في إطار الحرب الاقتصادية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، اقترح وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر إلغاء فئة الـ200 شيكل من العملة الإسرائيلية، الأمر الذي أثار تحفظاً من بنك إسرائيل، وقلقاً بين سكان قطاع غزة.
وفي رسالة بعثها ساعر إلى محافظ بنك إسرائيل أمير يارون، اقترح ساعر إلغاء الفئة النقدية 200 شيكل، وزعم أن الغرض من ذلك هو منع التمويل عن المنظمات الفلسطينية في قطاع غزة.
وبحسب ساعر، فإن إلغاء فئة الـ200 شيكل من شأنه أن يوجه ضربة اقتصادية استراتيجية لحركة حماس، ووفقاً لمزاعم إسرائيلية، فإن 80% من الأموال الموجودة بحوزة حركة حماس هي من فئة الـ200 شيكل.
لكن بنك إسرائيل، وهو الجهة المسؤولة عن سك الأوراق النقدية، رفض الفكرة، مشيراً إلى أن ذلك غير مطروح على جدول الأعمال، وأن فئة الـ200 شيكل ستستمر في الاستخدام كالمعتاد أسوة بالأوراق النقدية والعملات المعدنية الأخرى.
فيما وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فكرة ساعر بـ"الممتازة"، مشيراً إلى أنه سيتحدث إلى محافظ بنك إسرائيل حول الأمر، وأمر بدراسة إمكانية القيام بذلك.
كما أعرب وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزراء آخرون عن دعمهم للفكرة خلال اجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلي، بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت".

وفي اجتماع الكابينت، عرض ساعر خيارين:
- إزالة جميع الأوراق النقدية من فئة الـ200 شيكل من التداول واستبدالها بورقة جديدة أو ورقتين نقديتين من فئة الـ100 شيكل.
- إلغاء الأرقام التسلسلية من فئة الـ200 شيكل الموجودة في قطاع غزة.
ما تداعيات إلغاء فئة الـ200 شيكل على قطاع غزة؟
أثار التوجه الإسرائيلي قلقاً كبيراً لدى المواطنين في قطاع غزة، خاصةً أنه يأتي في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل منع إدخال السيولة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وتسبب منع إدخال السيولة الورقية النقدية إلى قطاع غزة في اهتراء الأوراق النقدية الموجودة بسبب كثرة تداولها بين الناس، وخلال الأشهر الماضية، توقفوا عن تداول فئة الـ10 شواكل المعدنية بسبب اهترائها، مع شح تداول فئة الـ20 شيكل مؤخراً للسبب ذاته.
ويشهد قطاع غزة شحاً في البضائع وارتفاعاً في الأسعار، في الوقت الذي يواصل فيه الاحتلال منع إدخال البضائع والمساعدات منذ نحو شهرين.
ورغم أن المواطنين في قطاع غزة بدأوا بالتعامل مع المحافظ البنكية والتداول بها، إلا أن خطوة إلغاء فئة الـ200 شيكل ستؤثر على الحركة الاقتصادية في القطاع بسبب الاعتماد الكبير عليها.
هل خطوة إلغاء فئة الـ200 شيكل ستكون مجدية؟
خبراء اقتصاديون إسرائيليون، رغم الضرر الذي قد يلحق القطاع الاقتصادي المتضرر في قطاع غزة، يعتقدون أن الخطوة لن تكون مجدية.
وكتب المعلق الاقتصادي في القناة 13 الإسرائيلية، ماتان خودوروف، أن المقترح غير مجدٍ، والسبب:
- هناك حوالي 500 مليون من الورقة النقدية من فئة الـ200 شيكل قيد التداول، وبالتالي ستكون إسرائيل ملزمة بإصدار مليار ورقة نقدية من فئة 100 شيكل على الأقل بدلاً منها، وهي عملية ستستغرق أشهراً عدة، تكاليفها عالية، وتفسح المجال لحركة حماس خلالها للتخلص من مخزونها التقليدي.
- أن إلغاء الأرقام التسلسلية من فئة الـ200 شيكل، التي يُفترض أنها في أيدي حماس، أيضاً غير قابل للتنفيذ، والسبب أن الحكومة الإسرائيلية لا تملك سجلاً منهجياً للأرقام التسلسلية المتداولة في غزة، وقد عبرت كمية كبيرة من المال الحدود بالفعل قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
- كما أنه من الناحية العملية، تقع المسؤولية القانونية على عاتق محافظ بنك إسرائيل، الذي سبق أن عارض مبادرة مماثلة في الماضي، وعليه فإن ذلك يتطلب تشريعاً أساسياً في الكنيست، وليس من خلال قرار حكومي، والذي يتطلب أيضاً مناقشات معمقة وإجراءات طويلة تستغرق سنوات.
فيما يشير خبراء اقتصاديون إلى أن التجار في غزة قد يستمرون في قبول الأوراق النقدية من فئة الـ200 شيكل على الرغم من إلغائها رسمياً، الأمر الذي يجعلها ذات أهمية اقتصادية، وبالتالي يمكن الاعتماد عليها كرواتب لعناصر حركة حماس، بحسب موقع "غلوباس" الاقتصادي الإسرائيلي.

وينقل الموقع ذاته عن خبراء اقتصاديين أن المعضلة تكمن في تحديد هوية الأوراق النقدية من فئة الـ200 شيكل، نظراً لعدم وضوح التمييز بين الأوراق النقدية في أيدي حماس أو تلك التي في أيدي الإسرائيليين، أو حتى سكان غزة.
ورغم أن هناك حديثاً بأن هناك سجلاً للأرقام التسلسلية، فإن عضو هيئة التدريس في كلية الإدارة بجامعة تل أبيب، الدكتور ديفي ديشتنيك، يشكك في ذلك، موضحاً أن هناك حركة للأشخاص والبضائع عبر أطراف ثالثة، كما أن الحدود ليست محكمة الإغلاق تماماً.
ويرى أن الحل الجزئي فعاليته قليلة، والأفضل هو إلغاء كافة الأوراق النقدية من فئة الـ200 شيكل.
ويوضح المعلق الاقتصادي خودوروف أن فكرة الإلغاء الجزئي ستشكل عبئاً على الإسرائيليين بشأن قبول الأوراق النقدية من السلسلة القانونية فقط، وهي خطوة من شأنها أن تخلق ارتباكاً، وتضر بأولئك الذين يعانون من ضعف الثقافة المالية، وتقوض ثقة الجمهور الإسرائيلي في السلطة المالية.
وسيتعين على أي شخص يحمل أوراقاً نقدية من فئة 200 شيكل التحقق منها إن كانت السلسلة صالحة أم لا، فيما سيتعين على أصحاب العمل التحقق منها إن كانت قانونية بالفعل.
ويرى بعض الاقتصاديين، بحسب "غلوباس"، أنه يمكن معالجة هذه المشكلة من خلال إطلاق تطبيق يقوم بمسح الأوراق النقدية، مما يسمح لأي شخص بالتحقق بسهولة.
لكن المختصين في هذا الشأن يرفضون هذه الفكرة، ويقول ديشتنيك إن ذلك "سيؤدي إلى خلق مشاكل، لأن صاحب متجر البقالة سيضطر إلى التحقق من كل ورقة نقدية، وحتى لو كان التطبيق بسيطاً، فهو غير عملي".
وهناك مقترح آخر يتمثل في استبدال الأوراق النقدية من فئة الـ200 شيكل الحالية بأخرى جديدة، لكن عملية الاستبدال، بحسب موقع "ذا ماركر"، أكثر تعقيداً من إلغائها، لأنها تتطلب أيضاً عملية تمهيدية من التخطيط والتصميم للورقة النقدية الجديدة.
وهذا الأمر، بحسب "ذا ماركر"، سيكلف مئات الملايين، وستستغرق العملية سنة على الأقل، وفي هذه الحالة أيضاً سيتعين إعطاء الجمهور الإسرائيلي فترة زمنية كبيرة لتبادل الأوراق النقدية التي بين أيديهم، وبالتالي فإن حركة حماس والمنظمات الفلسطينية الأخرى ستجد الوقت الكافي لتنظيم تبادل الأوراق النقدية.
تقويض استقلال بنك إسرائيل
أمر آخر يثير قلق الأوساط الإسرائيلية، فبينما يصر بنك إسرائيل على أن هذا الأمر يقع ضمن سلطة المحافظ لوحده، فإن الحكومة الإسرائيلية تلمح إلى إمكانية الذهاب إلى الكنيست وتشريع قانون إذا لم تحدث الاستجابة لطلباتها.
ويشير موقع "غلوباس" إلى أن استقلال بنك إسرائيل يشكل ركيزة مهمة لمرونة الاقتصاد الإسرائيلي ومصداقيته، وانتهاكه قد يؤدي إلى فقدان الثقة بين المستثمرين وشركات التصنيف الائتماني في إسرائيل.
فيما شدد موقع "ذا ماركر" على أن ساعر أصبح الآن متوافقاً مع اتجاهات أعضاء الائتلاف اليميني في إلحاق الضرر بمؤسسات الدولة وتهديدها.
وأضاف أن هذا السلوك تجاه بنك إسرائيل معروف جيداً داخل صفوف الائتلاف الحكومي، فقد هاجم سموتريتش بنك إسرائيل بشدة فيما يتصل بسياسة أسعار الفائدة، كما انتقد أعضاء آخرون في الكنيست ووزراء البنك بشدة بطريقة تم تفسيرها على أنها تضر باستقلال البنك، مع تعريض مكانته المهمة في الاقتصاد الإسرائيلي للخطر.