القطاع الخاص خارج السيطرة.. لماذا تفشل الحكومة المصرية في إجبار الشركات على زيادة الحد الأدنى لأجور ملايين العمال؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/02/21 الساعة 12:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/02/22 الساعة 08:26 بتوقيت غرينتش
الرئيس المصري يترأس اجتماعا للحكومة (أرشيف)/ رويترز

قرر المجلس القومي للأجور في مصر الرفع من الحد الأدنى لأجور العاملين في القطاع الخاص من 6 آلاف إلى 7 آلاف جنيه، هذا القرار أثار جدلاً بين العاملين في القطاع الخاص في ظل شكوك حول قدرة الحكومة والهيئات الوصية على إجبار شركات القطاع الخاص على الرفع من الحد الأدنى للأجور، خاصة وأن الحكومة فشلت في إرغام غالبية الشركات على تنفيذ قراراتها السابقة.

ويأتي ذلك في ظل ضعف التشريعات المصرية العقابية إلى جانب مخاوف لدى الحكومة المصرية من خسارة الاستثمارات التي يضخها رجال الأعمال المصريون أو الأجانب، وهو ما قد تكون له آثار سلبية على الاقتصاد وكذلك على معدلات البطالة.

وأكد وزير العمل المصري محمد جبران، أن رفع الحد الأدنى للأجور إلى 7000 جنيه يمنح العمال في مصر طاقة إيجابية، وأشار إلى أن هذا الحد هو الأدنى وليس بالضرورة أن يتقاضاه جميع العمال، وأوضح أن القرار سيطبق بداية شهر مارس/آذار المقبل، ويستهدف العمالة التي لا يتناسب أجرها مع المستوى المعيشي، موضحاً أن القرار هذه المرة لا يتضمن أي استثناءات، على عكس العام الماضي.

وهذه هي المرة الخامسة التي يقرر فيها المجلس القومي للأجور زيادة الحد الأدنى لرواتب العاملين في القطاع الخاص على مدار الأربع سنوات الماضية إذ بدأ من 2400 جنيه حتى وصل إلى 7000 جنيه حالياً، ليصبح متساوياً بين القطاعين الحكومي والخاص، وسط توقعات بزيادات مرتفعة في الحد الأدنى لأجور القطاع الحكومي خلال الأيام المقبلة.

تهرب الشركات من قرارات مجلس الأجور

يبلغ عدد العاملين في القطاع الخاص في مصر ما يقرب من 18 مليون موظف بنسبة تقدر بـ 70% من إجمالي الموظفين في مصر، وهؤلاء يشكلون عصب المجتمع المصري مع توقف الحكومة عن استقبال معينين جدد منذ ما يقرب من عشر سنوات.

وشكك مصدر مطلع بدار الخدمات العمالية التي تطلع على أوضاع العاملين في الهيئات الحكومية والخاصة، في قدرة الحكومة المصرية على إلزام كافة شركات وهيئات القطاع الخاص بقرارات المجلس القومي للأجور، وذلك لأنه لا يوجد عقوبات تقريباً ضد الشركات التي لا تلتزم، إذ أن قرار وزارة العمل ينص على تغريم الشركات مبلغاً يتراوح ما بين 100 إلى 500 جنيه على كل عامل لا يحصل على الحد الأدنى، وفي حال تم توقيع عقوبات فإنها تبقى غير مؤثرة.

وأضاف المصدر ذاته أن مساعي تشديد العقوبات على الشركات الخاصة في قانون العمل الجديد الذي ما زال يتم النقاش حوله داخل البرلمان يشهد اعتراضات من جانب رجال الأعمال وتخشى الحكومة من سحب الاستثمارات، وهو ما يجعل الحكومة تتلكأ في تحويل العقوبات الضعيفة التي صدرت بقرارات من وزير العمل يمكن نقضها قضائياً إلى قوانين يتم تنفيذها على الأرض، كما أن وزارة العمل لا تمتلك وسائل إلزامية على الشركات في حين أنها من المفترض أن تحدد العلاقة بين العمال وأصحاب العمل.

وشدد مصدر "عربي بوست" على أنه في كثير من الأحيان تدخل وزارة العمل في مفاوضات مع أصحاب الأعمال لزيادة الرواتب وفي الأغلب لا تكون طرفاً قادراً على تمرير رؤيتها ويظهر ذلك من خلال مساعيها لتقديم مزيد من الامتيازات لأصحاب العمل ويظهر موقفها في أثناء النقاشات حول قانون العمل إذ أنها تدعم العلاوة بنسبة 3% على الأجر التأميني وليس 7% كما كان مقرراً في السابق.

وأشار إلى أن غالبية الشركات تعمل على إضافة البدلات الممنوحة وحصة العامل من التأمينات وإضافتها إلى الراتب للإيحاء بالتزامها بالحد الأدنى رغم أن قرار مجلس الأجور يتحدث عن الأجر الصافي، كاشفاً عن أن آلاف الشركات تقدمت بطلبات لوزارة العمل للحصول على استثناءات بشأن عدم تطبيق الحد الأدنى للأجور نظراً لأوضاعها الاقتصادية ومعاناتها من أزمات مالية، وهناك بالطبع شركات واجهت العام الماضي صعوبات في التطبيق، غير أن الجزء الأكبر اختار التهرب من قرارات مجلس الأجور.

ماذا عن المستثمرين الأجانب والعرب؟

للمرة الأولى قرر مجلس الأجور وضع حد أدنى للأجر للعمل المؤقت (جزء من الوقت)، بحيث لا يقل أجرهم عن 28 جنيهًا صافيًا في الساعة، وذلك وفقًا لتعريفهم الوارد في قانون العمل. وبحسب وزير العمل، فإن ذلك يأتي لتفادي كافة المشاكل التي كانت تحدث في السابق داخل المنشآت حول كيفية حساب إجمالي الأجر المستحق، مؤكداً على أن قرار الحد الأدنى سيطبق على العاملين في جميع الشركات دون أي استثناءات.

وأظهر تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن إحصاءات التوظيف والأجور خلال عام 2023، الصادر في منتصف أكتوبر/تشرين الأول، أن متوسط الأجر الشهري للعاملين في القطاعين العام والأعمال العامة والخاص سجل 5005 جنيهات (102.24 دولار)، مقابل 4284 جنيهاً (87.51 دولار) عام 2022، محققاً زيادة 16.8 في المئة.

وكشف مصدر مطلع بوزارة العمل أن الشركات ذات العمالة الكثيفة هي من لا تلتزم بالحد الأدنى على الأغلب، وأن أغلبها من مستثمرين أجانب وعرب جاءوا إلى مصر بغية الاستفادة من الأيدي العاملة زهيدة الثمن مقارنة بما هو موجود في الخارج، ونتيجة لتراجع العملة المصرية خلال السنوات الأخيرة، وأن الحكومة تجد صعوبات في التعامل مع هؤلاء بسبب أنهم يوظفون ملايين العمال، وفي حال ضيقت الخناق فإن التهديد بسحب الاستثمارات يكون حاضراً.

وأوضح مصدر "عربي بوست" أن شركات الحراسة الخاصة وموظفي شركات الاتصالات والمحاسبين الذين يقدر عددهم بمئات الآلاف داخل شركات القطاع الخاص، إلى جانب صغار المهندسين والعمال، هم الأكثر تضرراً. وأشار إلى أن كثيراً من الشركات قامت خلال السنوات الأربع الماضية مع بدء تطبيق الحد الأدنى للأجور على القطاع الخاص بالتهرب من تسجيل العمال بها بهيئة التأمينات الاجتماعية للتأمين عليهم، وهو ما كان دافعاً لأن تطال قرارات المجلس القومي للأجور العمالة المؤقتة.

وشدد على أن هناك آلاف الوقائع لفصل عمال من أماكن عملهم بسبب اعتراضهم على عدم تطبيق الحد الأدنى للأجور، وهو ما انعكس على زيادة الانتهاكات التي تعرض لها العمال خلال السنوات الأخيرة في ظل أوضاع اقتصادية صعبة. وأن قانون العمل الجديد يوازن الكفة من جديد، مشيراً إلى أن التعامل بحسم مع القطاع الخاص يتطلب إرادة سياسية من الحكومة المصرية وليس فقط من وزارة العمل. وأن الضغط على رجال الأعمال يمكن أن يبقى من منظور سياسي تعبر عنه الدولة المصرية، بخاصة وأن استمرار تدهور الرواتب يكون له انعكاسات اقتصادية واجتماعية صعبة.

وذكر المصدر أن الحكومة المصرية تتحرك للحصول على حقوقها المالية من شركات القطاع الخاص ويمكن بالتبعية أن تحافظ على حقوق العمال، كما أن سعي الشركات الخاصة لتحقيق أكبر قدر من المكاسب لا يجب أن يكون على حساب العمال، وأن تراجع القدرة الشرائية سوف ينعكس عليهم أيضاً، وهو ما يجب إيضاحه مع التأكيد على وجود آليات مشتركة للمحاسبة لا تفرق بين شركة وأخرى، والأزمة تتمثل في أن الحكومة قد تتغاضى عن محاسبة بعض الشركات وتوقع عقوبات على أخرى.

وسبق أن أصدرت وزارة القوى العاملة كتابًا دوريًا في يناير 2023 بإلزام المنشآت بتطبيق زيادة الحد الأدنى للأجور، وحددت غرامات مالية على المنشأة لا تقل عن 100 جنيه ولا تتجاوز 500 جنيه إذا خالف القرار، وتتعدد الغرامة بتعدد العمال.

10 آلاف مدرسة خاصة لا تطبق الحد الأدنى للأجور

يقول أحد معلمي المدارس الخاصة في مصر، والتي تعد أحد هيئات القطاع الخاص، إنه يحصل على راتب يبلغ 4000 جنيه وذلك بعد ضغوط مارستها وزارة التربية والتعليم على المدارس مع بدء العام الدراسي الحالي، لكن من غير المنطقي – من وجهة نظره – أن يصل الراتب إلى 7000 جنيه.

وأشار المدرس الذي قضى قرابة 5 سنوات في قطاع التعليم الخاص، إلى أن هناك مئات الآلاف من المعلمين قد لا تتجاوز رواتبهم 3000 جنيه، أي ما يقرب من 60 دولاراً في الشهر، وذلك بحسب ما يراه يحدث في المدرسة التي يعمل بها، وهو ما يتطابق مع غالبية المدارس الخاصة الأخرى.

والأكثر من ذلك بحسب المدرس – أن كثيراً من المدارس تمنح المعلمين إجازات بدون مرتب في فترات الإجازة الصيفية، ولا يحصل المعلم على راتبه سوى مع انتظام الدراسة.

وأضاف أن بحكم عمله في هذا القطاع من سنوات، فإنه يلاحظ أن المدارس الخاصة تحقق مكاسب هائلة، إذ تقر كل عام زيادة على المصروفات تتراوح ما بين 10% إلى 20%، لكن رواتب المعلمين لا تزيد بالقدر ذاته، وهو ما لاحظه خلال محاولاته الانتقال إلى مدارس أخرى تقدم عروض أفضل للموظفين، لكن لم تكن هناك فروق كبيرة تذكر.

وأضاف "دائمًا ما تثار الحجج بزيادة مصروفات التشغيل، وفي المقابل فإن وزارة العمل أو وزارة التربية والتعليم وكذلك نقابة المعلمين لا توفر الحماية الكافية للمعلمين، مع الإقدام على عمليات الفصل دون وجه حق لأسباب مختلفة بينها رغبة الطلاب وأولياء الأمور، وهو ما يجعل هناك استسلامًا للقبول بأقل القليل".

وفي شهر مايو من العام الماضي، مع زيادة الحد الأدنى لأجور القطاع الخاص إلى 6000 جنيه، طالبت شُعبة مقدمي الخدمات التعليمية "المدارس الخاصة" بغرفة القاهرة التجارية باستثناء هذا القطاع من تطبيق الحد الأدنى للأجور، وأكدت الشعبة أن هناك بعض الصعوبات تواجه هذا القطاع في التطبيق، بينها أن ميزانية المدارس جرى تحديدها مع بدء العام الدراسي في شهر سبتمبر من العام السابق، ولا توجد أي إيرادات إضافية لتطبيق الحد الأدنى للأجور في أول شهر مايو 2024.

كما تضمنت مذكرة الشعبة أن مصروفات المدارس الخاصة تحددها وزارة التربية والتعليم كل عام دراسي، وغير متاح زيادتها لأي سبب إلا بموافقة الوزارة، ولذلك نطالب باستثناء هذا القطاع لحين مخاطبة وزارة التربية والتعليم، والتنسيق معها في كيفية تطبيق هذه الزيادة من عدمه، حيث إنها المنوط بها تحديد إيرادات المدارس الخاصة عند تحديد قيمة مصروفات كل مدرسة.

وبحسب مصدر حكومي مطلع، فإن ما يقرب من 10 آلاف مدرسة خاصة لا تطبق الحد الأدنى للأجور، وأن اعتبارات عديدة تجعل من الصعب تطبيقه، بينها عدم الضغط على أولياء الأمور بزيادة المصروفات، وأن تطبيق القرارات الأخيرة سيكون محل نقاش مع وزارة التربية والتعليم وأصحاب المدارس الخاصة.

وأضاف المصدر ذاته أن وزارة العمل تنوي مضاعفة غرامات عدم تطبيق الحد الأدنى في حال سبق وأن كانت الشركات متورطة في عدم منح حقوق العمال أو الموظفين، مشيرًا إلى أن القرارات الأخيرة تطبق على أي منشأة لديها سجل تجاري وبها أكثر من عشر موظفين، لافتًا إلى أن المديريات التابعة لوزارة العمل في المحافظات تستقبل شكاوى العمال دون الكشف عن هويتهم لكي لا يتعرضوا للفصل التعسفي، وأن أي تحرك يضمن التأكد من سلامة اتخاذ الإجراءات اللازمة.

تحميل المزيد