بينها تقسيم البلاد ومواجهة النفوذ التركي.. الأهداف الحقيقية وراء استمرار العدوان الإسرائيلي على سوريا

عربي بوست
تم النشر: 2025/03/05 الساعة 10:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/03/05 الساعة 22:08 بتوقيت غرينتش
مدرعة إسرائيلية على الحدود بين الجولان المحتل والأراضي السورية/ رويترز

يواصل الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على سوريا واحتلاله لمزيد من الأراضي منذ الإطاحة بعدوِّه السابق بشار الأسد، مستغلاً انشغال القيادة السورية الجديدة بترتيب ملفاتها الداخلية، الأمر الذي يشير إلى أن العدوان الإسرائيلي على سوريا، يتجاوز بعض الضربات العسكرية لما هو أبعد من ذلك.

في هذا التقرير، سنرصد، نقلاً عن تقارير إسرائيلية وثيقة الصلة بدوائر صنع القرار في تل أبيب، الأهداف المعلنة والخفية لعدوان الاحتلال الإسرائيلي على سوريا، ولماذا تُصر تل أبيب على استهداف سوريا واحتلال المزيد من أراضيها؟ وما الذي يخشاه الاحتلال الإسرائيلي من القيادة السورية الجديدة؟

أهداف علنية وأخرى سرية

لم يعد سراً أن الاحتلال الإسرائيلي يعمل على إعادة تشكيل خريطة الشرق الأوسط، كما أعلن ذلك مع بدء عدوانه على غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهو ما يسعى لمواصلته من خلال العدوان المستمر على سوريا بهدف تحقيق جملة من الأهداف:

  • إعادة ترسيم الحدود بين إسرائيل وسوريا من جديد، والبقاء في الأماكن التي توغَّل فيها جيش الاحتلال الإسرائيلي داخل الأراضي السورية منذ الإطاحة ببشار الأسد.
  • محاولة بحث مستقبل الوجود الأجنبي في سوريا، مع العلم أن التوغلات الإسرائيلية الجارية في الأراضي السورية تأتي في ظل تفاهمات مع واشنطن.
  • يتزامن ذلك مع ضغوط إسرائيلية على واشنطن للموافقة على عودة القوات الروسية إلى سوريا، بهدف الحد من النفوذ التركي فيها.
  • إسرائيل استخلصت الدروس من فشلها في التصدي لهجوم المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر، وهي تسعى لعدم تكراره على الحدود السورية، وعدم تحوُّل سوريا إلى قاعدة أمامية للقوى المعادية لإسرائيل، من خلال ضرب ما تبقى لدى جيشها من قدرات قتالية، وإنهاء عمليات تهريب الأسلحة من سوريا إلى لبنان.
  • التصدِّي للنفوذ التركي المتصاعد في سوريا، باعتبارها حليفتها الأكبر والأهم، وما يصدر عنها من إدانات فورية لكل عدوان إسرائيلي عليها، والتحذير الإسرائيلي من نشوب صدام مع أنقرة.

فتح جبهة جديدة في سوريا

آخر التدخلات الإسرائيلية في سوريا جاءت بالتهديد بالتدخل عسكرياً فيها، بزعم "حماية الدروز في بلدة جرمانا"، جنوب شرق دمشق، وهو ما أعلنه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير حربه يسرائيل كاتس، بل إن نتنياهو وصل به الأمر إلى مطالبة قوات الحكومة السورية الجديدة بعدم دخول جنوب سوريا.

فيما أعرب وزير الخارجية غدعون ساعر عن قلقه العميق إزاء الحكومة السورية الجديدة، في استعراض قدمه للجنة الخارجية والأمن في الكنيست، رغم ما أسماها محاولات النظام الجديد تسويق نفسه على أنه معتدل، على حد تعبير المسؤول الإسرائيلي.

وأضاف المتحدث: "لكنه في الواقع مكون من عناصر إسلامية معادية لإسرائيل، وفي ظل هذه المرحلة من عدم اليقين، لا يمكن لنا التخلي عن وجودنا في مناطق استراتيجية في سوريا، لمنع التهديدات من الظهور على حدودنا الشمالية".

هذا التطور قد يحمل في ثناياه احتمالاً لفتح جبهة عسكرية أخرى، إلى درجة قد تجد فيها إسرائيل نفسها متورطة في دولة عربية، عقب توجيههما أمراً للجيش بالاستعداد للدفاع عن البلدة الدرزية، بزعم أنهما "لن يسمحا للنظام الإسلامي المتطرف في سوريا بإيذاء الدروز".

وأمام هذا العدوان الإسرائيلي على سوريا والتهديدات المتواصلة بحق القيادة السورية الجديدة وقواتها، فإنه من غير المستبعد وقوع احتكاك مباشر بين القوات السورية وجيش الاحتلال الإسرائيلي.

المناطق التي توغلت بها
المناطق التي توغلت بها "إسرائيل" في جنوب سوريا بعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024 – عربي بوست

صراع "القوى الإقليمية"

من الواضح أن التدخل الإسرائيلي المتزايد في سوريا يشكِّل فصلاً جديداً في الصراع على السيطرة بين لاعبين إقليميين، فبينما تسعى تركيا للحفاظ على أمنها من الحدود مع سوريا، يعمل الاحتلال على توسيع نفوذه خارج الحدود، بزعم قلقه العميق من وجود مجموعات إسلامية مسلحة على الحدود.

هذا الوضع يجعل التهديد الإسرائيلي الأخير بشأن حماية دروز سوريا ليس حادثاً معزولاً، بل علامة فارقة مهمة في الصراع المتصاعد بين إسرائيل وتركيا، اللتين تعتبران نفسيهما قوَّتين إقليميتين تتنافسان على مزيد من مواطئ الأقدام في سوريا، بعدما تم تحييد إيران عنها، وإخراجها منها، عقب سقوط الأسد.

السيناريو الأكثر خطورة، بنظر الاحتلال، ولا يبدو مستبعداً على الإطلاق، هو وجود قوات مسلحة تركية في سوريا، باعتبار ذلك "كارثة"، استدعت، بصورة استباقية، من الاحتلال الاستيلاء على المنطقة العازلة وقمة جبل الشيخ، وتوسيع نطاق سيطرته نحو الأراضي السورية، والمطالبة بنزع السلاح الكامل في جنوب سوريا.

كشف إسرائيلي يستحق الذكر، يتعلق بإرسال السكرتير العسكري لرئيس الوزراء، رومان غوفمان، إلى موسكو، وإبلاغ الروس برسالة مفادها: "لا تتعجلوا بمغادرة قواعدكم في سوريا، لأننا نفضِّلكم على الأتراك"، فيما كانت زيارة مستشار الأمن القومي الأذربيجاني حكمت حاجييف إلى إسرائيل، ولقاؤه بنتنياهو، ثم مغادرته إلى تركيا، بهدف نقل رسائل تهدئة بينهما، خاصة أن باكو تحتفظ بعلاقات وثيقة بين تل أبيب وأنقرة.

في سياق متصل، فقد مارست إسرائيل ضغوطاً على واشنطن للسماح لروسيا بالاحتفاظ بقواعدها العسكرية في سوريا، لتقليص نفوذ تركيا المتزايد في المنطقة، من خلال محادثات خاصة أجراها كبار المسؤولين الإسرائيليين مع نظرائهم في البيت الأبيض خلال اجتماعاتهم في واشنطن، وكذلك مع ممثلين في الكونغرس، بزعم أن النظام الجديد في سوريا، المدعوم من تركيا، يشكِّل تهديداً لحدود إسرائيل.

تناقض الموقف الإسرائيلي

يعود بنا السلوك العدواني الإسرائيلي تجاه سوريا الجديدة إلى وجود حالة من التناقض في موقف تل أبيب من التطورات الأخيرة لدى جارتها الشمالية في مرحلة ما بعد سقوط الأسد.

وفيما رأت قطاعات واسعة من الإسرائيليين أن سقوطه شكَّل انتصاراً لتل أبيب، وامتداداً لانهيار حزب الله في لبنان، والضربات التي تلقتها حماس في غزة، وتقليص النفوذ الإيراني، باعتبار كل ذلك تفكيكاً للمحور المعادي، فإن الاستنتاجات الإسرائيلية سرعان ما بدأت تعلن أن سوريا الجديدة هي "عدو"، وأنها تخشى حكامها الجدد.

ولعل نجاح المعارضة السورية في الإطاحة بالأسد ونظامه خلال أيام قليلة، بثَّ كثيراً من القلق في تل أبيب، ودفعها للمسارعة إلى شن ضربات استباقية واسعة النطاق، دمَّرت، خلال ثلاثة أيام، ما تبقى من القدرات العسكرية الجوية والبحرية للجيش السوري ومراكز الأبحاث العسكرية.

وزعمت إسرائيل أن هجومها كان بهدف القضاء على مخزونات الأسلحة الكيميائية التي يخفيها نظام الأسد، ودخلت مناطق واسعة من مرتفعات الجولان، وأعلنت انهيار اتفاقية فصل القوات لعام 1974، وكأنها بذلك تعلن الحرب فعلياً على سوريا الجديدة.

ولا يُخفي الإسرائيليون قلقهم من التشابه القائم بين المرجعيات الفكرية والأيديولوجية للقوى السياسية الإسلامية الجديدة في سوريا، ونظيرتها لدى حركة حماس، على الرغم من أن أحمد الشرع، الذي ترأس "هيئة تحرير الشام"، ينحدر من خلفية سلفية جهادية، لكن التجربة الإسرائيلية في الحرب ضد حماس علَّمتها درساً قاسياً.

ورغم أن إسقاط نظام الأسد أثار المخاوف الإسرائيلية بشأن المزيد من عدم الاستقرار على حدودها الشمالية، فقد رأى الاحتلال في هذا التطور فرصة لتغيير الديناميكيات الإقليمية، مع بقاء خشيتها من تعزيز القوى المعادية له، التي قد تسيطر على سوريا، الأمر الذي يجعل الأمور أكثر تعقيداً.

تقسيم سوريا أحد أهداف إسرائيل

جاء إعلان نتنياهو بأن المنطقة الجنوبية من سوريا يجب أن تكون منزوعة السلاح، وتصريح كاتس بالاحتفاظ بالسيطرة على قمة جبل الشيخ السورية لأجل غير مسمى، ليشكِّل تحدياً كبيراً للقيادة السورية. يضاف إلى ذلك الهجمات المستمرة لجيش الاحتلال على أهداف في البلاد تحتوي على أسلحة ومراكز قيادة وسيطرة، فضلاً عن إنشاء مناطق عازلة، بزعم منع الهجمات المستقبلية على حدودها.

لكن الأخطر من ذلك هو توثيق إسرائيل علاقتها القديمة الجديدة مع الأقليات داخل سوريا، الأكراد أولاً، والدروز أخيراً، وكل ذلك بهدف إقامة دولتين منفصلتين عن الدولة السورية الأم.

فضلاً عما صدر من تصريحات ومواقف سياسية وأمنية عدائية تجاه سوريا الجديدة، فقد تضمن تقرير لجنة يعكوب ناغال، مستشار الأمن القومي الأسبق، لفحص ميزانية الدفاع الإسرائيلية، الصادر في يناير/كانون الثاني 2025، مخاوف من أن سقوط الأسد، وإنشاء قوات جديدة في المنطقة، قد يخلقان تهديدات جديدة لإسرائيل.

وتتمثل تلك التهديدات، بحسب تقرير ناغال، في نشوء واقع تحلُّ بموجبه قوة سورية متطرفة، ذات أيديولوجية معادية لإسرائيل، محلَّ النظام السابق، وقد يكون مثل هذا السيناريو أكثر خطورة من التهديد الإيراني، على المستويين الاستراتيجي والعملياتي.

هنا يمكن تفسير الضربات الاستباقية الإسرائيلية المكثفة ضد سوريا، بزعم أن القوى الناشئة في ظل القيادة الجديدة لا تقبل بوجود إسرائيل، وقد تعمل على التسبب باحتكاك مباشر معها، وهذا السيناريو يحمل تهديداً محتملاً خطيراً، قد تكون له عواقب وخيمة على إسرائيل، لا سيما بسبب قربه منها.

وتسعى إسرائيل، من خلال التغير التاريخي الذي شهدته سوريا بعد سقوط الأسد، لاستغلال الفرصة السانحة لتدمير أي قدرة استراتيجية للدولة المجاورة، بما في ذلك خطوط التهريب على الحدود بين سوريا ولبنان، والمخاوف من سقوطها في أيدي الأكراد، الذين يرون في إسرائيل شريكاً.

شاحنة إسرائيلية داخل الحدود السورية/ رويترز
شاحنة إسرائيلية داخل الحدود السورية/ رويترز

لكن الدرس الذي يناقشه الإسرائيليون، على المستويين السياسي والعسكري، ما تعلموه بعد سقوط نظام صدام حسين في العراق، عندما انتقلت الأسلحة من يد إلى أخرى، واستُخدمت بسرعة ضد الاحتلال الأمريكي.

وتوقف الإسرائيليون عند حديث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حين خاطب إسرائيل بقوله: "من يسعون للاستفادة من عدم الاستقرار في سوريا من خلال تحفيز الانتماء العرقي والديني، يجب أن يعرفوا أنهم لن يتمكنوا من تحقيق أهدافهم، ونحن لن نسمح بتقسيم سوريا كما يتصورون برسم الخرائط"، واتهم إسرائيل بأنها "لا تستطيع ضمان أمنها من خلال خلق حالة من عدم الاستقرار في المنطقة".

ورغم أن ما شهدته جرمانا حادث محلي آني، وليس هجوماً عاماً من قبل القوى الإسلامية ضد الدروز، كما حاول نتنياهو وكاتس تصويره من خلال بياناتهما الاستثنائية التي تصدرت عناوين كبرى وسائل الإعلام العالمية، فإن الأمر يكشف عن حقيقة الدوافع المحتملة وراء تصريحاتهما:

  • الرغبة الإسرائيلية في الحفاظ على ضعف النظام الجديد في سوريا، لأن وجود دولة سورية قوية ذات حكومة مركزية مستقرة ليس في مصلحة إسرائيل.
  • نقل رسالة للمجتمع الدولي مفادها أنها تحمي الأقليات، في محاولة لصياغة رواية مفادها أن التدخل الإسرائيلي في سوريا ليس بالضرورة لأغراض التوسع الإقليمي، ولكن للحماية الإنسانية، وهو ما تكذِّبه الوقائع القائمة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

نسخة سورية للسابع من أكتوبر

عقب الطلب الإسرائيلي "الفجّ" بنزع السلاح السوري من المنطقة الحدودية، يتضح أن المقصود بهذا الطلب ليس فقط الأسلحة الثقيلة والصواريخ والقذائف والطائرات بدون طيار، ولكن بشكل أساسي وجود الإسلاميين، الذين قد يحاولون تنفيذ هجوم على الحدود السورية على غرار هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وتخشى إسرائيل من تحويل جنوب سوريا إلى نموذج متكرر من جنوب لبنان.

أكثر من ذلك، يتحدث الإسرائيليون، في ظل الواقع الجديد لدى جارتهم الشمالية، عن مفهوم جديد للدفاع ثلاثي الطبقات، بهدف حمايتهم من القوى الإسلامية الحاكمة في قطاع غزة وجنوب لبنان، والآن في سوريا، مما قد يعرِّضهم للخطر من قبل هؤلاء الإسلاميين، الذين تعتقد إسرائيل أنهم سيستمرون في تشكيل خطر عليها، حتى بعد وجود ترتيبات "اليوم التالي" في سوريا ولبنان وغزة.

أكثر من ذلك، تزعم المحافل الإسرائيلية أنه فيما ستواصل إيران دعم ميليشياتها، التي قد تأتي مُسرعة من الأراضي العراقية وصولاً إلى الأردن، فإن تركيا تدعم الجماعات الجهادية، التي قد تهاجم الاحتلال من وسط وشمال سوريا، أما حماس في غزة، فلا داعي للحديث عن تهديدها بعدما قدمته في السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

مخاوف إسرائيلية كثيرة

أكدت التطورات السورية الأخيرة على الأرض، واستمرار العدوان الإسرائيلي عليها، جملة حقائق، أهمها:

  • حالة عدم اليقين الإسرائيلية بشأن سياسة النظام الجديد في سوريا.
  • التخوف من إعادة إنشاء المحور الإيراني، بالتزامن مع تشكيل معسكر إسلامي أوسع في المنطقة، وهو ما حذَّر منه وزير الخارجية الإسرائيلي، غدعون ساعر، من أن "تركيا تدعم الجهود الإيرانية لإعادة بناء حزب الله"، على حد قوله، وأن الجماعات الإسلامية في سوريا تعمل على إنشاء جبهة جديدة ضد إسرائيل.
  • تحول سوريا إلى ساحة لعمل الجهات المعادية للاحتلال، التي قد تهدد أمنه، نظراً لقربها من الحدود.
  • استمرار العدوان الإسرائيلي على سوريا قد يقوِّض شرعية حكومتها الجديدة، التي قد تصبح غير قادرة على ممارسة سيادتها في مواجهة العدوان، وبالتالي يشجِّع على تقوية العناصر الأكثر عداءً.
  • تزايد الانتقادات الدولية لإسرائيل بانتهاك السيادة السورية، وإمكانية نشوء مبادرات إقليمية، وربما دولية، بما فيها العسكرية، لإخراج قوات الاحتلال من الأراضي السورية التي غزتها مؤخراً.
تحميل المزيد