أوضحت مصادر في وزارة الخارجية المصرية لـ"عربي بوست" أن الإعلان السياسي المشترك، الذي وقعه كل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، لرفع العلاقات بين البلدين إلى الشراكة الاستراتيجية، جاء في الوقت الذي تحاول إثيوبيا صناعة تحالفات في إفريقيا لمواجهة النفوذ المصري.
المصادر أشارت إلى أن القاهرة كانت تنوي إرجاء التعليق على الإعلان السياسي المشترك حتى مايو/أيار 2025، لكنها لجأت إلى التعجيل به "بعد محاولات إثيوبية رصدتها مصر للقفز على التفاهم المصري الصومالي، ومحاولة تقديم نفسها كـ"الراغبة في السلام" مع الصومال على حساب مصر"، على حد قولها.
في هذا التقرير نكشف أسباب تعجيل مصر بتوقيع الإعلان السياسي المشترك مع الصومال، وكواليس الاتفاق الجديد، والإجراءات الجديدة التي تنوي مصر القيام بها لتقوية نفوذها داخل الصومال، من أجل مواجهة النفوذ الإثيوبي، وكذلك مواجهة ما قامت به إثيوبيا بخصوص سد النهضة وما ترتب عليه من أزمة مائية ضد مصر.
التعجيل بالإعلان السياسي المشترك
قالت مصادر مصرية في وزارة الخارجية المصرية إن مصر "تراقب" منذ فترة محاولات إثيوبيا تهدئة الوضع مع الصومال من أجل "نزع" الموقف الصومالي من الجانب المصري، وإفراغ الاتفاق المصري الصومالي من مضمونه، حتى تستطيع أن "تفكك" أي محاولة مصرية لترسيخ نفوذ لها في الداخل الصومالي، ويصبح من السهولة بمكان أن تتمدد إثيوبيا في الداخل الصومالي، وذلك بعد "احتلالها ثلاث مدن صومالية، فضلاً عن الاتفاق الذي أبرمته منذ شهور مع صوماليلاند، بالمخالفة للموقف الصومالي الأم"، على حد قولها.
جدير بالذكر أن مصر وإثيوبيا على خلاف بشأن استخدام مياه نهر النيل منذ عام 1959 على الأقل، عندما بدأت القاهرة في التخطيط لبناء السد العالي في أسوان. وتعتبر مصر أن السد، الذي بدأ العمل به منذ عام 1970، ضروري لتأمين الاستخدام المستمر لمورد يوفر لها كل مياه الشرب تقريباً ومعظم مياه الري. ومع ذلك، أثار البناء الأحادي الجانب غضب إثيوبيا ودول المنبع الأخرى، خاصةً لأن مصر عارضت تنمية النيل في هذه الدول للحفاظ على إمداداتها من المياه. وفي عام 2022، أكملت أديس أبابا مشروعها الضخم للمياه، سد النهضة الإثيوبي الكبير، الذي تؤكد القاهرة أنه سيقلل من كمية المياه المتاحة للمصريين.
قالت المصادر المصرية إن إثيوبيا لجأت إلى تركيا من أجل التقارب مع الصومال، في محاولة منها للالتفاف على الاتفاق المصري الصومالي، وكذلك تجاهلها للعلاقات الجيدة بين مصر وتركيا، وأن أنقرة لن تعمل على تحقيق أي ضرر لمصر في أي من ملفات أمنها القومي. ولذلك، كانت مصر متعجلة في الإعلان عن الإعلان السياسي الاستراتيجي الذي تم إبرامه في الأيام القليلة الماضية.
وأشارت المصادر إلى أن الرئيس المصري تابع بنفسه الاتفاق الذي تم التوصل إليه في أنقرة بين إثيوبيا والصومال، وذلك لأهمية هذا الملف للجانب المصري، وقد كانت مصر حريصة على التواصل مع أطراف دولية لمناقشة الاتفاق، وهو ما حدث ساعتها بين السيسي ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، حيث تباحثا حول مستقبل الاتفاق.
جدير بالذكر أنه في ديسمبر/كانون الأول 2024، أطلع وزير الخارجية الصومالي أحمد معلم فقي نظيره المصري بدر عبد العاطي على مخرجات قمة أنقرة الثلاثية بين الصومال وتركيا وإثيوبيا.
بيان لوزارة الخارجية المصرية تحدث حول الأمر، وقال: "تناول الاتصال العلاقات الاستراتيجية المتميزة بين مصر والصومال، والحرص المتبادل على تطوير العلاقات الثنائية في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية، بما يلبي طموحات البلدين الشقيقين".
كما تناول الاتصال "البناء على الزخم الذي تشهده العلاقات المصرية-الصومالية خلال الفترة الأخيرة، فضلاً عن متابعة نتائج القمة الثلاثية التي عقدت في أسمرة بين رؤساء مصر والصومال وإريتريا في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2024″، وفق البيان.
وأفاد البيان بأن فقي أطلع عبد العاطي على "مخرجات قمة أنقرة الثلاثية التي عقدت مؤخراً بين الصومال وتركيا وإثيوبيا"، وأكد فقي خلال الاتصال تمسك بلاده "باحترام السيادة الصومالية ووحدة وسلامة أراضيها".
فيما أكد عبد العاطي "دعم مصر الكامل للحكومة الفيدرالية في الصومال الشقيق، وفي مكافحة الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار"، وفق البيان.
واتفق الوزيران على "مواصلة التنسيق المشترك، والتحضير لعقد الاجتماع الوزاري الثلاثي بين وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا، تنفيذاً لتوجيهات القيادات السياسية في الدول الثلاث، لدعم التنسيق والتشاور بشأن القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك".
تفاصيل الإعلان
قالت المصادر إن الإعلان السياسي الاستراتيجي يتضمن تعزيز العلاقات العسكرية، خاصة في مجالي التدريب والتسليح، والعمل على تلبية احتياجات الجيش الصومالي في المجالات العسكرية المختلفة، مع التركيز على مكافحة الإرهاب وتأمين الحدود البرية والبحرية.
أشارت المصادر إلى أن الجيش المصري سوف يقوم بتدريب الجيش الصومالي على كيفية مواجهة التدخل الإثيوبي في الأراضي الصومالية وكيفية طرده، خاصة وأن الجيش الإثيوبي يسيطر على ثلاث مدن صومالية كبرى قرب الحدود الإثيوبية.
كما أشارت المصادر إلى أن الإعلان السياسي يتضمن مشاورات ولقاءات كل ستة أشهر، وأخرى كل عام، على المستوى السياسي والعسكري لمتابعة كافة الملفات محل الاتفاق في الإعلان السياسي، كما تم الاتفاق على بحث الإعفاء المتبادل من التأشيرة لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية.
في سياق متصل، قالت المصادر إن الإعلان السياسي الاستراتيجي تضمن أيضاً دعم مصر بناء القدرات الصومالية، وتوفير المنح الدراسية والخبرة في مجالات مثل الحكم والرعاية الصحية والزراعة، بالإضافة إلى تقديم المساعدة القانونية والفنية من أجل إجراء انتخابات شفافة.
أوضحت المصادر كذلك أن الإعلان السياسي الاستراتيجي يتضمن الاتفاق على تعزيز التجارة والاستثمار، مع التركيز على قطاعات مثل الزراعة ومصائد الأسماك والبنية التحتية والطاقة.
في سياق متصل، قالت المصادر المصرية إن مصر والصومال يرتبان لتعاون عسكري كبير من أجل مواجهة حركة الشباب المسلحة، وإن مصر أبدت تعاونها الكامل في هذا المجال، وقد تم الاتفاق على تدريب الجيش الصومالي وتوفير الأسلحة المناسبة والمطلوبة لذلك.
كما قالت المصادر إن الإعلان السياسي يتضمن تقديم مصر منحاً دراسية للطلاب الصوماليين، وتطوير اللغة العربية في الصومال، وذلك من خلال الأزهر الشريف. كما ستنقل مصر خبراتها القانونية لمساعدة الصومال في إعادة بناء نظامها القضائي، وتقديم الدعم في صياغة دستور جديد وتدريب البرلمانيين الشباب.
الاتفاق الأول بين الصومال ومصر
كانت بداية الاتفاق بين مصر والصومال في أغسطس/آب 2024، حين وقّعت مصر مع الصومال بروتوكول تعاون عسكري بين البلدين، إضافة إلى خطوات دبلوماسية وتجارية، من بينها افتتاح السفارة المصرية في مقرها الجديد بالعاصمة مقديشو، وإطلاق خط طيران مباشر بين البلدين.
وقال السيسي وقتها لنظيره الصومالي، إن مصر تؤكد على موقفها الداعم لوحدة وسيادة الصومال على أراضيه، والرافض لأي تدخل في شؤونه الداخلية، ومواصلة العمل على إرساء الأمن والاستقرار في منطقة القرن الإفريقي.
في المقابل، شدد شيخ محمود، رئيس الصومال، على حرص بلاده على المزيد من تعزيز الروابط الاقتصادية والأمنية والسياسية مع مصر خلال الفترة المقبلة، مثمناً دور الهيئات المصرية المختلفة في بناء قدرات الكوادر الصومالية في مختلف المجالات.
وسبق أن كشف الرئيس الصومالي أن بلاده طلبت من مصر توفير معدات عسكرية والتدريب الإضافي للقوات العسكرية والأمنية الصومالية، فضلاً عن الدعم الدبلوماسي وسط التوترات المتنامية مع إثيوبيا.
وقد استهدفت مصر من الاتفاق الأول، وفق ما قال الخبير العسكري والاستراتيجي المصري اللواء سمير فرج، في تصريحات صحفية وقتها، إن البروتوكول الذي جرى توقيعه بين مصر والصومال يستهدف بشكل أساسي دعم القاهرة لمقديشو، ما يعني تحقيق هدفين مباشرين: الأول، القضاء على الإرهاب، ممثلاً في منظمة الشباب التي خرجت من عنق الجماعات المسلحة، والثاني، وقف التغول الإثيوبي على الأراضي الصومالية، بعد الاتفاق "غير القانوني" بين أديس أبابا وصومالي لاند.
في حين أشار الأمين العام للمجلس المصري للشؤون الخارجية، السفير علي الحفني، في تصريحات صحفية وقتها، إلى أن "مصر تمتلك مقومات وقدرات كثيرة في مجال التأهيل والتدريب العسكري، وبالتالي ستساعد الصومال في تأهيل الجيش بما يُمكنه من مواجهة الإرهاب، والسيطرة على كافة مناطقه وسط التوتر الراهن".
وأضاف أنه "حينما استشعر الصومال التهديد لسيادته وأمنه القومي، كان من الطبيعي أن يسعى لتوطيد علاقاته مع عدد من الدول والاستعانة بها لدعم جهوده من أجل استعادة الاستقرار، وإعادة بناء مؤسساته، بما في ذلك المؤسسة العسكرية". وأوضح أن "القرن الإفريقي يعد امتداداً للأمن القومي المصري"، ولذا سعت القاهرة لإبرام اتفاقيات أمنية وسياسية مع الدول في هذه المنطقة، وخاصة الصومال وجيبوتي وإريتريا، للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية.
الأزمة مع إثيوبيا
في حين قال مصدر مصري مطلع، يعمل في مجلس الوزراء، إن أزمة سد النهضة تؤرق القاهرة بشكل كبير، وإن التحركات ناحية الصومال بشكل عميق في الأيام الماضية من جانب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، جاءت بناءً على تقارير الأجهزة الأمنية المصرية التي طالبت بضرورة "تحجيم" دور إثيوبيا في إفريقيا ومحاصرتها بشكل كبير في الفترة المقبلة، رداً على "التعنت وإفشال" مفاوضات سد النهضة من جانب أديس أبابا.
قال المصدر إن أنقرة ومحاولتها تقريب وجهات النظر بين الصومال وإثيوبيا، كما حدث في الأسابيع الماضية، "ليس تحركاً بعيداً عن التنسيق مع مصر"، موضحاً أن القاهرة كانت على اطلاع وتنسيق مع الجانب التركي بخصوص محاولات التصالح بين إثيوبيا والصومال، وأن مصر يعنيها في المقام الأول أمنها القومي في إفريقيا.
وأشار إلى أن الفترة المقبلة ستبدأ مصر في مسارين يتعلقان بتقوية العلاقات مع الصومال، الأول هو إجراء دورات تدريبية متعددة للصوماليين في مصر وفي الصومال كذلك، في المجالين القضائي والسياسي، لتدريب كفاءات كثيرة في هذه المجالات.
أما المسار الثاني، فهو تدريب قوات عسكرية صومالية على يد الجيش المصري في الأيام المقبلة في القاهرة، وهي التدريبات التي ستؤهل الجيش الصومالي لمواجهة حركة الشباب المسلحة في الصومال.
كان أحمد معلم فقي، وزير خارجية الصومال، قد قال إنهم يسعون إلى أن تحل القوات الصومالية محل قوات حفظ السلام الإفريقية، منوهاً بأن ذهاب القوات المسلحة المصرية إلى الأراضي الصومالية يعد تطوراً جديداً.
وأشار فقي، في تصريحات تلفزيونية، إلى أن الحكومة الصومالية خلال الشهور الماضية تعرضت لضغوطات لعدم قبول مشاركة القوات المصرية في الصومال.
ولفت إلى أن المعارضين للوجود المصري في الصومال تعللوا بتخوفهم من حدوث مشاحنات بين مصر وإثيوبيا، مؤكداً أن مصر ستساهم في التخلص من العناصر الإرهابية وإعادة هيكلة الجيش الصومالي، مضيفاً أن الشعب الصومالي يحتاج إلى وجود القوات المصرية إلى جانبه، ويؤمن بأنها ستحقق إنجازات غير مسبوقة.
وأضاف أن الصومال تعرض لمؤامرة، لكنه يتعافى منها الآن، ومشكلتهم الكبرى هي الإرهاب، ممثلاً في تنظيم داعش، حيث تعمل الحكومة الصومالية على تحرير أراضيها من خلال عمليات عسكرية، منوهاً بأن مصر تساند الصومال في مكافحة الإرهاب واستعادة الأراضي التي تقع تحت سيطرة الجماعات المسلحة.