العدالة والتنمية المغربي عينه على الانتخابات.. ما هي وصفة بنكيران للتعافي من “نكسة 2021” وكيف سيتعامل مع القصر؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/05/24 الساعة 19:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/05/24 الساعة 19:07 بتوقيت غرينتش
الأمين العام لحزب العدالة والتنمية المغربي عبد الإله بن كيران/ خاص

بعد مرور أربع سنوات على الهزيمة الانتخابية المدوية التي أنهت هيمنة حزب العدالة والتنمية على المشهد السياسي المغربي، لا يزال الحزب الإسلامي يراوح مكانه بين صدمة السقوط وأسئلة التموقع السياسي، وبين محاولات حثيثة لإعادة التموقع ضمن خريطة حزبية تعيد تشكيل توازناتها على وقع تحولات متسارعة.

لم تكن نتائج 8 شتنبر/ أيلول  2021 مجرد خسارة انتخابية عابرة، بل شكلت زلزالاً بنيويا ضرب بنية الحزب السياسية والتنظيمية، وهو ما طرح على قيادته تحديا وجوديا: هل يمكن استعادة عافيته بعد نكسة بهذا الحجم؟ هل تكفي عودة عبد الإله ابن كيران كي تعيد إليه وهجه السياسي؟ ثم بأي أدوات يخوض حزب "المصباح" غمار استحقاقات 2026.

من الانهيار إلى التعافي

رغم ما خلفته انتخابات 2021 من انهيار سياسي وتنظيمي غير مسبوق، يرى مراقبون أن مسار التعافي داخل حزب العدالة والتنمية قد بدأ فعلا، فالمؤتمر الاستثنائي الذي عُقد في أكتوبر من نفس السنة مثل لحظة توقف لالتقاط الأنفاس، فيما أظهر المؤتمر التاسع في أبريل/ نيسان 2025 ملامح استرجاع المبادرة.

إسماعيل حمودي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله في فاس، يرى  أن "الحزب استطاع عكس الاتجاه، من حالة الانهيار والتفكك الداخلي، نحو حالة الصعود والتعافي"، مشيراً، في تصريح لـ"عربي بوست"  إلى أن الفترة الفاصلة بين  مؤتمره الاستثنائي والمؤتمر الأخير شكلت فترة للتعافي والخروج من الأزمة، وأظهر  تقدما كبيراً  في تعافيه من أزماته".

يدعم إدريس  الأزمي الإدريسي، نائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية،  هذا التوجه، إذ يعتبر  أن " المؤتمر الوطني التاسع لحزب العدالة والتنمية شكل محطة فاصلة في مساره السياسي والتنظيمي حيث أفرز جملة من الخلاصات المهمة، كان أبرزها الشعور الجماعي الإيجابي الذي ساد صفوف المناضلين والمناضلات، بالنظر إلى السياق الذي سبق المؤتمر، وبالرغم من التخوفات المشروعة الذي سبقته"

وأضاف الأزمي، في تصريح لـ"عربي بوست"  أن "العمل الذي انطلق مباشرة بعد المؤتمر الاستثنائي منذ أكتوبر/ تشرين الأول  2021،  على المستويين المركزي والمجالي، أفضى إلى نتائج مشجعة، أسست لتحول نوعي في استعداد الحزب للاستحقاقات الانتخابية المقبلة"

في المقابل يلفت  بلال التليدي محلل سياسي متخصص في دراسة الحركات الإسلامية، في تصريح لـ" عربي بوست"  إلى أن "النقاش الداخلي  الذي سبق المؤتمر الوطني التاسع، كشف عن تباين واضح في المواقف حول قيادة الحزب ودورها في الخروج من الأزمة.

وقال إن وجهة النظر الأولى  دعت إلى  استمرارية القيادة، مستندة إلى أن من ساهم في إخراج الحزب من أزمته النسبية، يجب أن يستكمل به المسار في أفق الاستحقاقات الانتخابية القادمة. أما وجهة النظر الثانية، فترى أن تجديد القيادة أمر ضروري، وأن التعافي الذي تحقق سياسي بالأساس ولم يشمل البنية التنظيمية التي ما تزال تعاني من آثار الأزمة".

شخصية  ابن كيران التي لا تغادر الواجهة 

لا يمكن فهم التحولات الأخيرة داخل الحزب دون التوقف عند شخصية ابن كيران ، الذي أعيد انتخابه على رأس الأمانة العامة للحزب، إذ أسفرت نتائج المؤتمر الوطني التاسع لحزب العدالة والتنمية، المنعقد يوم الأحد 27 أبريل/ نيسان  2025 بمدينة بوزنيقة، عن عودة عبد الإله بنكيران إلى الأمانة العامة للحزب، بعد حصوله على ثقة 974 من المؤتمرين، بنسبة بلغت 69.4 في المائة من مجموع الأصوات المعبر عنها.

وحل في المرتبة الثانية إدريس الأزمي الإدريسي، الذي نال 374 صوتاً، أي ما يعادل 26 في المائة، فيما جاء عبد الله بووانو ثالثا بـ42 صوتاً فقط، دون أن يتجاوز عتبة 3 في المائة من الأصوات.

عبد الرحيم العلام، أستاذ القانون الدستوري والفكر السياسي، جامعة القاضي عياض،  يعتبر، في تصريح لـ"عربي بوست"   أن  "ابن كيران  تجاوز موقعه التنظيمي داخل الحزب، ليصبح  جزءا من النقاش السياسي  العام"، مشيراً إلى أن رمزيته في المشهد الحزبي لا تزال حاضرة بقوة حتى بالنسبة لأولئك غير المعنيين بتفاصيل السياسة، نظراً لرمزيته الكبيرة داخل المشهد السياسي بسبب تفرده بأسلوب خاص"، لافتاً إلى أن "الكثيرين  يتعاملون معه وكأنه لا يزال رئيسا للحكومة رغم أنه لا يشغل أي منصب حكومي منذ ما يقرب من عشر سنوات".

الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله بن كيران/ خاص
الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله بن كيران/ خاص

ويعتبر العلام  أن ابن كيران  يتمتع بكفاءة وتجربة سياسية معتبرة منذ بروزه، وعن طريقه نجح العدالة والتنمية  سنة 2011 وزاد من شعبيته 2016 ".

التليدي، يقدم صورة مزدوجة لابن كيران ، فهو في نظره "شخصية كاريزماتية قادرة على تعبئة القواعد الحزبية وضخ الحيوية في الصفوف التنظيمية، لكنه أيضا شخصية قد تذكي  الصراع مع مراكز الدولة"، ويشير إلى انقسام الحزب بهذا الخصوص، بين رأي يدعو إلى الاستمرار في خيار التصعيد السياسي، باعتباره وسيلة لتحسين موقع الحزب واستعادة جزء من عافيته السياسية، ورأي يحذر من أن هذا الخيار قد يعزز الأزمة مع الدولة، التي لا تزال قائمة، وإن كانت خفية ، معتبرا أن  شخصية ابن كيران  ليست هي المناسبة  في هذه المرحلة وأن الأمر يقتضي أن يتحسن وضع الحزب الانتخابي ريثما يتم نسيان الماضي خاصة خلال مرحلة "البلوكاج".

من جهته، يقول الأزمي إن "ابن كيران  شخصية استثنائية، تثير الجدل لا لذاتها، بل لمواقفها الصريحة التي تصطدم أحيانا بمصالح فئات متربصة بالوطن وبالحزب"، ويضيف أنه من "من الطبيعي أن تثير هذه المواقف امتعاض هذه الفئات، التي لا يروق لها لا الحزب ولا قيادته. لكن ما يلتقطه المواطنون من هذه المواقف هو الصدق والوضوح والاستقامة السياسية".

وبعد أن أكد الأزمي "الأهمية الخاصة لشخص ابن كيران"، شدد على أن  "الحزب لا يختزل في شخص واحد، لأنه اشتغل على مدى سنوات بمنطق العمل الجماعي والمؤسساتي، و يضم قيادات وكفاءات تشتغل بجد ومسؤولية في قضايا كبرى"، بحسب تعبيره.

العلاقة مع القصر.. خروج عن المألوف 

من بين الأسئلة التي لا تغيب عن تقييم وضع العدالة والتنمية، تبرز مسألة علاقته بالمؤسسة الملكية، والتي تخلق بعض الجدل في الساحة السياسية، خاصة بعد تصريح ابن كيران خلال حواره مع الصحفي حميد المهداوي، مدير نشر موقع بديل،  أن المستشار الملكي فؤاد عالي الهمة "لا يرد على مكالماته الهاتفية"، في إشارة تفهم على أنها اعتراف بحالة من الجمود أو فتور العلاقة بين الطرفين.

وفي هذا الصدد،  يعتبر حمودي أنه لا توجد قطيعة مع القصر الملكي، وليس  الهمة هو القناة الوحيدة للتواصل رغم أنه اختار التواري إلى الخلف من المشهد، ولم يعد حاضرا بالقوة التي كان عليها قبل 2016، مرجحا عودته إلى الواجهة مع عودة ابن كيران  إلى قيادة حزبه، لأداء المهام التي يتقنها، أي الحفاظ على التوازنات السياسية في البلد".

العلام بدوره، يقلل من تأثير هذه العلاقة الشخصية على المسار العام، مبرزا أن "القصر الملكي لطالما ظل فوق كل الاصطفافات، ويتعامل مع جميع الفاعلين من منطلق مسؤولية دستورية".

وأضاف أن "حزب العدالة والتنمية، رغم الجدل الذي يثيره أحيانا، لم يخرج يوما عن قواعد اللعبة الديمقراطية، ولم يتخذ مواقف مناوئة للمؤسسات، مشيراً إلى أن ابن كيران  الذي لطالما قدم نفسه كمدافع شرس عن المؤسسة الملكية و يمجدها حتى أنه يوصف بأنه "مخزني".

ولفت العلام  إلى كون طريقة تواصل ابن كيران  تثير الجدل أحيانا، وقد يتحدث عن أمور يفترض أن تبقى داخلية بين الملك وابن كيران   لكنه يتحدث عنها.

ويميل بنكيران إلى كشف ما يفترض أن يظل ضمن نطاق العلاقة الخاصة التي تربطه بالمؤسسة الملكية، سواء في تصريحاته الحزبية أو خرجاته الإعلامية، فهو لا يلتزم دائما بما يعد عرفا سياسيا راسخا في السياق المغربي، يقوم على واجب التحفظ إزاء ما يدور في الكواليس بين القصر والفاعلين الحزبيين، وهو ما يجر عليه انتقادات كثيرة وتفسر تصريحاته على أنها رسائل موجهة إلى مراكز القرار.

لقاء سابق بين الملك محمد السادس وبن كيران
لقاء سابق بين الملك محمد السادس وبن كيران

تواري  القيادات  وتحدى الجاهزية

من الإشكالات التي تطبع المشهد الداخلي للحزب، غياب عدد من رموزه البارزين بعد الهزيمة، مثل مصطفى الرميد وعزيز رباح، اللذان قدما استقالتهما عقب هزيمة 2021، أو سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة الأسبق، الذي تخلف عن حضور المؤتمر التاسع رغم عضويته بالحزب،  وهو ما يطرح تساؤلات حول جاهزيته التنظيمية وتماسكه الداخلي.

يرى حمودي أن هذا الغياب ستكون له انعكاسات، لكنه قلل من تأثيرها  في الحملات الانتخابية التي تحتاج، بحسبه إلى مناضلين في الميدان أكثر حاجة الحزب إلى  من يصوغ الخطاب والمواقف، بالمقابل  يرى التليدي أن لهذه القيادات قاعدة تنظيمية داخل الحزب، لافتا إلى وجود  أثر سلبي على جاهزية الحزب، وعلى قدرته على خوض المعارك الانتخابية أو السياسية"

ويشير  التليدي إلى  أن "القيادة الجديدة ترى أنه ينبغي على هذه القيادات أن تلتحق، لأن الحزب قد حسن مواقفه، وأنه ليس لديه أي مشكلة مع هذه القيادات، إذا اختارت أن تلتحق"،  لكن يبدو أن القضية معقدة،  بحسب التليدي، الذي يرى أن هذه المسألة تحتاج إلى تدبير، ويقول بأن الأمانة العامة تنحو منحى المصالحة، لكن الأمين العام له وجهة نظر مختلفة، وقد تم التعبير عن ذلك". 

وبحسب تصريحات إعلامية لعبد الإله ابن كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، فإن الحزب يظل مفتوحا أمام الجميع، ومن يرغب في العودة، فعليه أن يسلك مسطرة الانخراط العادية  المنصوص عليها في قوانينه الداخلية.

وحول وجود مساعي لإعادة عدد من القيادات المنسحبة،  قال الأزمي "حسب علمي لا توجد أي مساعٍ رسمية في هذا الاتجاه  لإعادتهم، والحزب قرر منذ البداية أن يركز على العمل والفعل السياسي، باعتباره الطريق الأجدى لمعالجة الإشكالات التنظيمية وتدبير الاختلافات. تلك قرارات شخصية، وتقديرات فردية، لا ينبغي تضخيمها ولا تحميلها أكثر مما تحتمل".

العدالة والتنمية واستحقاقات 2026

بعد مؤتمره الأخير،  توالت اجتماعات الهياكل التنظيمية  الجديدة  للحزب استعداداً للاستحقاقات الانتخابية المقبلة، وفي هذا السياق يوضح الأزمي أن " الحزب شرع في الإعداد  لهذه الاستحقاقات من خلال اجتماع  لجنتين مركزيتين. الأولى تعنى بالانتخابات، وقد بدأت صياغة تصور أولي لمذكرة الحزب، تشمل الأبعاد السياسية والقانونية والتنظيمية والعملية المرتبطة بالعملية الانتخابية، إلى جانب إعداد مسطرة اختيار المرشحين التي سيتم تسريعها،  أما الثانية، فهي لجنة إعداد البرنامج الانتخابي".

ويضيف الأزمي أن هذه الدينامية  تنطلق "من رغبة أكيدة في استثمار الزخم التنظيمي والسياسي الذي خلفه المؤتمر الوطني التاسع، مع الحرص على تفادي تداخل الأجندات. لهذا، تم تخصيص شهر يونيو لعقد المؤتمرات الجهوية، ويوليوز للمؤتمرات الإقليمية، على أن تستكمل باقي المؤتمرات المجالية في بداية الموسم السياسي المقبل، بما يضمن استعداداً واستقرارا تنظيميا على مختلف المستويات، ويهيئ الظروف لولوج هيئات مجالية منتخبة إلى مسلسل الإعداد للانتخابات".

ورغم هذه التحضيرات فإن السؤال المطروح هل يستطيع العدالة والتنمية أن يستعيد موقعه المتقدم في المشهد السياسي؟.

يرى حمودي أن ضعف الأداء الحكومي كما تعبر عنه ارتفاع نسبة البطالة، واتساع دائرة الفقر، وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين، وارتفاع الأسعار، وسقوط الحكومة في تعارض المصالح كلها عوامل تجعل المواطن يقارن أداء حكومة أخنوش مع أداء حكومة ابن كيران ، ويعبر عن المسار"، وهي مؤشرات تدفع إلى القول بان الحزب سيعزز من حظوظ فوزه الانتخابي في التشريعيات المقبلة

غير أن  العلام يحذر من الإفراط في التفاؤل، مشددا على أن "العدالة والتنمية في 2025 ليس هو نفسه قبل 2011″، وأنه بات في نظر كثيرين "حزبا عاديا مثل باقي الأحزاب". ويشير إلى أن الحزب قد يحتل "الرتبة الرابعة أو الخامسة أو السادسة"، بسبب ضعف هياكله التنظيمية، وضعف تأثير النقابات والمجتمع المدني المرتبط به، بل حتى جهازه الإعلامي، الذي أصبح ابن كيران  وحده يعوض غيابه.

أما التليدي فيربط حظوظ  الحزب في الانتخابات المقبلة  بسياقات أوسع، تتجاوز حيوية الحزب وجاهزيته وتجاوزه لأزمته، إلى طبيعة المناخ  الإقليمي والدولي"،  ويضيف أنه في حالة تنظيم انتخابات أكثر نزاهة من سابقاتها، فإن ذلك ما من شأنه أن يحسن من وضع الحزب، دون أن يعني ذلك بالضرورة تصدر الحزب للنتائج.

في المقابل، ا  يعبر نائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عن "تفاؤل موضوعي"  بإمكانية استعادة الحزب لمكانته ضمن الخريطة البرلمانية المقبلة، قائلا " على الرغم من صعوبة تقديم أرقام دقيقة في الوقت الراهن، إلا أن المؤشرات العامة تفيد بأن الحزب يشتغل بجدية على تأمين تموقع معتبر داخل المؤسسة التشريعية.

ويضيف أن حزب العدالة والتنمية يخوض الانتخابات المقبلة بثقة كبيرة، إيمانا منه بأن الكلمة الفصل تعود في نهاية المطاف إلى المواطنين.

تحميل المزيد