 1.8%.
- عام 2021 حصل 9400 جزائري على الجنسية الفرنسية، فيما انخفض العدد عام 2022 إلى 8038 شخصاً، وواصل العدد في الانخفاض عام 2023 ليصل إلى 6737 جزائرياً، ثم انخفض أكثر عام 2024 بحصول 4468 جزائرياً فقط على الجنسية الفرنسية.
- اعتقال عدد من المؤثرين الجزائريين في فرنسا بتهم تتعلق بالتحريض أو التهديدات، أثار مخاوف داخل الجالية الجزائرية بشأن الحريات المدنية والتعبير.
- تزايدت المخاوف بين أفراد الجالية الجزائرية في فرنسا من أن تؤدي التوترات الدبلوماسية إلى تدهور أوضاعهم القانونية والاجتماعية، خاصة في ظل التصريحات السياسية المتشددة من الجانبين.
- تراجع المبادلات التجارية: انخفضت التجارة الثنائية بنسبة تصل إلى 30%، مع تضرر صادرات القمح الفرنسية بشكل خاص، حيث استبعدت الجزائر الشركات الفرنسية من المناقصات.
- قيود مصرفية غير رسمية: ظهرت تقارير عن تعليمات غير رسمية للبنوك الجزائرية بوقف التعاملات مع فرنسا، مما أثر على التحويلات المالية والتبادلات التجارية، رغم نفي الحكومة الجزائرية فرض عقوبات رسمية.
- تأثيرات على الاستثمارات الفرنسية في الجزائر: تواجه الشركات الفرنسية العاملة في الجزائر تحديات متزايدة، بما في ذلك استبعادها من مشاريع حكومية وتزايد عدم اليقين بشأن مستقبل استثماراتها.

ماذا عن الأزمة بين الجزائر وإسبانيا؟
خلال لقاء مع أعيان ومسؤولي ولاية بشار في أبريل/نيسان 2025، صرّح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بأن بلاده فرضت "عقاباً اقتصادياً" على إسبانيا، مما أجبرها على "مراجعة موقفها" من قضية الصحراء.
وأوضح الرئيس الجزائري أن الجزائر جمّدت التبادل التجاري مع إسبانيا بنسبة 93%، مما أدى إلى خسائر قُدرت بـ7 مليارات دولار سنوياً، وهو ما دفع مدريد إلى "تصحيح خطئها".
في المقابل، نفت الحكومة الإسبانية حدوث أي تغيير في موقفها. وأكد وزير الخارجية الإسباني، خوسيه مانويل ألباريس، أن بلاده لا تزال تدعم مقترح الحكم الذاتي المغربي كحل واقعي وذي مصداقية لنزاع الصحراء.
ومؤخراً شهدت العلاقات الجزائرية الإسبانية تحسناً تدريجياً، إذ أعادت الجزائر في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 إرسال سفيرها إلى مدريد بعد 19 شهراً من القطيعة. كما قام وزير الداخلية الجزائري بزيارة رسمية إلى إسبانيا في فبراير/شباط 2025، وهي الأولى منذ الأزمة.
انعكاسات الأزمة على العلاقات التجارية:
- بداية الأزمة وتراجع التبادل التجاري: خلال عام 2022 بلغت الصادرات الجزائرية إلى إسبانيا 8.28 مليار دولار أمريكي، معظمها من الغاز الطبيعي والنفط الخام. فيما انخفضت الواردات الجزائرية من إسبانيا بشكل حاد بعد تعليق معاهدة الصداقة في يونيو 2022، مما أدى إلى تجميد معظم المبادلات التجارية باستثناء الغاز.
- استمرار التراجع: عام 2023 استمر تراجع قيمة الصادرات الجزائرية إلى إسبانيا وبلغت 5.08 مليار دولار أمريكي، بانخفاض قدره 38.7% مقارنة بعام 2022. كما انخفضت الواردات الجزائرية من إسبانيا إلى 332 مليون يورو، مقارنة بـ3.6 مليار يورو في عام 2014، مما أثّر سلباً على الشركات الإسبانية والجزائرية على حد سواء.
- تحسن نسبي: عام 2024 شهد ارتفاعاً نسبياً في الصادرات الجزائرية إلى إسبانيا، حيث بلغت 6.01 مليار دولار أمريكي، مع استمرار الغاز الطبيعي كمكون رئيسي. وارتفعت الواردات الجزائرية إلى 828.12 مليون دولار أمريكي.
هل تأثرت الجزائر داخلياً وخارجياً بسبب تعدد الأزمات؟
بالنسبة للباحث التونسي في العلاقات الدولية، محمد آدم المقراني، فإن تأثير هذه الأزمات على الصعيد الداخلي الجزائري "يبدو محدوداً، بل وحتى عكسياً في بعض الحالات"، إذ يشير بعض المراقبين إلى أن هذه التوترات عززت شعوراً عاماً في الداخل الجزائري بكون البلاد "مستهدفة".
هذا الأمر خلق نوعاً من التوافق بين مختلف الفاعلين السياسيين حول ضرورة حماية المصالح الاستراتيجية للجزائر، "خصوصاً في ظل ما يرونه تطويقاً من قبل إسرائيل في الغرب، والإمارات في الشرق والجنوب الشرقي"، على حد تعبير الباحث التونسي.
كما يرى المقراني أن الأزمات الدبلوماسية الجزائرية مع محيطها "لم تفرز آثاراً سلبية واضحة على الاقتصاد الجزائري الذي حافظ على استقراره، بل بات يُصنّف كثالث اقتصاد في القارة الإفريقية".
لكن، على سبيل المثال، كشفت الأرقام عن انخفاض المبادلات التجارية من 557 مليون دولار عام 2020 إلى 129 مليون دولار عام 2023، نتيجة إغلاق الحدود ووقف ضخ الغاز عبر المغرب، إلى جانب تقييد حركة الأفراد وإعادة فرض التأشيرات، مما أثر على الروابط العائلية والاجتماعية بين الشعبين.
في المقابل، يرى الخبير الأردني في العلاقات الدولية، عمر الرداد، أن المعالجات السياسية للملفات الاقتصادية والاجتماعية، بصورتها الراهنة، قد تلقى قبولاً لدى الجيل القديم، "إلا أن مؤشرات الرفض لها واضحة في أوساط الشباب بمختلف انتماءاتهم، خاصة في ظل الانفتاح التكنولوجي الذي أنهى احتكار مصدر الرسالة والمعلومة".
وحسب المتحدث، فإنه لا يبدو أن القيادة الجزائرية قادرة في المدى المنظور على تطويق أزماتها داخلياً أو في محيطها الإقليمي، سواء في البعد العربي أو الإفريقي، نظراً لافتقارها إلى المرونة السياسية المطلوبة لبناء شراكات وتحالفات متوازنة.
غير أن تقريراً لـ"مجموعة الأزمات الدولية" يرى أن الجزائر كانت أكثر جرأة في سياستها الخارجية في السنوات الأخيرة، إلى حد كبير لاستعادة النفوذ الذي تعتقد أنه يجب أن تتمتع به، وهي تسعى لحماية شمال إفريقيا والساحل مما تراه تدخلاً أجنبياً.
ويؤكد البرلماني الجزائري، علي محمد ربيج، في تصريحه لـ"عربي بوست"، أنه رغم كل هذه التحديات، تظل الجزائر حريصة على بناء علاقات تعاون واحترام متبادل مع دول الجوار – سواء في منطقة الساحل أو المغرب العربي، أو حتى شمال المتوسط.
وأضاف ربيج: "هذه ملفات شائكة ومعقدة، ولكن بفضل التجربة الطويلة للدبلوماسية الجزائرية، وثقل الجزائر على الساحتين الإقليمية والدولية، فإن الجزائر ستظل تسعى إلى الحفاظ على قنوات الاتصال وتفادي التصعيد".
المتحدث استدرك قائلاً: "غير أن هذا لا يعني التخلي عن الحق في الرد الحاسم عندما تُمسّ السيادة الوطنية أو المصالح الاستراتيجية للبلاد، ينبغي على الجميع أن يدرك أن الجزائر ليست في وارد الدخول في حملات إعلامية أو دعائية، لكنها أيضاً لن تقف مكتوفة الأيدي إذا ما تعرّضت للتهديد".