هل تسقط حكومة الدبيبة؟ هذه أسباب عودة المظاهرات للعاصمة الليبية وطبيعة القوى المتصارعة

عربي بوست
تم النشر: 2025/05/18 الساعة 15:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/05/18 الساعة 16:16 بتوقيت غرينتش
رئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة - الأناضول

أعادت المظاهرات التي شهدتها العاصمة طرابلس خلال الأيام الأخيرة، والتي اتسع نطاقها وشهدت مشاركة شعبية متزايدة، طرح السؤال الذي لطالما تردد في الكواليس: هل حانت لحظة إسقاط حكومة عبد الحميد الدبيبة؟

ورغم أن الحكومة لا تزال متمسكة بمواقعها، إلا أن تصاعد الغضب الشعبي، والانقسام السياسي الحاد، والاهتزازات الأمنية العنيفة التي شهدتها العاصمة الليبية في الأيام القليلة الماضية، توحي بأن لحظة التغيير ربما لم تعد بعيدة.

غضب شعبي يتصاعد

لم يعد الغضب الشعبي في طرابلس – هذه المرة – مجرد رد فعل موسمي على انقطاع الكهرباء أو غلاء المعيشة كما كان يحدث في السنوات الماضية، بل بات تعبيراً صريحاً عن فقدان الثقة بالحكومة والنخبة السياسية بأكملها، كما يرى عدد من المراقبين.

التظاهرات الأخيرة حملت شعارات سياسية حادة، تطالب بإسقاط حكومة عبد الحميد الدبيبة، وتدين الفساد، والمحسوبية، وغياب الأفق السياسي. لكن السؤال المطروح: هل ما نراه اليوم مجرد احتجاجات عابرة؟ أم بداية حراك شعبي منظم قابل للتطور؟

المستشار القانوني هشام الحاراثي يرى أن ما يجري في العاصمة لا يمكن فصله عن تراكم الإخفاقات السياسية والمعيشية، موضحًا أن الخلفية العامة للحراك ترتبط بثلاثة عناصر أساسية:

  • تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي.
  • فساد سياسي واسع النطاق ومحاباة شبكات النفوذ.
  • تعثر مسار الانتخابات وغياب الأفق السياسي.

الحاراثي أشار إلى أن خطاب الدبيبة الأخير كان "انتقائياً ومسيّساً"، على حد تعبيره، إذ تجاهل عمق الأزمة، وألقى باللوم على خصومه، دون التطرق إلى مسؤوليات حكومته أو إلى قضايا الفساد الداخلي، ما زاد من حدة الغضب بدل تهدئته.

وكان رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة، أكد يوم السبت 17 مايو/ آيار، خلال لقائه وفدا من نشطاء وأعيان مدينة مصراتة، مسقط رأسه، أن الحكومة لن تسمح بعودة أي مظاهر خارجة عن مؤسسات الجيش والشرطة.

كما استعرض رئيس الحكومة تفاصيل اليوم التالي للعملية، موضحا أن العاصمة "شهدت أحداثا صعبة ومؤسفة حاولت من خلالها بعض الأطراف (لم يحددها) إشعال التوتر".

مظاهرات في العاصمة الليبية تنادي بإسقاط حكومة الدبيبة/ رويترز

وفي ما يتعلق بطبيعة الحراك، يرى الحاراثي أنه لا يزال عفوياً، لكنه يعبّر عن رفض شامل للطبقة السياسية، ويشهد اتساعاً تدريجياً لدعوات العصيان المدني، ما قد يتحول إلى حراك أكثر تنظيماً إذا استمرت السلطة في تجاهله، على حد قوله.

أما السيناريو الأقرب من وجهة نظره، فهو أن ما يجري يمكن أن تكون "شرارة قابلة للاشتعال"، ومدى تطورها مرهون بـ:

  • مشاركة أوسع من قطاعات مهنية.
  • كسر حاجز الخوف من القمع والتخوين.
  • بروز قيادة شعبية بخطاب جامع.

ورغم ذلك، يحذّر الحاراثي من أن غياب البدائل السياسية وانقسام البيئة الأمنية واستمرار الاستقطاب الإقليمي، قد تعرقل التحول نحو تغيير فعلي، ما لم يظهر مشروع وطني يتجاوز الانقسامات التقليدية ويكسب ثقة الشارع

صوت المحتجين من الشارع إلى نداءات للمجلس الرئاسي

مع تصاعد الغضب الشعبي في العاصمة، بدأ الحراك يأخذ ملامح أكثر وضوحاً، ليس فقط في الشعارات، بل أيضاً في الأصوات التي بدأت تخرج من قلب طرابلس لتخاطب الدولة والرأي العام.

في هذا السياق، صرّح أبو بكر مروان، عضو "حراك سوق الجمعة" وأحد أعيان المنطقة، بأن ما يجري لم يعد مجرّد احتجاج عابر، بل هو رد فعل شعبي غاضب على ما وصفه بـ"الحرب التي شنتها حكومة الوحدة الوطنية على المدينة".

وقال مروان في مداخلة صوتية مطولة لـ"عربي بوست" إن "الحراك في سوق الجمعة كان حراكاً شبابياً محلياً، لكن بعد أن شاهدنا ما وصفناه بالحرب التي أطلقتها الحكومة على منطقتنا، لم نعد قادرين على الصمت. لقد وصل الأمر إلى تصفية من كانوا أدواتها، مثل عبد الغني الككلي (غنيوة)، الذي تمت تصفيته كما اعترفت الحكومة نفسها".

وأكد أن العاصمة دفعت ثمناً باهظاً لما وصفه بالتصعيد الأمني غير المبرر، قائلاً: "طرابلس دفعت 180 قتيلاً في يوم واحد – هذه فاتورة لا يمكن تحملها".

يذكر أن مساء الاثنين الماضي 12 مايو/أيار، اندلعت اشتباكات مسلحة عنيفة في منطقة أبوسليم بطرابلس، بالتزامن مع أنباء عن مقتل رئيس "جهاز دعم الاستقرار"، عبد الغني الككلي، المعروف بـ"غنيوة". أعلنت وزارة الدفاع بعدها بيومين تنفيذ وقف لإطلاق النار بعد عملية أمنية لإعادة الهدوء إلى العاصمة.

وبينما لف الغموض هوية الأطراف المنخرطة في الاشتباكات، ذكرت قناة "ليبيا الأحرار" المحلية أن المواجهات وقعت بين قوات من "جهاز دعم الاستقرار" وأخرى تابعة لـ"اللواء 444 قتال"، التابع لوزارة الدفاع.

وشدد مروان على أن الحراك الحالي الذي تشهده العاصمة الليبية طرابلس يطالب بـ"دولة قانون لا تبنى بالدماء"، واصفاً حكومة الدبيبة بأنها "راعية لفساد الميليشيات" ومصدر رئيسي للأزمة السياسية، مضيفاً "الحكومة الحالية دعمت ميليشيات فاسدة اشترت الذمم بأموال الشعب، وأوصلت البلاد إلى وضع كارثي. يكفينا فساداً، يكفينا تدميراً".

أما عن مسار الحراك، فأوضح أنه في طريقه للتحول إلى عصيان مدني واسع، ما لم تتحقق المطالب الجوهرية، وهي:

  • تشكيل حكومة جديدة.
  • التمهيد لانتخابات ودستور.
  • إخراج ليبيا من "النفق المظلم".

كما دعا مروان المجلس الرئاسي إلى التدخل العاجل، محذراً من أن استمرار الصمت سيقود إلى فراغ سياسي خطير/ مشيراً "المجلس هو الجهة الوحيدة التي تملك زمام الأمر. نطالبه أن يقود البلاد نحو مرحلة سلام حقيقي تُنهي هيمنة التشكيلات المسلحة على مؤسسات الدولة".

وانتقد أبو بكر مروان، عضو حراك سوق الجمعة وأحد أعيان المنطقة، تصفية عبد الغني الككلي دون محاكمة، متسائلاً: "إذا كان مجرماً كما تقول الحكومة، لماذا لم يُعرض على النيابة؟ ولماذا لم يُحاسب رفاقه؟".

وأضاف أن اللجوء للتصفية بدل القضاء يُفقد الحكومة شرعيتها ويُظهر ازدواجية في معاييرها، مؤكداً أن العدالة لا تُبنى بالتصفية بل بالمحاسبة العادلة.

وختم مروان تصريحه بالتشديد على سلمية الحراك، نافياً أي صلة له بأعمال تخريب أو اقتحام مؤسسات:

"نحن ضد التخريب. المكان الرسمي للاحتجاج هو ميدان الشهداء أو الميادين العامة. أما من يتظاهر أمام مؤسسات سيادية فلا يمثلنا"، على حد تعبيره.

أسباب السخط .. من الغضب الشعبي إلى انفجار أمني

السخط الشعبي الذي تشهده العاصمة الليبية حالياً لا يرتبط فقط بتدهور المعيشة أو تأجيل الانتخابات، إذ تصاعد بعد مقتل عبد الغني الككلي (غنيوة)، أحد أبرز قادة قوة "الدعم والاستقرار" في طرابلس، في حادث بدا في البداية عشوائياً، لكن رُوّج له لاحقًا كعملية أمنية مخططة.

هذا الحادث فجّر أزمة أمنية داخلية، وفتح الباب لتحولات خطيرة في توازنات القوى داخل العاصمة. فحكومة الدبيبة، بدلاً من تهدئة الأوضاع، لجأت إلى استدعاء قوات من خارج العاصمة وتحديداً مصراتة والزنتان لتعزيز وجودها، ما اعتُبر خطوة متعمدة لتشكيل قوة ضاربة جديدة، بديلة عن جهازي الردع وقوة الدعم والاستقرار، وهما من أبرز القوى المسلحة في طرابلس.

لكن الأمور لم تتوقف عند هذا الحد. بعد مقتل غنيوة، أصدر عبد الحميد الدبيبة سلسلة من القرارات، من أبرزها:

  • حل جهاز الشرطة القضائية.
  • حل جهاز مكافحة الهجرة.

هذه الخطوات اعتُبرت إعلان مواجهة مباشرة مع مراكز النفوذ الأمني داخل طرابلس، وتسببت في حالة غضب غير مسبوقة، حتى من أطراف كانت سابقاً ضمن داعمي الحكومة. كثيرون رأوا في هذه القرارات مغامرة غير محسوبة، تهدد التوازن الأمني الهش في العاصمة، وتفتح الباب أمام صدام مسلح داخلي.

الدبيبة ومحمد تكالة والمشري-عربي بوست

اغتيال غنيوة يعري توازنات الدبيبة ويفجّر الغضب

يرى الخبير الأمني محمد السنوسي أن حالة الغضب الشعبي في طرابلس لا تعود فقط لتدهور الخدمات أو الفساد الإداري، بل تغذيها تراكمات من الإحباط العام تجاه واقع أمني هش، واقتصاد مأزوم، وسلطة تبدو مرتهنة لتحالفات مسلحة. وأشار في حديثه لـ"عربي بوست" أن المواطن الطرابلسي لم يعد يرى في الحكومة كيانًا سياديًا، بل كواجهة لسلطة تُدار من خلف الكواليس عبر أجهزة أمنية موازية تتغوّل على مؤسسات الدولة وتتحكم في القرار دون مساءلة.

ومع ذلك، لم يغفل السنوسي وجود أطراف متنفذة تستغل هذا التراكم الشعبي وتسعى إلى إسقاط الدبيبة بدوافع جهوية أو مصالح متقاطعة، ما يجعل من حالة الغضب الراهنة مزيجًا بين رفض شعبي حقيقي، وتوظيف سياسي مضاد.

وبحسب السنوسي، فإن اغتيال عبد الغني الككلي (غنيوة) كان نقطة التحول الفاصلة، ليس فقط لأنه أنهى توازناً هشّاً بين الحكومة والميليشيات، بل لأنه كشف هشاشة بنية السلطة نفسها.

غنيوة – كما يصفه – لم يكن مجرد قائد ميداني، بل "ضابط إيقاع" في شبكة التحالفات التي حافظت على استقرار العاصمة لسنوات. ومقتله أدى إلى تفكك هذه الشبكة، وفتح الباب لإعادة التموضع العسكري، بما في ذلك اندماج عناصره مع قوة الردع، واندلاع مواجهات مسلحة بأوامر مباشرة من الحكومة.

رد الشارع، وفق السنوسي، كان انعكاسًا لهذا التناقض الصارخ، موضحاً "كيف يمكن لحكومة تدّعي الشرعية أن تبني سلطتها على دعم ميليشيات، ثم تسعى لتفكيكها بقرارات متأخرة ومرتبكة؟" وهكذا، فإن مقتل غنيوة لم يكن مجرد حادث أمني، بل القشة التي قصمت ظهر تحالف السلاح – الحكومة، ودفعت الغضب الشعبي إلى السطح.

⁠القوة على الأرض.. من مع ومن ضد؟

التحولات العسكرية في طرابلس كشفت أن ولاءات السلاح لم تعد كما كانت. فبعد قرارات عبد الحميد الدبيبة بحل جهاز الردع وقوة الدعم والاستقرار، دخلت العاصمة في مرحلة إعادة تموضع أمني، تجلّت بشكل درامي في الاشتباكات التي اندلعت وأدت إلى مقتل عبد الغني الككلي (غنيوة)، أحد أبرز قادة المشهد الأمني.

ردّ رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي لم يتأخر، إذ أصدر قراراً بتجميد تلك القرارات الأمنية والعسكرية الصادرة عن حكومة الدبيبة، ما فتح باب التأويل: هل نحن أمام محاولة لتصحيح مسار أمني فوضوي، أم بداية صراع صلاحيات بين المجلس والحكومة؟

الخبير العسكري عادل عبد الكافي يرى أن ما جرى ليس صراعاً، بل نتيجة لتراكمات هيكلية في المشهد الأمني الليبي، تعود جذورها إلى عهد حكومة السراج، حين جرى ربط بعض الأجهزة الأمنية بالمجلس الرئاسي مباشرة، ما أحدث اختلالًا في التنسيق والسلطة والتمويل.

وبحسب عبد الكافي، فإن تحرك الدبيبة لإعادة ضم تلك الأجهزة تحت وزارتي الداخلية والدفاع كان محاولة لإعادة ترتيب البيت الأمني، لكن النتائج جاءت مكلفة سياسياً وأمنياً.

ويرى عبد الكافي أن خطوة المنفي كانت جزءاً من تفاهمات ميدانية تهدف إلى إعادة التوازن، لا كسر الدبيبة، خصوصاً أن بقاء الأجهزة مفككة يهدد بقاء أي سلطة مدنية في طرابلس، على حد قوله.

بالمجمل، لا يبدو أن هناك انقساماً حاداً داخل طرابلس بين قوى مسلحة "موالية" وأخرى "معارضة"، بقدر ما هناك إعادة تموضع حذرة، وسط حذر متبادل، وتوجس من تفجر الصراع إذا ما تمادت الحكومة أو المجلس الرئاسي في الانفراد بالقرار دون توافق.

أعضاء لواء 444 من الجيش الليبي حارس في منطقة أبو سليم في طرابلس/ رويترز

ضبط الأجهزة المتغولة ضرورة… لكن الثمن قد يكون باهظاً

في مقابل الانتقادات الموجهة لحكومة الدبيبة بشأن قراراتها الأمنية الأخيرة، يرى المحلل السياسي فيصل الشريف أن ما قامت به الحكومة لم يكن خياراً عدوانياً بل استجابة حتمية لتغوّل غير مسبوق لبعض الأجهزة الأمنية داخل مؤسسات الدولة، وفي مقدمتها جهازي دعم الاستقرار والردع.

وأوضح الشريف لـ"عربي بوست" أن هذه الأجهزة فرضت نفوذها على مؤسسات حساسة كديوان المحاسبة والرقابة الإدارية، وأحكمت قبضتها على ستة مصارف، إلى جانب إدارتها لسجون يُتهم بأنها شهدت انتهاكات جسيمة، الأمر الذي جعل المواجهة معها مسألة وقت، لا اختيار.

وأشار إلى أن الحكومة حاولت تفادي الصدام عبر مفاوضات، لكنها فشلت، مما أدى إلى اندلاع القتال ومقتل عبد الغني الككلي، ومن ثم اقتحام المقار الأمنية.

وأكد أن المواجهة مع جهاز الردع اندلعت إثر ما وصفه بـ"هجوم غادر"، نقلاً عن رواية محمود حمزة قائد اللواء 444، الذي تصدى للهجوم واستعاد المواقع.

وانتقد الشريف موقف المجلس الرئاسي، واصفًا حياده بـ"غير المناسب في لحظة سيادية"، معتبراً أن الحكومة تحملت وحدها عبء التصدي لتجاوزات هذه الأجهزة، في حين كان من المفترض أن يتشارك الطرفان وضع خارطة طريق لدمج وضبط هذه التشكيلات.

وختم الشريف بالقول "نعم، يجب ضبط هذه الأجهزة ومنع تغولها، لكن المطلوب أن نُوازن بين الحسم والحكمة، لأن السلاح متوفر لدى الجميع، والضحايا في النهاية هم المدنيون الأبرياء المقيمون قرب هذه المعسكرات".

⁠الخصوم السياسيون بين متربصين وصامتين

رغم اتساع رقعة الغضب الشعبي، لم تظهر حتى الآن معارضة سياسية موحدة قادرة على تقديم بديل فعلي. خصوم الدبيبة في مجلسي النواب والدولة يتربصون ويضغطون بصمت، لكن دون أن يقدموا رؤية تغيير حقيقية.

خالد المشري، على سبيل المثال، صعّد لهجته مؤخراً، لكنه لا يملك حتى الآن إجماعاً كافياً لإسقاط الحكومة. في المقابل، بعض القوى التقليدية في مصراتة بدت مرتبكة أو صامتة، وهو ما يضع الشارع في مواجهة فراغ سياسي مرعب: حكومة لا تُحتمل، ومعارضة لا تُقنع.

وفي هذا السياق، قال الأستاذ في العلاقات الدولية إسماعيل رويحة إن المظاهرات التي خرجت في طرابلس ومناطق غرب ليبيا بدأت بشكل عفوي كرد فعل على عملية أمنية غامضة نفذتها حكومة الوحدة الوطنية، لكنها سُرعان ما تحولت إلى أداة سياسية بيد القوى المناوئة للحكومة، التي حاولت توجيهها نحو إسقاطها.

رويحة أشار في تصريحه لـ"عربي بوست" إلى أن بيانات مجلس النواب في طبرق، وتصريحات خالد المشري – الذي وصفه بـ"منتحل صفة رئيس المجلس الأعلى للدولة" – تكشف بوضوح عن محاولات لـ"تركيع الحكومة عبر الضغط الشعبي"، على حد تعبيره.

وبحسب تحليله، فإن الحكومة تعاملت مع الموقف بحكمة، خصوصاً من خلال البيان الذي أصدره رئيس الوزراء، والإجراءات الأمنية التي قامت بها وزارة الداخلية، والتي وصفها بأنها "احترافية وناجحة في احتواء الوضع".

لكنه حذّر في ختام حديثه من أن حكومة الوحدة الوطنية اليوم أمام مفترق طرق حاسم: إما أن تمضي في فرض سيطرتها وهيبة الدولة، أو تتراجع تحت الضغط، وهو ما قد يؤدي إلى إجهاضها سياسياً وخلق فراغ أمني واسع على مستوى ليبيا ككل، وليس فقط في المنطقة الغربية.

⁠أوراق الدبيبة.. نفوذ يتآكل وسط الانهيار المالي والسياسي

رغم الأزمات المتصاعدة، ظل عبد الحميد الدبيبة متمسكاً بالحكم، مستندًا إلى ثلاث أوراق رئيسية:

  • المال العام
  • والتحالفات الأمنية والعسكرية
  • والدعم الخارجي الصامت.

لكنه مع بداية عام 2025، يواجه تآكلاً متسارعاً لهذه الأوراق جميعها. في هذا السياق، يرى المحلل السياسي أشرف الشح أن حكومة الدبيبة تمر بلحظة انهيار فعلي متدرّج.

وأشار في حديثه لـ"عربي بوست" إلى أن الشرعية الدولية التي كانت تحيط بها بدأت تتلاشى، كما أن التحالفات الداخلية تتفكك على وقع الغضب الشعبي والاحتقان الأمني.

أولًا: الانفجار المالي وتغوّل الجماعات المسلحة

بحسب الشح، اعتمدت حكومة الدبيبة على الوفرة المالية منذ البداية لضمان الولاءات، لكنها اصطدمت مؤخراً بانخفاض الإيرادات النفطية وتصاعد مطالب الجماعات المسلحة.

وأشار إلى أن الصدام الأمني الأخير في طرابلس نتج جزئياً عن صراع على توزيع الموارد، خصوصاً بعد صفقات مثيرة للجدل مع شخصيات من شرق ليبيا لتقاسم إيرادات النفط عبر شركة "اركنو".

ثانياً: تفجير التوازنات بدل الحفاظ عليها

يرى الشح أن الدبيبة اختار سياسة "فرّق تسد" لمواجهة الضغوط، بتحريض مجموعات ضد أخرى، ما زاد من تآكل منظومة التحالفات من حوله.

وتساءل: "هل سيبقى من يقاتل الآن معه ضد غنيوة والردع؟ أم أن الغنائم ستشعل صراعات جديدة بين من تبقى حوله؟".

ثالثاً: شح التمويل المركزي

أوضح الشح أن المصرف المركزي بدأ يفرض قيوداً صارمة على تمويل الحكومة، أبرزها توحيد الميزانية وتقنين الإنفاق، وهو ما عجزت حكومة الدبيبة عن تحقيقه حتى الآن، مما زاد من هشاشة المشهد المالي.

رابعاً: فراغ إداري وتفكك داخلي

أكد الشح أن نصف وزارات الحكومة باتت شاغرة أو معطلة، وأن الدبيبة لم يعد قادراً على تعيين شخصيات ذات وزن سياسي أو إداري، مما زاد من أزمة الكفاءة وفقدان السيطرة المؤسسية.

وكانت وسائل إعلام ليبية أفادت باستقالة سبعة وزراء من حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، في الوقت الذي احتشد فيه آلاف المتظاهرين في ميدان الشهداء بالعاصمة الليبية للدعوة لإسقاط الحكومة التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة وإجراء الانتخابات، في ما أعلن المجلس الأعلى للدولة في ليبيا أن حكومة الوحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة فقدت شرعيتها.

خامساً: تراجع الدعم الدولي

قال الشح إن الدول التي كانت تدعم الدبيبة بدأت تتراجع، وتبحث عن مخارج انتقال هادئة، دون فوضى، بعدما باتت تدرك أن حكومة الدبيبة فقدت السيطرة والقدرة على الاستمرار.

وختم بقوله: "الدعم يتراجع، والشرعية تتآكل، والحكومة في حالة انهيار تدريجي. قد يستطيع تأخير النهاية، لكنه لن يمنعها".

هل اقتربت ⁠لحظة التغيير؟

يرى الكاتب الصحفي عبد الله الكبير أن ما يحدث في طرابلس ليس مجرد اضطرابات عابرة، بل مؤشر واضح على تحول سياسي مرتقب في ليبيا، لن يتأخر كثيرًا. ويعزو ذلك إلى التطورات الأخيرة في العاصمة، مقرونة بـالغضب الشعبي المكتوم في مناطق سيطرة حفتر، ما من شأنه أن يعجّل بتنفيذ مبادرة بعثة الأمم المتحدة، التي تتضمن تشكيل سلطة تنفيذية جديدة وخارطة طريق تقود نحو الانتخابات.

الكبير يؤكد في حديثه لـ"عربي بوست" أن استمرار الحراك الشعبي بشكل منظم ومنضبط سيكون عامل ضغط فعّال على المجتمع الدولي، وقد يدفع البعثة الأممية إلى تسريع تنفيذ الحل السياسي المطروح.

ومع ذلك، يوضح أن حكومة الدبيبة قد نجحت في تجاوز المرحلة الحرجة مؤقتًا، ولا تزال تحظى بدعم من أطراف سياسية متعددة. كما أن خصومها، رغم اعتراضهم العلني، لم يتفاعلوا بجدية مع دعوات إسقاطها، لأنهم – كما يرى الكبير – لا يقدمون بديلاً حقيقيًا، بل يسعون فقط إلى استبدال الحكومة دون تغيير شامل للمشهد السياسي الذي يتكرر منذ أكثر من عقد

مظاهرات في العاصمة الليبية تنادي بإسقاط حكومة الدبيبة/ رويترز

⁠الدبيبة بين نهاية مؤجلة وسيناريو مفتوح

بعد تفكيك مشهد الغضب الشعبي، والاشتباك الأمني، والتآكل السياسي والمالي الذي تعانيه حكومة الوحدة الوطنية، يتضح أن عبد الحميد الدبيبة لم يعد يملك السيطرة الكاملة على أدوات البقاء التي حافظ بها على موقعه طوال السنوات الماضية.

المال السياسي لم يعد يكفي، والميليشيات باتت عبئاً أكثر من كونها ركيزة، والدعم الدولي لم يعد مطلقاً كما كان. في المقابل، الشارع الغاضب بدأ يخرج عن صمته، والتحالفات من حول الحكومة تتفكك بصمت أو تتربص بلحظة انهيار محسوبة.

ومع أن البديل السياسي لا يزال غامضاً، إلا أن المعادلة لم تعد في صالح الدبيبة: فكل القوى من حوله بدأت تتحرك – بعضها في العلن، وأكثرها في الكواليس.

بالمحصلة، نحن أمام لحظة سياسية مفتوحة: إما أن تفرض قوى الداخل والخارج انتقالًا هادئًا يُنهي مرحلة الدبيبة دون فوضى، أو أن ينفجر الغضب الشعبي والأمني على نحو يُسرّع السقوط في مشهد فوضوي غير محسوب.

في الحالتين، بقاء الحكومة بشروطها الحالية بات مستبعدًا… والمسألة لم تعد: "هل يسقط الدبيبة؟" بل: "متى؟ وكيف؟ وعلى يد من؟"، بحسب ما يراه المراقبون.

تحميل المزيد