“إسرائيل” تهدد دمشق عبر جرمانا.. ما الذي حدث ولماذا يستغل الاحتلال ملف “الدروز”؟ 

تم النشر: 2025/03/02 الساعة 12:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/03/02 الساعة 13:05 بتوقيت غرينتش
قوات من الجيش الإسرائيلي داخل المناطق الحدودية السورية رويترز - تعبيرية (عربي بوست)

بعدما ثبتت دولة الاحتلال الإسرائيلي أقدامها في مناطق استراتيجية جنوب سوريا بعيد سقوط نظام الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي٬ هددت حكومة نتنياهو في 1 مارس/آذار 2025 بالتدخل في سوريا عسكرياً لما قالت إنه "حماية للدروز" في جنوب دمشق وتحديداً في مدينة جرمانا٬ حيث هدد بيان صادر عن ديوان نتنياهو بـ"ضرب النظام المتطرف في سوريا حال مساسه بالدروز"٬ على حد تعبيره. وعلى الفور٬ قالت هيئة البث العبرية الرسمية مساء السبت إن نتنياهو ووزير الدفاع في حكومته يسرائيل كاتس "وجها الجيش بالتحضير لحماية منطقة جرمانا الدرزية".

ما الذي يحدث في جرمانا؟

  • تعد مسألة استعادة الأمن والحفاظ عليه في مختلف أنحاء سوريا أحد التحديات الأكثر إلحاحاً التي يواجهها الرئيس المؤقت أحمد الشرع، بعد سقوط نظام الأسد. وتشهد مدينة جرمانا، قرب العاصمة السورية دمشق، خلال اليومين الأخيرين توترات أمنية افتعلتها إحدى الميليشيات التي ترفض التخلي عن سلاحها هناك لصالح النظام الجديد الذي أطاح بالأسد٬ حيث تقول وكالة الأناضول إن التوترات الأخيرة أدت إلى مقتل أحد عناصر الأمن السوري وأسر آخر، على يد مليشيا مسلحة تدعى "درع جرمانا".
  • ووفق ما نقلته وكالة الأنباء السورية "سانا"، عن مدير مديرية أمن ريف دمشق المقدم حسام الطحان، فإنه "أثناء دخول عناصر تابعة لوزارة الدفاع إلى جرمانا بهدف زيارة أقاربهم، تم إيقافهم عند حاجز يتبع لما يُعرف بدرع جرمانا ومنعهم من الدخول بسلاحهم".
  • وأضاف الطحان: "بعد تسليم عناصر وزارة الدفاع أسلحتهم تعرضوا للضرب والشتائم من قبل عناصر الحاجز، قبل أن يتم استهداف سيارتهم بإطلاق نار مباشر.. وعلى خلفية حادثة إطلاق النار من حاجز بجرمانا قتل أحد العناصر الأمنية على الفور، فُيما أصيب آخر وأسره عناصر الحاجز".
  • ولفت الطحان، إلى أنه أعقب ذلك "هجوم على قسم الشرطة في المدينة حيث تم طرد عناصر القسم وسط إطلاق الشتائم بحقهم وسلب أسلحتهم، ورغم إنكار "درع جرمانا" في البداية احتجاز العنصر الأسير إلا أنه تم تسليمه لاحقا بعد التواصل مع الوجهاء".
  • وأكد الطحان على مواصلة قوات الأمن جهودها بالتعاون مع الوجهاء في المدينة لملاحقة جميع المتورطين في حادثة إطلاق النار. وتابع مشددا: "لن نسمح لأي جهة كانت بالتعدي على وحدة سوريا، ومشكلتنا الوحيدة تقتصر على من ارتكبوا الهجوم والاعتداء، فيما ندعو أصحاب العقول إلى إدراك أن هذا الطريق يهدد أمن واستقرار ووحدة البلاد".
  • وبحسب وكالة الأناضول٬ "تؤكد السلطات الجديدة في سوريا على حقوق كل الطوائف، وتشدد على عدم المساس بها في إطار وطن موحد". وتقول إن "المشكلة في جرمانا، وفي بعض مناطق البلاد، ليست مع طائفة إثنية معينة، وإنما مع الميلشيات التي ترفض التخلي عن السلاح، وتواصل إثارة القلاقل الأمنية".

هل تعد جرمانا مدينة درزية؟

  • تقع جرمانا في جنوب سوريا، وتتبع إدارياً لمحافظة ريف دمشق في سهل الغوطة. بلغ عدد سكان مدينة جرمانا 114,363 نسمة في عام 2004 حسب إحصاء المكتب المركزي للإحصاء السوري٬ ولا توجد احصاءات حديثة لعدد سكانها وتوزيعهم الديموغرافي. وكانت جرمانا في السابق مدينة ريفية لأن قسماً كبيراً منها يتوسط غوطة دمشق الشهيرة ببساتين الفاكهة، تحولت جرمانا اليوم إلى مدينة حديثة بعمارتها وشوارعها وأسواقها.
تحظى جرمانا بموقع استراتيجي جنوب دمشق – Google Earth
  • تقع جرمانا على بعد 5 كيلومترات -جنوب شرق- العاصمة السورية دمشق، ومعظم سكانها هم من المسيحيين بالدرجة الأولى٬ والدروز (الذين ينحدرون من السويداء والقرى الدرزية في القنيطرة والجولان) ويوجد بها أيضاً مسلمون سنة وشيعة.
  • ويسكن جرمانا أيضاً خليط من اللاجئين الفلسطينيين (يسكنون في مخيم جرمانا) واللاجئين العراقيين (قدموا بعد احتلال العراق 2003) مما يجعلها مدينة متنوعة ديموغرافيا وذات موقع استراتيجي بسبب موقعها من العاصمة دمشق وطريق مطار دمشق الدولي.

ما علاقة "إسرائيل" في دروز سوريا؟

  • يعيش نحو 150 ألف درزي تحت حكم الاحتلال الإسرائيلي، ويعتبر غالبيتهم أنفسهم إسرائيليين ويخدمون في الجيش، بينما يقيم 23 ألف درزي في الجزء الذي تحتله "إسرائيل" من هضبة الجولان. ويتمسك غالبيتهم بالهوية السورية، ويرفضون الجنسية الإسرائيلية٬ فيما تحاول "إسرائيل" تقديم نفسها على أنها الجهة الوحيدة القادرة على حماية الدروز والحفاظ على حقوقهم في المنطقة.
  • وبعد سقوط نظام الأسد وبالتزامن مع احتلال "إسرائيل" لمناطق عديدة جنوب سوريا٬ وتشكيل النظام الجديد في دمشق٬ قال القادة الإسرائيليون إنهم يتحدثون بانتظام مع زعماء من الأقليات السورية مثل الدروز والأكراد من أجل حمايتهم وإقامة علاقات معهم.
أهالي السويداء خلال احتجاجات ساحة السير وسط المدينة يرفعون راية الثورة السورية بجانب راية الموحدين الدرزية – آب 2023 (موقع السويداء 24)
  • في فبراير/شباط المنصرم٬ أفادت تقارير إسرائيلية أن تل أبيب بدأت العمل على "برنامج تجريبي من شأنه أن يسمح للدروز السوريين بالعمل في البلدات الإسرائيلية في مرتفعات الجولان". وبحسب ما ذكرته هيئة البث الإسرائيلية "كان"، فإن "المبادرة جاءت من أبناء دروز الجولان، الذين طلبوا من المسؤولين الأمنيين والعسكريين الإسرائيليين مساعدة إخوانهم الدروز عبر الحدود". وكان اللواء الدرزي غسان عليان، الذي يرأس منسق أنشطة الحكومة في الأراضي الفلسطينية، هو من وضع الخطة.
  • في 23 فبراير/شباط 2025 وجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عدداً من التحذيرات للإدارة الجديدة في سوريا. وطالب نتنياهو في خطاب ألقاه أمام دفعة جديدة من الضباط في تل أبيب٬ بـ"جعل جنوب سوريا منزوع السلاح بالكامل"، مؤكدا أن "تل أبيب لن تسمح لقوات الإدارة الجديدة بالانتشار جنوب العاصمة دمشق".
  • وقال نتنياهو في خطابه آنذاك: "لن نسمح لقوات تنظيم هيئة تحرير الشام أو للجيش السوري الجديد بدخول المنطقة جنوب دمشق.. ونحن نطالب بالنزع التام للسلاح من جنوب سوريا، في محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء". وأضاف أيضاً: "لن نتسامح مع أي تهديد للطائفة الدرزية في جنوب سوريا"٬ على حد تعبيره.
  • على إثر ذلك الخطاب٬ شهدت مدن سورية عدة، بينها دمشق والسويداء التي تقطنها غالبية درزية، تظاهرات نددت بمواقف نتنياهو٬ ورفع المتظاهرون الدروز في السويداء شعار "لن نكون خنجركم المسموم في ظهر سوريا".
  • وفي ظل الاشتباكات التي تشهدها مدينة جرمانا خلال الأيام الأخيرة٬ وصلت التهديدات الإسرائيلية ذروتها مساء السبت 1 مارس 2025 عندما أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس تعليمات للجيش "بالاستعداد للدفاع عن مدينة جرمانا لحماية الطائفة الدرزية"، وأكد نتنياهو وكاتس أنهما "لن يسمحا بإلحاق الأذى بالدروز" على حد زعمهما، وقالا: "لقد أصدرنا تعليمات لقوات الدفاع الإسرائيلية بالاستعداد وإرسال تحذير حاد وواضح: إذا أقدم النظام على إلحاق الأذى بالدروز فإننا سنلحق الأذى به". وأكد البيان أن "إسرائيل ملتزمة بمنع أي ضرر يلحق بالدروز في سوريا"، وقالت: "سنتخذ كل الخطوات اللازمة لضمان سلامتهم".
  • وبعد أحداث جرمانا والتهديدات الإسرائيلية للحكومة السورية الجديدة٬ رفض عضو مجموعة العمل المدني في جرمانا ربيع منذر، خلال تصريحات متلفزة، التدخل الإسرائيلي في أحداث المدينة. وأضاف: "نحن نعيش في جرمانا منذ مئات السنين ولم نطلب الحماية من أحد، ما يحمينا هو النسيج الاجتماعي السوري الذي نعتبر أنفسنا جزءاً لا يتجزأ منه".

ما الذي تحاول "إسرائيل" فعله في سوريا؟

بعد سقوط النظام السوري المخلوع في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، كثفت "إسرائيل" عملياتها العسكرية وتدخلاتها في سوريا، حيث احتلت المنطقة العازلة واستكملت السيطرة على قمة جبل الشيخ، إضافة إلى توسيع نطاق عملياتها العسكرية في القنيطرة ودرعا وريف دمشق حتى صارت الدبابات الإسرائيلية على بعد 20 كيلومتراً من العاصمة دمشق. كما شنت غارات جوية مكثفة استهدفت مخازن أسلحة خشية وقوعها في أيدي "الجماعات المسلحة الإسلامية"، وفق ما تزعم.

جنود إسرائيليون يقومون بدورية على قمة جبل الشيخ بعد احتلالها في ديسمبر 2024- رويترز
  • في 9 ديسمبر 2024، أصدر وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس قراراً "بتحديد أهداف عسكرية ملموسة وشاملة في جنوب سوريا". وتلقَّى الجيش الإسرائيلي 4 أهداف استراتيجية أساسية من وزير الدفاع لتنفيذها في الفترة التالية:

1- ضمان السيطرة الكاملة على المنطقة العازلة والمواقع الاستراتيجية القريبة الأخرى في سوريا. 

2- إقامة منطقة أمنية تمتدُّ إلى ما وراء المنطقة العازلة، مع التركيز على إزالة كل الأسلحة الثقيلة والبنية التحتية "الإرهابية" التي يُمكن أن تُشكِّل تهديدًا لإسرائيل، وإقامة اتصال مع المجتمعات الدُّرزية المحلية على وجه الخصوص والمجتمعات الإقليمية الأخرى.

3- منع إعادة إنشاء طرق تهريب الأسلحة الإيرانية إلى لبنان عبر الأراضي والمعابر الحدودية السورية.

4- مواصلة تدمير منظومات الأسلحة الثقيلة الاستراتيجية في جميع أنحاء سوريا، بما في ذلك شبكات الدفاع الجوي وأنظمة الصواريخ ومنشآت الدفاع الساحلية.

  • وفي مطلع فبراير 2025 كشفت إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي أن الجيش انتهى من بناء 9 مواقع عسكرية على طول المنطقة العازلة داخل جنوب سوريا، يقع اثنان منها في جبل الشيخ فضلاً عن 7 مواقع أخرى في مناطق متفرقة من المحافظات الجنوبية خاصة القنيطرة، مع نشر 3 ألوية عسكرية مقارنة بكتيبة ونصف قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023. كما أشارت الإذاعة إلى أنّ جيش الاحتلال يخطط للبقاء في جنوب سوريا خلال 2025 على الأقل ودون سقف زمني محدد، وهو ما يمثل تراجعاً عن تصريحات إسرائيلية سابقة بأن "تواجد قواته داخل المناطق المحتلة حديثاً في الجنوب السوري سيكون مؤقتاً".
المناطق التي توغلت بها "إسرائيل" في جنوب سوريا بعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024 – عربي بوست
  • تبع كل هذه التحركات والعمليات العسكرية انتقادات وتهديدات متصاعدة من قبل حكومة الاحتلال للنظام السوري الجديد٬ حيث انتقد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس الرئيس السوري خلال المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، واصفاً الحكومة الجديدة في سوريا بأنها "ذات خلفية إرهابية ولا يمكن الوثوق بها". وقال كاتس إن الشرع تولى السلطة في سوريا، و"استبدل ملابسه ببدلة، ويتحدث جيداً"، مشيراً إلى أن إسرائيل لا تثق به.
  • وقال كاتس خلال مؤتمر صحفي: "نحن لا نثق إلا بقوات الدفاع الإسرائيلية. لقد أصبح واضحا لي ولرئيس الوزراء أن المنطقة العازلة يجب أن تحتل، وسياستنا هي البقاء هناك، على قمة جبل الشيخ وفي نقاط المراقبة، لفترة غير محددة"٬ على حد تعبيره.
  • وتسعى "إسرائيل" إلى فرض حضور في المعادلة السورية التي لا تزال قيد التشكل في واقع إقليمي معقد بحسب موقع "أسباب" للشؤون الجيوسياسية، ولذا فإن الاختراقات الإسرائيلية والتدخلات الجارية في ملف الأقليات وفرض واقع جديد في الجنوب يمنح الاحتلال وضعية تفاوضية جيدة ضمن أية تسويات مستقبلية لهذا الواقع المعقد.
تحميل المزيد