هل مهّدت أجهزة أمن السلطة المسرح لاجتياح إسرائيل شمال الضفة؟.. 4 مشاهد تجيب عن هذا السؤال

عربي بوست
تم النشر: 2025/03/04 الساعة 13:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/03/04 الساعة 13:01 بتوقيت غرينتش
حاصرت أجهزة أمن السلطة جنين وقامت بملاحقة المطاردين/ عربي بوست

تُثار التساؤلات حول دور أجهزة أمن السلطة الفلسطينية، في ظل العدوان الإسرائيلي المتواصل على شمال الضفة الغربية، الذي أصبح يهدد المخيمات هناك، في الوقت الذي يطالب فيه وزراء في الائتلاف اليميني الذي يقوده بنيامين نتنياهو بالإعلان فعلياً عن ضم الضفة الغربية.

وتأسست الأجهزة الأمنية كجزء من ترتيبات "الحكم الذاتي" المحدود للفلسطينيين، بموجب اتفاق أوسلو، الذي لم يبقَ منه سوى "التنسيق الأمني"، الذي تدرج لاحقاً إلى ممارسات أمنية من أجهزة السلطة، أكثر قمعية تجاه فصائل المقاومة الفلسطينية.

ويشير تعريف الأمن الوطني الفلسطيني إلى أن وظيفته تنحصر في الدفاع عن الوطن وخدمة الشعب، وحماية المجتمع، والسهر على حفظ الأمن والنظام العام، والأمر ذاته ينطبق على باقي الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية.

لكن اتفاق أوسلو، وكذلك اتفاق "طابا"، يُلزِمان السلطة الفلسطينية بمنع المقاومة ومحاربة نشاطها، وذلك بالتنسيق مع الاحتلال الإسرائيلي.

ويُقرّ أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح، والمسؤول السابق لجهاز الأمن الوقائي في الضفة الغربية، جبريل رجوب، بأن الأجهزة الأمنية الفلسطينية ليست مهمتها الاشتباك مع الاحتلال ومقاومته.

هذا الطرح، الذي يمثّل توجهات السلطة الفلسطينية، يضعها أمام انتقاد واسع من الفلسطينيين، الذين يعتقدون أن الاحتلال الإسرائيلي لم يلتزم باتفاقياته مع السلطة الفلسطينية، وقوّض فكرة "حل الدولتين".

بل وذهب الاحتلال إلى أبعد من ذلك، بإعلانه تحلّله من أي التزام يتعلق بـ"حل الدولتين"، حيث أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن إسرائيل لن تعقد أي اتفاق يشكل خطراً عليها، خصوصاً إقامة دولة فلسطينية.

ورغم ذلك، فإن السلطة الفلسطينية، ورغم تحذيراتها من مخططات الاحتلال الساعية إلى ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية، فإن أجهزتها الأمنية على أرض الواقع، بدلاً من إسناد المقاومة الفلسطينية، شنت حملات تتناغم مع العدوان الإسرائيلي على المناطق التي تسيطر عليها السلطة في الضفة الغربية.

وهذا ما أقرّت به صحيفة "يديعوت أحرونوت"، التي أشارت إلى أنه لأول مرة تعمل الأجهزة الأمنية الفلسطينية بالتوازي مع قوات الجيش الإسرائيلي وفي المناطق ذاتها.

وأوضحت الصحيفة أن "نشطاء أبو مازن" يقومون بعمليات اعتقال وتفتيش، وذلك بعد سنوات من انسحاب الشرطة الفلسطينية من المنطقة أثناء عمليات الجيش الإسرائيلي فيها.

وفي تقرير آخر، أشارت الصحيفة العبرية إلى أن عناصر الأجهزة الأمنية الفلسطينية يعملون على تقليص شعبية حماس، وينفذون عمليات اعتقال ومصادرة معدات تابعة للحركة.

وتشير مصادر لـ"عربي بوست" إلى أن انتهاكات السلطة الفلسطينية شهدت هدوءاً نسبياً بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، لكن الأوضاع أخذت في التصاعد التدريجي، ومنذ بداية عام 2024، وفي إطار التنسيق الأمني مع الاحتلال، قامت الأجهزة الأمنية بملاحقة أعمال المقاومة.

في هذا التقرير، نستعرض أربعة مشاهد بارزة في تناغم أجهزة أمن السلطة الفلسطينية مع العدوان الإسرائيلي المتواصل على الضفة الغربية.

أولاً: حصار جنين

أطلقت الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية حملة أمنية واسعة النطاق في مخيم جنين، أحد أبرز رموز ومعاقل المقاومة الفلسطينية، وبينما بررت السلطة هذه الحملة، التي شملت حصاراً مطبقاً للمخيم وقطع الكهرباء، بأنها "ضرورة لضبط الأمن والخارجين عن القانون"، اعتبرها فلسطينيون خطوة مدفوعة بضغوط إسرائيلية وأمريكية لتقويض بؤر المقاومة هناك.

وانطلقت شرارة الأحداث في 4 ديسمبر/كانون الأول 2024، التي أدت إلى استشهاد 11 مواطناً، عندما قامت أجهزة أمن السلطة باعتقال الأسير المحرر إبراهيم الطوباسي أثناء نقله مبلغاً مالياً مخصصاً لدعم عائلات الشهداء، واعتقال عماد أبو الهيجا، نجل القيادي في حركة حماس جمال أبو الهيجا، وردّت كتيبة جنين في ذلك الوقت باحتجاز سيارات تابعة للسلطة كوسيلة ضغط للإفراج عن المعتقلين.

وفي 6 ديسمبر/كانون الأول 2024، نفذت الأجهزة الأمنية الفلسطينية عملية أمنية في المخيم، شملت محاصرة المنازل، وقطع المياه والكهرباء، وعمليات إطلاق نار.

عناصر من أجهزة أمن السلطة في جنين/ رويترز
عناصر من أجهزة أمن السلطة في جنين/ رويترز

لكن الحملة الأمنية، وفقاً لموقع "أكسيوس" الأمريكي، بدأت بتنسيق وإشراف كامل مع الجنرال الأمريكي مايكل فينزل، الذي يشغل منصب منسق الأمن الأمريكي في الأراضي الفلسطينية، حيث راجع المسؤول الأمني الأمريكي خطط العملية العسكرية على مخيم جنين مع قادة أجهزة أمن السلطة، وتم تحديد المعدات والذخائر التي يحتاجون إليها في مواجهة الشبان المقاومين في المخيم.

ثم أعلنت السلطة عن عملية تنفذها في مخيم جنين تحت اسم "حماية وطن"، وكان الهدف الحقيقي منها إنهاء وجود المقاومين داخل المخيم. وعقدت السلطة اجتماعاً ضمّ محافظ جنين، ووزير الداخلية زياد هب الريح، ورئيس المخابرات ماجد فرج، وقائد الأمن الوطني نضال أبو دخان، بالإضافة إلى مسؤولين في الاستخبارات والأمن الوقائي.

وتخللت عملية الأجهزة الأمنية الفلسطينية في جنين:

  • اعتقال العشرات من مخيم جنين، بينهم عناصر من المقاومة.
  • كشفت كتيبة جنين، في بيان صدر في 22 ديسمبر/كانون الأول 2024، أن السلطة الفلسطينية احتجزت 237 عنصراً من أجهزتها الأمنية لرفضهم المشاركة في الهجوم على جنين.
  • في 23 ديسمبر/كانون الأول 2024، استخدمت الأجهزة الأمنية الفلسطينية قاذفات "آر بي جي" للمرة الأولى، وأغلقت مداخل المخيم بالسواتر الترابية.
  • في 26 ديسمبر/كانون الأول 2024، اعتقلت الأجهزة الأمنية عدداً من الشبان، وأحرقت عدداً من المنازل الفلسطينية.
  • اغتيال الصحفية شذى صباغ خلال تغطيتها لحملة السلطة على مخيم جنين في 28 ديسمبر/كانون الأول 2024.
  • اقتحام مستشفى ابن سينا واعتقال الجرحى من داخل غرف العمليات، تخلل ذلك اعتداء على المسعفين.
  • في 2 يناير/كانون الثاني 2025، استهدفت أجهزة أمن السلطة سيارة مدنية بقذيفة "آر بي جي"، وفرضت حصاراً على المخيم، واعتقلت المطاردين موسى الواوي، وهشام حنايشة، وعزيز درويش.
  • في 15 يناير/كانون الثاني 2025، اغتالت قوات الاحتلال 6 مواطنين جراء إطلاق صاروخ من طائرة عسكرية، فيما أطلقت أجهزة أمن السلطة النار على الشبان أثناء محاولتهم نقل جثامين الشهداء، ومنعت الطواقم الصحفية من دخول المخيم لتغطية القصف الإسرائيلي.
  • في 21 يناير/كانون الثاني 2025، بدأ جيش الاحتلال عدوانه على مخيم جنين، وذلك بعد أكثر من شهر ونصف على محاصرته من قبل أجهزة أمن السلطة الفلسطينية.

ومع بدء العدوان الإسرائيلي على مخيم جنين، وثّقت كاميرات المواطنين لحظة خروج أجهزة أمن السلطة من محيط المخيم، تزامناً مع دخول آليات الاحتلال الإسرائيلي.

وبرّر الناطق باسم أجهزة أمن السلطة الفلسطينية، أنور رجب، الانسحاب المتزامن مع اقتحام قوات الاحتلال، بأنه يهدف إلى "تجنب مواجهة مباشرة معه".

وذكرت مصادر لـ"عربي بوست"، أن أجهزة أمن السلطة، في 22 يناير/كانون الثاني 2025، انتشرت بكثافة في البلدات المحيطة بمخيم جنين، ونصبت الكمائن للمطاردين للاحتلال، بالتزامن مع العملية الإسرائيلية على المخيم.

واتهمت حركتا حماس والجهاد الإسلامي أجهزة أمن السلطة بالمشاركة في العدوان عبر التنسيق الأمني مع الاحتلال، واعتقال مطاردين في جنين ومحيطها.

وفي 24 يناير/كانون الثاني 2025، أغلقت أجهزة أمن السلطة العديد من الطرق والمداخل الرئيسية لمدينة جنين.

ثانياً: اعتقال واغتيال المطاردين

خلال الحملة على جنين، قامت أجهزة أمن السلطة الفلسطينية باعتقال العشرات من الشبان الفلسطينيين، بينهم مطاردون للاحتلال.

  • اغتيال المطارد في كتيبة جنين، يزيد جعايصة، في 14 ديسمبر/كانون الأول 2024.
  • في 4 يناير/كانون الثاني 2025، اعتقلت أجهزة أمن السلطة الأسير المحرر عبد الرحمن طحاينة، والمطاردين تقي طحاينة وفادي شواهنة.
  • في 10 يناير/كانون الثاني 2025، اعتقلت السلطة المطارد الجريح محمد أبو عميرة، وحوّلت مستشفى جنين الحكومي إلى ثكنة عسكرية وسط حصار خانق للمخيم.
  • في 13 يناير/كانون الثاني 2025، اعتقلت أجهزة أمن السلطة المطارد للاحتلال والأسير المحرر محمود الدبعي في المخيم.
  • في 14 يناير/كانون الثاني 2025، اعتقلت أجهزة السلطة المطارد أحمد غنيم، مؤسس مجموعات كتيبة برقين التابعة لسرايا القدس، في بلدة برقين غرب جنين.
  • في 22 يناير/كانون الثاني 2025، وبالتزامن مع عدوان الاحتلال، قتلت أجهزة أمن السلطة الشاب محمد شادي الصباغ في مخيم جنين، وحاصرت مستشفى الرازي، ولاحقت عدداً من المقاومين في المنطقة، واعتقلت قائد كتيبة جنين، المطارد الجريح مسلم مصاروة، داخل مستشفى الرازي.

وذكرت مصادر لـ"عربي بوست" أنه تم حصر نحو 59 عنصراً بتهمة الانتماء إلى "كتيبة جنين" أو مساعدة عناصر الكتيبة.

ثالثاً: تفكيك أجهزة أمن السلطة للعبوات الناسفة

قبل العدوان الإسرائيلي على مخيمات ومناطق شمال الضفة الغربية، قامت أجهزة أمن السلطة الفلسطينية بحملات أمنية شملت تفكيك ومصادرة عدد من العبوات الناسفة التي زرعتها المقاومة للتصدي للاحتلال.

ووفقاً لمصدر في "عربي بوست"، فإن أجهزة أمن السلطة الفلسطينية قامت بتفكيك العبوات في كل من بلدة عزون في قلقيلية، والسيلة الحارثية في جنين، ومدينة طوباس.

وفي 27 سبتمبر/أيلول 2024، كشفت القناة 12 العبرية عن اتفاق بين السلطة الفلسطينية والاحتلال على نشر 500 عنصر أمن تابع للسلطة في شمال الضفة الغربية، لتفكيك العبوات التي يعدّها المقاومون لاستهداف الاحتلال خلال الاقتحامات.

وأكدت المصادر لـ"عربي بوست" أن أجهزة أمن السلطة قامت بتفكيك ومصادرة عبوات زرعت في منزل الشهيد تامر فقها في بلدة شويكة بطولكرم، إضافة إلى عبوات أخرى زرعت في مخيم نور شمس ومناطق أخرى.

وتالياً أبرز عمليات تفكيك عبوات ناسفة خلال الحملة الأمنية على جنين:

  • في 21 ديسمبر/كانون الأول 2024، أُصيب عدد من عناصر أمن السلطة أثناء محاولة تفكيك عبوة ناسفة في حي الجابريات في جنين.
  • في 25 ديسمبر/كانون الأول 2024، قُتل عنصر أمن في السلطة أثناء محاولته تفكيك عبوة ناسفة في مخيم جنين.
  • في 28 ديسمبر/كانون الأول 2024، قُتل ضابط أمن بعد محاولته تفكيك عبوة ناسفة في جنين.

وفي 30 ديسمبر/كانون الأول 2024، كشف موقع "i24" الإسرائيلي أن أجهزة أمن السلطة صادرت 20 عبوة ناسفة من نابلس، شمال الضفة، كانت مجهزة لتنفيذ عمليات ضد الاحتلال.

وفي 9 يناير/كانون الثاني 2025، أعلن الناطق باسم قوى الأمن الفلسطينية، أنور رجب، أنهم، ضمن الحملة الأمنية على جنين، سيطروا على 17 مركبة مفخخة وأبطلوا مفعولها.

كما أعلن المسؤول الأمني الفلسطيني أن أجهزة أمن السلطة أبطلت مفعول 245 عبوة ناسفة كانت قد زُرعت في الشوارع، وسيطرت على 3 معامل تُستخدم في تصنيع المتفجرات والعبوات الناسفة.

رابعاً: إغلاق قناة الجزيرة

وفي 2 يناير/كانون الثاني 2025، قررت الحكومة الفلسطينية إغلاق قناة الجزيرة القطرية في الضفة الغربية، في موقف يتماهى مع الاحتلال الإسرائيلي.

حيث قالت وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، إن "اللجنة الوزارية المختصة، المكونة من وزارات الثقافة والداخلية والاتصالات، قررت وقف بث وتجميد كافة أعمال فضائية الجزيرة ومكتبها في فلسطين، وتجميد عمل كافة الصحفيين والعاملين معها والطواقم والقنوات التابعة لها".

وجاء قرار السلطة الفلسطينية متزامناً مع إجراءات إسرائيلية ضد قناة الجزيرة، حيث أوقفت إسرائيل عمل مكتب القناة في الداخل المحتل والضفة الغربية.

وفي 23 يناير/كانون الثاني 2025، اعتقلت أجهزة أمن السلطة مراسل قناة الجزيرة، محمد الأطرش، وذلك بعد ظهوره على القناة خلال تغطيته للعدوان الإسرائيلي على مخيم جنين.

ونددت شبكة الجزيرة بإغلاق السلطة الفلسطينية مكتبها، واعتبرت ذلك خطوة متماهية مع ممارسات الاحتلال الإسرائيلي ضد طواقمها، ومتناغمة مع قرار الحكومة الإسرائيلية إغلاق مكتبها في رام الله.

واستنكرت الشبكة قرار السلطة الفلسطينية تجميد عملها وتغطيتها في الضفة الغربية، واعتبرت القرار محاولة لثنيها عن تغطية الأحداث المتصاعدة التي تشهدها الأراضي الفلسطينية في غزة والضفة.

وقالت الشبكة إن قرار منع صحفييها من مواصلة عملهم هو محاولة لإخفاء حقيقة الأحداث في الأراضي المحتلة، خاصة في جنين ومخيمها.

تحميل المزيد