أعلن وزير الخارجية الأمريكية ماركو روبيو عن "إعادة تنظيم شاملة" لوزارة الخارجية يوم الثلاثاء 24 أبريل/نيسان 2025 مشيراً على وجه التحديد إلى "مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل" التابع للوزارة٬ والذي قال روبيو إنه "أصبح منصة للناشطين اليساريين الساعين إلى حظر توريد الأسلحة لإسرائيل". واقترح روبيو إعادة تسمية المكتب، وتقليص حجمه، ونقله إلى قسم آخر في وزارة الخارجية.
ويقول موقع The Intercept الأمريكي إن مهام "مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل" تشمل كتابة تقرير سنوي عن حقوق الإنسان٬ حيث انتقد التقرير العام الماضي إسرائيل وتصرفاتها في غزة٬ ودعا إلى تطبيق قانون يحظر تقديم المساعدات للوحدات العسكرية الإسرائيلية التي تنتهك حقوق الإنسان، وهو ما أثار حفيظة قادة الاحتلال الإسرائيلي في أبريل/نيسان 2024.
ماركو روبيو يريد تطهير وزارة الخارجية الأمريكية من أي أصوات تنتقد إسرائيل
- يقول موقع "ذي إنترسبت" إن اتهام مكتب "مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل" بكونه بؤرةً للنشاط المناهض لإسرائيل٬ حيّر منتقدي تعامل وزارة الخارجية الأمريكية مع حرب غزة٬ حيث لم تُفلح مساعيهم لمنع مبيعات الأسلحة لإسرائيل في عهد وزير خارجية جو بايدن، أنتوني بلينكن واستمر تدفع السلاح بشكل غير مسبوق في تاريخ الولايات المتحدة. وحتى بعض أكثر الأصوات تشككًا بشأن إسرائيل في الكونغرس الأمريكي لم تطالب قط بفرض حظر شامل على الأسلحة٬ بل سعت، دون جدوى ، إلى منع مبيعات أسلحة هجومية محددة تسببت بالفعل في خسائر بشرية واسعة النطاق بين الفلسطينيين.
- وبحسب الموقع الأمريكي فإن بيان روبيو يقدم إشارة مثيرة للقلق إلى أن إدارة ترامب تعمل على شل أحد الأصوات القليلة المتبقية التي يمكن فيها لمنتقدي إسرائيل داخل الإدارة حتى سماع حججهم٬ وإن كان يتم تجاهلها بشكل روتيني من قبل كبار المسؤولين في الوزارة سواء في أيام إدارة بايدن أم في ظل إدارة ترامب الآن.
- ويقول تشارلز بلاها، الذي شغل منصب مدير المكتب منذ عام 2016 حتى تقاعده عام 2023: "إن هذه التصريحات حول المزاعم (المعادية لإسرائيل) خاطئة تمامًا". وأضاف: "التوجه السائد في الوزارة هو عكس ذلك تماماً.. الوزارة مؤيدة لإسرائيل لدرجة أنها تتغاضى عن انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة التي ترتكبها٬ إنها تغض الطرف عنها!".
- وقالت وزارة الخارجية الأمريكية هذا الأسبوع إن المكتب سوف يتم تغيير اسمه إلى "مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات الدينية" – مع إسقاط التركيز على "العمل" – ونقله تحت إشراف منسق جديد للمساعدات الخارجية والشؤون الإنسانية، ودمجه مع مكتب آخر.
- وفي منشور على موقع Substack يوم الثلاثاء، أوضح الوزير روبيو سبب سعيه إلى إعادة تنظيم وزارة الخارجية. وقال: "إن مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل أصبح منصة للناشطين اليساريين لشن حملات انتقامية وتحويل كراهيتهم لإسرائيل إلى سياسات ملموسة مثل حظر الأسلحة".
- ورفض تشارلز بلاها، المدير السابق للمكتب، هذا الوصف. وقال إن دور المكتب في وزارة الخارجية، كمرجعٍ لمناصري حقوق الإنسان، يجب أن يُوازن مع نفوذ السفارة الأمريكية في إسرائيل٬ ومكتب شؤون الشرق الأدنى – مكتب وزارة الخارجية لشؤون الشرق الأوسط – اللذين يُؤيدان الدعم المطلق لإسرائيل.
الغضب داخل وزارة الخارجية الأمريكية لم يتوقف.. والسبب استمرار دعم إسرائيل
- بعد أيام من هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وبدء القصف الإسرائيلي على المدنيين الفلسطينيين، غادر موظف وزارة الخارجية المخضرم جوش بول منصبه في مكتب الشؤون السياسية والعسكرية احتجاجاً على استمرار شحنات الأسلحة الأمريكية إلى إسرائيل. وذلك رغم أن بول وصف هجوم حماس على إسرائيل بأنه "وحشي" قبل أن يضيف أن "الرد الذي تتخذه إسرائيل، ومعه الدعم الأمريكي لهذا الرد وللوضع الراهن للاحتلال، لن يؤدي إلا إلى المزيد من المعاناة العميقة للشعبين الإسرائيلي والفلسطيني".
- وقد أنذر رحيل بول عن منصبه بأشهر من النزاعات الداخلية داخل وزارة الخارجية حول ما إذا كان ينبغي الاستمرار في تزويد إسرائيل بالأسلحة الهجومية الأمريكية، بما في ذلك القنابل التي يبلغ وزنها 2000 رطل والتي تسببت في دمار واسع في المناطق الحضرية المكتظة بالسكان في غزة وقتل عشرات آلاف الفلسطينيين.
- وخلال الصيف الماضي في 22 يونيو/حزيران 2024 استقال نائب وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الإسرائيلية – الفلسطينية أندرو ميلر من منصبه، على خلفية موقف إدارة بايدن من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة واستمرار تدفع الأسلحة لإسرائيل.
- وقبل ميلر٬ استقال من وزارة الخارجية المتحدثة الناطقة بالعربية باسم الوزارة السيدة هالة هاريت٬ كما قدمت أيضاً السيدة أنيل شيلين استقالتها من مكتب حقوق الإنسان بوزارة الخارجية٬ ولحق بهما أيضاً السيدة ستايسي غيلبرت٬ والتي كانت تعمل في مكتب السكان واللاجئين والهجرة التابع لوزارة الخارجية٬ وجميعهم استقالوا بسبب الموقف الأمريكي من الحرب والدعم المطلق لإسرائيل وتوريد الأسلحة لها.
- وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وقع أكثر من ألف مسؤول في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، التابعة لوزارة الخارجية، على رسالة مفتوحة تدعو إلى وقف لإطلاق النار على الفور في غزة.
- ويقول موقع "ذي إنترسبت"٬ كان منتقدو إسرائيل دائماً على "الجانب الخاسر"، فحتى عندما كانت إدارة بايدن تعرب علناً عن تعاطفها مع "المدنيين الفلسطينيين"٬ لم تُوقف صفقات بيع الأسلحة لقنابل وزنها 2000 رطل إلا مرة واحدة، وذلك في ظلّ مواجهتها انتقادات من التيار التقدمي في الحزب الديمقراطي قبيل انتخابات 2024. ولم يكن للقرار تأثير عملي يُذكر، لكنّ الجمهوريين زعموا أن ذلك يُمثّل "حظراً جزئياً على الأسلحة التي يمكن مد إسرائيل بها".
- وداخل وزارة الخارجية، كان يُنظر إلى مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل على أنه "أحد الفصائل البيروقراطية القليلة التي تدفع بلينكن وبايدن إلى اتخاذ نهج أكثر صرامة تجاه إسرائيل". وقال جوش بول في مقابلةٍ صحفية إن "مكتب حقوق الإنسان كان له دورٌ لا شك فيه في المطالبة بتعليق عمليات نقل القنابل التي تزن 2000 رطل لإسرائيل". وأضاف أن ذلك لم يكن مُخالفًا للقواعد، نظراً لتجاهل إسرائيل دعوات إدارة بايدن لضبط النفس".
- وقال بول: "هذه أدوات للسياسة الخارجية، لذا فمن المناسب تماماً، عندما يتصرف شريك بطريقة تتعارض مع مصالح الولايات المتحدة، وتتعارض مع القانون الأمريكي والدولي، أن يتم تعليق عمليات نقل الأسلحة كنقطة ضغط". ويرى بول أن وضع مكتب حقوق الإنسان الآن تحت إشراف جهة ما لن يؤدي بالضرورة إلى إضعاف النفوذ، ولكن يجب وضع هذه الخطوة في سياق أوسع. وقال "أعتقد أن الأمر سيعتمد إلى حد كبير على من يتولى هذا الدور، وبالطبع غاية الوزير روبيو من القرار".
كيف يعمل مكتب حقوق الإنسان في وزارة الخارجية الأمريكية؟
- يعد مكتب حقوق الإنسان هو الجهة التي يتفاعل معها النشطاء ومنظمات حقوق الإنسان في الغالب فيما يتعلق بتجاوزات إسرائيل. وبالاعتماد على مصادر مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، كان المكتب مسؤولاً عن إعداد تقارير سنوية تنتقد إسرائيل. وقد ذكر آخر تقرير صدر في عهد إدارة بايدن وجود "تقارير موثوقة" تفيد بأن إسرائيل ارتكبت "عمليات قتل تعسفية أو غير قانونية بحق الفلسطينيين، بما في ذلك عمليات قتل خارج نطاق القضاء"، و"اختفاء قسري"، و"تعذيبًا أو معاملة أو عقوبة قاسية أو لاإنسانية أو مهينة على يد مسؤولين حكوميين".
- وذلك٬ تخطط وزارة الخارجية الأميركية الآن لتقليص حجم التقارير المشابهة المتعلقة بحقوق الإنسان التي تعرض على الكونغرس، حسبما ذكرت إذاعة NPR. وكان مسؤول مكتب حقوق الإنسان السابق تشارلز بلاها في قلب نقاش أكثر حدة في ظل إدارة بايدن حول ما إذا كان ينبغي منع المساعدات عن وحدات عسكرية إسرائيلية محددة متهمة بارتكاب جرائم ومناقشة المسألة الأكبر المتعلقة بمبيعات الأسلحة لإسرائيل ككل.
- والآن٬ أصبح مستقبل هذا المكتب في ظل إعادة تنظيم وزارة الخارجية التي اقترحها روبيو غير واضح. ولا يظهر اسمه في أي وثيقة رسمية حول الهيكل الجديد المقترح٬ فيما لم تستجب وزارة الخارجية لطلب موقع "ذي إنترسبت" بالتعليق حول هذه القضية.
- وبموجب التشريع الذي سمي على اسم السيناتور السابق باتريك ليهي (ديمقراطي من ولاية فيرمونت) والذي دافع عنه في أواخر تسعينيات القرن العشرين، يُحظر على وزارتي الخارجية والدفاع تقديم المساعدات إلى وحدات الأمن الأجنبية التي اتُهمت بشكل موثوق بارتكاب انتهاكات "جسيمة" لحقوق الإنسان. وكان مكتب الأمن وحقوق الإنسان مسؤولاً عن التحقق والتدقيق على الجيوش ووحدات عسكرية محددة٬ للحصول على المساعدات الأمريكية.
- لكن للأسف، لم يُطبّق قانون ليهي على إسرائيل قط. ومع ذلك، وبعد أشهر من الحرب على غزة، أوصى منتدى خاصّ للتدقيق في السجلات الإسرائيلية بقطع المساعدات عن عدد من وحدات الجيش والشرطة الإسرائيلية، وهي توصية تجاهلها الوزير السابق أنتوني بلينكن في النهاية.

- وأثارت التقارير التي أشارت إلى احتمال فرض بلينكن عقوبات على وحدة عسكرية واحدة استنكاراً واسعاً من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو العام الماضي. وصرح روبيو، الذي كان آنذاك عضواً في مجلس الشيوخ، بأن ذلك "سيُشوّه سمعة الجيش الإسرائيلي بأكمله، ويشجع حماس وحزب الله والنظام الإيراني". إلا أن بلينكن لم يُنفذ وعده في النهاية.
- وفي شهر ديسمبر/كانون الأول، رفعت عائلات فلسطينية تدعمها منظمة "الديمقراطية في العالم العربي الآن" غير الربحية دعوى قضائية ضد وزارة الخارجية الأميركية، لإجبارها على دعم قانون ليهي فيما يتعلق بإسرائيل. وقال تشارلز بلاها، الذي يقدم المشورة للمجموعة، إن "تقارير الإدارة ذاتها تقول إن الوحدات الإسرائيلية ترتكب انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، لكن الإدارة الأمريكية ظلت تنكر ذلك".
- وحتى لو نجح روبيو في إعادة تسمية مكتب حقوق الإنسان وتقليص حجمه، فإن المدافعين عنه قالوا إن وزارة الخارجية ستظل مسؤولة عن دعم قانون التدقيق. وقال تيم ريزر، مستشار السياسة الخارجية لقانون ليهي والذي ساهم في صياغة التشريع: "قانون ليهي هو القانون على الجميع٬ والإدارة مُلزمة بتطبيقه". وأضاف: "وزارة الخارجية هي الجهة المنطقية الوحيدة المخولة بتطبيق قانون ليهي".
ماركو روبيو صديق إسرائيل الحميم وأشرس المدافعين عنها
- وقبل أن يصبح وزيراً للخارجية٬ كان روبيو على رأس قائمة من الأعضاء الجمهوريون بمجلس الشيوخ الأمريكي، الذين هددوا مدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، من إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومسؤولين آخرين مثل وزير الدفاع السابق "غالانت"، وهددوه بـ"عقوبات ثقيلة".
- وفي 6 مايو/أيار 2024، حملت رسالة روبيو وزملائه تهديداً شخصياً لخان بأنه "إذا أصدر مذكرة اعتقال بحق نتنياهو ومسؤولين إسرائيليين آخرين، فسيتم تفسير هذا الوضع "على أنه تهديد ليس فقط لسيادة إسرائيل، ولكن أيضًا لسيادة الولايات المتحدة" وسيفضي إلى "عقوبات ثقيلة". وهددت الرسالة المدعي العام خان بعبارة "إذا استهدفت إسرائيل، فسنستهدفك".. وأضافت الرسالة: "سنفرض عليك وعلى موظفي المحكمة عقوبات٬ وسيتم منعك أن وعائلتك من دخول الولايات المتحدة". وختم أعضاء روبيو وزملائه رسالتهم لخان بعبارة "لقد تم تحذيرك".
- ويعد ماركو روبيو من أشد المؤيدين لترحيل المحتجين المؤيدين للفلسطينيين الذين يحملون تأشيرات دراسية. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2024، كتب روبيو إلى وزير الخارجية السابق أنتوني بلينكن، يحثه على "القيام على الفور بمراجعة كاملة وتنسيق الجهود لإلغاء تأشيرات أولئك الذين أيدوا أو تبنوا النشاط الإرهابي لحماس"، على حد وصفه.
"يجب أن تستمر الحرب حتى القضاء على آخر عنصر من عناصر حماس، فهؤلاء حيوانات شريرة."
— Tamer | تامر (@tamerqdh) November 12, 2024
هذا الشخص المتعجرف هو السيناتور ماركو روبيو، المرشح لمنصب وزير الخارجية الأمريكية في عهد ترامب.
تختلف الوجوه، لكن الهدف واحد "إبادة غزة" . pic.twitter.com/FkY4Vv1A50
- ويعد روبيو من أشد المسؤولين في إدارة ترامب المؤيدين لإسرائيل ويقول "إنها من المستحيل أن تخطئ" وأن "الله وهب فلسطين لليهود". وظهر روبيو في مقطع فيديو خلال الحرب على غزة، يجيب ناشطة أمريكية تسأله إن كان يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة؟، فأجاب لا، لن أفعل، على العكس، وبدأ بالحديث وقال: "أريدهم أن يدمروا كل عنصر من حماس يمكنهم الوصول إليه" رفاضاً القول بأن إسرائيل تسببت في قتل آلاف الأطفال الفلسطينيين.
- وسبق أن اتهم روبيو اليهود الأمريكيين مراراً "بعدم الولاء لإسرائيل"، وألمح إلى ما أسماه "كرههم لدينهم بتصويتهم للديمقراطيين". كما دعا روبيو في أبريل/نيسان، إلى معاقبة مؤيدي حركة مقاطعة إسرائيل BDS في إطار "جهود مكافحة معاداة السامية المتنامية" على حد تعبيره.